" ولاد رزق 3 " .. عودة قوية للأبطال الضد

" ولاد رزق 3 " .. عودة قوية للأبطال الضدمحمود عبد الشكور

الرأى30-6-2024 | 16:26

جاء الجزء الثالث من فيلم «ولاد رزق» قويا ومثيرا، بل لعله أفضل الأجزاء الثلاثة، وأكثرها إحكاما وإبهارا وظرفا، ولعله أيضا أحد أفضل أفلام العام.

لا أتحدث هنا عن ضخامة الإنتاج، فالضخامة لا تعني شيئا بدون سيناريو صلاح الجهيني المتماسك، والذي لا يسير فقط علي كتالوج أفلام العصابات، أو ما أسميها أفلام «أوشن»، ولكنه يسير أيضا علي كتالوج سلسلة «ولاد رزق»، التي يمكن القول إنها قامت نهائيا بتمصير النوع، وأضافت لمسة محلية خاصة، تنبع أساسا من رسم ملامح أفراد عائلة رزق.

ولم يكن الإنتاج الضخم ليصنع شيئا لولا براعة واتقان العناصر الفنية والتقنية بقيادة المخرج طارق العريان، ولولا أداء الممثلين، ووجود مفاجأتين مدهشتين في هذا الجزء لاثنين من ممثلينا الرائعين هما: علي صبحي في دور كوري، وأحمد الرافعي في دور سلطان الغول.

يحمل الجزء الثالث عنوانا فرعيا هو "القاضية"، ويستدعي كثيرا من شخصيات الجزءين السابقين، مثل صقر (سيد رجب)، ورؤوف (محمد ممدوح)، ورغم غياب رجب ( أحمد داوود)، أحد أعضاء أولاد رزق، إلا أن السيناريو يعوضه بشخصية أخري هي الشايب ( آسر ياسين )، كما يعوض الفيلم غياب عاطف ( أحمد الفيشاوي )، رفيق المغامرات، بشخصية لا تقل جاذبية وحضورا وظرفا هي كوري بأداء علي صبحي، ويحافظ الجهيني أيضا علي شكل البناء السردي الذي يميز السلسلة، فالحبكة تقوم علي شخصية في مأزق تروي ما حدث، وتشكل هذه الرواية، ويشكل هذا المأزق، مفتاح الحبكة كلها، وهذه المرة يقع رضا ( أحمد عز )، في قبضة رجل يدعي ياسين الغول (أحمد الرافعي)، يسأله عن ساعة ثمينة، سرقها أولاد رزق من تايسون فيوري، الملاكم الشهير، خلال منافسات موسم الرياض، عن هذه الساعة تدور الحبكة، وحول هوية ياسين الغول، ومنافسة صقر له في الحصول علي الساعة، يمكن العثور علي مفتاح اللعبة.

من ملامح الكتالوج الخاص بالسلسلة أيضا، استمرار أولاد رزق في أمرين: عالم الإنحراف والعمليات غير المشروعة، وعلاقة الأخوة والمساندة فيما بينهم، أو كما يقول رضا، وهو بديل الأب: "ضهرنا في ضهر بعض"، ومازلت أقرأ السلسلة من هذه الزاوية، فالحكاية ليست عن الإنحراف فقط، وهذه العوالم السفلية في مستوياتها الشعبية الفقيرة، وغير الشعبية الثرية، إنما الحكاية بالأساس عن هذه العائلة التي يساند بعضها بعضا، وتخضع لتوجيه الأب البديل رضا، وهو أمر يذكرني علي نحو ما بأيقونة توعية أفلام العصابات، أو سلسلة "الأب الروحي".

لكن الطابع المصري جعل الشخصيات قريبة جدا من الجمهور، والمزيج بين الكوميديا والعنف والفهلوة والذكاء والحماقة يصل في الجزء الثالث إلي قمته، وهو مزيج شديد الصعوبة، كما أن هذا الجزء يؤكد أيضا علي الأصل الشعبي للأخوة الثلاثة رضا وربيع (عمرو يوسف)، ورمضان ( كريم قاسم)، بالإضافة الي كوري، والشايب، وأولاد رزق هم أبناء عين الصيرة، التي يعودون إليها دائما. وهذا العنصر الشعبي أساسي في النجاح، لأنه جعل أولاد رزق نماذج لقدرة الفقراء علي الصعود رغم خطورته، كما جعلهم يقتحمون الأماكن الثرية، ولا ننســــــــي أنهم رغم انحرافهم، إلا أنهم ينتصرون علي من هم أكثر منهم انحرافا وسلطة وقوة.

إنها مرة أخري قدرة الهامش علي أن يكون متنا، ولو إلي حين، وقدرة ابن البلد، ضحية ظروفه، أن يكون رقما في المعادلة، وبذلك تعوض سلسلة ولاد رزق الفقراء عن بعض إحباطاتهم، وتغير واقعهم علي الشاشة، دون أن تنفي خطورة المغامرة، ودون أيضا أن تتجاهل حلم التوبة، الذي لا يصمد بسبب الظروف، ففي الجزء الثالث مثلا تكون العودة للمغامرة والسرقة بسبب ديون مستحقة علي الأخوة لدي رجل مجنون تقريبا لعب دوره ببراعة أحمد فهمي.

