مقدمة لابد منها:
٤٦ عاما مرت على أعظم الأيام في تاريخ مصر، انتصار أكتوبر، تلك الحرب المجيدة التي أعادت للعرب، ومصر، جزء من حقهم المسلوب من العدو الإسرائيلى، وأعادت للعسكرية المصرية كرامتها كاملة، بعد خسارة نكسة ١٩٦٧ .
وفى الطريق إلى نصر أكتوبر ٧٣ كانت هناك ملاحم أسطورية سطرتها الجندية المصرية، حكايات زاخرة بالتضحيات عنوانها البطولة، وتفاصيلها أشبه بالخيال، لكنها حقيقية مائة بالمائة، وموثقة، هى جزء من تاريخ مصر العزيز، وفصل فى كتاب الانتصارات، ووسام على صدر الأبطال الذين خاضوا الأهوال لتحقيقها، وهى أيضا زاد الأجيال الباحثة عن الهوية.. والانتماء.. وعنوان الوطن.
الذكريات التالية سبق نشرها على حلقات فى مجلة " أكتوبر" التى تحمل اسم النصر، والتى تصدر عن مؤسسة " دار المعارف"، ونعيد نشرها فى الذكرى ٤٦ للنصر ليس فقط للتذكرة، ولكن أيضا للاستلهام، والتزود بطاقة مواجهة لتحديات الحاضر والمستقبل.. فالحرب على مصر لم تنته.
فقط ننبه أن ذكريات أبطال جيشنا العظيم فى هذه الحلقات تتناول أحداث
سبقت حرب أكتوبر، درات فيما عرف بحرب الاستنزاف، وأخرى حدثت فى حرب أكتوبر المجيدة، وننبه أيضا أن صانعى هذه الأحداث، والمشاركين فيها، الأبطال العظام منهم من انتقل الى رحمة الله ومنهم مازال على قيد الحياة أعطاه الله الصحة والعمر.
هم الرجال الذين ساهموا في صنع جزء غال من تاريخ مصر ولابد أن نستعيد بطولاتهم لنعطيهم جزء بسيط من حقهم، علينا، وعلى الوطن.
- ( جوكر ) المجموعة 39 قتال يتذكر بطولات المجموعة فى سيناء
- فهد سيناء و44 عملية فدائية خلف خطوط العدو فى سيناء
- تدمير موقع لسان التمساح ثأراَ لمقتل الشهيد الفريق عبد المنعم رياض
- أبو الحسن أحضر الدليل على إغراق المدمرة إيلات من تحت عمق 54 مترا
أجرت الحوار: سلوى محمود
بعد نكسة عام 1967 طلبت القيادة السياسية من القوات المسلحة القيام بعمليات عسكرية للرد على الجيش الإسرائيلى ورفع الروح المعنوية لافراد الجيش المصرى واضعاف الروح المعنوية للجنود الاسرائيليين، وبالفعل قامت الوحدات الخاصة بالقوات المسلحة بتجهيز أفراد للقيام بعمليات فدائية ضد العدو الإسرائيلى داخل سيناء. وبعدها تقرر تكوين مجموعة قتالية تضم نوعية خاصة جدا من المقاتلين، هى المجموعة 39 قتال والتى كان قائدها الشهيد الأسطورة العميد إبراهيم الرفاعى، تلك المجموعة ضمت مجموعة من الأبطال فوق العادة، كانوا خيرة جند الجيش المصرى خاصة من قوات الصاعقة، والضفادع البشرية والصاعقة البحرية، كل منهم كان يتميز بشئ لا يتميز به أى فرد عادى. تلك المجموعة التى قامت على مدى ستة سنوات من عام 1967 حتى انتصار أكتوبر 1973 بعشرات العمليات الفدائية خلف خطوط العدو فى سيناء وفى فلسطين وعلى الحدود السورية الفلسطينية..
