عبدالحليم قنديل يكتب: عن كبش فداء محرقة بيروت

عبدالحليم قنديل يكتب: عن كبش فداء محرقة بيروتعبدالحليم قنديل يكتب: عن كبش فداء محرقة بيروت

* عاجل15-8-2020 | 00:20

فى قراءة فاحصة لأحداث لبنان، وتداعيات الأحداث الأخيرة التى يصفها الكاتب الكبير عبدالحليم قنديل بالمحرقة، يكشف الأخير ما وراء استقالة حكومة حسان دياب، ودور الشارع اللبنانى فى مستجدات الأمور، وقال فى مقاله الآتى: استقالة حكومة حسان دياب كانت أهون المتوقع ، فقد كان لا بد لطبقة الحكم الفاسدة من تقديم "كبش فداء" فى محرقة بيروت ، وحتى لا يضطر الرئيس أو البرلمان إلى الرحيل المبكر، وقد رد دياب التحية بأسوأ منها ، وهو يقدم مجبرا خطاب استقالته ، وأعلن ببساطة أن "الفساد أقوى من الدولة " ، ولم يبق لدياب وحكومته الناقصة باستقالات سبقت ، سوى أن يواصل "تصريف الأعمال" ، ومن دون صلاحية اتخاذ أى قرار أساسى ، من عينة ما تطلع إليه قبل استقالته بيومين ، حين أعلن نيته فى تقديم قانون انتخاب جديد إلى مجلس النواب ، والدعوة إلى انتخابات مبكرة كطلب الشارع المستشيط غضبا الطافح ألما بعد الدمار شبه الذرى لنصف بيروت بسبب انفجار الميناء المريع . وقد لا يبكى أحد على حسان دياب فى لبنان ، وقد قضى فى رئاسة الحكومة نحو ستة شهور ، بدا فيها متلكئا تائها ضائعا ، ومدعيا أنه شكل حكومة كفاءات مستقلة ، خص فيها النساء بست وزارات من بين عشرين ، ومن دون أن تظهر فيها كرامة للوزيرات الجميلات ، ولا للوزراء المتحذلقين ، ثم كان الذهاب إلى حيث ألقت من نصيب الكل ، فقد جاءوا وذهبوا فى أسوأ مراحل احتدام الأزمة اللبنانية المعقدة ، وفى أقسى لحظات حصار واعتصار لبنان ، وطاردتهم أقدار انهيار "الليرة" وجائحات الكورونا ، ثم قضى الأمر سريعا بتوابع وزوابع انفجار مخزن "نيترات الأمونيوم" ، المودعة فى ميناء بيروت منذ سبع سنوات خلت ، ومن دون أن تكون سببا مباشرا فى قصف أعمار حكومات نجيب ميقاتى ثم تمام سلام ثم سعد الحريرى ، وكلها عاصرت مأساة تخزين "نيترات الأمونيوم" الخطرة ، التى تحولت لسوء حظ حكومة دياب إلى "نيترات الجحيم" على حد الوصف اللبنانى الشائع . ولم يبد "حزب الله" ممانعة فى ذهاب دياب ، برغم اعتياد دوائر فى الإعلام اللبنانى والعربى والغربى وصف حكومته بأنها "حكومة حزب الله" ، ولم يكن للحزب فيها سوى وزيرين ، فى حين ذهبت أغلب الوزارات إلى حلفاء "حزب الله" ، من نوع "حركة أمل" و"التيار الوطنى الحر" والآخرين ، ولكن مع المحافظة على توزيع الحصص الطائفية بدقة كما هو المعتاد فى الصيغة اللبنانية المهترئة ، وهو الأمر الذى لن يتغير غالبا بعد نهاية عهدة دياب ، فسوف تمضى أسابيع طويلة من المفاوضات والمساومات الشاقة ، قد لا تأنى بنواف سلام السنى المستقل كما يأمل متفائلون ، وقد يعود بعدها سعد الحريرى لرئاسة الحكومة ، كما تفضل دوائر غربية وخليجية مؤثرة ، وكما يرغب الأمراء الدينيون والسياسيون فى الطائفة السنية ، التى لها الحق الحصرى فى رئاسة الحكومة بحسب توزيعات الحكم الطائفى ، وكانت ترى