خرج من "مكمنه" المجاور لـ كوبري قصر النيل ، فلاحظ وجود ألواح خشبية تحيط بالأسدين علي الجانبين، وبحكم مهنته أدرك أنهما يخضعان للصيانة، فدفعته الغيرة الوطنية والمهنية لاكتشاف ما يجري، فأضاء كشاف تليفونه المحمول والتقط صورة سريعة بدون إضاءة كافية، فخرجت الصورة "معتمة" تميل إلي السواد بسبب الظلام، فانزعج وسارع بتشييرها علي "الفيس بوق" محذرًا من طمس " السباع " بالورنيش الأسود، واستخدام "رولة" النقاشين!
وكأنها "طلقة" بداية السباق؛، فسارع البعض بوضع أكثر من (صورة) لتلك " السباع " وقارن بين مظهرهما، وجاء آخر بصور أيام أحداث يناير تكشف عن تعليقات "الأخوة" الثوار علي جسد الأسد، وندب ثالث حظ تلك " السباع " الشامخة في وضعها ولمعان عينيها التي "انطفأت" بعد الدهان الأسود!
واستدعي آخرون ما يحدث في مقابر الإمام الشافعي وإزالة الأشجار المعمرة في حديقتي الحيوان والأورمان بدعوي التجديد..
وانتصب السيرك.. وبدأت المندبة!
ولأن الكوبري وأسوده الأربعة في طريقي للذهاب والإياب.. فقررت إجراء تحقيق صحفي سريع لما يجري، وتصادف وجود لجنة فنية من الآثار تتابع عملية الصيانة الدورية لتلك " السباع "، والتي تتم بالتعاون مع محافظة القاهرة كل عامين تقريبًا.
وبدأ الكلام بالشكوي من المارة الذين يقتحمون شبابيك سيارتهم ويسبون القائمين بالترميم بألفاظ يعاقب عليها القانون.
وبعد أن هدأت النفوس وتلاقت الرغبات في "المعرفة" و"التوضيح"، اتضح أن صيانة "السباع" تتم وكأنهم في (غرفة عمليات) قطن طبي، وفرش، وكحول أثيلي، وفوط تبدو معقمة!؛ فضلا عن ارتداء المرممين للبلاطي البيضاء.
وتبدأ الإجراءات باستخدام "الفرش الخشبية" لإزالة الأتربة، ثم التنظيف بالكحول الأثيلي، وبعدها الدهان بمادة شفافة عازلة (بارالويد B72) للسطح المعدني، للحماية من التفاعلات الجوية، للحفاظ علي ما يسمي "الباتينا النبيلة" أي جسم التمثال المصنوع من البرونز.
وسألت د. ممدوح عودة كبير أخصائي الترميم بوزارة الآثار والمشرف علي عملية الصيانة؛ لماذا لا تستخدمون "خراطيم" المياه في تنظيف "السباع" والتمثايل مما يتراكم عليها من أتربة، فكانت الإجابة السريعة: ممنوع، لأن المياه تتفاعل مع البرونز وتُكوَّن طبقة من الصدأ.
وأضاف أن محافظة القاهرة توفر مواد التنظيف والصيانة، والخبراء يتولون الإجراءات طبقا للأصول العلمية المتبعة.
تبقي الإشارة إلي أن مصم "الأسود" – النحات الفرنسي "جيكمار" انتحر بعد أن تساءل طفل مصري – أثناء الاحتفال:
هو فيه أسد من غير شنب؟!