هل من الممكن خفض أسعار المواد الغذائية؟.. هل يمكن أن نرى كيلو اللحم وقد انخفض ثمنه من 2 جنيهات إلى جنيه واحد؟.. هل يمكن عودة أسعار الخضر والفاكهة والحبوب والبقول لتصبح مرة أخرى فى متناول أقل الدخول؟..
الإنسان بدون غذاء لا حياة له.. لا وجود له.. ولا إنتاج.. والغذاء يعنى الغذاء الكافى والرخيص فى نفس الوقت.. وقد كانت الندوة التى عقدها المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب الأسبوع الماضى موضوعها (الطعام لكل فم) وهى مشكلة المشاكل فى العالم كله.. العالم الذى وصل تعداده إلى 4000 مليون نسمة ويزحف عليه حزام الجوع من الجنوب وحزام الثروة من الشمال.. أو كما قال المهندس سيد مرعى رئيس المؤتمر العالمى للغذاء فى كتابه (لكى نربح المستقبل) إذا كانت الأقلية فى عالمنا تتحدث عن أزمة ثروة فإن الأغلبية أصلًا تعانى من أزمة طعام.. إننا نعيش فى عالم الفقراء والمتخلفين والجائعين وهم الأغلبية الكبرى.. وعالم الأغنياء والشبعى والمتقدمين وهم الأقلية المطلقة.. وقد وصلت حدة الأزمة العالمية إلى الدرجة التى أصبح على العالم كله أن يفكر معا وبأسلوب جديد.. فإما أن نغرق جميعًا معا، وإما أن ننجو جميعا معا.. إن الحل كما يقول صاحب الكتاب هو مشروع عربى للتنمية نصبح فيه حلفاء ضد الجوع.
ألف مليون دولار
ويقول المهندس سيد مرعى: إن مؤتمر الغذاء العالمى كان يعالج مواضيع أساسية تتلخص فى محاربة الفقر على المستوى الدولى.. وبعد مؤتمر الغذاء كان واضحا ضرورة إيجاد أسلوب جديد يطرأ على العالم كله من أجل توفير الغذاء.. وقد فكرت سكرتارية المؤتمر فى إقامة صندوق عالمى للتغذية تكتتب فيه الدول المتقدمة، وكذلك الدول المنتجة للبترول وبرأس مال متجدد ألف مليون دولار، بحيث يعين البلاد إعانات فنية لكى يدفعها إلى إنتاج زراعى أكبر.
وبعد مجهود استغرق عامين، تم الاكتتاب فى الألف مليون دولار.. ولهذا الاكتتاب قصة.. فالدول المتقدمة قالت إنها لن تدفع لأنها دفعت معونات كبيرة ويجب على الدول المنتجة للبترول دفع المبلغ كله.. وقالت الدول المنتجة لن ندفع إلا إذا دفعت الدول المتقدمة.. وأخذنا فى مؤتمر الغذاء نتفاوض حوالى سنة فيمن سيقدم بالدفع.. ثم اتفقنا على أن الدول المتقدمة تدفع 500 مليون دولار، والمنتجة للبترول 500 مليون.. إن هذا المبلغ يعطى فألا حسنا.
إن الصورة الموجودة فى العالم الآن صورة غريبة.. فالبلاد المتقدمة تزداد تقدما والبلاد البترولية تزداد إيراداتها.. وليس هذا حسنا لها.. بل العكس معظم الدول البترولية بلاد عربية تسعد لارتفاع الفائض لديها.. ولأن زيادة مواردها تعطى ثقلا سياسيا واقتصاديا لها.. إنما لمجرد أخذ فكرة عن حل المشكلة نجد أن دولة مثل السعودية كان دخلها من البترول سنة 1970 هو مليارا و200 ألف لتر سنة 1975 إلى 25 مليارا، الكويت كان 8 مليارات وصل إلى 7.5 مليار، العراق كان نصف مليار وصل إلى 7.5 مليار.. لو أخذنا المجموع الكلى للبلاد العربية نجد أنه كان 2.2 مليار وصل إلى 57 مليارا.. كان من المفروض أن تكون هذه الأرقام ثروة للعرب جميعأ.. وأن تستخدم هذه الأموال الاستخدام السليم.. ولكن ارتفاع سعر البترول من ناحية وارتفاع أسعار المواد المصنعة من الدول المتقدمة من ناحية أخرى والضغط وبشدة على المواد الأولية لبلاد العالم الثالث يضع هذه البلاد فى موقف غريب جدا..