كل فرد من أفراد تلك المجموعة كان بطلا بالفعل، نسوا أولادهم وباعوا حياتهم فداء لتراب الوطن الغالى، وما فعلوه فى الإسرائيلين جعل قادة الجيش الإسرائيلى فى حالة هيستريا دائمة ورغبة مجنونة فى معرفة أفراد المجموعة الذين اسماهم موشى ديان (الاشباح )والوصول إليهم أحياء أو أموات وكان على رأس المطلوبين ثلاثة أفراد، قائد المجموعة إبراهيم الرفاعى، والقائد الثانى للمجموعة د. على نصر، والمقاتل البطل على أبو الحسن ، هذا الرجل الذى شارك فى 44 عملية خلف خطوط العدو، كل عملية منها أشبه بالقصص الأسطورية، هذا الرجل أطلق عليه زملاؤه لقب الجوكر فقد كانت شجاعته تتبدى دائما فى أوقات الأزمات لتنقلب الأمور رأسا على عقب فقد كان أحد أبرز مقاتلى المجموعة 39 قتال،اما قائده امير الشهداء الشهيد ابراهيم الرفاعى فقد اطلق عليه لقب الجمل والعين الثاقبة لما تميز به من صبر وجلد وقوة ملاحظة وشجاعة مفرطة قد تصل إلي حد التهور في نظر البعض.
وعلى أبو الحسن بسبب شجاعته ال أسطورية كان صف الضابط الوحيد بالجيش المصرى الذى يحصل على وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى وهو أعلى وسام مصرى يمنح بعد حرب أكتوبر ولم يحصل عليه من الطبقة الأولى إلا الضباط فقط، وكان قد حصل قبل ذلك على 3 أوسمة شجاعة ونوط الجمهورية ووسام الشجاعة الليبى. وبعد كل تلك السنوات يحكى أبو الحسن بطولات المجموعة 39 قتال، من خلال عدد من العمليات البارزة التى قامت بها المجموعة على مدى ستة سنوات بداية من عملية رمانة مروراً بميناء إيلات ومطار الطور ولسان التمساح والكارنتينا وغيرها من العمليات وكيف انتقم المصريون لمقتل الشهيد عبد المنعم رياض، وقصة الأسيرة الإسرائيلية والتى جعلت إسرائيل تحرم دخول فتياتها إلى معسكرات الجيش الإسرائيلى، وغيرها وغيرها من القصص يرويها البطل على أبو الحسن وصولا إلى ليلة "الفرح الكبير" أو نصر أكتوبر وماحدث ليلة الحرب وما حدث فى الثغرة.
سمعت الكثير والكثير عن هذا الرجل وعن شجاعته وبطولاته الفذة. ما سمعته وما علمته عنه جعلني أوقن أنني أمام نوعية خاصة جداً من البشر فهو بطل فوق العادة أحب هذا الوطن، وتفاني في خدمته، ووهب حياته لتحرير ترابه، وآمن أن جهاده لتحرير وطن تمت سرقته فى لحظة غدر هو جهاد في سبيل الله وكان هذا هو بداية الطريق لبطولته،التقيته منذ حوالى عشرون عاما وعندما كان يحكى كنت اشعر انه يحكى احداث حدثت بالأمس القريب،والتقيته مرات ومرات ،وفى لقائى الاخير معه منذ ستة أعوام فى المكتب الصغير بحى الانفوشى بالاسكندرية والذى اطلق عليه اسم (وسام نجمة سيناء )،وفى ذكرى نصر اكتوبر اعظم ايام مصر الحديثة،وجدته هو نفس الرجل بنفس الحماس وكان يحكى ايضا وكأن الاحداث حدثت بالأمس،وتركته يحكى اعظم القصص التى عاشتها مصر،حتى نتذكر معه ولا ننسى رجال مصر العظام.
كيف كانت البداية ؟؟
البداية كانت عام 1958 حينما كنت طالباً بالصف الثاني الثانوي التجاري ولإني أعيش بحي رأس التين بالإسكندرية فقد عشقت البحر وتأثرت به فقررت التطوع بالقوات البحرية دون علم أسرتي، وتركت المدرسة من ذلك الوقت، وفي مركز تدريب البحرية كنا نختار بين الوحدات فاخترت أولاً الضفادع البشرية ثم الصاعقة البحرية ثم الغواصات وكلها أعمال فدائية وكنت في ذلك الوقت صغير السن ولا أدري ما أطلبه.
