وتتوالى الحكايات..

49 عامًا مضت على حرب العزة والكرامة «6 أكتوبر 73»، وها نحن نقترب من اليوبيل الذهبي للحرب التي غيّرت وجه التاريخ فى المنطقة بل استطاعت أن تسطّر بطولات مصرية خلال مراحلها المختلفة، بدءًا من إعادة تصحيح الأوضاع وتسليح الجيش، مرورًا بحرب الاستنزاف والتخطيط لحرب السادس من أكتوبر، وانتهاءً بوقف إطلاق النار وتنفيذ قرار فصل القوات واستكمال تحرير الأرض بالسلام ثم بأقوى معركة التي كانت بمثابة المعركة الأخيرة فى حرب أكتوبر (معركة طابا) لتحقق مصر الهدف الاستراتيجي للمعركة؛ وهو استرداد كامل التراب الوطني المصري.

كان النصر فى تلك الحرب مستحيلاً بحسب الدراسات والنظريات العسكرية، إلا أن معجزة الحرب (الجندي المصري) غيّر تلك النظريات وجعل الأكاديميات والمعاهد العسكرية تُعيد النظر فيها من جديد.

وتتوالى البطولات على مدى 6 سنوات بدءًا من رأس العش وإيلات وانتهاءً بمعارك أكتوبر 73 لتروي الحكايات تفاصيل ما حدث خلال تلك الفترة التي لا تزال تفاصيلها لم تنته وبطولاتها خالدة. أتوقف عند بعض منها فى السطور القادمة بشكل سريع لا لشيء سوى لضيق المساحة، ويتابع الزملاء فى ملف كامل (على صفحات هذا العدد من مجلة أكتوبر)، نشر بعض من تلك البطولات أيضًا ونستمر فى النشر حتى أكتوبر القادم وعلى مدى عام كامل استعدادًا للاحتفال ب اليوبيل الذهبي للنصر.

ففي خطاب النصر وقف الرئيس محمد أنور السادات مرتديًا زيّه العسكري يوم السادس عشر من أكتوبر 73 داخل البرلمان قائلاً: «لست أتجاوز إذا قلت إن التاريخ العسكري سوف يتوقّف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه؛ لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة 6 أكتوبر خلال الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة فقَدَ العدو توازنه إلى هذه اللحظة، وإذا كنا نقول ذلك اعتزازًا وبعض الاعتزاز إيمان فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة فى قواتنا المسلحة ثقتنا فى قياداتها التي خططت وثقتنا فى شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم.

أقول باختصار إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف، إنه قد أصبح له درع وسيف».

دعوني أتوقف عند بعض البطولات فمازالت الحرب التي مرّ عليها قرابة النصف قرن من الزمان بها الكثير والكثير من التفاصيل التي تؤكد قوة وصلابة وبطولة المقاتل المصري، وإيمان الشعب بقضيته ومساندته دون كللٍ أو مللٍ لقواته المسلحة ليتحقق النصر.

فلم تكن عملية تدمير المدمرة الإسرائيلية (إيلات) فى 21 أكتوبر 1967 سوى رسالة تؤكد أن الجيش المصري لن يفرّط فى حبة رمل من تراب الوطن، وما حدث فى 5 يونيو من ذات العام لم يكن سوى عثرة حدثت فى غفلة من الزمن.

ففي 11 يوليو 67 رصدت قاعدة بورسعيد البحرية هدفًا متحركًا على بُعد 18 ميلاً بحريًا، فأصدر قائد القاعدة الأوامر لسرب لنشات الطوربيد برفع درجة الاستعداد لمواجهة الهدف المعادي، وكانت الخطة استدراج الهدف ليصبح فى مرمى السويس، لكن ما إن اقترب لنشا الطوربيد حتى حدث خلل فى الرادار ليكتشف قائد المهمة أن الهدف هو المدمرة إيلات، بالإضافة إلى لنشي طوربيد إسرائيلي، التي قامت بالاشتباك مــع الســـــــــرب المصري فى تحدٍ سافر للقوانين الدولية، وبدأت لنشات الطوربيد بالاشتباك معها بعد أن أبلغت قيادة قاعدة بــــورســـــعيد الـبـــــحـــريــة باشتعال حريق فى اللنش رقم 2 بقيادة النقيب ممدوح شمس، أما لنش القيادة رقم 1 بقيادة النقيب عوني عازر فقد واصل الاشتباك مع سرب اللنشات الإسرائيلي والمدمرة إيلات رغم التفوق النيراني للعدو، حتى أصيب اللنش فقام القائد بإخلائه (النقيب عوني عازر) وقرر الاتجاه به وسط القطع البحرية الإسرائيلية بسرعة عالية فأدرك قائد المدمرة خطته فركّز نيران مدفعيته على لنش الطوربيد المصري فانفجر قبل الوصول إليها بـ30 مترًا.

