لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: رجال الأعمال والتعليم العالي

لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: رجال الأعمال والتعليم العاليلواء دكتور/ سمير فرج يكتب: رجال الأعمال والتعليم العالي

غير مصنف18-9-2019 | 22:16

فور تعييني ملحقاً عسكرياً في تركيا، كان أول اهتماماتي، على المستوى الشخصي، ترتيب تعليم ابنائي، إذ كان ابني وابنتي يدرسان، حينها، في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فسألت عن إمكانية نقلهما إلى الجامعة الأمريكية بأنقرة، فعلمت أنه لا يوجد واحدة في تركيا، ولكنني نُصحت ببديل لها، وهي جامعة بيلكنت، Bilkent University، بمدينة أنقرة.

وبالاستعلام عن هذه الجامعة، عرفت أنها، أولاً، جامعة تركية خاصة، معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات المصرية؛ ثانياً، أنها مصنفة ضمن أحسن ثلاثون جامعة على مستوى العالم في جودة التعليم، فضلاً عن تقدم تصنيفها الإقليمي، والمحلي، وهو ما وصلت إليه بفضل تعاون رجال الأعمال، وأصحاب الشركات الكبرى، والمصانع، في تركيا، لإقامتها أولاً، ولتطويرها ثانياً، لتلبية احتياجات سوق العمل التركي، في المجالات المتخصصة، على أن تؤسس كلياتها لتكون صورة لمثيلاتها من أرقى، وأعرق الكليات في العالم. ومثال على ذلك، فإن كلية الهندسة التابعة لجامعة بيلكنت، صورة من كلية الهندسة، بجامعة ميونخ الألمانية. وهكذا ... ٩ كليات، في هذه الجامعة، تخصصن جميعاً في مجالات الهندسة، والتكنولوجيا، وعلوم الحاسبات، والفضاء، ولا مكان هناك للكليات النظرية. كما علمت أن هذه الجامعة توفر منحاً دراسية، للطلبة الأتراك، وليس الأجانب، المتفوقين علمياً، والغير قادرين على تحمل مصاريف هذه الجامعة، وتغطي هذه المنح نحو ٤٠% من عدد الطلاب الأتراك الدارسين، فكان ذلك دليلاً على سعيها لجذب النابغين، وليس أبناء الأثرياء.

تقدمت، بالفعل، بأوراق أبنائي، وتم قبولهما بناءً على ما تلقياه من مناهج وعلوم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي أسبوعي الأول في تركيا، قمت بزيارة لتلك الجامعة، فبهرتني مبانيها، التي صممت لتطابق نظيراتها في دول العالم، حتى أماكن الرياضة، والنشاط الثقافي، والإقامة، خرجت كلها نسخة من الكلية الأجنبية، ولكن اختلفت محتويات المناهج الدراسية، بما يتماشى مع احتياجات الصناعة التركية، وبما يلبي مطالبها التكنولوجية مستقبلاً، لتطوير الصناعات.

جدير بالذكر أنه خلال رحلة البحث عن جامعة لأبنائي، وأثناء البحث فيي مزايا جامعة بيلكنت، وجدت أن هناك جامعة أخرى، تقوم على نفس الفكر، والأسلوب، ولكن بنظام اقتصادي، وهي جامعة "ستانفورد"، شرق مدينة سان فرانسيسكو، في ولاية كاليفورنيا، بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي افتتحت عام ١٨٩١، والمصنفة من أفضل خمس كليات في العالم، وتمتلكها، كذلك، مجموعة شركات، ومصانع، أمريكية عالمية. كما بزغت التجربة الهندية عندما ركزت على صناعة البرمجيات، ونجحت فيها، وأصبحت مثالاً لتطوير الفكر الجامعي في العالم كله.

والسؤال الآن، لماذا لا يتبنى رجال الأعمال والصناعة والاستثمار في مصر، تطبيق هذا النهج، وهذا الاسلوب؟ إنها فرصة لإيجاد كيان جامعي جديد، قائم على تحقيق مطالب التطوير في الصناعة المصرية، وبما يبعدنا، قليلاً، عن تحمل الدولة لعبء التعليم العالي، في اتجاهات قد لا يكون لسوق العمل المصري حاجة إليها.

