مواقع التواصل وحرب المعلومات

مع بداية شهر رمضان وعقب إذاعة الحلقة الأولى من مسلسل «الاختيار2» انتشرت تقارير صحفية تداولتها بعض المواقع وصفحات التواصل الاجتماعى حول ضابط العمليات الخاصة «يوسف الرفاعي»، زعمت تلك التقارير أن الضابط سينشق عن الشرطة وينضم لصفوف التنظيمات الإرهابية.

وما أن نشرت تلك التقارير حتى تم ربطها بصور للفنان أحمد مكى الذى يقوم بدور الضابط «يوسف الرفاعي» عندما كان فى إحدى العمليات بسيناء.

كانت التقارير تحاول البحث عما يجعلها تكتسب مصداقية لدى المتلقى وظلت تلك المعلومات المضللة تتردد بحثًا عن مكان لها وسط الكم الهائل من المعلومات الملقاة على صفحات التواصل والمواقع الإليكترونية.

فى تلك الأثناء دار حديث بينى وبين أحد الأصدقاء من المتخصصين فى أمن المعلومات، الذى بادرنى قائلًا: ما يتم تداوله عن ضابط العمليات الخاصة يوسف الرفاعى وانشقاقه، هو جزء من حرب المعلومات التى تواجهها الدولة، وانتظر حتى ترى الحقيقة خلال متابعة حلقات المسلسل الذى يعد بمثابة ضربة قوية للتنظيمات الإرهابية، بعد ما حققه من تأثير لدى الشارع المصرى والعربى بل وخارج المنطقة العربية وهو ما جعل القائمين عليه يقدمونه مترجمًا باللغة الإنجليزية.

واصل صديقى قائلًا: الحرب تعتمد على مجموعة من المعلومات يتم الدفع بها عن طريق الإعلام أو بعض الصفحات المجهولة، والممولة إعلانيًا لتسهيل ظهورها للجمهور المستهدف.

تكون تلك المعلومات غير صحيحة لكنها مبنية على حدث أو شخصية تكسبها مصداقية لدى المتلقى.

وهو ما حدث بشأن شخصية «يوسف الرفاعي» فرغم التنويه الذى جاء فى مقدمة المسلسل يؤكد أن الأحداث حقيقية ومن الواقع، لكن أسماء بعض الشخصيات تم تعديلها حفاظًا على أمن وسلامة الشخصيات.

إلا أن بعض المواقع سقطت فى الفخ ونشرت معلومات غير مدققة، وتناقلتها مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي.

وخلال حوار دار بينى وبين اللواء محمد الغباشى مساعد رئيس حزب حماة الوطن الأسبوع الماضى روى لى قصة ذلك القائد الذى عند إحالته للتقاعد قال: "الحمد لله أخيرًا هأكون بجوار ابنتى فى الثانوية العامة بعد أن أديت مهمتى لخدمة الوطن".

هنا ردت زوجته: "بنتنا فاضل لها سنة على التخرج من كلية الصيدلة."

ذلك البطل الذى نسى كل شيء إلا قضية وطنه وحمايته.

إنهم رجال الوطن الذين يدافعون عنه - ليل نهار- بعيدًا عن أضواء الشهرة، يبرون بقسمهم الذى أقسموه فى مصنع الرجال.

(1)

أعود لاستكمال ما تعرضت له الأسبوع الماضى حول حرب المعلومات، التى تدور رحاها فى المنطقة بقوة، مستهدفة الشعوب العربية مسرح العمليات الأكبر.

المشهد كشف حجم الحرب وخطورة معارك المعلومات فيها.. بدءًا من تشويه الشخصيات، وانتهاءً بإشعال الأحداث، وصناعة الفوضى وتدمير الدول.

هنا ننتقل إلى ما هو أخطر فى تلك الحرب (حرب المعلومات).. أمن المعلومات، الذى يعد أحد نقاط القوة فى معركة المواجهة حال قدرتك على السيطرة عليها.

فالحرب لا يحدد النصر فيها فقط قدرتك على جمع المعلومات، لكن أيضا الحفاظ على المعلومات هو جزءً مهمًا فى إدارة المعركة.

الأمر هنا ليس بالهين (الحفاظ على أمن المعلومات)، لكنه فى غاية الصعوبة والخطورة فى ظل تعدد مواقع التواصل الاجتماعى وعدم وجود ضوابط على المواقع الإليكترونية. . فيكفيك أن تمتلك 12 دولار لتحصل على عنوان موقع إليكترونى (domain) و18 دولارًا أخرى لاستضافة الموقع (hosting)، وجهاز كمبيوتر أو هاتف أندرويد.. هنا تستطيع أن تطلق فى الفضاء الإلكترونى ما تريد من بيانات.

ولا أقصد قدرة أجهزة المعلومات على تأمين ما لديها، فهذا أمر مُسلم به.. لكن هناك سيل جارف من المعلومات يتم الدفع به من قبل أفراد الشعب من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى اتجاه الخارج دون أن ندرى أننا نقدم تلك المعلومات لأجهزة استخبارات خارجية تقوم بتحليلها ودراستها وتحديد خريطة العمل عليها.

هنا قد يظن البعض أننا نضخم من الأمر. . لكن تلك هى الحقيقة المرة التى علينا إدراكها جيدًا. . فالوقوف أمام سيل المعلومات الجارف الذى يدفع به البعض منا وهو لا يدرك خطورة ذلك، يجعل أجهزة المعلومات المصرية أمام تحدٍ كبير.