واستشهد النقيب عوني عازر ومساعده الملازم أول رجائي حتاتة، بينما أصيب 8 من طاقم المدمرة وتم تدمير موتور الرادار وتعرضت المدمرة لإصابة مباشرة فى الجانب الأيمن منها.

لم تمر سوى ثلاثة أشهر حتى عادت المدمرة إيلات بالقرب من المياه الإقليمية المصرية فى محاولات استفزازية، كانت التوجيهات بضرورة ضبط النفس، وفى يوم 21 أكتوبر 67 صدرت التعليمات من قيادة القوات البحرية بإغراق المدمرة إيلات، فى ذلك الوقت كان سرب لنشات الصواريخ من أحدث الأسلحة فى قاعدة بورسعيد، فتم تكليفه بالمهمة، وفى مساء ذلك اليوم تم رصد المدمرة الإسرائيلية شمال شرق بورسعيد تقترب من دخول المياه الإقليمية، فأصدر قائد القاعدة أوامره لسرب لنشات الصواريخ بالتصدي لها وإغراقها، وبالفعل خرج لنشا الصواريخ فى الخامسة مساءً وما إن اقتربت من المياه الإقليمية حتى تم استهدافها بصاروخ سطح - سطح، فى الجانب الأيمن، فأصابها إصابة مباشرة مالت على إثره المدمرة، ليطلق الصاروخ الثاني ليغرقها أمام بورسعيد على بُعد 11 ميلاً بحريًّا، ويتم إغراق طاقمها و100 طالب من طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية كانوا فى رحلة تدريبية، لتلقّن البحرية المصرية إسرائيل درسًا لن تنساه.

ثم كانت عمليات العبور المتكررة لعناصر من قوات الصاعقة للقيام بأعمال إغارة وتدمير لعدد من مواقع العدو خلال فترة الاستنزاف، منحت القوات المصرية مزيدًا من الثقة فى النفس، وأرسلت رسالة للعدو مفادها «لن نتنازل عن شبر من أرضنا» فقد حوّلت الصاعقة المصرية ليل العدو فى سيناء إلى ليل مليء بالأشباح، جراء ما يقوم به المقاتلون من أبطال الصاعقة من أكمنة وإغارة ضد قوات العدو.

وما إن انتهت مصر من بناء حائط الصواريخ الذي كان شاهدًا على ملحمة تفاصيلها تحتاج إلى مجلدات تُكتب بأحرف من نور لتسطّر بطولات المهندسين والعمال فى شركة المقاولون العرب خلال عملية البناء تحت القصف الإسرائيلي لمواقعهم، وانتصرت إرادة الأبطال وقطعت قوات الدفاع الجوي الذراع الطولى لإسرائيل بدءًا من يوم 30 يونيو 1970 وعلى مدى أسبوع أسمته إسرائيل أسبوع تساقط الفانتوم، تهاوى الطيران الإسرائيلي كلما حاول الاقتراب ليعبر القناة، وسقطت العديد من طائرات العدو من طراز الفانتوم وسكاي هوك، أحدث ما وصل إلى ترسانتها الجوية لتقطع يده الطولى من عبور القناة.

وتتوالى البطولات بتفاصيلها، فقد سطّر المقاتل المصري أرقامًا قياسية فى المعركة عندما استطاع لأول مرة فى المعارك التقليدية أن يواجه الجندي الدبابة، فدمّر الأبطال العديد من دبابات العدو باستخدام الآر بي جى، وبالصواريخ «المالوتكا روسية الصنع» التي حققت نجاحًا كبيرًا فى التصدي لدبابات العدو نظرًا لاحترافية المقاتل المصري.

فاستطاع الجندي المقاتل محمد عبد العاطي، صائد الدبابات، تدمير 23 دبابة للعدو وحصل على نجمة سيناء، وكذا استطاع المقاتل البطل محمد المصري تدمير 27 دبابة أيضًا خلال المعركة، وحصل أيضًا على نجمة سيناء أرفع الأوسمة العسكرية، وهو ما يعد معجزة المعارك وما شهدت به كبرى المدارس العسكرية فى العالم، نظرًا لأن الصاروخ المالوتكا موجه بالسلك وليس بالتنشين، ويتم توجيهه لمسافة 3 كيلومترات وتكون النتيجة بهذه الدقة ويستطيع تدمير هذا الكم من الدبابات الإسرائيلية، لهو شهادة فخر للمقاتل المصري معجزة حرب أكتوبر.

