المقامرة الأمريكية والحرب الإقليمية

حالة من عدم الاستقرار ومزيد من التوتر تضرب المنطقة، الشرق الأوسط بات ينتظر حدثًا قد يغير المشهد فيه بالكامل، مشاهد القصف والقتل لم تتوقف في ظل إصرار من جانب إسرائيل على مواصلة التصعيد، في الوقت الذي تتحدث فيه الولايات المتحدة عن ضرورة وقف إطلاق النار عبر التصريحات الإعلامية لمسئوليها؛ نجدها على الجانب الآخر تواصل تقديم المزيد من الدعم العسكري لإسرائيل.

الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي « أنتوني بلينكن » للمنطقة والتي شملت إسرائيل و مصر وقطر لم تكن الأولى للمنطقة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر الماضي من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت الزيارة التاسعة للمنطقة.

المسئول الأمريكي تحدث عن ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار أمام كاميرات التصوير، وهو ما ينادي به الجميع عدا حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل فيه قصف المستشفيات والمنشآت المدنية واستهداف المدنيين من الفلسطينيين في غزة والقطاع، كما تواصل أعمالها الاستفزازية انتهاكًا للقانون الدولي.

الحديث السياسي الأمريكي في كل الدوائر يتحدث عن شيء واحد وهو ضرورة وقف إطلاق النار لكن الواقع عكس ذلك تمامًا، وهو ما يمكن وصفه بالمقامرة الأمريكية، في ظل الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة.

على مدى أكثر من 10 أشهر والعمليات العسكرية الإسرائيلية لا تتوقف لحظة واحدة، في الوقت الذي تدين فيه كل المنظمات الدولية إسرائيل وتصف العمليات في غزة بأكبر حرب إبادة جماعية في التاريخ الحديث، وتتحدث واشنطن ذرًّا للرماد في العيون على ضرورة عقد هدنة و وقف إطلاق النار لوصول المساعدات للفلسطينيين في القطاع؛ في الوقت ذاته نجد الترسانة العسكرية الأمريكية قد اتخذت مركزًا لها في المنطقة (شرق المتوسط) بدعوى أنها قدمت من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

(1) تصريحات المسئولين الأمريكيين لا تختلف كثيرًا عن تصريحات العسكريين عدا أن العسكريين دائمًا ما يتحدثون عن أن القوة العسكرية الأمريكية لا تستهدف قيام حرب إقليمية في الشرق الأوسط لكنها تستهدف الحفاظ على أمن إسرائيل .

لنجد أن حجم القوات الأمريكية في المنطقة يشهد تزايدًا مطردًا سواء بسبب زيادة عدد القطع البحرية (حاملات الطائرات) أو بزيادة أعداد القوات في القواعد الأمريكية بالمنطقة (الخليج العربي، البحر الأحمر).

الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم الأربعاء وصلت حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس أبراهام لينكولن» المجهزة بمقاتلات إف-35 سي وإف/إيه-18 بلوك 3، دخلت نطاق مسئولية سنتكوم» يرافقها أسطول المدمرات (ديسرون) 21 وجناح حامل الطائرات (سي في دبليو) التاسع» وفق أمر من وزير الدفاع الأمريكي «لويد أوستن» موجها بضرورة تسريع وصول المجموعة البحرية الضاربة للمنطقة في ظل مخاوف من وقوع حرب إقليمية؛ وكانت حاملة الطائرات «إبراهام لينكولن» تعرضت لحريق في غرفة المحولات في 28 يوليو 2023 أثناء مهمة لها في المحيط الهادئ.

كانت حاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد آر. فورد» قد ظلت في شرق المتوسط لمدة خمسة أشهر على متنها أكثر من 5000 بحار قبل أن تغادر أوائل شهر يناير الماضي إلى مينائها الرئيسي ب الولايات المتحدة الأمريكية.

حلت حاملة الطائرات يو إس إس إبراهام لينكولن محل حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس ثيودور روزفلت».

وقد سبق حاملتي الطائرات الأمريكية المتواجدتين حاليًا في المنطقة وجود أقوى حاملتي طائرات في الأسطول الأمريكي عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، زعمت الولايات المتحدة حينها أن تلك القوات تستهدف الحفاظ على أمن إسرائيل وردع أي دولة تحاول تحويل الحرب إلى حرب إقليمية.