وحصلت علي فرقة ضفادع بشرية وكنت الأول علي الدفعة، وكان النظام في الوحدات المقاتلة أن يتم تدعيم المقاتل في فرقة الضفادع إما بفرقة صاعقة بحرية أو فرق مظلات وقد حصلت علي الفرقتين، ثم حصلت علي فرقة إنتحارية تسمي (الطوربيد البشري)،وفرقة تسمى الخنزير البشرى،وفرقة قادة قفز ثم كنت مسئول فريق القوات البحرية فى الكفاءة الجسمانية ،كما حصلت على فرقة هجوم،مع الملازم اول شريف الصادق فقد كنت (البودى )الخاص به وهذا الرجل هو من سقانى اساسيات عمل الضفدع البشرى فقد كان يقرأ كثيرا فى هذا المجال ثم يلقننى اثناء التدريب ما قرأه.
بعد ذلك خدمت في اليمن أثناء حرب اليمن وأثناء حرب 1967 عدنا من اليمن إلي مركز تدريب الفدائيين بعد ما طلبت القيادات العليا للقوات المسلحة من الوحدات الخاصة تجهيز عمليات للرد علي الجيش الإسرائيلي. فقامت كل الوحدات بتجهيز أفراد للقيام بالعمليات وكنت من ضمن هؤلاء الأفراد،وقد تعرفت اثناء خدمتى على د.محمد عالى نصر وكان ضابط طبيب وكان متخصصا فى طب الاعماق وكان ضفدع بشرى فى نفس الوقت،هذا الرجل كان قد علم بمحاولة انقلاب على القيادة بعد عام 1967،وعندما ابلغ من المحاولة تم نقله الى المخابرات الحريبة خوفا عليه لان محاولة الانقلاب كان متورطا فيها ضابط شقيق لاثنين من قيادات القوات البحرية،وفى المخابرات الحربية تعرف عالى نصر على الشهيد العظيم ابراهيم الرفاعى والذى شكل فيما بعد المجموعة 39 قتال.
ومتي انضممت للمجموعة 39 قتال ؟
في تلك الفترة بعد حرب 1967 كان الشهيد إبراهيم الرفاعي يرسل إشارة كل فترة للوحدة يطلب عدد من الأفراد من الصاعقة البحرية أو الضفادع البشرية لتقوم بعمليات ثم تعود لوحدة الضفادع مرة أخري،وكان د.محمد عالى نصر قد رشحنى للاشتراك فى تلك العمليات واعود بعدها لوحدتى، ثم صدر أمر بتشكيل المجموعة 39 قتال بقيادة الرفاعي وكانت تضم أفضل وأشجع مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية، ووصلت إشارة لوحدة الضفادع بأن بعض الأفراد مطلوبين للانضمام للمجموعة 39 قتال وكنت من ضمنهم ومعى معلم الضادع بانسبة لى عبد العزيز عثمان ، وانتقلنا إلي مقر قيادة المجموعة بالقاهرة وبدأنا بعدها القيام بعمليات خلف خطوط العدو وكانت عمليات متنوعة منها القيام بزرع ألغام، والتفجيرات، وجلب الأسري، وعمليات كسر الروح المعنوية للعدو.
ماهى اول عملية قمتم بها في سيناء؟؟
عملية رمانة
كان أولي العمليات التي قمنا بها هي عملية رمانة وهى زرع ألغام في منطقة رمانة داخل وحدة مقاتلة للجيش الإسرائيلي وذهبنا إلي بورسعيد وكانت أقرب مكان لرمانة، ونزلنا في قوارب الزودياك حتى وصلنا إلي رمانة وتسللنا إلي الموقع وقمنا بزراعة الألغام دون أن يكتشفنا أحد وأثناء قيامنا بالعمل شاهدنا ثلاث سيارات تحمل جنود ومعدات آتية في اتجاهنا فجرينا إلي القوارب وابتعدنا عن المكان واراد الله أن نري نتيجة عملنا بأعيننا فقد مرت السيارات فوق الألغام وانفجرت كلها واستطعنا التقاط الإشارات اللاسلكية التي أرسلوها لقيادتهم وعملنا منها حجم الخسائر من العملية.
