الأسبوع الماضى تم افتتاح مجمع الرمال السوداء، كأحد الخطوات المهمة للحفاظ على ثروات مصر، والاستفادة منها فى المشروعات التنموية، والبيئية خلال الفترة القادمة، وزيادة موارد الدولة وتقليل الضغط على النقد الأجنبى وزيادة حجم الصناعات التكنولوجية، وتوطين الصناعات الضخمة اعتمادًا على ما تمتلكه مصر من مقومات (مواد خام وأيدى عاملة)، ولم يكن هذا هو التحرك الوحيد خلال الجمهورية الجديدة باتجاه الحفاظ على موارد الدولة وثرواتها، فقد سبقها الحفاظ على الرمال البيضاء والثروة المحجرية والعمل على الاستفادة منها.
على مدى سنوات كان العديد من العلماء والباحثين والمتخصصين تعلو صرخاتهم على صفحات الصحف وأمام الكاميرات ينادون بأهمية انتباه الحكومات المصرية المتعاقبة إلى الثروات المهدرة سواء بالإهمال أو بخروج تلك الثروات فى صورة مواد خام مقابل دولارات زهيدة وعودتها مرة أخرى إلى السوق المصرى فى صورة منتجات أو بعد القيام ببعض العمليات الصناعية عليها ومنحها القيمة المضافة لتعود إلينا مقابل آلاف الدولارات.
لكن المشهد ظل يتكرر رغم الصرخات والتحذيرات الصادرة من هؤلاء العلماء والباحثين.
وفقدت مصر على مدى سنوات ملايين الدولارات بل المليارات، وتربَّح محترفو الصيد فى الماء العكر بسبب عدم قدرة متخذ القرار على التحرك بإيجابية للحفاظ على تلك الثروات.
لكن الوضع اختلف بشكل كامل فى ظل إرادة سياسية قوية وقيادة تعمل ليل نهار للحفاظ على مقدرات الدولة والاستفادة منها من أجل بناء دولة أكثر قوة وقدرة.
دولة تمتلك مقدراتها وقرارها، فصدر قرار منع تصدير المواد الخام للخارج دون أن يتم إدخالها فى إحدى المراحل التصنيعية، خاصة وأن بعض الدول جعلت من تصدير المواد الخام جريمة تصل إلى مستوى الخيانة.
وفى ظل التحديات التى تواجهها الدولة المصرية كان العمل منذ 2014 على ملف الثروات المعدنية والمحجرية على أعلى مستوى من الدقة العلمية والبحثية للاستفادة من الثروات التى تمتلكها مصر لبناء مستقبلها.
(1)
فى مايو عام 2016 وبناء على توصية المجلس الاستشارى لعلماء مصر صدر قرار مجلس الوزراء بحظر تصدير الرمال البيضاء كمادة خام خارج مصر باعتبارها ثروة قومية، للحفاظ على هذا المورد غير المتجدد واحتياطى مصر منه.
ففى ظل التطور التكنولوجى وزيادة حجم الطلب العالمى على تلك الخامات لاستخدامها فى صناعة الشرائح الخاصة بالطاقة الشمسية وشرائح الكمبيوتر، ومع استهداف مصر دخول هذا المجال بقوة (صناعة التكنولوجيا) كان لا بد من الحفاظ على الثروة الهائلة التى تمتلكها من الرمال البيضاء الغنية بالسليكا والأفضل على مستوى العالم.
فقد كان سعر الطن من الرمال البيضاء المصدرة للخارج قبل صدور قرار حظر تصديرها 40 دولارًا للطن حيث يتم نقلها إلى إحدى دول حوض البحر المتوسط لغسلها، ثم يتم استيرادها مرة أخرى مقابل 1000 دولار للطن.
تمتلك مصر أفضل أنواع الرمال البيضاء فى العالم، وتوجد فى سيناء ومنطقة الواحات بالصحراء الغربية ومحافظة قنا، وهى المادة الخام لعنصر السليكون عصب التطور التكنولوجى العالمي، وهو الخام الرئيسى فى صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية التى هى قلب الطفرة التكنولوجية الحالية.
وتصل نسبة تركيز خام السليكا إلى 98,8% فى الرمال المصرية، بينما تقل نسبة أكسيد الحديد غير المرغوب فيه عن 0,01%، وتوجد أهم المناطق التى تتوفر بها تلك الرمال فى مصر فى «وادى الدخل» جنوب غرب الزعفرانة بالصحراء الشرقية.