حالة غريبة
وإذا نظرنا إلى العالم نجد حالة غريبة جدا يمكن أن نسميها الغذاء ضد البترول.. البلاد نتيجة للحبوب مثل الولايات المتحدة واستراليا وكندا ترفع أسعار الحبوب التى تفكها لأنها تعلم أن البترول ليس موجودا وأن معدل استهلاك البترول كل سنة فى زيادة وكذلك أسعاره.. فالبلاد المتقدمة سلاح الغذاء.. والبلاد البترولية سلاح البترول.. والبلاد الفقيرة التى لا تنتج البترول ولا الغذاء بالشكل الكافى هى البلاد التى تعانى معاناة شديدة.
حنفية بها لبن
وتساءل توفيق الحكيم فى الندوة عن الأمل فى أن يأكل من لا يأكل.. أو من يأكل طعاما غير كاف.. وقال: إن العالم ينقسم إلى أناس تأكل أكثر من اللازم وأناس تأكل أقل من اللازم.. إن العلم الذى استطاع أن يخرج من جاذبية الأرض أفلا يستطيع أن يحقق حلما آخر وهو أن نفتح الحنفية فى كل بيت لينزل منها لبن.. هل من الممكن فى يوم من الأيام أن يكون الغذاء شيئا رخيصا جدا وأن يكون حقا من حقوق الإنسان.. كحق من حقوقه فى الحرية.. فى تصورى مثلا أن الرقعة الزراعية فى مصر حوالى 5 ملايين فدان.. وفى بعض المحافظات كالمنوفية مثلا يقال إن الأرض تعطى 15 إلى 12 أردب قمح وكذلك قنطار قطن ولكن فى البحيرة مثلا لا تعطى أكثر من 4 أرداب.. فهل نطمع فى يوم من الأيام وبالعلم أن تنتج كل أراضى مصر 12 أردب قمح عموما.. لو وصلنا إلى هنا تكون مساحة الأرض الزراعية 15 مليون فدان بدلا من 5 ملايين.. بالإضافة إلى مسألة أخرى وهى تعمير الصحارى التى تزيد من المساحة المنزرعة.
ويتساءل توفيق الحكيم مرة ثانية.. أليس هناك أمل للناس فى أكلة سمك رخيصة.. أو أى طعام رخيص.. لم يعد لدينا طعام للشعب.. الشعب وصل إلى حد أن يشترى أرجل الفراخ الصفراء لكى يعمل عليها شوربة ويطبخ عليها.. وكلمة الأكل أصبحت عند الشعب حلما.. إننى أطالب بتكوين جماعة متخصصة لموضوع طعام الجماهير.. جماعة تتصل بالشعب يوميا وتعطيه أملا صادقا فى أن بحوثا تجرى وأناسا يهتمون بأمر توفير الغذاء له.. وأنهم يعملون من أجل تحقيق حلمه فى أن يأكل غذاء مفيدا.. إننا نريد أى طعام رخيص ومفيد للجسم تقدمه للشعب.. واقترح فتح باب التبرعات لمحاربة الجوع.. فيتبرع مواطن بخمسة مليمات وآخر بخمسة قروش وثالث بخمسين قرشا ومن هذه التبرعات مع تبرعات أصحاب المروءة تكون حصيلة لمحاربة الجوع وإيجاد لقمة نظيفة لكل فم..
أنا متفائل
وكان عبد العظيم أبو العطا وزير الزراعة أكثر المشتركين فى الندوة تفاؤلا.. لقد أكد أن توفير الغذاء ممكن ويكاد يكون فى أيدينا.. فعوامل الإنتاج الزراعى كما قال الوزير متوافرة لدينا، فمثلا السودان يمكنه أن ينتج محصولات زراعية بقدر ما ينتج العالم كله بما فيه الاتحاد السوفيتى وأمريكا.. وفى مصر بعد إقامة السد العالى استطعنا رفع إنتاج الخضر 5 أضعاف فبعد أن كنا ننتج 1.6 مليون أصبحنا ننتج 6.6 واستطعنا أن نحدث طفرات كبيرة فى الإنتاج الزراعى.. وهو مجال ممكن وقائم فى كل الدول.. ولكن معدلات الإنتاج فى بلادنا غير مقبولة فمثلا متوسط إنتاج القطن قنطار للفدان فى محافظة و12 قنطارا فى جهة أخرى ولا توجد زراعة علمية مستقرة على أسلوب سليم – مثلا كولومبيا واليابان ضاعفتا إنتاج الأرز من 0.6 إلى 6.6.. دولة قريبة منا ضاعفت إنتاجها الزراعى 8 مرات التنمية الرأسية فى الإنتاج الزراعى ممكن أن تكون المخرج من الأزمة بالإضافة إلى إمكانيات التوسع الأفقى.. ولابد للدول المتقدمة أن تصدر لنا التكنولوجيا الحديثة..