لسان التمساح :
ومن العمليات التي لا أنساها أبداً عملية لسان التمساح ،وموقع لسان التمساح كان موقع عسكرى اسرائيلى وقد دخلناه ثلاث مرات،احداها كانت للثأر لمقتل الشهيد عبد المنعم رياض بعد استشهاده برصاصة غادرة من العدو، فقد كلفنا بأن ندخل إلي موقع لسان التمساح لعمل تفجيرات وإحضار اسري منه وعمل هجوم مباشر وكنا قد دخلنا هذا الموقع مرتين من قبل وفي بعض المرات كنا ندخل تحت ستار المدفعية المصرية فعرف اليهود أن المدفعية عندما تعمل يكون ذلك تمهيد لعلمية هجومية عليهم، وهم للحق أقوياء ويتعلمون من أخطائهم ولا يكررونها، وهذه المرة حينما بدأت المدفعية تعمل علموا أن هناك هجوم في الطريق فأقاموا لنا كمين داخل الموقع وحينما وصلنا إلي الموقع شعروا بنا وكان المنطقي أن يتم قتلنا كلنا أو أسرنا علي الأقل، وقطعوا علينا خط الرجعة لكي لا نصل إلي القوارب التي تنتظرنا علي الشاطئ.
فجاءت الأوامر من قائدنا إبراهيم الرفاعي بأن يعود كل فرد إلي الموقع المصري بطريقته لأن الطائرات والدبابات لاسرائيلية بدأت تتحرك لضربنا ، وبدأ الإسرائيليون في ضرب الهاونات الكاشفة وتحول الموقع إلي نهار ورغم ذلك نفذنا العملية ودمرنا الموقع وقتلنا حوالى 40 جندى اسرائيلى من قوة الموقع افراده وأخذنا أسري وخرجنا من الموقع والبعض منا لم يلحق القوارب وعاد إلي موقعنا وهو يسبح لمسافة 8 كيلومتر بل أن هناك أحد الأسري عدنا به ونحن نعوم، وللأسف في هذه العملية استشهد أحد أفراد المجموعة وأصيب عدد كبير منا وبعد ما وصلنا للموقع المصري جاءت أوامر من القيادة بعدم التحرك مرة أخري في تلك الليلة ،ولكن للاسف كان قد اصيب عدد منا ولم نستطع ارجاعه معنا لشدة الضرب ،فأصابتنى حالة هياج واخذت فى الصريخ واللطم على وجهى وانا اقول ان (اخواتى )مازالوا هناك ولابد ان نعود لاعادتهم،ووجدنا الرفاعي يقول (من يحب أن يأتي معي ليحضر إخوته) فقد صمم علي العودة في نفس الليلة لنفس الموقع في لسان التمساح ليحضر زملائنا المصابين الذين لم نستطع اصطحابهم معنا رغم معرفته بخطورة ذلك ولم يفرض علي أحد الذهاب معه (وللعلم فقد كان وهو القائد يخرج في كل عملية نقوم بها وقام بأكبر عدد من العمليات يقوم بها مقاتل في الجيش المصري وهي 48 عملية خلف خطوط العدو) وفي هذا اليوم نزلنا معه وكنا ثماني مقاتلين ركبنا أربعة قوارب وعدنا لنفس الموقع وعند دخولنا الموقع شعروا بنا أيضاً فجرينا إلي داخل الموقع وكنا نجري في حقل ألغام ولا نعرف موقع الألغام وكان الله معنا في كل لحظة فلم ينفجر لغم واحد في أي فرد منا ومن توفيق الله أيضاً أن فوجئنا أمامنا بموقع صواريخ "هوك" فضربناه وتحول إلي "جهنم" فانشغل اليهود بالموقع الذي أنفجر وكانت فرحتنا للوصل إلي زملائنا المصابين والعودة بهم وكانوا حوالي 20 فرد عدنا بهم كلهم إلي الموقع المصري وكان توفيق الله معنا في كل لحظة.
