المسار الحقيقي لما تُسمى بـ "القائمة الأميركية للإرهاب"

المسار الحقيقي لما تُسمى بـ "القائمة الأميركية للإرهاب" صدرت "القائمة الأميركية للإرهاب" خلال ثمانينات القرن الماضي من قبل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن، وتشمل الشخوص والكيانات التي تعتبرهم واشنطن "تهديداً" لمصالحها وأمنها القومي. وتقوم الولايات المتحدة الأميركية بوضع "قائمة الإرهاب" وفق معاييرها الخاصة، ويمنع من في هذه اللائحة من دخول الولايات المتحدة، كما يتم تجميد أمواله وممتلكاته الواقعة ضمن أراضي الولايات المتحدة أو تلك التي تقع ضمن صلاحياتها. وبموجب هذا التصنيف، يمنع أيضا أي مواطن أميركي أو مقيم بالولايات المتحدة من التعامل مع هؤلاء. وقد استغلّت الولايات المتحدة هجمات أيلول/ سبتمبر2001، لتستخدمها كذريعة لتوسيع قائمة الإرهاب وترسيم السياسات التي تريد في المنطقة، استناداً على قاعدة "مكافحة الإرهاب"، وتوضّح هذه الورقة المراحل التي مرّت بها هذه القائمة من  استخدامها كأداة للتحكّم بالشعوب، إلى محاولة تدويلها وصولاً إلى ترهيب الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة. ابتكار مشاكل .. ثم تقديم حلول ! يمكن فهم المسار الحقيقي لما تُسمى بـ "القائمة الأميركية للإرهاب"، من خلال دراسة حالة السودان كنموذج، حيث أن الولايات المتحدة أدرجت السودان ضمن قائمة "الدول الراعية للإرهاب" في العام 1993، وتبع ذلك فرض عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً عليها في العام 1997. وبقي الحال على ما هو عليه، بالرغم من تحقيق الولايات المتحدة هدفها بتقسيم السودان وانفصال جنوب السودان في العام 2011، وبالتالي نجاحها في إحباط محاولات الصين في التودد من منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن الصين لها بالفعل علاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع السودان قد تدفع إلى تهميش الوجود الأمريكي في المنطقة. ومع تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وإعلانه عن التحضير لما تُسمى بخطة السلام الأميركية "صفقة القرن" في العام 2017،  رفعت الإدارة الأميركية في نفس العام العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، دون أن ترفع اسمها من قائمة "الدول الراعية للإرهاب". وتأتي هذه الخطوة الأميركية في سياق "استراتيجيات التحكم في الشعوب" التي تحدث عنها نعوم تشومسكي، وتحديداً الاستراتيجية الثانية التي أسماها "ابتكار المشاكل.. ثم تقديم الحلول". إذ أدرجت الولايات المتحدة اسم السودان في "قائمة الإرهاب"، تمهيداً لمساومة السودان وابتزازه، وأنه لا يمكنه الخروج من هذا المأزق إلا بتطبيع علاقاته مع "إسرائيل"، خصوصاً وأن تطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية يعد أهم وأبرز بنود ما يسمى بـ "صفقة القرن"، وهذا ما أكّده وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين في مقابلة أجرتها معه صحيفة التيار السودانية بتاريخ 6 أيلول/ سبتمبر 2020، قال فيها: " أن وزير الخارجية الأمريكي ربط في زيارته الأخيرة للخرطوم، بين مسألة رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وبين التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي". محاولة تدويل القائمة الأميركية للإرهاب إن السياسة الأميركية التي كانت تنشد محاربة المد الشيوعي، نجحت بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 بتعميم مصطلح "الإرهاب"، وباتت محاربة "الإرهاب" المبرر الأميركي لترسيم سياساتها في المنطقة. إلا  أن البروباغندا الإعلامية التي تتمثل في محاربة الإرهاب لم تعد حكراً على أميركا وحدها، فالعديد من الدول والكيانات - حتى من المعسكرات المناوئة- باتت تستنسخ اللائحة السوداء أو القائمة الإرهابية، وذلك في سبيل تحقيق أهداف سياسية بحتة تحت مسمّى "مكافحة الإرهاب"، مثل روسيا، والاتحاد الأوروبي وتركيا وحتى دول عربية مثل مصر وغيرها. ومن هنا جاءت المحاولات الأميركية لتدويل قائمتها السوداء وإضفاء شرعية دولية عليها، ومن أمثلة ذلك مشروع القرار الذي  تقدمت به الولايات المتحدة من أجل تجريم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والذي فشل في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره في الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر عام 2018. ترهيب الأمم المتحدة وهيئاتها اعتمدت إدارة الرئيس ترامب سياسة الإرهاب الاقتصادي والانسحاب من هيئات الأمم المتحدة المختلفة في سبيل الضغط عليها ومساومتها من أجل تسييرها في السكة التي تريد. حيث انسحبت على سبيل المثال من مجلس حقوق الانسان في حزيران/ يونيو 2018، وقلصت دعمها لوكالة تشغيل الغوث واللاجئين ( الأونروا) في  كانون ثاني/ يناير 2018. ويبدو أن سياسة الإدارة الأميركية لم تؤتي أكلها كما يجب، فطوّرتها لتطال العاملين في الهيئات الأممية. حيث عمدت الإدارة الأميركية بداية شهر أيلول/ سبتمبر 2020 إلى فرض عقوبات جديدة على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بتهمة "نصرة العدل" والاستمرار في التحقيق مع جنود أميركيين حول جرائم حرب ارتكبت بأفغانستان. وتلعب أميركا دور الضحية، من خلال اتهام المحكمة الجنائية الدولية باستهداف الأميركيين، وهو دور يعبّر عن أشد أنواع العنصرية والظلم واللاانسانية في تاريخنا المعاصر. خاتمة لقد سبق وأن أفصحت دول العالم الثالث عن رأيها داخل أروقة الأمم المتحدة من خلال اجتماعات الجمعية العامة بشأن التمييز بين الإرهاب والكفاح المسلح، وقد وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة معياراً للتمييز بين الإرهاب الدولي والمقاومة المشروعة. إلا أن جهد دول العالم الثالث يبقى ناقصاً، خاصةً في ظل الدور الخطير الذي تلعبه الإدارة الأميركية مؤخراً، ما لم يتوّجه نحو تجريم اللوائح الأميركية الإبتزازية في مختلف المحافل الدولية. إذ أن هذه اللوائح يشوبها بطبيعة الحال جدلاً دولياً واسعاً بالنظر إلى المعايير المعتمدة من قبل واشنطن التي ترفض إثبات أو على الأقل تبرير إدراج الأسماء على اللائحة المزعومة. فادي أبوبكر كاتب وباحث فلسطيني [email protected]                 
    أضف تعليق