العلاقات المصرية السعودية بين الواقع والعالم الافتراضي

اتصل بي الثلاثاء الماضي صديق بالمملكة العربية السعودية منزعجًا من تلك الحالة التي تنتشر عبر الفضاء الإلكتروني، ويتضامن معها البعض وهو لا يدري أنه يسقط فى فخ نصبته قوى الشر لإشعال أزمة بين شعبين تربطهما علاقة وثيقة.

قال لي: هل تتابع تويتر، وما يحدث عليه من محاولات للوقيعة بين البلدين؟!

أو ترى حجم ما تنشره قنوات الجماعة الإرهابية كذبًا حول وجود أزمة بين البلدين؟

هل ترى ردود فعل بعض من الأشقاء المصريين والإخوة فى المملكة؟

ثم أنهى كلامه، «إنني أشعر بخطر حول ما يُحاك للعلاقات بين البلدين خلال تلك الفترة».

هدأت صديقي الذي تربطني به صداقة طويلة ممتدة منذ عام 2012 عندما التقيت به لأول مرة فى كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، خلال فترة دراسته لزمالة كلية الدفاع، وانتهت الدراسة وعاد إلى الرياض وبقي التواصل والود ممتدًا، فهو عاشق لمصر، يرفض أن يمر أكثر من شهرين دون أن يزور القاهرة أو إحدى المحافظات الساحلية هو وأسرته، كان خلال فترة دراسته بالقاهرة لا يتوقف عن التغزل فى مصر وأهلها.

كان أكثر خوفًا على مصر خلال فترة حكم الإخوان، وعندما قامت ثورة 30 يونيو رافقني إلى ميدان التحرير أكثر من مرة.

كانت جملته الشهيرة التي يرددها كلما تحدثنا عن تطورات الأوضاع فى مصر يقول « مصر هي عمود الخيمة للمنطقة العربية» لا يمكن للمنطقة أن تستقر بدون استقرار مصر وهذا قدرها؛ تتحمل العديد من التحديات والأزمات نيابة عن المنطقة.

وبعد سؤالي عن الأهل والأبناء والاطمئنان عليهم كان يلاحقني بضرورة الرد على تساؤلاته السابقة أولًا.

ذكرته بما حدث فى عام 2011 و2012 بين البلدين والدور الذي قامت به المملكة العربية السعودية من مساندة مصر فى فترة كانت من أصعب الفترات، وكيف أن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، طلب من وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل فى عام 2013 عقب ثورة 30 يونيو أن يقوم بجولة موسعة لتوضيح الصورة حول ما حدث من ثورة شعبية فى مصر ضد حكم الإرهابية.

الأمر الذي أسهم بشكل كبير فى تغير مواقف العديد من الدول بشكل إيجابي حول ما حدث فى مصر من ثورة استرد بها الشعب وطنه من جماعة إرهابية.

(1)

قلت له: يا صديقي ما يحدث فى الفترة الحالية هو نموذج يتكرر كثيرًا ويستهدف علاقات مصر بأشقائها، خاصة وأن علاقة مصر بالمملكة العربية السعودية تشهد تطورًا كبيرًا وهي علاقة قوية وراسخة، ما يجعلها هدفًا لقوى الشر بين الحين والآخر بحثًا عن موطئ قدم يعكر صفو تلك العلاقة لكن النتائج تكون فى النهاية مزيدًا من قوة العلاقة بن البلدين.

ألا تذكر الهجمة الشرسة التي حدثت عام 2011 مستهدفة إحداث شرخ فى العلاقة بين البلدين فى الوقت الذي كانت فيه مصر تعاني من أزمة كبيرة فى قطاع الطاقة وغاز البوتاجاز، وكانت الجماعة الإرهابية تستهدف الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يدير شؤون البلاد، وخلال حضور المشير محمد حسين طنطاوي لجنازة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد فى ذلك الوقت التقى المشير بالملك عبدالله لتقديم واجب العزاء، وحرص الملك عبدالله على سؤاله عن الأوضاع فى مصر، رغم الحدث الجلل، مؤكدًا مساندته الكاملة لقلب الأمة العربية بحسب وصف الملك عبدالله لها.

