مرصد الأزهر يوضح أسباب التصعيد الإسرائيلى ضد فلسطين

مرصد الأزهر يوضح أسباب التصعيد الإسرائيلى ضد فلسطينمرصد الأزهر

الدين والحياة19-5-2021 | 11:32

أصدرت الوحدة الإعلامية بمرصد الأزهر، تقريرا بعنوان "لماذا التصعيد الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى فى هذا التوقيت؟، رصدت من خلاله الأسباب وراء العدوان الإسرائيلى على الفلسطينين فى هذا الوقت.

وقال تقرير مرصد الأزهر إن الكيان الصهيونى يواصل انتهاكاته الدموية واستغلاله للفرص التى تتاح أمامه لتوجيه ضرباته العسكرية ضد الفلسطينيين العزل، ومما حدث ويحدث يحق لنا بكل يقين القول إن هذا الكيان الغاصب لأراضى الشعب الفلسطينى قد مارس -ولا يزال- الإرهاب بكافة أشكاله منذ أن وطأت قدمه أرض دولة فلسطين.

وأوضح التقرير أنه منذ الساعات الأولى فى شهر رمضان المبارك والأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة خاصة مدينة القدس تحتدم وتتصاعد، إذ عمد الاحتلال الصهيونى إلى التضييق على المصلين فى المسجد الأقصى، وذلك بالتزامن مع نظر المحكمة العليا الصهيونية لقضية إخلاء عائلاتٍ فلسطينيةٍ من منازل تقيم بها فى حى الشيخ جراح ب القدس لصالح جمعيات استيطانية.

وتابع: "قد أدّت هذه القضية دورًا كبيرًا فى تأجيج التوتر الحالى فى المدينة المحتلة، إذ شارك نشطاء فلسطينيون وأهالى الحى فى احتجاجات متواصلة اعتراضًا على إخلاء منازلهم لصالح تلك الجمعيات الاستيطانية، وهذه الاحتجاجات جاءت على الرغم من تقريرٍ سرى أرسله المستشار القانونى للحكومة الصهيونية "أفيخاى مندلبيت" إلى المحكمة العليا تتضمن تقديرات الموقف من قبل الأجهزة الأمنية التى تشمل: "الشاباك والشرطة والاستخبارات فى الجيش ومجلس الأمن القومى"، ولعل ذلك يفسر قرار المحكمة بتأجيل النظر فيها لمدة شهر، وهو التأجيل الثالث لها".

وجاءت تقديرات تلك الجهات لتؤكد خطورة عملية إجلاء السكان الفلسطينيين من حى الشيخ جراح على الأوضاع فى المدينة المحتلة بل والمنطقة بأسرها.

وكان مستوطنون قد حصلوا بدعم من المحاكم الصهيونية على منازل فى الشيخ جراح ب القدس الشرقية، مستندين إلى أن عائلات يهودية كانت تعيش هناك قبل حرب عام 1948، وحاليًا يريدون إخراج فلسطينيين آخرين من منازلهم ضمن خطة الاحتلال الخبيثة لتغيير معالم مدينة القدس ديموغرافيًا لإثبات يهوديتها زيفًا.

هذا "التقرير السرى" المرفوع للمحكمة، والذى كشفت عنه وسائل إعلام صهيونية يطرح تساؤلًا حول هدف حكومة الاحتلال الحقيقى من تصعيد التوتر فى الأراضى المحتلة وإلام ترمى بهذا؟!

وللإجابة عن هذا التساؤل يجب العودة إلى الأوضاع الداخلية فى الكيان الصهيونى، ففى وقت سابق أعلن المستشار القانونى للحكومة "الذى سبق أن رفع تقريره السرى للمحكمة يحذّر فيه من مغبّة توتر الأوضاع فى الشيخ جراح" رفضه القاطع للتوصل إلى صفقة مع رئيس حكومة الكيان الصهيونى، بنيامين نتنياهو، تقضى باعتزاله السياسة مقابل إغلاق الملفات المنظورة فى القضاء ضده.