مطار الطور :
ويحكي أبو الحسن عملية من أهم العمليات التي قامت بها المجموعة 39 قتال وهي عملية مطار الطور فيقول : كان لدي الإسرائيليين في مطار الطور ممران للطائرات أحدهما خداعي يتم إضاءته والآخر حقيقي تطفأ أواره باستمرار حتى لا ينكشف، وكان هناك سفينة غارقة أمام المطار فوصلنا إليها وظللنا فيها أسبوع كامل لاستطلاع موقع المطار واكتشفنا حقيقة المطار الخداعي وبعد أن قمنا بالاستطلاع نفذنا عملية لضرب الممر الحقيقي والدشم ومخازن الذخيرة عن طريق صواريخ الكاتيوشا التي أحضرنا قواعدها من قاعدتنا ووضعنها علي المركب وركبنا فيها صواريخ وقتيه وصواريه وقتيه. وكنا قد عرفنا أسلوبهم وتصرفاتهم بعد قيامنا بعلميات الهجوم علي مواقعهم فقد كانوا يحضرون بعد القيام بالهجوم عليهم ليعرفوا حجم الخسائر والإصابات وبعد ساعتين تقريباً من الضرب كان ياتي عدد من القادة لمعرفة ما حدث. فخططن العملية بحيث نقوم بضربهم بالصواريخ الوقتية لتحدث إصابات لديهم وبعد نصف ساعة نضرب بصواريخ أخري لنصيب الذين حضروا لمعرفة الإصابات، ثم نضع الصواريخ التوقيتية ونضبطها علي توقيت معين ونترك الموقع لأنهم غالباً ما يكونوا قد اكتشفوا مكاننا لتضرب الصواريخ وحدها بعد رحيلنا وتصيب القادة الذين سيحضرون لمعرفة ما حدث. وقد كان ونفذت العملية بهذا الشكل وكان معنا في ذلك اليوم 10 قواعد صواريخ ووضعنا بكل قاعدة 8 صواريخ وكبدناهم خسائر ضخمة في الطائرات والأفراد والقيادات والذخيرة.
ميناء الطور :
ومن ضمن العمليات التي لا أنساها عملية ميناء الطور ففي هذه العملية كان الله معنا أيضاً في كل لحظة ونجونا من هلاك محقق فقد كنا نريد ضرب القاعدة البحرية بالطور بالآر بي جي والصواريخ فخرجنا في قواربنا من الغردقة ثم إلي جزيرة شدوان وكان بينها وبين ميناء الطور 90 كم ولأن البحر الأحمر به نسبة فسفور عالية فالقوارب كانت حينما تسير تقوم بعمل خط في المياه، وفي هذا اليوم ونحن في طريقنا للطور مرت فوقنا طائرة إسرائيلية فتلقينا أوامر من الرفاعي بإيقاف القوارب فوراً حتى لا ترانا الطائرة فتوقفنا لمدة ربع ساعة ودارت الطائرة فوقنا عدة دورات ثم رحلت فتحركنا لوجهتنا واعتقدنا أنها لم ترانا وكانت الحقيقة أن الطيار رآنا وصورنا وأبلغ قيادته فقاموا بعمل كمين داخل الميناء فوضعوا بالميناء 8 دبابات في حالة استعداد وجهزوا قوارب(الشيربور) الفرنسية وكنا نسميها (الدبور) لأن سرعة اللنش وحجم وتسليحه كان يبلغ 20 ضعف قوارب الزودياك التي نستخدمها وكنت قائد أحد القوارب التي اشتركت في العملية وكان بكل القوارب خزان احتىاطي للوقود وقاعدة صواريخ وكان هناك فرد مكلف بتغيير خزان الوقود عندما ينفذ الخزان الأول وكان اسمه في قاربنا محمود الجلاد فطلبت منه ونحن في الطريق أن يغير الخزان وأثناء قيامه بتغيير الخزان رأي اللنشات قادمة فقال لي وكان إبراهيم الرفاعي قد رأي اللنشات قادمة وأبلغنا باللاسلكي ولكن كان الإسرائيليون قد شوشوا علي أجهزة اللاسلكي فلم تصل لنا أوامر الرفاعي، وقلت للجلاد اترك الخزان وفوجئنا أننا نتجه مباشرة في إتجاه القوارب الإسرائيلية وهم يتجهون لنا