القضية الفلسطينية والفرصة الذهبية

ساعات تفصلنا عن وصول الوفود الفلسطينية إلى القاهرة تلبية لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأشقاء من الفصائل الفلسطينية للاتفاق على الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام، ووضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة برعاية الرئيس محمود عباس.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها القاهرة الوفود الفلسطينية من أجل توحيد الصف الفلسطيني ففى فبراير الماضي وتحديدًا فى الثامن من فبراير تباحثت وفود 12 فصيلًا فلسطينيًا، أبرزها فتح وحماس، فى الاجتماعات التي استمرت لمدة يومين لبحث ملف الانتخابات التشريعية، والإجراءات القانونية والفنية للعملية الانتخابية والتي كان مقرر لها شهر مايو الماضي لولا الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

الزيارات التي قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل للأراضي الفلسطينية ولقاء الرئيس أبو مازن وقادة الفصائل بحضور عدد من الوزراء الفلسطينيين، ولقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، والوفود الأمنية التي تتابع تنفيذ وقف إطلاق النار، وقوافل المساعدات، وبدء وصول المعدات لتنفيذ المبادرة الرئاسية المصرية التي أطلقها الرئيس السيسي من باريس لإعادة إعمار غزة وتخصيص 500 مليون دولار لبدء الإعمار، كل ذلك ليس سوى جزءًا بسيطًا مما تقدمه مصر من دعم حقيقي - بالفعل لا بالشعارات الجوفاء - للقضية الفلسطينية.

أضف إلى ذلك التحرك لإنهاء ملف الأسرى كأحد الملفات المهمة للوصول إلى مفاوضات جادة تصل بالقضية إلى طريق الحل النهائي.

لم تتوقف التحركات المصرية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية منذ عام 1948، فقد فقدت مصر أكثر من 100 ألف شهيد و200 ألف مصاب، وواصلت دعمها للقضية الفلسطينية على مدار 73 عامًا.

هنا لا بد أن نتوقف بعض الشيء عند محطات مهمة فى تلك القضية تجعلنا نقول إننا أمام فرصة ذهبية للجميع؛ بدءًا من حل أكبر قضية فى الشرق الأوسط أثرت بشكل كبير على عدم استقراره، وكانت ذريعة لوجود الإرهاب فى تلك المنطقة، وانتهاءً بتحقيق سلام عادل حقيقي يضمن للجميع الاستقرار والتنمية وللشعوب الحياة.

وقد تأثرت القضية الفلسطينية سلبًا بما ضرب المنطقة من أحداث، بدءًا من يونيو 1967 وانتهاءً بأحداث 2011، فقد خسرت القضية الكثير عقب تلك الأحداث، وتراجع الملف الفلسطيني وسط ملفات عدة كان أكثرها سخونة ملف تدمير الدول.

بعدما تصدت مصر لملف تفكيك الدول، ودعمها للدولة الوطنية والحفاظ على مقدراتها، ونجاحها فى إفشال مخطط تفكيك دول المنطقة العربية وتثبيت أركان الدولة الوطنية، كان العمل متواصلًا لحل القضية الفلسطينية باعتبارها الركيزة الأساسية لاستقرار المنطقة واستعادة الحقوق الفلسطينية.. الأمر الذي أكدته القيادة المصرية فى كافة المحافل الدولية وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وخلال الثلث الأول من مايو الماضي ومع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية فى العاشر من مايو وحتى الحادي والعشرين من الشهر ذاته، كانت الدولة المصرية تتحرك بقوة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي وإيجاد حل نهائي للأزمة، لا يتوقف عند عقد مؤتمر للسلام لا يسفر عن شيء سوى مجموعة من الصور. . فيجب أن تؤدي تلك المؤتمرات إلى قرارات جادة تُنفَّذ على إثرها القرارات الدولية، ويتم إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. هذا ما تتحرك القيادة المصرية ومؤسسات الدولة نحوه وتحرص عليه.

لكن ذلك لن يحدث بالتحركات المصرية فقط إنما يستوجب تحركات أطراف عدة لها دور فى حل تلك القضية.

وهنا أود توجيه رسالة لمختلف الأطراف:

إلى الفصائل الفلسطينية:

أصبحتم أمام مسؤولية وطنية تستوجب عليكم توحيد الصف الفلسطيني، والاستجابة لنداء العقل، ووحدة الصف وتجنب كافة نقاط الخلاف فى الرؤى والأيدولوجيات السياسية.

ليكن القرار الفلسطيني أكثر جدية، والمفاوض الفلسطيني أكثر قدرة على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية.

لقد سبق للفصائل الفلسطينية أن التقت فى القاهرة وبعض العواصم الأخرى مرات عديدة من أجل الوصول إلى وحدة الصف، لكن دائمًا النتائج على أرض الواقع عقب تلك اللقاءات والاتفاقات المبرمة يصيبها اعوجاج عن المسار المحدد فلا تؤتي ثمارها.

إن اجتماع الفصائل الفلسطينية بالقاهرة هذه المرة يستوجب من الأشقاء توحيد الكلمة، فيوحد البيان الصادر وتلتزم به كافة الفصائل وأن تصبح الكلمة واحدة تحت مظلة القيادة الفلسطينية الحالية ولتترك الفصائل جميعا أسماؤها جانبًا لترفع جميعها لافتة واحدة "فلسطين" بعيدًا عن أسماء المنظمات، خاصة أن العدو هو أكثر المستفيدين من حالة الخلاف الفلسطيني الداخلي.

