المدينة الفاضلة أضغاث أحلام

المدينة الفاضلة أضغاث أحلامحسين خيري

الرأى27-7-2021 | 14:27

حتى الحلم بالمدينة الفاضلة شكك مفكرون فى آراء أفلاطون أبرز الداعمين لها، وجاءت كخبطة على رأس أجيال تصحو وتنام على أمل العيش فى مدينة خالية من الكراهية، ولم يترك هؤلاء المفكرون كذلك الهجوم على المرادف المثالي للحب العذري، أو ما يسمي بالحب الأفلاطوني، وهو يصور نقاء العلاقة بين طرفيها الرجل والمرأة فى صفاء القلوب.

وقالوا إن أفلاطون حصر علاقتهما فى هدف التكاثر فقط، وكان يرى المرأة مثل الطفل أو العبد، وأنها مخلوقة للحفاظ على بقاء النوع البشري ليس إلا، ولم يول المرأة أي دور فى مدينته الفاضلة.

وحرم على الشعراء دخول المدينة الفاضلة، لتناقض أفكارهم الرومانسية مع عقلانية قوانين المدينة، ومن بين المفكرين المنتقدين لأفلاطون حول هذا العنصر الأخير أنيس منصور، وقال إن أفلاطون منع دخول الشعراء لأنهم يخلقون وهما كبيرا ويجملونه ليصدقه الناس، ولهذا فإن دعاة الوهم والخرافة أعداء المنطق.

ومن أبجديات الحياة الاعتراف بوجود الخير والشر فى الكون، ويعيش بني آدم والشيطان وأعوانه معا على أرض واحدة، ولابد أن يجمع الوجود بين الشيء ونقيضه، وبدونهما لا يمكن التمييز بين الأشياء، فيعرف الخير بالشر والجمال بالقبح، والمدينة الفاضلة تحمل كل مثاليات الحياة فى أغلب آراء الفلاسفة من سقراط وأفلاطون والفارابي وابن خلدون، ويتغاضون عن الطبيعة البشرية وتناقضاتها.

ويرى المعارضون للمدينة الفاضلة أنها تقيد الحرية، بسبب زعمها أن كل فرد عليه إسعاد الآخرين، وأكدوا أنه كان لزاما على هؤلاء الفلاسفة الداعين لمثل هذه المدينة النزول من أبراجهم العاجية، ويتعاملون مع الآخرين فى جميع تفاصيل الحياة.

وتشعر أنك تعيش فى وهم وخيال خادع عندما تقرأ قصة الكاتب البريطاني توماس مور، وهي بعنوان "يوتوبيا"، وتروي عن أعراف وتقاليد سياسية واجتماعية ودينية لأهل جزيرة معزولة وغير معروفة.

و يوتوبيا كلمة يونانية تعني لا مكان، وهو أقوى إثبات على استحالة وجود المدينة الفاضلة، ويعد توماس آخر الفلاسفة الداعين للمدينة الفاضلة ويعترف ضمنا أنها مجرد أوهام، وقد اتفقوا جميعهم فى كتبهم على أنها تقع فى مكان خيالي غير موجود فى الواقع.

والتاريخ البيولوجي للحياة على الأرض يحكي عن نشأة الصراع الأبدي منذ الوجود وقبل نزول الإنسان على الأرض، وتشتد ذروة الصراع مع هبوط آدم وحواء وبصحبتهم الشيطان، وكان بعضهم لبعض عدو.

وأقسم الشيطان أمام الله عز وجل على غواية عباده كافة إلا المخلصين منهم، ولم تسلم الأنبياء منه، فهذه السيدة هاجر يوسوس لها بمعارضة أبو الأنبياء، ثم يأتي لإبراهيم ـ عليه السلام ـ ويخبره كيف يترك وحيده فى وسط صحراء قاحلة ويرجمه فى كل مرة، ويحرض كفار قريش على قتل محمد، ومن قبل أوقع الحسد والحقد فى قلب قابيل تجاه أخيه هابيل، ويشعر بالزهو وبنشوة الانتصار مع كل حالة طلاق، والخلاصة فى نهاية الكلام أن المدينة الفاضلة مجرد أضغاث أحلام.

أضف تعليق