ويبلغ سمك الطبقة الرملية بها 100 متر بدون غطاء صخري، وهو ما يقلل من تكلفة الإنتاج وسهولة استخراجها، كما تتوفر كميات هائلة منها فى وادى قنا بسمك كبير، بالإضافة إلى جبال يلق والمنشرح بشمال سيناء، ومنطقة أبوزنيمة وهضبة الجنة بجنوب سيناء والتى تتوفر بها كميات ضخمة من الخام ذى الجودة العالية.
يبلغ احتياطى مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن، موزعة على صحارى مصر المتنوعة من شمال سيناء إلى جنوبها، وصحراء مصر الشرقية والغربية، ففى شمال سيناء يبلغ الاحتياطى 120 مليون طن.
أما فى جنوب سيناء التى يعد الخام بها الأجود فى مصر والعالم، تبلغ احتياطيات مؤكدة 268 مليون طن، واحتياطى جيولوجى أكثر من مليار طن.
أما منطقة وادى الدخل جنوب غرب مدينة الزعفران بجبل الجلالة فيبلغ احتياطى الخام بها 27 مليون طن، ويبلغ سمك طبقة الرمال بها 100 متر بدون غطاء صخري.
أما منطقة وادى قنا فيصل حجم الاحتياطى إلى 260 مليون طن، مصحوبة بأكثر من 40 مليون طن من خام الكاولين (الصلصال) الثمين فى صناعة الخزف والعوازل الكهربية؛ فعلى سبيل المثال لو تم تصدير مليونى طن رمال بيضاء خام سيكون العائد 80 مليون دولار.
وفى حالة تصنيعه سيليكون نقى يباع الطن
بـ 10 آلاف دولار سيكون العائد 20مليار دولار.
أما فى حالة استخدامها كرقائق إلكترونية يصل سعر الطن بعد تصنيعه إلى 100 ألف دولار، ليصبح العائد 200 مليار دولار، الأمر الذى جعل الدولة تستهدف إنشاء كيانات صناعية فى سيناء للاستفادة من الرمال البيضاء وعدد من المواقع الأخرى للتوسع فى الصناعات التكنولوجية، والحفاظ على هذه الثروة القومية.
(2)
كما كان افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لمشروع مجمع الرمال السوداء الأسبوع الماضى إحدى الخطوات المهمة للحفاظ على ثروات مصر كأول مشروع تعدينى يستهدف استخلاص المعادن الثقيلة وتحقيق القيمة المضافة على المواد الخام بدلًا من تصديرها للخارج، وفتح الباب لجذب فرص استثمارية ضخمة لتحقيق قيمة مضافة على المعادن المستخدمة فى العديد من الصناعات، مثل تصنيع الخلايا الشمسية والإلكترونيات وهياكل السيارات والطائرات، والسيراميك، والأدوات الصحية والحراريات وتبطين قلب المفاعلات النووية، والبطاريات، مما يخلق فرصًا للتصنيع وتصدير المعادن خارجيًا ومن ثم زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبي.
ويعد مجمع تصنيع الرمال السوداء بكفر الشيخ هو الأحدث من نوعه على مستوى العالم باستخدام تكنولوجيا التعدين المتطورة، مستهدفًا تعظيم الاستفادة والاستغلال الأمثل لموارد مصر الطبيعية، وتحقيق القيمة المضافة للمعادن المستخلصة من الرمال السوداء التى تستخدم فى العديد من الصناعات الدقيقة.
أضف إلى ما سبق البعد البيئي، حيث تسهم فى تطهير الشواطئ من المواد المشعة الضارة، ونسبة تركز المعادن فى الشواطئ، فقد حرصت الحكومة على إجراء دراسات بيئية عديدة للتأكد من عدم تأثيره على البيئة، والحفاظ على سلامة العاملين بالمشروع، والمجتمعات المحيطة، وسيتم إنشاء مصانع بجوار المجمع لتحقيق قيمة مضافة للمعادن الثقيلة المستخرجة.
وسيعمل المشروع على إنتاج العديد من المعادن الاقتصادية المهمة والتى تدخل فى العديد من الصناعات الاستراتيجية مثل معدنى «الالمانيت والروتيل» وهما مصدر رئيسى لإنتاج معدن «التيتانيوم»، وهو معدن يدخل فى الصناعات الاستراتيجية المهمة مثل صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والأجهزة التعويضية.