وهناك العديد من البطولات سطّرها المقاتلون على جبهة القتال لم يكشف عنها بعد، وهناك العديد من البطولات الأخرى التي شهد بها الأعداء، مثل بطولة الشهيد المقاتل سيد زكريا الذي لُقب بأسد سيناء الذي احتفظ بمتعلقاته المقاتل الإسرائيلي وروى تفاصيل معركة قتل فيها البطل سيد زكريا فصيلة كاملة من المظليين الإسرائيليين بسلاحه الفردي يوم 13 أكتوبر، ولم تُكشف تلك العملية إلا فى عام 1995 عندما قدم الجندي الإسرائيلي متعلقات الشهيد سيد زكريا التي ظل محتفظًا بها طوال تلك الفترة تقديرًا لبطولته، فأرسلها إلى القنصل الإسرائيلي فى ألمانيا الذي بدوره سلّمها إلى رئيس المكتب الدبلوماسي المصري فى برلين لتظهر كل تفاصيل بطولة أسد سيناء.

ومن سيد زكريا إلى العريف «عبد الحليم مهنا صالح» ابن محافظة البحيرة بطل معركة تل الفرما، الذي لم يعبأ بإصابته وبعد أن دمر 20 دبابة وعربة جيب واستطاع هو وزملاؤه أن يكبّدوا العدو خسائر فادحة، وعندما حاول زملاؤه تضميد جرحه رد عليهم قائلاً: «مفيش وقت» ثم انطلق باتجاه الدبابة التي أصابته ليلقي بقنبلة ر. ب. ج 43 فى فتحة برج الدبابة لتنفجر ويسقط شهيدًا فى المعركة.

وأبطال معركة رأس سدر ورمانة ولسان بورتوفيق، ومتلا، ووادي فيران وأبو سلطان، وبالوظة، والقنطرة، والتبة المسحورة، وإيلات، وشدوان وغيرها من المعارك التي سطرها الأبطال سنروي تفاصيلها فيما بعد.

ومن حكايات المقاتلين إلى حكايات البطولة التي سطرها أبناء سيناء من أبطال منظمة سيناء العربية، والذين كانوا بمثابة رادارات متحركة على الأرض جعلت سيناء كتابًا مفتوحًا أمام الجيش المصري، ومنها إلى المقاومة الشعبية وبطولات لا تنسى لأبناء السويس الباسلة أمثال أحمد عطيفي، وإبراهيم سليمان وأشرف فايز، وأشرف عبد الدايم، وفايز حافظ أمين، من المقاومة الشعبية، من أبطال معركة قسم الأربعين، إنها ملحمة شعب سطرها بدماء أبنائه وتضحياتهم وعزيمة شعب تحمّل وصبرَ بإرادةٍ صلبةٍ ليحقق النصر.

وتستمر الحكايات لتروي تفاصيل البطولات..

أبطال من ذهب

إنهم بحق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. جيل أكتوبر، هذا الجيل الذي تحمّل مرارة الهزيمة ليتحدى المستحيل، ويحقق النصر، وما تحدّث عنه أبطال المجموعة 139 والكتيبة 133 صاعقة خلال الندوة التثقيفية، إنما هو رسالة لنا جميعًا لندرك حجم ما قدمه هؤلاء الأبطال خلال مرحلة كانت من أصعب المراحل التي مرت بها الدولة المصرية فى تاريخها الحديث.

شكرًا كتيبة راديو مصر

يوم الخميس الماضي استطاعت إذاعة راديو مصر تقديم نموذج رائع للإعلام المسموع فى الاحتفال بيوم السادس من أكتوبر، فاتخذت من «سلام سلاح» عنوانًا لها جمعت فيه العديد من الفقرات المتميزة التي تكشف عن حجم ما يمتلكه القائمون على الشبكة من وعي بأهمية إبراز تفاصيل ما حدث يوم 6 أكتوبر 73، كما استطاعوا الاستفادة من كنوز تمتلكها الإذاعة المصرية ومنها حوار المشير محمد عبد الغني الجمسي.

شكرًا للزميلة أميمة شكري، مدير الإدارة المركزية للأخبار المسموعة والمشرف العام على إذاعة راديو مصر وكتيبتها من الزملاء المقاتلين فى شبكة راديو مصر.

أضف تعليق