وفى نفس اليوم وجه الملك عبدالله بتزويد مصر بما تحتاج من مواد بترولية وشحنات غاز البوتاجاز لحل الأزمة.

إنها علاقة مبنية على التعاون والتكامل والأخوة، فعلاقة الشعبين السعودي والمصري علاقة لا يمكن أن تؤثر فيها تحركات الباحثين عن مناطق لتعكير صفو تلك العلاقة.

نعم يا صديقي.. على تويتر وفيس بوك واليوتيوب وعلى بعض وسائل التواصل الاجتماعي وعلى قنوات الجماعة الإرهابية موجة يحاولون بها استغلال الأزمة الاقتصادية وآثارها، للوقيعة بين الدولتين؛ لكن لن يحدث ذلك.

فالدول يا صديقي لا تُدار من خلال العالم الافتراضي أو على صفحات الفضاء الأزرق، لكنها تُدار وفق واقع ورؤية وعلاقات قوية لها تأثير فى اتخاذ القرارات ومؤسسات دولة لا تحركها أهواء، أو منشور على مواقع التواصل أو فيديو مجتزأ لشخصية ليخلق حالة من الوعي الزائف، ويقدم صورة غير واقعية.

إن الدولتين رغم كل تلك المحاولات لا تزداد علاقاتهما إلا قوة، فقد انتقلت العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، وتذكر ما حدث فى 2015 قبل الزيارة التي قام بها الملك سلمان للقاهرة فى أبريل عام 2016 والهجمة الشرسة التي حاولت النيل من العلاقات بين البلدين والزعم أن هناك خلافات حادة بينهما فكانت زيارة الملك سلمان للقاهرة بمثابة صفعة قوية على وجه محاولي النيل من العلاقات بين البلدين.

شهدت زيارة الملك سلمان، التي استمرت 5 أيام، توقيع أكثر من 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، وبلغ حجم الاستثمارات المقررة أكثر من 22.65 مليار دولار.

كما منح الرئيس عبد الفتاح السيسي الملك سلمان قلادة النيل وهو أرفع وسام فى مصر.

لقد جاءت الزيارة لتكشف قوة العلاقات بين البلدين وتؤكد زيف من حاولوا الحديث عن توتر فى العلاقات.

إن العلاقات المصرية السعودية علاقة تكاملية واستراتيجية تمر بأفضل مراحلها رغم ما يظهر فى الفضاء الأزرق، وما يحاول إعلام الإخوان تسويقه، وهو ما جاء على لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما سُئل فى حوار تلفزيوني عام 2017 عن وجود توتر فى العلاقات المصرية السعودية، فقال: «إن الإعلام الإخوانجي يثير الشائعات من أجل إحداث شرخ فى العلاقات بين مصر والسعودية».

«فالعلاقات السعودية المصرية صلبة وقوية ولا تتأثر بأي شكل من الأشكال، وتاريخيًا مصر و السعودية دائمًا ما تقفان مع بعضهما البعض فى كل الظروف والأوقات، ولن يتغير هذا الشيء».

وقال ولي العهد السعودي إنه «لم يصدر أي موقف سلبي من الحكومة المصرية تجاه السعودية، ولم يصدر موقف سلبي واحد من الحكومة السعودية تجاه الحكومة المصرية، ولم تتأخر مصر عن السعودية ولا لحظة، ولن تتأخر السعودية عن مصر أي لحظة».

وقال: «بلا شك سوف يحاول أعداء السعودية و مصر خلق الشائعات بشكل أو بآخر، سواء من الدعاية الإيرانية أو الإخوانية لإحداث شرخ فى العلاقات بين مصر والسعودية، والقيادة فى البلدين لا تلتفت لهذه المهاترات وهذه التفاهات».