فى حسان دياب ممثلا هامشيا للطائفة ، وليس أساسيا كحالة سعد الحريرى وآله ، ولهم حزب "تيار المستقبل" صاحب الأكثرية فى التمثيل البرلمانى السنى ، تماما كحالة الرئيس ميشيل عون وتياره صاحب الغلبة فى التمثيل البرلمانى المارونى ، وكحالة نبيه برى الذى يحتكر بحزبه "حركة أمل" مع "حزب الله" تمثيل الشيعة برلمانيا وحكوميا . المعنى إذن ، أن أباطرة الطوائف قد يعودون للتوافق مجددا ، وبهدف تهدئة غضب الشارع الساخط على الكل ، وقد يشدون إليهم حزب وليد جنبلاط الممثل الأبرز للطائفة الدرزية ، ومع احتمال أقل لاجتذاب سمير جعجع المناوئ لسيطرة تيار عون على التمثيل المارونى ، ومع احتمال معدوم لجذب "حزب الكتائب" ، الذى راح أمينه العام ضمن ضحايا انفجار بيروت ، واستقال نوابه الثلاثة من مجلس النواب ، وهو ما قد يؤدى إلى استعادة أطراف حكومة الحريرى المستقيلة على وقع أيام الغضب الأولى فى انتفاضة 17 أكتوبر 2019 ، وبغير مانع من تصوير الحكومة المنتظرة كحكومة كفاءات مستقلة حيادية ، ومع وضع هدف إجراء انتخابات نيابية مبكرة فى برنامج الحكومة ، وتنقيح القانون الانتخابى لجعله أكثر مدنية وأقل طائفية ، ولن تكون النتيجة غالبا ملبية لنداءات وآمال الشارع ، وهو ما يدركه صناعها المحتملون ، وهم لا يريدون أكثر من تهدئة عابرة ، قد تمتص بعضا من الآثار الخطرة لحكم إدانة متوقع لعناصر من "حزب الله" من قبل محكمة الحريرى الدولية يصدر بعد أيام ، قد تنقضى ضمن مهلة لحكومة تصريف الأعمال ، يتاح فيها استيعاب التوترات المذهبية المستعرة بين السنة والشيعة بالذات ، والعودة لإقامة تحالف الضرورة الطائفية ، وبدعوى أنه لا يمكن لأحد استبعاد أحد ، فكما لا يمكن استبعاد جماعة الحريرى ، فلا يصح أيضا استبعاد "حزب الله" ، وهذه هى المعضلة الكبرى ، التى تواجه إغراء عودة الحريرى الإبن لرئاسة الحكومة ، فالمتحمسون للعودة يريدونها فرصة لجلب المعونات المالية الخارجية ، واستطراد التعاطف الدولى مع لبنان بعد محنة بيروت الذى أسفر عن عون محدود ، وتعهدات بإعانات أقل من 300 مليون دولار ، يريد أنصار عودة الحريرى مضاعفة مئات ملايينها الموعودة إلى مليارات الدولارات ، وأغلب من بيدهم تقديم المليارات ، يوافقون طبعا على عودة الحريرى ، ولكن مع استبعاد "حزب الله" من الحكومة ، بل ونزع سلاحه كليا ، وهو ما لا يقدر عليه أحد من لبنان أو من خارجه ، إلا بإشعال حرب أهلية طاحنة ، لا يريدها طرف أو يقدرعليها فى لبنان ، خصوصا بعد تبين عجز إسرائيل صاحبة المصلحة عن نزع سلاح الحزب بالحرب ، التى يهدد "نتنياهو" رئيس وزراء العدو وشريكه المخالف "جانتس" بالعودة إليها فى أى وقت . ومحصلة ما يجرى وما هو محتمل ، أن أزمة لبنان قابلة للتفاقم والاشتعال مجددا ، وأن خيار الحريرى لن يكون البلسم الشافى بالضرورة ، فالدودة فى أصل الشجرة ، وإدمان توزيعات وتواطؤات الحكم الطائفى هو أصل علة الفساد المتوحش ، وليس بوسع طرف طائفى ، لا الحريرى ولا غيره ، أن يجرى إصلاحات تتطلب تضحيات ، ولا التحول بلبنان إلى دولة