ووفق ما نشرته صحيفة "جيورزاليم بوست" فإن مستشار الحكومة هدد بإقالة نتنياهو من منصبه، إذا استمر فى استغلال سلطات منصبه لعرقلة محاكمته بتهم الفساد، فرئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" يسعى إلى لفت الأنظار بعيدًا عن فشله فى تشكيل الحكومة بعد خسارة الانتخابات، فى ظل ما يواجهه من تهم بالفساد قد تودى به إلى السجن فى حال خسارة منصبه، لذا يمكن القول إن هذا التصعيد يهدف فى المقام الأول إلى استمالة المستوطنين المتطرفين لتدعيم نفوذه على الأرض، وتأجيج الوضع الداخلى فى مدينة القدس ليمتد أثر ذلك إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بما يشكل عملية ضغط وإرباك لخليفته فى الحكومة، وهو ما حدث بالفعل.

هذا التصعيد الصهيونى الأخير، حللته عايدة توما، النائبة فى الكنيست عن الجبهة الديمقراطية فى القائمة المشتركة، خلال النقاش الذى طُرح بـإذاعة "مونت كارلو الدولية" حول تلك الأوضاع، بأن نتنياهو "البائس" -كما وصفته- يقوم بمثل ما قام به "نيرون" من حرق روما، إذ يصرّ رئيس الوزراء على إشعال الأوضاع قبل ترك منصبه بعد يأسه من الاستمرار فى السلطة والخروج من مأزق قضاياه المتداولة فى المحاكم رغم التحذيرات التى أطلقت داخل حكومته من مغبّة هذه التحركات على المنطقة بأسرها.

كما وصف زعيم حزب يش عتيد، يائير لبيد، الذى يعتبر خليفة نتنياهو وألد خصومه، الأوضاع الداخلية الحالية بـ "التهديد الوجودى" بعد تصاعد الاضطرابات العنيفة المستمرة بين المستوطنين والفلسطينيين. وقال فى خطاب متلفز "نحن على شفا الهاوية" جرّاء ما اعتبره اقتتالًا عرقيًا، متعهدًا ببناء ائتلافٍ حاكمٍ بديل، وإنهاء حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى استمر 12 عامًا.

أما رئيس الكيان المحتل، رؤوفين ريفلين، فقد حذّر من احتمال نشوب ما وصفه بـ"الحرب الأهلية"، معتبرًا ما يحدث داخل الأراضى المحتلة بين المستوطنين والفلسطينيين بـ "الجنون".

كل هذه التحذيرات من جانب ساسة الكيان الصهيونى المحتل تؤكد خطورة الأوضاع الداخلية التى تعمّد "نتنياهو" تأجيجها وإشعال فتيل الأزمة، وهو ما يؤكد إدراكه لعواقب ما أقدم عليه جيدًا.

وما طرحه مرصد الأزهر من رؤية للوضع السياسى فى الكيان المحتل، ناقشه مقال منشور بصحيفة "الفايننشال تايمز" تحت عنوان: "قد يكون بنيامين نتنياهو فى نهاية الطريق"، ليؤكد المأزق السياسى الذى يواجهه رئيس الوزراء مؤخرًا.

هذه النية الخبيثة لـ "نتنياهو" بدأت تسرى سمومها مع قرار تطويق بوابة العامود التاريخية المؤدية إلى المدينة القديمة، إذ تقوم العائلات الفلسطينية بالتجمع خلال الإفطار فى تقليد سنوى لها، مما ساهم فى تأجيج الأوضاع إلى جانب قرار إخلاء منازل فلسطينية فى حى الشيخ جراح.

وما يؤكد خطورة الإجراءات الاستفزازية التى اتخذها الكيان المحتل منذ بداية شهر رمضان، ما ذكر فى مقال لمراسلة صحيفة "الإندبندنت" أونلاين فى الشرق الأوسط "بيل ترو" الذى جاء بعنوان: " القدس على حافة الهاوية منذ أسابيع.. إليكم السبب"، لفتت المراسلة إلى أن تفاقم الأوضاع فى القدس جاء بقرار من سلطات الاحتلال خلال شهر رمضان، معتبرة ذلك القرار بمثابة "القشة التى قصمت ظهر البعير". كما رأت "بيل ترو" أن القرار الخاص بإخلاء حى الشيخ جراح يرقى إلى جرائم حرب وفقًا للأمم المتحدة فى حين تصفه الخارجية الصهيونية بـ"نزاع عقارى خاص".