(2)

يا صديقي إنها موجة موجهة تستهدف خلق مساحة من التوتر فى محاولة لخلق حالة تلاسن بين الشعبين وهو ما تجده ينقلب عليهم سريعًا فلو دققت النظر فى المشهد لوجدت ردودًا لأبناء الشعبين تؤكد قوة ومتانة العلاقات بين البلدين.

طالع ردود المتابعين على صفحة «تركي الحمد» وكذا صفحات عناصر الإخوان الإرهابية، ستجد هؤلاء المتابعين أكثر وعيًا ويردون بقوة على محاولة تصوير وجود أزمة بين الدولتين.

تذكر محاولات إظهار حدوث توتر فى العلاقات بين البلدين قبل زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة عام 2022 ومحاولات إعلام الإرهابية التأكيد على ذلك؛ لتأتي زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة وتوقيع 14 اتفاقية وارتفاع حجم الاستثمارات السعودية فى مصر إلى 30 مليار دولار، كما أن هناك تعاونًا كبيرًا بين مصر و السعودية وتطابقًا فى الرؤى فى العديد من القضايا، ومواجهة التحديات.

انظر إلى حجم التعاون على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري والثقافى بين البلدين تدرك أن ما يحدث هو محاولات خبيثة تستهدف النيل من تلك العلاقات التاريخية المتجذرة والراسخة بين البلدين، وهو ما يؤكد أن تلك المحاولات الخبيثة مصيرها سلة النفايات.

إنهم يحاولون الترويج لبضاعتهم الخبيثة ويحاولون إلصاقها بوجود توتر فى العلاقات بين مصر والسعودية.

لقد أكد الرئيس السيسي مرارًا على الخصوصية الاستراتيجية التي تتسم بها العلاقات المصرية السعودية لما تمثله من ركيزة لاستقرار المنطقة العربية بأسرها.

إن قوة ومتانة العلاقات المصرية السعودية لا تؤثر فيها تلك المحاولات الخبيثة ولن تستطيع أن تنال من قوة ومتانة العلاقة بين قيادة الدولتين والشعبين الشقيقين.

إن ما يحدث هو فصل من فصول الحرب النفسية التي ترتكز على ترويج الشائعات ومحاولات جرجرة الشعوب إلى التلاسن وإحداث الفتنة فيما بينهما؛ لكن مصر و السعودية لن تؤثر فيهما تلك المحاولة، وسيظل التعاون والتكامل بين الدولتين من أجل مصلحة الشعبين وصالح المنطقة العربية نموذجًا يُحتذى به.

إن قيادتى الشعبين يدركان تلك المحاولات الخبيثة فى ظل حرب موجهة تستهدف ضرب استقرار المنطقة.

إن العلاقات المصرية السعودية على أرض الواقع راسخة وقوية ولن يستطيع الفضاء الإلكتروني أن ينال منها.

الإرهاب الإسرائيلي وحل الدولتين

الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة والتي بدأها بالقاهرة وحديثه عن السلام فى الشرق الأوسط وضرورة تحريك عملية السلام، يستوجب من واشنطن إذا كانت تتحرك بنوايا صادقة ألا تكيل الأمور بمكيالين وأن تتخذ موقفًا من حكومة نتنياهو الداعمة للإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، فالحديث عن السلام ليس مجرد تصريحات لكنه يحتاج إلى إجراءات على الأرض.

لقد أكدت مصر أن استقرار الشرق الأوسط مرتبط بسلام حقيقي وفق قرارات الشرعية الدولية وضرورة حل الدولتين وإعلان الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 67.

وعلى حكومة نتنياهو أن تدرك أنها لن تجني مما تفعل فى الأراضي الفلسطينية إلا مزيدًا من الدماء.

أضف تعليق

أصحاب مفاتيح الجنة

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2