وطنية ديمقراطية ، ولا تقويض صيغة الحكم الطائفى المؤكدة بدستور "الطائف" ، فالطائفية متجذرة فى النفوس بعد النصوص ، والمستفيدون من بقائها يواصلون ألعابهم الأكروباتية ، يتخالفون حينا ويتفقون أحيانا ، وقد لا يفيد اتفاقهم كثيرا هذه المرة ، حتى لو بدت فرنسا متحمسة لاتفاق على الحريرى حاورت فيه إيران ، وحتى لو حاول رئيس فرنسا ماكرون تخفيف التشدد فى الموقف الأمريكى ضد مشاركة "حزب الله" ، وسعى واشنطن إلى إضافة عقوبات جديدة على أى طرف لبنانى يحالف أو يحاور "حزب الله" . وبالجملة ، فقد لا تكون من فرصة لكسر الدائرة اللبنانية المفرعة ، سوى بموقف آخر مختلف من "حزب الله" نفسه ، كان فيه وقت بلوغه ذروة شعبيته لبنانيا وعربيا ، وكان متفرغا وقتها لهدف مقاومة الاحتلال الإسرائيلى لا سواه ، وكتب ملحمة مجيدة من المقاومة فى جنوب لبنان على مدى عشرين سنة ، أذل فيها قوات الاحتلال ، وأجبرها على الخروج والانسحاب بغير قيد ولا شرط ، ومن دون توقيع اتفاق سلام ولا صك تطبيع ، وصنع الحزب مثالا ملهما للمقاومة المسلحة من نوع مختلف ، لعب إلهامه دورا مؤثرا فى الانتفاضة الفلسطينية الثانية التى أرغمت العدو على الجلاء عن غزة ، وتفكيك مستوطناتها اليهودية من طرف واحد ، ثم تحول "حزب الله" بعد خوضه حرب 2006 إلى قوة ردع هائلة ، جعلت من لبنان الضعيف أقوى كيان عربى فى مواجهة إسرائيل على الجبهة الشمالية ، ووفرت للبيئة اللبنانية الهشة أقوى عنصر ردع ضد مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة ، لا يخشى المتحمسون لها سوى من قوة "حزب الله" المفرطة عسكريا بالقياس إلى الآخرين ، والمعنى ببساطة ، أن قوة حزب الله تنطوى على ضمانة أمان للبنان داخليا ، بشرط أن تعى قيادة الحزب حدود المزايا ، وأن تجرى جراحة تفكير عميقة ، تتخفف بها من تبعات الولاء الأعمى للقيادة الإيرانية ، وتزيد من تأكيد لبنانية "حزب الله" ، فلم يكن مفيدا للحزب أن يتورط فى خطايا الحرب الطائفية الكافرة بسوريا ، ولا أن يتحول إلى فيلق تابع لجماعة "الحرس الثورى" فى إيران ، كما لم يكن مفيدا له أن يغرق فى مستنقعات الحكم الطائفى بلبنان ، خصوصا مع تصاعد غضب أغلب اللبنانيين ضد الحكومات الطائفية ، التى قد يصح لحزب الله الابتعاد عنها تماما ، والاكتفاء بدور برلمانى واجتماعى وخدمى فى صفوف ومناطق جمهوره ، والتحول بموقفه إلى دعم حقيقى لانتفاضات الغضب الشعبى المتواتر ، وبما يكسب ثورة الغضب اللبنانى حليفا قويا ، لا يخشى التحول إلى حكم مدنى ديمقراطى لا طائفى ، يكسب فيه الحزب أصوات ثلث اللبنانيين فى مطلق الأحوال ، ومن دون احتياج لمشاركة هزيلة فى اقتسام الكعكة الطائفية ، فالخيار الأفضل للحزب حتى بالمعنى البراجماتى ، هو "لبننة" سياستة ، وبما يفتح طريقا سالكا لإنقاذ لبنان وإنصاف قاعدته الشيعية ذاتها . [email protected]
    أضف تعليق

    وزير الدفاع: جاهزون لتنفيذ أي مهمة يتم التكليف بها

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين

    الاكثر قراءة

    تسوق مع جوميا