فاصبحنا مثل كبشين يستعدان للتناطح، وفجأة اتخذ قاربان من قواربنا إتجاه اليمين، واتجه قارب الرفاعي لليسار في اتجاه الدبابات الموجودة بالميناء وكان قاربي هو الرابع ففوجئت "بالشيربور" أمامي فقمت بعمل خلف اتجاه وانطلقت في الإتجاه العكسي وورائي اللنشات الإسرائيلية وفجأة فرغ خزان الوقود وشعرت وكأن، هناك أسود تجري ورائي وتوقف القارب لإن الجلاد لم يستطع تركيب الخزان الاحتياطي وعندما توقفنا توقفت القوارب الإسرائيلية لأنهم اعتقدوا أننا نعد لهم كمين وكان هذا توفيق من الله وقمنا بسرعة بتغيير الخزان وانطلقنا مرة أخري في مسار متعرج لكي لا تصيبنا طلقات الرشاشات الموجودة علي اللنشات الإسرائيلية وأخذت أبحث عن النجم الذي نهتدي به في مسارنا وقلت للجندي المسئول عن (الآربي جي) أن يضرب وقررت أن أخرج الصواريخ وأضرب بها، ولكن الصواريخ عندما تنطلق تصنع قاذف نار من 30 - 45 متر ومعني ذلك أنها ستشعل القارب وكان معنا خزان الوقود فألغيت الفكرة، وكان معنا بالقارب قاعدتين للصواريخ فقررنا أن نلقي قاعدة منهم في الماء لنخف وزن القارب ونجري أسرع وبمجرد أن طلبت إلقاء القاعدة فوجئت بأحد الضباط علي القارب يحملها وحده (وكان وزنها نصف طن) ويلقيها في المياه والغريب أنه كان نحيف الجسم ولا أعرف حتى الآن كيف حملها وحده. ووصلنا إلي منطقة قبل الغردقة وكان الرفاعي قد وصل قبلنا وقام بتغيير جهاز اللاسلكي بجهاز آخر ونادي علي علي موجة ثانية وقال لي لا تدخل إلي الغردقة، وكان الإسرائيليون في هذا اليوم يقومون بعملية ضد الغردقة وتلقوا أوامر بإيقاف العملية وانتظارنا ونحن عائدين إلي الغردقة وكانت لنشات الشيربور قد توقفت عند مرحلة معينة ولم تستمر في مطاردتنا المهم أن الرفاعي كان قد رأي قواربهم عند دخوله الغردقة فاتصل بي و قال لي "خللي و دنك معايا" وقال هات الناس وتعالي وكنت أسير بأقصي سرعة بجوار الجزيرة التي كان المفروض أن ننزل فيها وأنا أتساءل ماذا يحدث لإن قوارب الإسرائيليين رأتني وكانت تنطلق خلفي وفوجئت بعدها بالقوارب المصرية خلفهم واكتشفت أن الرفاعي وضعنا كطعم لاصطيادهم ليستطيع أن يصيدهم وأمرني أن اتجه بأقصي سرعة لليسار، والقارب المصري الآخر لليمين وضرب هو القوارب الإسرائيلية بالآر بي جي فغرق لنش وأصيب آخر والثالث عاد إلي الطور.
أول اسير إسرائيلى:
ويروى ابو الحسن قصة اول اسير اسرائيلى تستطيع المجموعة اسره بعد حرب 1967،فيقول انه اثناء القيام بعملية فى موقع ( تل سلام )على شاطىء القناة وجدنا جندى مصاب وكان ضخم الجثة ويشبه كاسترو فى هيئتة وفى ذقنة فقمنا بأسره،وامرنا الرفاعى انا ومعى زميلى يسرى الفيل بالرجوع به الى الضفة الغربية للقناة واثناء ما كنا نعوم ونحيط به للعودة وهو كان ملازم اول بالجيش الاسرائيلى واسمه يعقوب رونيه وكان بطل مصارعة باغت الاسير يسرى الفيل وضربه فى رأسه ضربه قوية جدا حتى شعر يسرى الفيل بالدوار،وحاول ضربى فلم اجد حلا الا ان اشل حركتة عن طريق ضربه بالخنجر فى يده ثم امسكته من ذقنه وضربته برأسى فى رأسه ثلاث مرات حتى شعر هو بالدوار واستطعنا العودة به الى الضفة الغربية.
