د.ناجح إبراهيم يكتب: ثورة 23 يوليو..ماذا لو لم تحدث؟!
د.ناجح إبراهيم يكتب: ثورة 23 يوليو..ماذا لو لم تحدث؟!
هناك سؤال يلح علي الجميع بعد سنوات طويلة من قراءات متعمقة في التاريخ الحديث: لو لم تقم ثورة 23 يوليه,ألم يكن الوضع الاقتصادى لمصر سيكون أفضل مما نحن فيه ومما مررنا به من أزمات اقتصادية وتحولات اقتصادية عنيفة.
ثوار 23 يوليه كانوا مخلصين ومتحمسين وقدموا أرواحهم فداءً لما يعتقدون صحته وصوابه,وكان الرئيس عبد الناصر عف اليد حتى أنه مات ولا يملك شيئاً يذكر وكنوز مصر تحت قدميه,ولكن الثوار استلموا مملكة تضم مصر والسودان ومات عنها ناصر بدون السودان وسيناء,وكانت فيها صحافة*حرة وتداول للسلطة وأحزاب سياسة فاعلة رغم ما نخر بعضها من فساد,وكذلك اقتصاد حر ينموا نموا مضطرداً,وديون لمصر علي بلاد متقدمة مثل بريطانيا,وتعليم جيد ولكنه محدود,وكليات مشهود لها بالكفاءة في بريطانيا خاصة وأوربا عامة.
ولكن الثورة طورت أشياءً كثيرة مثل التوسع في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة ولكنها وقعت في أخطاء كارثية مثل التأميم والفكر الاشتراكى الذى دمر المنظومة الاقتصادية المصرية وعزل مصر عن الاقتصاد العالمى وأوقف تطوره,وكذلك تأميم الصحافة وفرض الرقابة الصارمة عليها,وقانون الطوارئ,ودخول مصر في صراعات ونزاعات إقليمية ودولية لا طاقة لها بها,وإقصاء كل الوطنيين من العصر الملكى,وإقصاء تواريخ مصرية كاملة .
وإشعار الجميع أن مصر لم تبدأ النهضة ولم يبدأ تاريخها الحقيقي إلا بعد ثورة 23 يوليه وإهالة التراب علي كل أبطال ثورات 1919 وغيرها,وكل المصلحين الحقيقيين المخلصين من أبناء الفترة الملكية,والتخلى عن الخطاب السياسي الرصين والهادى المعروف بخطاب الملكيات واستبداله بخطاب تعبوى شعبوى لا يخاطب العقل ولكن يخاطب المشاعر وحماسة الشباب ويعلن حروباً متواصلة علي الكثيرين وكان ذلك أكبر من طاقات وقدرات مصر.
وقد تميز بذلك كل الحكام الذين تعاقبوا علي الدول العربية في هذه الفترة مثل عبد الناصر,صدام حسين,القذافى,وكان هذا الخطاب الثورى المتأجج الحماسة رغم إخلاصه سبباً في كثير من المزالق التى مرت بها أوطان هؤلاء الزعماء,بل كان سبباً مع أشياء أخرى في نكسة 5 يونيه 1967 .
من أهم أسباب قيام ثورة 23 يوليه حنق الشعب المصرى والضباط الأحرار من دفع الملك فاروق للجيش المصرى لحرب 1948 دون إعداده وتجهيزه ودون أن تكون لديه نية حقيقة لحرب إسرائيل وخاصة أن الأنجليز الذين كانوا يحكمون مصر وقتها لا يمكن أن يسمحوا بهزيمة إسرائيل,وكما نصت مضابط الحرب أن الملك فاروق أحرج من الزعماء العرب وقال لقادة جيوشه:لا تدخلوا في معارك جدية فأنا لا أريد حرباً ولكننى أحرجت من الرؤساء والملوك العرب.
وكان ينبغى علي الثورة أن تحذر من تكرار الأخطاء التى حدثت في حرب 1948 رغم البطولات المصرية العظيمة التى أبداها الجيش المصرى هناك وقوة قيادته العسكرية ومنها المواوى و فؤاد ومحمد نجيب.
ولكن ثورة 23 يوليه وقعت فيما هو أفدح في 5 يونيه وأشنع في هزيمة ما زالت تؤثر علي العرب ومصر حتى الآن وهى التى منحت قبلة الحياة الحقيقية لقيام إسرائيل الكبرى التى نراها الآن,ولولا تصويب عبد الناصر في آخر عهده وكذلك السادات وانتصار اكتوبر لما رفع العرب رأسهم بعد ذلك,فقد أزالت حربي الاستنزاف وبطولات نصر أكتوبر أكثر مرارات الهزيمة ولكن لم تمح آثارها.
إن سؤالا مهما ينبغى علينا أن نسأله لأنفسنا ماذا كان سينقص العراق لو بقى الملك فيصل الأول ملكاً عليه,كانت ستكون أفضل وأقوى من الأردن والمغرب والملكيات المستقرة حولنا وأفضل من عراق اليوم.
ماذا لو بقى الملك إدريس السنوسي في ليبيا ولم يقم القذافى بثورته عليه,اعتقد أن ليبيا ستكون أكثرا استقراراً وأماناً وازدهاراً أو لم تقم ثورة علي القذافى.
وماذا لو لم تقم الثورة السورية علي بشار الأسد,كانت سوريا ستكون أفضل وأحسن وأجمل وأرقى,أما الآن فهى محتلة من إيران وأمريكا وروسيا وإسرائيل,وشعبها ما بين قتيل وخائف ومهاجر مطرود وجائع. ماذا يحدث لو لم تقم ثورات العربي,أكاد أصل إلي يقين عقلي أن الثورات فى بلاد العرب أضرت دولها وشعوبها وأخرت بلادها ولم تقدمها. كل الثورات قامت لأسباب لا شك في ذلك لكنها خلفت دائماً فى بلاد العرب خسائر خطيرة لا تتحملها أوطاننا . سيقول البعض:ما الحل إذن أقول في كلمة واحدة:الإصلاح السلمى المتدرج,الثوار مخلصون عادة ولكنهم ينظرون دوماً تحت أقدامهم ويخلفون المآسي لأنفسهم وأوطانهم عادة.