فقد جاءت حاملة الطائرات «فورد» التي تحمل ترسانة صواريخ من بينها الصاروخ إيفولفد سي سبارو، وهو صاروخ أرض جو متوسط المدى يستخدم للتصدي للطائرات ومنها المسيرة.

ويتم استخدام صاروخ آخر على متن فورد لاستهداف الصواريخ المضادة للسفن جنبًا إلى جنب مع نظام الأسلحة إم.كيه-15 فالانكس كلوز-إن، الذي يستخدم لإطلاق الرصاص الخارق للدروع.

وهي مزودة كذلك بأنظمة رادار متطورة يمكنها المساعدة في التحكم في الحركة الجوية والملاحة.

ومن بين السفن الداعمة لها، طراد الصواريخ الموجهة «آيزنهاور» من فئة تيكونديروجا ومدمرات الصواريخ الموجهة توماس «هودنر وراماج وكارني وروزفلت» وهي من فئة آرلي بيرك، والسفن مزودة بقدرات حربية أرض جو وأرض أرض ومضادة للغواصات.
وكذا حاملة الطائرات الثانية «آيزنهاور» وعلى متنها 5000 بحار ليبلغ عدد البحارة الأمريكيين على حاملتي الطائرات 1000 عنصر من عناصر البحرية الأمريكية.

ورافقت حاملة الطائرات «آيزنهاور» مجموعة سفن أخرى مثل طراد الصواريخ الموجهة فلبين سي، ومدمرتي الصواريخ الموجهة جريفلي وميسون.

هذا الحجم الضخم من الترسانة الأمريكية الذي وصل إلى منطقة الشرق الأوسط كان أحد أسباب استمرار الحرب، فقد كان التكئة التي اعتمدت عليها إسرائيل في مواصلة حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة .

بالإضافة إلى حجم الأسلحة التي حصل عليها الاحتلال الإسرائيلي من الولايات المتحدة وكذا فتح مخزون الاحتياطي الحربي الأمريكي من الأسلحة أمام إسرائيل ، وهو مجموعة من الأسلحة والذخيرة والمعدات الحربية وغيرها من المواد الخام التي يتم تخزينها مسبقًا لاستخدامها عند الحاجة، وتختار الولايات المتحدة أماكن تخزين استراتيجية حيث تعتقد أنه سيكون هناك حاجة إليها في المستقبل.

(بموجب برنامج «مخزون الاحتياطي الحربي للحلفاء-من خارج حلف الناتو كإسرائيل» المعروف اختصارًا بـ «WRSA-I») وفي ديسمبر الماضي وافقت إدارة الرئيس جو بايدن على مبيعات أسلحة ل إسرائيل من قذائف المدفعية عيار 155 مم ومعدات وعربات حربية، بدون الانتظار للحصول على موافقة الكونجرس .

وهو ما أكده «أنتوني بلينكن» أنه استخدم التفويض الممنوح له في الحالة الطارئة بالموافقة على مثل تلك الصفقات دون الانتظار لموافقة الكونجرس، واعتبر أن الوضع في إسرائيل حالة طارئة.

وكالة بلومبرج أكدت على لسان عدد من المسئولين الأمريكيين قولهم إن شحنات السلاح تتضمن «رحلة عكسية» لقذائف 155مم الـ 57 ألف قذيفة التي كانت الولايات المتحدة قد أرسلتها من مخزونها الاحتياطي في إسرائيل إلى مواقع عسكرية أمريكية في أوروبا لإعادة تزويدها بالقذائف التي أُرسلت إلى أوكرانيا لمساعدتها في معركتها مع روسيا، أعيد إرسالها إلى إسرائيل لاستخدامها في «صراعها ضد حركة حماس ».

وبلغ حجم الدعم العسكري الأمريكي ل إسرائيل أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة جاءت من خلال جسر جوي ضخم شملت:
ذخائر الهجوم المباشر «كيه.إم.يو-572».

قنابل «إف.إم. يو-139».

مركبات مدرعة وأسلحة ومعدات حماية شخصية وأخرى طبية وذخيرة.

25 مقاتلة «F35».

25 مقاتلة «F-15 AI».

12 طائرة أباتشي.

قنابل وقذائف مدفعية ومركبات مدرعة فضلاً عن معدات قتالية للجنود.

كما زوّدت أمريكا إسرائيل بـ 100 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز «بي إل يو-109».

57 ألف قذيفة مدفعية، و5 آلاف قنبلة من طراز Mk82»، و5400 قنبلة برءوس حربية «Mk84»، وحوالي ألف قنبلة ذات قطر صغير «GBU-39»، ونحو 3 آلاف قنبلة «جدام»، وعشرات المقاتلات «إف-35» و «إف-15».