أعلم مسبقاً، أن هناك مؤسسات اجتماعية، تابعة لبعض رجال الأعمال، في مصر، تقدم منح كاملة لتعليم بعض الشباب المصري من الفائقين، مثل المؤسسات القائم عليها السادة معتز الألفي، وأحمد هيكل، وشريف الزيات، وعائلة ساويرس، وغيرهم، ورغم تثميني على مبادراتهم، ومجهوداتهم، في حصول هؤلاء الشباب، على مختلف الدرجات العلمية، في التخصصات العلمية الجديدة، التي لا تتوفر، حالياً، في الجامعات المصرية، إلا أن بعض هذه المؤسسات تساهم بتعليم نحو مائة طالب، فقط، في المتوسط. بينما أن اجتماع عدد من رجال الأعمال في مصر، لتبني فكرة إقامة جامعة مصرية، تضاهي ستانفورد بكاليفورنيا، أو بيلكنت بتركيا، وغيرهما في البرازيل والمكسيك والهند، ومختلف دول العالم، سيكون له أثر أوسع، وأشمل لتطوير فكر الصناعات المصرية، لتلبية متطلبات السوق في مجال التكنولوجيا الحديثة. فعلى سبيل المثال، يحتاج السوق المصري متخصصين في مجال الهندسة الطبية، بأحدث تقنياتها، للتعامل مع الأجهزة الطبية الحديثة بالمستشفيات، وهو ما يمكن لعدد من رجال الأعمال المعنيين بالمجال، أن يجتمعوا لتأسيس كلية متخصصة في تخريج شباب في ذلك التخصص الدقيق.

وقد يتبادر السؤال عن الجهة المنوط بها تبني هذا الفكر، في مصر، لتطبيقه، ولا أظن أننا سنقع في حيرة للإجابة على هذا التساؤل، فقد يتولاها اتحاد الصناعات المصرية، بالبحث، أولاً، في المطالب الوظيفية والفنية لتطوير القطاعات الصناعية في مصر، ومن ثم يبدأ في تكوين مجموعات متخصصة، لجمع التمويل من رجال الصناعة المعنيين، طبقاً لآليات محددة، يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين الجهات المعنية. يلي ذلك التنسيق مع وزارة التعليم العالي، والمجلس الأعلى للجامعات، لتأسيس الكلية، مع التأكيد على عدم ازدواج التخصص مع ما هو قائم بالفعل، مع دراسة إمكانية تأسيس فروع لتلك الكلية، بمختلف محافظات مصر، طبقاً للاحتياجات الصناعية المتخصصة في كل مناطق مصر المختلفة.

وقد كانت جامعة زويل مثالاً أولياً يحتذى به، ولكن كان فكرها قائم على نقل التكنولوجيا الحديثة إلى مصر، من خلال شباب مصر الموهوبين، أما ما أنادي به اليوم فهو جامعة حديثة تحقق مطالب تطوير الصناعة والاستثمار المصري، وهكذا يصبح الأمل في التطوير العلمي للجامعات المصرية، بهدف تلبية احتياجات تطوير الصناعات الحديثة، أسوة بما نراه في العالم كله، لا يقع، فقط، على عاتق الدولة، ولكن بمشاركة القطاع الخاص المستفيد الأول من مخرجات العملية التعليمية. وبهذا تسير مصر في طريق تطوير التعليم الجامعي من خلال اتجاهات عديدة بهدف أن يكون لدينا خريج مزود بأعلى إمكانات تكنولوجيا العصر الحديث، وبما يواكب مطالب تطوير الصناعة المصرية مستقبلاً.

Email: [email protected]

    أضف تعليق

    طحن العظام وتدمير الأوطان

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    تسوق مع جوميا

    الاكثر قراءة

    إعلان آراك 2