سرق من منزل أحد الأشخاص مصوغات ذهبية، وأبلغ الشرطة عنها، وبعد مضي سنة ونصف تقريبا ضبطت المباحث شخصا يبلغ من العمر 23 سنة قيل إنه الجاني، وقام بالإرشاد عن بعض الصائغين الذين قال بأنه باع لهم المسروقات، وتحت ضغط رجال المباحث أحضر الصائغون المذكورون مصوغات شبيهة بالمسروقة، وليست هي، ويحاول البعض إقناع المجني عليه بأن يقول إن ما أحضره الصائغون هو نفسه ال مسروق باعتبار أن ذلك يعتبر تعويضا له عما سرق منه ويسأل:
1- هل يجوز للمجني عليه -وسيحلف يمينا أمام النيابة والمحكمة- أن يتعرف على المضبوطات ويقرر بأن ما أحضره الصائغون هو بذاته الذي سرق منه، رغم أنه ليس هو ال مسروق ولكنه شبيه له؟
2- هل يجوز شرعا إلزام والد من قيل بأنه السارق بقيمة المسروقات مقابل أن يقرر المجني عليه الحقيقة بأن ما أحضره الصائغون ليس هو ال مسروق بعينه؟
وطلب السائل الإفادة التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
الجواب:
أفاد الشيخ عبد اللطيف عبد الغنى بأن الشريعة الإسلامية بينت طريقة اقتضاء الحقوق والحصول عليها حينما تكون هناك خصومة وتنازع بين طرفين أحدهما مدع والآخر مدعى عليه؛ فيقول رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» رواه مسلم، وفي رواية للبيهقي في "السنن الكبرى": «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
وفي مسألتنا هذه إنسان بالغ سن 23 سنة، قبض عليه بواسطة رجال الشرطة، متهمًا بسرقة مصوغات ذهبية من منزل أحد الأشخاص، وذلك بعد أن مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريبًا، وقام بالإرشاد عن بعض الذين باع لهم المسروقات، إذن ذلك إقرار منه بما أسند إليه من جريمة السرقة، بدليل اعترافه ببيعه المصوغات لأحد الصائغين، وتحت ضغط رجال الشرطة كما يقول السائل أحضر الصائغون مصوغات شبيهة للمصوغات المسروقة، وبهذا صار الصائغون شركاء للمتهم في السرقة؛ حيث إنهم اشتروا أشياء مسروقة؛ بدليل استعدادهم لإحضار أشياء شبيهة بالمسروقة.
وامتناع المجني عليه بأن يقرر بتسلمه الأشياء المسروقة منه واعتبار ذلك تعويضًا له عما سرق منه نظرًا لأن الأمر دخل في دور التقاضي وقد يلحق الطرفين اللذين اشتركا في هذا العمل أذى أدبي ومادي نتيجة لذلك، ويستفسر: هل يجوز للمجني عليه أن يحلف أن ما أحضره الصائغون هو ال مسروق منه، في حين أنه ليس هو؟
والجواب: أنه لا يجوز للمجني عليه الحلف؛ لأن وضعه في هذه المشكلة مدع، وليس ملزمًا بالحلف شرعًا، إنما هو مطالب بتقديم البينة على دعواه فقط، وذلك كنص الحديث الشريف السابق ذكره، وكونه يحلف على شيء أنه هو لكنه في حقيقة الأمر والواقع ليس هو متعمدًا الكذب في حلفه لا يجوز ذلك أيضًا، بل يحرم عليه وحالته هذه حالة حالف اليمين الغموس التي يأثم بها صاحبها، ولا كفارة فيها إلا الاستغفار مع التوبة.
ويصح في مثل هذه المشكلة فضًّا للنزاع ما دام يريد أطراف النزاع إنهاء تلك المشكلة سلمًا: بأن يقرر المجني عليه أمام من يهمهم الأمر أنه أخذ حقه، ويتصالح مع الطرف الآخر للنزاع؛ فيقبل بديل مصوغاته إن كانت مساوية لها في القيمة، أو يقبل قيمة مصوغاته نقدًا، وحينئذ تنتهي تلك الخصومة، ويقل خطر الإدانة بالنسبة للمتهمين.
أما إلزام والد من قيل إنه السارق بقيمة المسروقات مقابل أن يقرر المجني عليه بالحقيقة من أن ما أحضر من مصوغات ليست هي المسروقة: فذلك من قبيل الالتزام بما لا يلزم؛ إذ إن الوالد المذكور ليس طرفًا في النزاع، والمدعى عليه الابن بالغ رشيد، وله ذمته المالية المستقلة، وهو الملزم أصالة والضامن لما أخذه على سبيل السرقة كما تبين من موقفه الوارد بالسؤال، أما إذا أدى والده قيمة المسروقات فإن ذلك يكون من قبيل التبرع شفقة على ابنه، وإنهاء للنزاع القائم بينه وبين خصومه ورعاية لمستقبله، هذا إذا كان الشأن كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.