ونأتى لأهم جزء فى مقال مراسلة "الإندبندنت" والذى يظهر الأهداف الحقيقية لتصعيد الاحتلال للأوضاع فى القدس وباقى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فقد قالت "بيل ترو": "الفوضى فى القدس والصراع مع الفلسطينيين قد يجعلان من الصعب على يائير لبيد تشكيل ائتلاف لا سيما إذا كان بحاجة إلى الاعتماد على تحالف مع الأحزاب العربية فى البرلمان".

و"يائير لبيد" صحفى ومذيع تليفزيونى سابق، مكلف بتشكيل حكومة الاحتلال الائتلافية خلال 28 يومًا، وهو أقوى خصوم رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو، وما يعيق "لبيد" عن تشكيل حكومته هو الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب، المقرر انضمامها له، وفى حال فشل "لبيد" فى الحصول على أغلبية فى البرلمان المكون من 120 مقعدًا، فهذا يعنى إجراء الانتخابات للمرة الخامسة فى غضون عامين، مما يوضح عمق الأزمة السياسية الداخلية فى الكيان الغاصب.

ومن النقاط اللافتة فى سيرة المُكلف الجديد بتشكيل حكومة الاحتلال، هى علاقته المضطربة مع نتنياهو، فقد عزله الأخير بعد توليه حقيبة المالية عقب حصول حزب "يش عتيد" المنتمى له على 19 مقعدًا فى الكنيست بانتخابات عام 2013. أما النقطة الثانية فى علاقة "لبيد" بـ "نتنياهو"، أن الأول كان شاهدًا رئيسيًا فى إحدى قضايا الفساد التى كانت الشرطة تحقق فيها مع نتنياهو عام 2018.

وهذه النقاط التى أشرنا إليها توضح شكل العلاقة بين رئيس الوزراء الحالى الذى يواجه قضايا فساد تقربه من السجن فى حال ترك منصبه وبين رئيس الوزراء الجديد المكلف بتشكيل الحكومة، والتى يمكن وصفها بمرحلة مخاض صعبة فى ظل التوترات الداخلية والضربات العسكرية لقطاع غزة.

مما يفسر إصرار "نتنياهو" على المضى قدمًا فى لعبة الشطرنج التى يبرع فيها، إذ جعل من الفلسطينيين كبش فداء يضحى به فى سبيل إنقاذ نفسه فى تلك اللحظات الحاسمة فى تاريخه الدموي، وهى اللعبة التى طالما برع فيها رؤساء وزراء الاحتلال دومًا.

ورغم ما طرحناه إلا أن ذلك لا ينفى الأهمية الجغرافية والتاريخية لحى الشيخ جراح الذى تسعى حكومة الاحتلال إلى إخلائه من الفلسطينيين لصالح المستوطنين فى مسعى منها لتغيير الواقع الديمغرافى فى الحى الفلسطيني.

ويرى مرصد الأزهر أن إصرار رئيس وزراء الاحتلال على المضى قدمًا فى خططه الدموية يتطلب تدخلا دوليًا قويًا لإجباره على التراجع عن ذلك، حفاظًا على أرواح الفلسطينيين العزّل سواءً فى قطاع غزة أو فى الأراضى المحتلة كلها، خصوصا مع قيام عصابات المستوطنين المتطرفين بمساعدة قوات الاحتلال للنيل من الفلسطينيين داخل منازلهم وظهور مقاطع مصورة توضح تحركاتهم الأخيرة ضد كل من هو فلسطينى عمدًا، لذا فإن بيانات الشجب والإدانة لا تكفى وحدها لوقف نزيف الدماء الذى يتزايد يومًا بعد آخر فى دولة فلسطين.

أضف تعليق