كما سينتج المشروع «ثانى أكسيد التيتانيوم» وهو معدن يستخدم فى تصيين الدهانات والأصباغ والورق والجلود والمستحضرات الطبية، وكذلك سينتج المشروع معدن الزيركون الذى يدخل فى صناعة السيراميك والأدوات الصحية والزجاج والسبائك المواتير وتركيبات الأسنان وتبطين الأفران.
علاوة على ذلك، يدخل معدن «الماجنتايت» فى صناعة الحديد الإسفنجى وحديد الزهر عالى الجودة والخرسانات التى تتحمل درجات الحرارة العالية والأسمدة المعدنية ويستخدم فى إزالة ملوحة التربة.
كما يدخل معدن الجرانيت فى صناعة أحجار الجلخ وأوراق الصنفرة وأيضًا فلاتر المياه وقطع الرخام والجرانيت بضغط الهواء والمياه، كما يعد معدن الزيركون مصدرًا رئيسيا للعناصر الأرضية النادرة التى تستخدم فى صناعة الرقائق الإلكترونية المستخدمة فى الصناعات عالية التقنية، كالهواتف الذكية والسيارات التى تعمل بالكهرباء، ومصدرًا ثانويًا للسيريوم واليورانيوم.
وبحسب التقديرات الأولية تمتلك مصر احتياطى رمال سوداء يبلغ حوالى 5 مليارات طن من الركاز والعناصر المعدنية الثقيلة بنسب تركيز مختلفة، وتوجد هذه الرمال على طول ساحل البحر المتوسط من مدينة أبو قير حتى رفح بشمال سيناء، إضافة إلى ساحل البحر الأحمر، خاصة فى المناطق الجنوبية وحول بحيرة السد العالي، وقد تكونت هذه الرمال من منابع أنهار النيل.
(3)
أما الثروة المحجرية فقد حرصت الدولة المصرية على الاستفادة منها بعد أن قررت أيضًا منع تصدير بلوكات الرخام للخارج أو المواد الخام دون دخولها فى أحد العمليات التصنيعية، لتكون هناك قيمة مضافة ترفع من عائدات التصدير والعمل على التصنيع للمواد الخام داخل مصر ونقل التكنولوجيا العالمية وتوطينها بالإضافة إلى التعاون مع القطاع الخاص.
فتحتل مصر المركز الثالث عالميًا فى الثروة المحجرية، التى تشمل أنواعًا مختلفة من الخامات، مثل الحجر الجيرى والبازلت والرمل والزلط والجرانيت والرخام والجبس وطفلة الإسمنت.
كما تدخل تلك المواد الخام فى العديد من الصناعات، مثل الزجاج والأسمنت والأدوية.
وبعد عقود من الإهمال الطويل التفتت الدولة المصرية فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الإهمال الجسيم الذى تعانى منه تلك الثروة، فتم تعديل بعض أحكام قانون الثروة المعدنية والقانون الصادر به رقم 198 لسنة 2014، بهدف وضع ضوابط واضحة لاستغلال ثروة مصر المعدنية من محاجر ومناجم وملاحات، بما يسمح بالاستغلال الأمثل لهذه الموارد الطبيعية، ويحقق أكبر عائد ممكن لصالح الدخل القومي.
كما تم إنشاء مجمع مصانع الرخام بجفجافة بسيناء للاستفادة من المواد الخام، ومجمع الرخام والجرانيت ببنى سويف، وتطوير مدينة الرخام بمنطقة شق الثعبان؛ لتعظيم الاستفادة من المخزون الطبيعى للرخام والجرانيت.
إنها ثروات مصر التى لم تعد منسية ويتم الحفاظ عليها والعمل على الاستثمار الأمثل لها للحفاظ على مقدرات الدولة.
عفوًا معالي الوزير!!
رؤية الدكتور رضا حجازي وزير التعليم والتعليم الفني وتبريره لتصريحاته بشأن تقنين مراكز الدروس الخصوصية، تحتاج الى إعادة نظر، فليس بهذا المنهج ينصلح حال التعليم!!
كان من الواجب على الوزارة إعادة المدرسة لدورها الحقيقي وأن تقوم الوزارة بالإشراف على ذلك من خلال المؤسسات التابعة لها وألا يكون مصطلح كله تمام هو السائد؛ لا أن تنقل المدارس إلى «السناتر» وتترك أولياء الأمور يواجهون مصيرهم المحتوم من استنزاف مالي .. وحالة لا مبالاة وفوضى بالمدارس.