في ذكرى ميلاد طه حسين.. بين العميد والنجيب.. نبوغ التلميذ وعظمة الأستاذ

في ذكرى ميلاد طه حسين.. بين العميد والنجيب.. نبوغ التلميذ وعظمة الأستاذإيهاب الملاح

الرأى15-11-2021 | 14:28

- 1 -

تتجدد الذكرى ويتجدد الاستدعاء، وتبقى القيمة، المعنى والدلالة والرمز؛ معنى أن تكون صاحب رسالة ودور محوري في مجتمعك الذي نشأت فيه، تحمل همومه، وتنكوي بآلامه، وتسعد بنهوضه، وتسعى إليه حتى لو لم يتحقق هذا النهوض في حياتك، وبشهودك، لكنك تكون دائمًا على يقين بأن المستقبل الذي حلمت به لوطنك وأمتك لا بد من بلوغه يومًا.

هذا بالضبط فيما أتصور ما تمثله "رمزية طه حسين" الكبرى، وسيرته، وما حملته من معان ودلالات على مستويات عدة، في الاحتفال بذكرى ميلاده الـ 132، نستدعي القيمة باستدعاء ما يتصل بها من أفكار وذكريات ورؤى وشخصيات عاصرتها وتتلمذت عليها وتأثرت بها.

من اللافت أن العلاقة بين عميد الأدب العربي وعميد الرواية العربية لم تكن علاقة بسيطة أو عابرة.. أبدًا لقد ترك طه حسين أثرًا عميقا في نفس نجيب محفوظ وفكره وعلى جيله كله؛ وقد لا يعرف كثيرون أن نجيب محفوظ قد تأثر فكريا وإبداعيا ب طه حسين لدرجة كبيرة جدًا، يقول محفوظ:
ويكشف نجيب محفوظ عن أول مرة يقابل فيها طه حسين وجها لوجه؛ يسأله جمال الغيطاني: هل عرفتَ طه حسين؟


فيقول محفوظ إنه قرأ له قبل دخوله الجامعة، والتقى به شخصيا مرتين، الأولى عند التحاقه بكلية الآداب، وأثناء الاختبار الذي يُجرى للمتقدمين فوجئ أن الممتحن هو طه حسين شخصيا، يقول الأستاذ: سألني: لماذا اخترت قسم الفلسفة؟
بدأت الإجابة برغبتي في معرفة سر الكون وأسرار الوجود، أصغى إليّ جيدًا، ثم قال ساخرًا: أنت جديرٌ بالفلسفة فعلا؛ لأنك تقول كلامًا غير مفهوم! وكان هذا على سبيل الدعابة والتندر لا أكثر (حتى لا يقول أصحاب الفهم المحدود والثقافة الضحلة ما لم نقله وما لم نقصده أبدا)
يصمت محفوظ قليلا، ثم يقول: لم يكن طه حسين مفكرًا وأديبًا عظيمًا فقط، لكنه كان صاحب دور...

- 2 -


أما المرة الثانية فكانت خلال الستينيات عندما تم تسجيل حلقة تلفزيونية معه في حضور أسماء لامعة من أجيال جديدة آنذاك في حضرة العميد كان منهم محمود أمين العالم وكامل زهيري وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله وغيرهم، وأظنها الحلقة الوحيدة التي جمعتهم بالعميد.
لكن الاتصال الشخصي المباشر كان حين تم إنشاء نادي القصة‏ المصرية في خمسينيات القرن الماضي، فقد دعا المرحوم يوسف السباعي طه حسين في ذلك الوقت ليشغل منصب الرئيس الشرفي للنادي‏، يقول محفوظ "فذهبنا إلى النادي لنتعرف وجها لوجه لأول مرة ب طه حسين الذي طالما أعجبنا به عن بعد أشد الإعجاب‏، وتأثرنا به تأثرا بالغا بما قدمه من ثورة فكرية وبما ألفه من روايات مميزة‏، ولكن طه حسين كان قد كتب عنا كجيل قبل ذلك دون أن يعرفنا‏، وقد فزت أنا شخصيا بمقالين كانا من العوامل المؤثرة جدا في حياتي‏، فمن الأشياء التي أعتز بها اكثر من جوائز كثيرة ذلك المقال الذي كتبه طه حسين عن زقاق المدق‏، كما أن مقاله عن بين القصرين لا ينسى‏، وكان كل منهما مفاجأة كبيرة لي"‏.‏