وسرعان ما حاولت الولايات المتحدة تجميل المشهد بشكل زائف، ذرًّا للرماد في العيون، عندما أعلنت أنها أوقفت إحدى صفقات السلاح الخاصة ب إسرائيل اعتراضًا على اجتياحها لمدينة رفح بلغ حجم تلك الصفقة، 1800 قنبلة زنة الواحدة منها ألف رطل (907 كيلوجرامات)، و1700 قنبلة زنة الواحدة منها 500 رطل (226 كيلو جرامًا).

الترسانة الأمريكية الضخمة التي تنقلها للمنطقة بهدف عدم حدوث حرب إقليمية هي مقامرة من جانب الإدارة الأمريكية، خاصة أن قرار مجلس الأمن رقم 2728 الصادر في 24 مارس الماضي ب وقف إطلاق النار لم تنفذه إسرائيل وواصلت قتل المدنيين واستهداف المستشفيات والمدارس وتدمير البنية التحتية وقتل الأطفال الفلسطينيين والنساء.

(2)جاءت زيارة بلينكن للمنطقة أشبه بمحاولة الظهور في المشهد في الوقت الذي تعلم فيه أن الجانب الإسرائيلي غير جاد في المفاوضات بشأن الوصول إلى وقف حقيقي لإطلاق النار بشكل كامل.

بل إن الجانب الأمريكي تحدث عن أن المفاوضات التي تقودها مصر وقطر و الولايات المتحدة هي بمثابة الفرصة الأخيرة لكنه لم يتحدث بذلك الحديث عندما كان في إسرائيل أو مع حكومة نتنياهو .

لقد حشدت واشنطن قواتها تحت زعم التحسب لرد الفعل الإيراني تجاه إسرائيل عقب اغتيال إسماعيل هنية، وهي (واشنطن) تدرك تمامًا أن رد الفعل الإيراني قد يكون ردًا نوعيًا أو استخباراتيًا، وليس الدفع باتجاه حرب إقليمية أو قد لا يحدث!

إن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من مواصلة الدعم غير المبرر للحكومة الإسرائيلية التي لا تستهدف الوصول إلى تهدئة حقيقية باستمرارها في عمليات الاجتياح لرفح وتواجدها في محور فيلادلفيا بزعم أنها تحافظ على عدم وصول الأسلحة إلى حركة حماس واستمرار عرقلة وصول المساعدات إلى الفلسطينيين، لن يصل بالمفاوضات إلى وقف إطلاق النار خاصة إذا كان الوفد الإسرائيلي المشارك بلا صلاحيات من رئيس الحكومة الإسرائيلية في الوقت الذي يقوم وزيرا المالية والثقافة في حكومته بتصرفات استفزازية بين الحين والآخر قد تؤدى إلى إشعال المنطقة، حينها ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في أزمة كبرى غير مأمونة العواقب، بل إنها قد تكون أول الخاسرين فيها.

الأمر الذي يستوجب على إدارة الرئيس بايدن إدراك خطورة استمرار الدعم المطلق لإسرائيل، وعدم ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو لتنفيذ وقف إطلاق النار والاستجابة للمبادرة التي أطلقتها مصر وقطر و الولايات المتحدة بشأن التوصل لوقف نهائي لإطلاق النار، والتوقف عن المماطلة وعدم استخدام سياسة احتلال أي أراضٍ يكون من شأنها سكب المزيد من البنزين على النار.

إن الإدارة الأمريكية عليها أن تقرأ المشهد جيدا في منطقة الشرق الأوسط، لا أن تواصل الدفع بمزيد من القوات والتسليح إليها لأن الحلول العسكرية لا تحقق الهدف، فكل الأزمات التي وقعت واستخدمت فيها الحلول العسكرية لم يكتب لها النجاح بل ازداد حجم التوتر وكان الحل السياسي هو الأفضل.

فكل بؤر التوتر على مستوى العالم كانت بسبب اللجوء للحلول العسكرية، وعدم الاستجابة للحل السياسي.

التنظيم الذاتي للإعلام :

مبادرة التنظيم الذاتي للإعلام الرياضي والبرامج الحوارية والأنشطة الإعلانية التي تبناها المجلس الأعلى للإعلام، جهد مشكور ونتائج وتوصيات مهمة في إطار النهوض بالإعلام المصري.

أضف تعليق