(2)

دعونى أضرب لكم بعض الأمثلة، المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعى أرضًا خصبة لجمع المعلومات، ففى الوقت الذى يتحدث فيه المستخدم بأريحية كاملة فى كافة مناحى الحياة وكذا اهتماماته الشخصية ويعلق على القضايا المختلفة ظنًا منه أنه يناقش بحرية كاملة، هناك على الطرف الآخر بتلك المجموعات عناصر ترصد التعليقات وتقوم بتحليلها وتدقيق ما جاء فيها حتى وإن كانت قضية اجتماعية يعتبرها البعض عادية جدًا وليست لها أهمية.

على سبيل المثال، قضايا الزواج العرفى، والطلاق الشفهى والخلافات الزوجية وقضايا القتل، والتحرش الجنسى وارتفاع الأسعار وأزمات المجتمع وغيرها من القضايا، يتم رصد كافة التعليقات عليها داخل تلك المجموعات وكذا صفحات الأشخاص فى ظل إتاحة الشركات المالكة ل مواقع التواصل لتلك المعلومات وبناء عليه يتم تحديد مدى تماسك المجتمع قيميًا وأخلاقيًا، وكذا حجم الخلاف داخل المجتمع، ومناطق الضعف والقوة داخل المجتمع، مما يتيح الإمكانية للدفع بعناصر تغذى هذا الاتجاه من خلال الأعمال الدرامية أو النشر عبر مواقع التواصل ذاتها.

كما أن المعلومات المتداولة فى تلك المجموعات وعلى الصفحات والمقدمة من الأفراد خاصة التى تتناول قضايا المجتمع، يمكن البناء عليها نظرًا لأنها معلومات غير موجهة وهو ما يجعلها هدية ثمينة تعمل عليها أجهزة الاستخبارات الخارجية.

وقد يقول البعض: "يا سيدى المعلومات متاحة للجميع وأصبحت فى كل مكان. . ولا تنظر إلى كل شيء وفق نظرية المؤامرة."

هنا أذكركم أن معلومة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعى عن ارتفاع سعر سلعة معينة أو وجود عجز فيها فى توقيت معين يجعلها أحد نقاط الضعف التى من الممكن استهداف الدولة منها، على سبيل المثال: عجز المواد البترولية، أو الطاقة، أو المواد الغذائية.

إن المجتمع الافتراضى بات خطرًا يهدد المجتمعات الواقعية، ما لم يتم ترشيد الاستخدام من قبل مستخدميه، لما يحمله من معلومات يُدفعُ بها من أجل السيطرة على المجتمعات.

(3)

لقد تحدثت من قبل عن خطورة تلك المواقع خاصة المواقع المتخصصة مثل LinkedIn، والذى يعد أحد أهم مواقع جمع المعلومات وتجنيد العناصر.

والآن بات موقع «Clubhouse» خطرًا جديدًا يهدد المجتمعات فى ظل تحذيرات من خطورة المحادثات الصوتية والتى تمنح الطرف الآخر الذى لا تراه بصمة الصوت الخاصة بك، إضافة إلى المعلومات التى قد تراها عادية قد تكون كنزًا ثمينًا له.

وخلال الفترة الماضية أكّد تقرير صادر عن موقع بلومبيرج "Bloomberg" أنه على الرغم من حظر المستخدم الذى سحب التسجيلات الصوتية للمستخدمين للتطبيق والقيام ببعض "الإجراءات الوقائية" لحماية التطبيق، يظن الباحثون أنّ موقع Clubhouse ليس فى وضع قادر به على وعد مستخدميه بأنه تطبيق آمن.

وقد نشر باحثون من مرصد الإنترنت فى جامعة ستانفورد (SIO) تقريرًا يفيد بأن التطبيق لا يقوم بعملية تشفير للبيانات عند إرسالها للخوادم، مما يمنح شركة التكنولوجيا الصينية "أجورا "Agora Inc – التى تتخذ شنجهاى مقرًا لها – حق الوصول لهذه البيانات.

كما أن التطبيق يشترط عليك للانضمام، السماح بحصوله على بيانات هاتفك وسجل العناوين لديك وإرسال دعوة لهم.

وبحسب هيئة روس كاتشيستفو الروسية (الرقابة على الجودة) فهى لا تستبعد تسريب محادثات تسجلها الشبكة إلى أشخاص آخرين على الرغم من حظر فرضته على التسجيل دون إعلام المشاركين فى المحادثات.

إلا أن هناك بندًا فى ميثاق Clubhouse يسمح لها بتسجيل المحادثات الجارية فى الغرف وحفظها لفترة ما حرصًا على أمن المستخدمين.

وكان هاكرز قد استطاع فى 20 فبراير الماضى اختراق البرنامج ما أدى إلى تسريب محادثات بعض المستخدمين إلى شبكة الإنترنت.

إن ما يحدث على مسرح العمليات فى حرب المعلومات يجعلنا أمام تحدٍ خطير يستوجب منا جميعًا أن ندرك خطورة ما نتداوله حتى إن كان خاصًا بحياتنا الشخصية.

فأجهزة جمع المعلومات فى الطرف الآخر لا تحتاج منك إلا لهذا الأمر، لتقدم لها مجموعة من المعلومات عن شخصك وهو ما يتم تحليلها تباعًا لتحديد الهدف.

إن فوضى استخدام مواقع التواصل الاجتماعى يعد خطرًا ما لم تواكبه حالة من الوعى والإدراك لخطورة المعلومات المتداولة حتى وإن كانت معلومات عادية من وجهة نظرنا.

أضف تعليق