ويقول محفوظ في حواراته مع محمد سلماوي، الحقيقة إنني أول ما سمعت ب طه حسين كنت طالبا بالمرحلة الثانوية، وكان في ذلك الوقت كالأسطورة، فالجميع كانوا يتحدثون عن طه حسين بسبب الأفكار الجديدة التي كان يطرحها، فتأثيره في نفسي سبق تأثري به عن طريق القراءة‏،‏ وقراءتي له كانت قراءة أدبية في الأساس؛ لأني لم أكن أحب أن أقرأ مقالاته السياسية التي كان يكتب فيها ضد الوفد‏، فكنت مثلا أتابع قراءة «حديث الأربعاء»، وقرأت له «على هامش السيرة» و«الأيام‏»،‏ وكان لهذه الأخيرة تأثير كبير جدا في نفسي.


والحقيقة أن طه حسين أثر في جيلي بشيئين‏:‏
أولا بالثورة الفكرية العظيمة التي أحدثها، ثم بكتابه «الأيام» الذي كان تحفة أدبية غير مسبوقة،‏ فعلى الرغم من أن الرواية كقالب فني كانت على هامش حياته،‏ فإنه قدم عدة أشكال جديدة للرواية العربية، فمثلما قدم الرواية المعتمدة علي الترجمة الذاتية في «الأيام‏»،‏ فقد قدّم أيضا الرواية الموضوعية الرومانسية في «دعاء الكروان»، وقدّم رواية اليوميات ‏Chrdnical novel‏ في «شجرة البؤس»، وكنت لأول مرة أقرأ هذا النوع من الرواية.. وقد كانت هذه القراءة دافعا وملهما ل نجيب محفوظ كي يقدم للأدب العربي واحدة من أهم أعماله وأكبرها في تاريخه كله.

- 3 -


لم يقرر نجيب محفوظ أن يكتب رواية أجيال كاملة إلا بعد أن قرأ رواية «شجرة البؤس» لطه حسين؛ وأعجب بها كثيرًا، ولم يكن يفوِّت فرصة أو مناسبة إلا ويعيد التذكير بها وبأثرها في نفسه. ودائمًا ما كان محفوظ يتحدث عن طه حسين باحترامٍ كبير وتقديرٍ وافر، ويتردد اسمه في كل الذكريات الخاصة أو الأحاديث السيرية التي تحدث فيها عن شبابه وقراءاته الأولى ودراسته في الجامعة، ثم الوظيفة بعد الجامعة.

ويختتم محفوظ ذكرياته عن طه حسين برواية تفاصيل اللقاء الأخير بينهما حينما دعاه طه حسين لزيارته في بيته الذي تحول إلى متحف رامتان الآن بحي الهرم... يقول محفوظ "وقد أصبحت أذهب إليه في زيارات دورية‏، إما وحدي أو مع ثروت أباظة الذي كان صديقًا له‏، وكانت جلساتنا أدبية تدور حول الأدباء والجيل الجديد‏، وأذكر أنه ـ رحمه الله ـ كان منزعجًا جدًّا من استخدام العامية في الأدب‏،‏ كما كان يأخذ علي الجيل الجديد أنه لا يولي الاعتبار اللازم للغة‏.‏
رحم الله الكبيرين أصحاب الرؤية وقيم النهوض والتقدم والعدالة.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2