أنا المصرى
ويتناول المهندس سعد هجرس نقيب الزراعيين موقف المواطن المصرى من أزمة الغذاء فيقول إنه يواجه من الناحية الغذائية ظروفا قاسية فرضتها عليه الطبيعة أو فرضها هو على نفسه لأنه لم يلاحق التطور العلمى فى مجال الزراعة.. ففى بعض المحافظات مازال التطور العلمى لم يبلغ حجمه الأمثل.. لقد حققنا زيادة فى بعض المحاصيل مثل القطن.. ولكن لا تزال هناك محاصيل زراعية لم نواكب فيها مجال التطور الكبير وبالذات على المستوى العلمى تطورا كبيرا جدا فمثلا فى هولندا متوسط إنتاج البقرة من اللبن على المستوى القومى 5000 كيلو.. وفى مصر 2.5 مليون رأس من الماشية الحلوب إنتاجية البقرة 5/1 (خمس) مثيلاتها فى هولندا.. وبالنسبة لمتوسط إنتاج الدجاجة فى أوروبا الغربية 250 بيضة فى السنة وفى مصر 65 فقط علما بأن وزنها فى أوروبا مرة ونصف بالنسبة لمثيلتها فى مصر.. فالإنتاج الحيوانى مازال متخلفا عندنا حقيقة.. ومن ناحية أخرى إنتاج الفاكهة والخضر وهى تمثل جزءا رئيسيا من الغذاء دون المعدل بكثير فى حين أننا عملنا تطورا كبيرا فى بعض المحاصيل وبالذات فى محاصيل الحبوب والقطن ولكنه تطور غير كاف.
العرب والحل
ولو نظرنا للمستوى المصرى نجد أن الظروف الزراعية من ناحية التوسع الرأسى متاحة وإن كانت محدودة من ناحية التوسع الأفقى.. وإذا ربطنا قضيتنا بقضية الدول العربية لأننا فى قلب هذه الدول.. فإن ربط مصر بالدول العربية فى المشكلة الغذائية سيفيد الوطن العربى ككل.. وعندما ننظر إلى خريطة الوطن العربى نجد أنه يضم حوالى 130 مليون نسمة تكون خامس كتلة سكانية فى العالم.. ومن ناحية المساحة يغطى 11 مليون كيلومتر مربع فهى ثانى رقعة جغرافية فى العالم بعد الاتحاد السوفيتى.. هذا من ناحية الإمكانيات.. ومن ناحية الموارد البشرية فهى ضخمة.. فالوطن العربى ينتج محاصيل زراعية تغطى 6 محاصيل رئيسية من المحاصيل الاستوائية إلى محاصيل البلاد الباردة.. ومن ناحية المال فهو متاح.. وقد آن الأوان للاهتمام بالزراعة عربيا.. لأننا والدول العربية مستوردون للغذاء وفيما عدا القلة فإن الكثير من السكان يشعرون بهبوط فى المواد الغذائية.. لهذا لابد من دعوة وزراء المال والزراعة العرب ليبحثوا فى توفير الغذاء لشعوب الوطن العربى..
قضية عربية
إن مصر دولة غنية بالموارد البشرية ففيها 38 مليون نسمة وحجم الزيادة فيها مليون فرد سنويا والدول العربية تزيد 4 ملايين سنويا منهم مليون فى مصر وكل العالم العربى يحتاج لزيادة المواد الغذائية والمواطن المصرى سيدفع ثمن زيادة أسعار البترول فى صورة زيادة أسعار معداته ومواد غذائه.. إن المواد الغذائية سيرتفع سعرها وسيدفعها المواطن المصرى من عرقه وكده.. والمواد الصناعية سيزداد سعرها وسيدفع الزيادة أيضا المواطن المصرى.. والمواطن المصرى كان له دور كبير فى زيادة أسعار البترول فإن سعر البترول قبل 6 أكتوبر 1973 كان 3 دولارات أصبح اليوم 11 دولارا وثلاثين سنتا.. ولابد أن ينظر إلى هذه القضية كوطن عربى متضامن إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا كقضية مصير.. وأن تكون مشكلة الغذاء موضع اهتمام العالم العربى ككل ويكون مترابطا فكريا وإنسانيا..
وتنتهى الندوة كما بدأت وهى تطرح عدة تساؤلات.. هل من الممكن فى وقت من الأوقات أن تختفى معاناة الشعب المصرى بالنسبة لارتفاع أسعار المواد الغذائية؟ هل من الممكن أن تصل الحكومة لحل المعادلة الصعبة لتحقيق العدالة بين الأسعار والأجور وتكاليف المعيشة؟، هل يمكن أن نرى سياسة تقريب الفوارق بين الطبقات تؤتى ثمارها لتقل القوة الشرائية الموجودة لدى بعض الطوائف فى مصر وتسبب إزعاجا لطبقات أخرى؟ وهل يمكن للدول العربية ككل أن تجد وسيلة لتوفير الغذاء لشعوبها؟!
تم نشر المقال فى مجلة أكتوبر، ونعيد نشره ضمن كنوز أكتوبر