كشف الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "أن من أولى القضايا التي نحتاج إلى نقاشها في ملتقى «رؤية إسلامية في قضايا إنسانية»، خلال أسبوع الدعوة الإسلامية الذي تعقده الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية في رحاب الجامع الأزهر– من أولى هذه القضايا قضية الإلحاد، و الإلحاد في أبسط معانيه ينظر إليه على أنه ميل وعدول من حق إلى باطل، يستوي في ذلك الأمر سواء وُصف بأنه أمر صغير أو وُصف بأنه أمر كبير".
وأضاف خلال كلمته بالملتقى مساء أمس الأحد بالجامع الأزهر الشريف أن قضية الإلحاد من القضايا المهمة التي يلزم عنها القلق والاضطراب، ويلزم عنها الصراع النفسي، ويلزم عنها التجرؤ على الذات الإلهية، ويلزم عنها التهوين من شأن المقدس، ويلزم عنها وضع الأمور في غير موضعها. وحقيقة هذه القضية، عندما نتوقف أمامها لا نستغرب إذ إنها قضية قديمة حديثة، ولا نظن أن عصرًا من العصور يخلو من وجود شبهة أو طائفة تجعل من الإلحاد بوابة لها، ترى أنه به ومن خلاله يمكن أن تتبوأ مكانًا عليا، وأن تحقق لنفسها مكاسب دنيوية أو منافع شخصية، وأن يكون لها مزيج في واقع الناس. ومن ثم تأتي مثل هذه اللقاءات، نحاول أن نفتش عن بعض أسبابها، ولا أقول كل الأسباب، باعتبار أن الوقت محدود والزمن محدود.
وناقش مفتي الجمهورية في كلمته بعض الأمور التي قد تدفع بالإنسان إلى الوقوع في الإلحاد أو في دائرة الملحدين، خصوصًا وأن هذه الأسباب أحيانًا تتجاوز المنطق والعقل والنقل بل والعلم، ولعل أولى هذه الأسباب، يقع الإنسان بسببها في دائرة الإلحاد، هو خوض العقل في غير مجاله، وقد خلق وقده الإنسان منا وأرسل الرسل وأنزل الكتب، ثم أعطى للإنسان قانونًا يمكن من خلاله أن يميز بين الحق والباطل، بين الصحيح والخطأ، بين الطيب والخبيث، وهو قانون العقل والفكر، يعاونه في ذلك الوحي المنزل والرسالات الإلهية.
وأوضح أن الله سبحانه عبّر بهذا: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، إشارة إلى محدودية علم الإنسان ووضع حد للأمور وقطع الكبرياء هذا الإنسان، وقد خلق الله خلقًا وهو أعلم بهم، فهو يعلم بأن الإنسان متى يستوي عوده ويستقيم ظهره حتى يبدأ في المبارزة لله تعالى بالمعصية، معلنًا من نفسه القدرة على الإيجاد والخلق.
وبيَّن مفتي الجمهورية أن هذه الآية تأتي لتؤكد للإنسان أنه مهما بلغ من العلم وحاذ من الثقافة، هو في دائرة العلم الإلهي محدود، بل محدود جدًا، بدليل أنه ركب الهواء والماء ومع هذا يعجز عن تدارك هذه الحقيقة التي هي سر الوجود وأداة البقاء. ولهذا كان من رحمة الله تعالى على الناس وإنعامه عليهم أنه كما قيل لله في خلقه رسولان: رسول من الظاهر، ورسول من الباطن. أما رسول الباطن فهو العقل، وأما رسول الظاهر فهو الوحي. إلا أن الاستقامة لرسول الظاهر تتوقف على استقامة رسول الباطن. ومن ثم قيل: إن الناس تعرفوا على ربهم بالنقول وبالعقول.
وخلُص إلى أنه يمكن القول بأن أحد أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي بوقوع الإنسان في دائرة الإلحاد هو عدم الفصل بين المسموح وغير المسموح، بين ما يقع في دائرة البحث وما لا يقع في دائرة البحث. لأن هناك مسلمات قضيّتها أنها حقائق بدائية، يعني واضحة لا تحتاج إلا التسليم والرضا، كالإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، والقضاء والقدر. أما إقحام العقل في مثل هذه الموضوعات فإما أن يقع في غلو أو تفريط.