إلى الحكومة الفلسطينية:

عليكم إدراك ضرورة الابتعاد عن النقاط الخلافية مع الفصائل والعمل من أجل بناء الدولة.. وتوحيد الجهود كي يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه المنهوبة من الاحتلال.

وعليكم أن تدركوا ضرورة أن تحصل كافة الأراضي الفلسطينية على رعاية الحكومة ودعمها من خلال التوسع فى إنشاء البنية التحتية والخدمات.

إلى الشعب الفلسطيني:

على الأشقاء الفلسطينيين توحيد الصف والوقوف خلف القيادة الفلسطينية والثقة فى إدارتها للملف بالتعاون مع القيادة المصرية للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق السلام العادل والشامل القائم على ضرورة حل الدولتين وإعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس.

إلى حكومة الاحتلال:

على حكومة الاحتلال أن تدرك أهمية إرساء السلام فى المنطقة.. وأن تكون أكثر استجابة ومرونة فى التعامل مع تطورات الأوضاع.. ولن يحدث ذلك إلا بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وإعلان دولته وعاصمتها القدس، لأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية هو حق مشروع للدفاع عن الوطن، وتحميه القوانين والمواثيق الدولية.

فلا يمكن لإسرائيل أن تظل فى حالة حرب، خاصة وأن الفترة السابقة ليست كالفترة الحالية وهناك متغيرات كثيرة طرأت على المنطقة يجب النظر إليها بدقة.

إن الأحداث الأخيرة وما أعقبها يستوجب من الحكومة الإسرائيلية - إذا كانت تتحدث عن سلام حقيقي - أن تبحث عنه مع الدول المجاورة وأن تكون جادة فى الوصول إلى اتفاق بشأن إعلان الدولة الفلسطينية كاملة الحقوق غير منقوصة.

بدون السلام لن تستقر الأوضاع فى إسرائيل التي ستكون المتضرر الأول من تلك التوترات.

لن تستطيع آلة الاحتلال العسكرية الإسرائيلية أن توقف نضال أمة أو تمنع أبناء وطن من الدفاع عن حقوقهم، ولن تحقق الأمن الكامل للشعب الإسرائيلي.

إلى الشعب الإسرائيلي:

عليكم أن تدركوا أن استمرار حكومتكم فى المراوغة والتنصل من تحقيق سلام عادل وشامل قائم على حل الدولتين لن يجعلكم تنعمون بالاستقرار وأبناؤكم هم من يدفعون فاتورة ذلك، فإذا كنتم تبحثون على سلام راسخ فعليكم الضغط على حكومتكم لتحقيق ذلك. . فلن يتنازل الفلسطينيون عن دولتهم.

ولن تستطيع آلة الاحتلال العسكرية أن تكون مصدر أمن كامل لأي شعب، خاصة إذا كانت القضية قضية وطن لا يمكن التنازل عنه.

إلى الولايات المتحدة الأمريكية:

ما حققته مصر خلال الأسابيع الماضية من وقف لإطلاق النار وبدء عملية الإعمار فى الأراضي الفلسطينية، وبحث الملفات المختلفة الخاصة بتلك القضية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يستوجب من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تكون أكثر إيجابية بدعم مسار السلام الحقيقي المبني على إقامة الدولتين، وأن تعلن الإدارة الأمريكية تأييدها لإعلان دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية، وبهذا تكون قد حققت لإسرائيل الأمن، وحافظت على المصالح الأمريكية والتعاون الاسراتيجي بين واشنطن ودول المنطقة.

إن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي لن يصب أبدًا فى مصلحة الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل من مسار المفاوضات وضرورة إنجاحه فرصة للإدارة الأمريكية الجديدة لإثبات حسن نواياها. . فاتفاقيات السلام الأخيرة لا تؤمن بها الشعوب.

كما أن استخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن لن يحقق أمن الشعب الإسرائيلي ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه.

إلي القوي والمنظمات الدولية:

لقد أطلقت الدولة المصرية بتوجيه من الرئيس السيسي مبادرة إعمار غزة بتمويل 500 مليون دولار وبات على كافة الدول الكبرى والمنظمات الدولية والدول العربية أن تدفع بهذا الاتجاه نحو إعادة بناء ما هدمته الآلة العسكرية الإسرائيلية وما أحدثته من دمار لتؤكد الدول الكبرى أنها ترعى البناء والتنمية لا التخريب والدمار، ويكون لها دورا حقيقيا فى حل قضية الصراع العربي الإسرائيلي.

إن ما تحقق خلال الأيام الماضية - من نجاح ل مصر فى وقف إطلاق النار وبدء عملية الاعمار وبحث عدد من الملفات مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتمهيد الطريق أمام مؤتمر سلام ينتج عنه تحقيق الاستقرار وإعلان الدولتين بحقوق كاملة للدولة الفلسطينية - لهو بمثابة فرصة ذهبية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وكذلك للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية لتحقيق السلام الذي تنشده المنطقة منذ أكثر من 73 عامًا.

أضف تعليق