مشروع عبد الفتاح السيسي «4» القضاء والقدر

مشروع عبد الفتاح السيسي «4» القضاء والقدرعاطف عبد الغني

الرأى2-7-2021 | 15:32

(1)

قال السابقون إن " القضاء غيب ويكون مشهودًا بالقدرة عند وقوع القدر" ، أنا مثلا لم أخطط لربط هذه السلسلة من المقالات لتنتهى بالتزامن مع الاحتفال بذكرى ثورة ٣٠ يونيو، وقبل عام أو يزيد قليلا، من انفجار هذه الثورة لم يدر بخلد السواد الأعظم من المصريين الذين منحوا أصواتهم للإخوان والسلفيين، فى انتخابات البرلمان، أو لمرسى العياط فى انتخابات الرئاسة بعدها، أنهم سوف يخرجون إلى الميادين والشوارع بعد عام ضد من منحوهم السلطة، يطالبونهم بالتخلى عن السلطة والرحيل، فيعاند العميان ويكابرون، فيحق عليهم قضاء الله سبحانه وتعالى، ويصيبهم قدره، لتتجلى آياته على هذه الأرض، ويقضى أمره فى أن يبتلى هذا الشعب بمحنتين، ويهبه الله منحتين، هما ثورتا ٢٥ يناير ٢٠١١، و ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وما هذه المقدمة إلا لتذكير الغافلين بمشيئة الله التى قضت لمصر أن تنجو من السقوط، والفشل، وتتلقى الضربات القاسمة وهى صلبة العود، ولا يمضى من الأيام أكثر مما تحتاج لفرك أعينها من النعاس واستعادة كامل وعيها لتعود فتمضى فى طريقها بأسرع مما يتوقع أكثر المتفائلين، شاخصة إلى السماء مستعينة بحول الله وقوته، وإرادة الخلصاء من أبنائها لمجابهة عثرات الكارهين من الأعداء، وتعويض ما فاتها لإدراك ما قسمه الله لها من نعيم العيش وطيبه.

(2)

قلنا سابقا إن محمد على كان صاحب مشروع إمبراطوري ذا نزعة استعمارية، كما كان سائدا فى عصره، وكان جمال عبد الناصر زعيما، تلاقى سعيه للزعامة مع مرحلة فارقة فى تاريخ البشرية، شمل فيها التغيير العالم كله، من صعود الإمبراطوريتين الاستعماريتين الأمريكية، والسوفيتية، ودخولهما فى صراع الحرب الباردة، بالتزامن مع غروب شمس الإمبراطوريات الأوروبية، وانفجار حركات التحرر الوطنى، فى أسيا وأفريقيا، وإعلان دولة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين، وبزوغ نجم دول تبحث لها عن إرادة مستقلة عن الغرب والشرق، فيما عرف بكتلة عدم الانحياز، هذه التغييرات العميقة التى استغرقت تقريبا الربع الثالث من القرن العشرين، هى التى ساعدت فى صناعة الأسطورة الناصرية، ومن بعد عبد الناصر جاء السادات، عصى على التصنيف أو الاختزال فى صفة، إلا ما كان هو نفسه يحب أن يطلق عليه، القائد، الرئيس المؤمن لدولة العلم والإيمان، وعند هذه النقطة تحديدا لا يجب أن نحمله جريرة عودة الإخوان لمعادلة الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر دون أن ندرس ظروف المرحلة بعمق، ولا يمكن أن ننكر على السادات إنجازاته الهائلة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وإدارته لها بحنكة وحكمة جنبت مصر كارثة مثل كارثة ٦٧، وخطأ السادات الرهيب الذى دفع حياته ثمنا له هو ثقته غير المحدودة فى الأمريكان، ومضى السادات بعد أن انقلب على المشروع الاجتماعى لسابقه الزعيم عبد الناصر، ليأتى مبارك رئيسا لمصر، بطموحات قليلة لا تزيد على أن يكون رئيسا لتسيير الأعمال، وقد قضى عليه أيضا استسلامه للنظرية التى ورثها عن سابقه، والتى تقول إن ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان.. مسكين لم يترك لنفسه مساحة كافية للمناورة، حتى حاصره الأمريكان، ودفعوه للخطأ، ليستغلوا أخطاءه ويثور شعبه ضده، خطتهم القديمة المجربة التى لم يستوعبها الحكام العرب.

(3)

بقى المشروع الثالث فى حياة مصر الحديثة، وهو المشروع الذى نعيشه الآن، وصاحبه الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسي، الذى لا أراه يشبه أحدا ممن سبقوه فلا هو صاحب مشروع إمبراطورى، ولا هو يبحث عن الزعامة، ولا هو ساداتى النزعة، وفى رأيى أنه أذكى وأمهر من تولى إدارة مصر فى عصرها الحديث.. ظهر هذا الذكاء وهذه المهارة على نطاق الوطن منذ تولى وزارة الدفاع، ثم فى إدارته وزملائه فى المجلس العسكرى لشئون البلاد والنجاة بمركبها خلال أحرج فترة مرت بها مصر فى الخمسين سنة الأخيرة على الأقل.. ماذا فعل وزير الدفاع، الذى أصبح بعد ذلك رئيسا لمصر؟! انتظروا الإجابة فى حلقة قادمة.

أضف تعليق