عنصر آخر مهم في التفوق هو اتقان فكرة اللعبة مع الخصوم، ومع الجمهور علي حد سواء، وهذا العنصر يصل الي ذروة أخري في الجزء الثالث، بحيث يمهد أيضا لوجود جزء رابع، بظهور متميز جدا لكريم عبد العزيز في نهاية الفيلم، واللعبة هي في صميم فكرة الدراما، وهي أيضا ليست سهلة، إذ تعتمد علي طوفان من التفاصيل، ويجب ألا تكون غامضة تماما، بحيث لا يشعر الجمهور أنه غبي، ولكنك تقول ببساطة له :" أنت ذكي وشديد التركيز ولكن فاتت عليك هذه التفصيلة"، ولاشك أن سلسلة عصابة أوشن الأمريكية هي الأصل، وهي أيقونة نوعية أفلام السرقة عموما، ولكن سلسلة أولاد رزق هي الأفضل بين الأفلام المصرية في استلهام ألعاب العصابات، وفي منحها هذا الطابع الشعبي.

لا بد من الإشارة أيضا الي أن اللعبة الذهنية، وهي أقرب الي مبارة للشطرنج، تترجم في نفس الوقت وبالتوازي الي مطاردات وحركة، وصلت في الجزء الثالث الي واحدة من أفضل وأطول المطاردات في تاريح أفلام الحركة المصرية كتابة وتنفيذا، وهي المطاردة الطويلة في مدينة الرياض، والتي تتوسط الفيلم، كما أن السرد ليس بسيط البناء، فالقصة يرويها رضا للغول، ولكننا نري رضا أيضا وهو يرسم خطة السرقة لإخوته، وللشايب، وبعد أن ينتهي الفيلم، يقوم المتفرج بمراجعة هاتين الحكايتين، لكي يفرز ما حدث فعلا من الأكاذيب، ولكي يفهم بالضبط حدود تلك الألعاب الخطرة.

حقق الجزء الثالث تكاملا ممتازا في عناصره الفنية بحيث يمكن أن نرشح الفيلم لجوائز الأفضل في عناصـــــــــر كثيرة، مثل كتابة صلاح الجهيني ، وإخراج طارق العريان، وتصويـــــــــــر مازن المتجول، ومونتاج أحمــــد حمدي ( تكفيه تتابعات المطاردة الطويلة المذهلة)، وموسيقي هشام نزيه (وإن كانت السلسلة تستحق جملة واحدة جذابة ترسخ في الذاكرة مثل جملة سلسلة بوند)، وديكورات محمد عطية، وملابس مروة عبد السميع، مع إجادة معظم الممثلين، وخصوصا الثلاثي عز وعمرو ويوسف وكريم قاسم، وتميز سيد رجب، والثنائي علي صبحي وأحمد الرافعي، ولا ننسي دور شريط الصوت، والمؤثرات الصوتية والبصرية، الملاحظ فقط أن آسر ياسين كان يؤدي بطريقة فاترة وأنيقة، لا تليق بشخصية من أصول شعبية .

أعود مرة أخري إلي فكرة أن هذه السلسلة أضافت نوعا جديدا، وبصورة قوية وناضجة، ورغم أنها تبدو غير أخلاقية وفظة وحافلة بالإيحاءات الجنسية والألفاظ الصادمة، إلا أنها تتعامل مع البشر كما هم، وتري الإنسان ككائن رمادي، وليس بالأبيض والأسود، وتكشف عن عالم محجوب وراء المظاهر اللامعة، وهي أيضا حكاية عن العائلة، وعن علاقة الأخوة، التي لولاها ما كانت هناك حكاية من الأساس، وهي ليست معركة بين الأخيار والأشرار، ولكنها معركة بين منحرفين أذكياء، ومنحرفين أغبياء أكثر شرا، في هذه المنطقة الملتبسة، وفي عالم البطولة غير المثالية تكمن دراما غريبة، وصراعات مثيرة بلا ضفاف، وبدون سقف، وغير متوقعة بالمرة.

يحب الجمهور ولاد رزق لأنهم يشبهون الكثيرين في الفهلوة وخفة الظل والحلم بالمكسب السريع واللذة السريعة، ولأن خلطة المغامرة والصراع والصعود والهبوط تليق بالدراما، ولأن الرحلة تبدو بلا نهاية، إذ سرعان ما تمهد النهاية لخطر قادم، ولجزء جديد، ولأن الحكايات تماثل الحياة في خطورتها ومفاجآتها، ولأننا نحب اللعب جدا، بشرط أن نكون آمنين، أي أن نتفرج علي الشاشة، لا أن نكون في داخلها.

فإذا تحقق هذا الخليط بين وفاء الأخوة لبعضهم من ناحية، والغدر والشراسة مع الخصوم من ناحية أخري، بين تمنّي التوبة من جهة، وممارسة الذنوب والانحراف من جهة أخري، بين العنف من ناحية، والضحك الصاخب من ناحية أخري، وبين تهور الحمقي، وذكاء لاعبي الشطرنج، وفهلوة أولاد البلد، صرنا أمام وجبة دسمة، متقنة الصنع، ترضي أطيافا واسعة من الجمهور.

تبقي كلمة لكريم عبد العزيز: لقد صفق لك الجمهور وأنت ضيف الشرف، حتي قبل أن تنطق بكلمة واحدة، مجرد ظهورك جعلهم يصفقون، هذه الثقة، وتلك المحبة تستحقهما ياكريم عن جدارة، نظير موهبتك وجهدك، وهي أيضا مسؤولية مرعبة، تستلزم مضاعفة الجهد والعمل.

أضف تعليق