أول من رأى إيلات الغارقة
ومن الايام التى لا ينساها البطل على ابو الحسن يقول يوم اغراق المدمرة الاسرلئيلية ايلات،ويقول ابو الحسن:اعتقد انى مهما كنت قد فعلت من اخطاء فى فترة الشباب فإن الله لن يضيع نظرى لانى اول من رايت المدمرة ايلات وهى غارقة على عمق 50 مترا تحت الماء وانا من أكدت للقيادة ان ايلات هى التى غرقت بالفعل،ويروى الواقعة ويقول ان الجيش الاسرائيلى كان عندما يخرج دفعة من الكليات العسكرية كان لابد للطلبة ان يقوموا بعمليات حية،والمدمرة ايلات كانت تحمل طلبة يقومون بعمليات حية لتخرجهم حينما ضربت فى مصر،وكانت هذه المدمرة كثيرا ما تسير امام قواعدنا البحرية لاستفزاز جنودنا وكان قائد البحرية لا يفضل فكرة اغراقها تفاديا للمشاكل،وحينما رأى النقيب احمد شاكر المدمرة من قاعدة بورسعيد اتصل باللواء طلعت عبد الحميد قائد الضفادع البشرية وطلب منه ان يضرب المدمرة لاغراقها فقال له اللواء طلعت لو انت متأكد ما ستفعله اغلق اجهزة الاتصال (حتى لا يمنعه احد )وتوكلعلى الله ،وبالفعل ضربها بصاروخ اغرقها على الفور،وكان الجيش السوفيتى فى نفس الوقت قد اغرق غواصة نووية اسرائيلية ولم يعلن الموضوع حتى تلصق التهمة بالمصريين،فطلبت قيادة البحرية التأكد من الجسم الذى اغرقه احمد شاكر هل هو المدمرة ايلات او الغواصة،وتم تكليف ثلاثة من الغواصين وخرجت معهم مع د.محمد عالى نصر كحراسة وتامين وكان على نفس اللانش اللواء حسن نزيه هلوده قائد الضفادع البشرية،وكانت اجهزة التنفس الروسية التى مع الغواصين تعمل فى مدى عمق حوالى 15 متر فقط ،وبحثنا عن المدمرة لمدة اربعة ساعات ولم نجدها،حتى بدأت مياه البحر تتحرك فظهرت الحبال التى تربط المدمرة وامسكنا بها ونزل اول غواص الى البحر للبحث عن المدمرة، وخرج بعد دقائق وهو يقول ان جهاز التنفس لم يحتمل العمق ويدخل له مياه،فنزل الغواص الثانى والثالث بعده وتكرر نفس الموقف،وبدأ وجه اللواء هلوده يحتقن فقد كان لابد من تنفيذ العملية،وبدأت اتحفز رغبة فى النزول للمياة وشعر بى قائدى عالى نصر فقال لى البس وسأنزل معك،وبالفعل نزلنا سويا،بوعد نزولنا لعمق 15 متر وكنت انزل قبله وانظر له كل فترة ففوجئت به يشير لى اشارة معناها انه لا هواء ويشير لى لأعود،فلم استجب له وكان جهازى يدخل لى دفعات هواء ثم ماء فكنت استنشق الهواء واطرد الماء لاصرارى على استكمال المهمة،وصعدت اليه ودفعته بيدى الى اعلى ثم نزلت الى اسفل بسرعة ،وعندما وصلت الى عمق 30 مترا فوجئت ان جهاز التنفس منع الماء ويأتى لى بالهواء فقط فاسمريت فى النزول حتى رأيت المدمرة غارقة على عمق 54 مترا وكانت قد انقلبت على وجهها وغاصت مداخنها فى الرمل،فأخذت ادور حولها حتى وجدت فتحة بجسم المدمرة مكان الصاروخ الذى ضربها فدخلت منها للحصول على اى شىء يدل على انها ايلات،وعلى اية اوراق،وفوجئت بعد دخولى بالكثير من الجثث التى تعوم داخل المدمرة وتلتصق بالسقف ،وبعدها وجدت طفاية حريق مكتوب عليها بالعبرى والعربى اسم ايلات ،فأخذتها ثم وجدت جهاز لاسلكى فحملته،بعدها فوجئت بالجثث تتحرك من تاثير فقاقيع الهواء التى يخرجها جهاز التنفس،وتغلق الفتحة التى دخلت منها وتحول المكان الى ظلام دامس وتوقعت ساعتها انى سأدفن معهم تحت المياه،خاصة بعد ان بدأ الهواء ينفذ من جهاز التنفس،ولكن بعد قليل استعدت هدوئى ورأيت نقطة ضوء من الفتحة فعمت بسرعة اليها وحاولت الصعود بأقصى سرعة ولكن كان اللاسلكى ثقيل جدا ويعوق الصعود وكنت مصمما على حمله ،ومع الضغط الجوى بدأت عينى فى الجحوظ وبدأت دماء تسيل من انفى فاضطررت الى القاء اللاسلكى وحمل الطفاية فقط وصعدت مثل الصاروخ وفوجئوا بى بعد ان فقدوا الامل فى عودتى وقفز بعضهم فى المياه ومنهم قائدى عالى نصر الذى اخذ يحتضننى ويسبنى ويعنفنى فى نفس الوقت لانى لم التزم بالتعليمات وكنت سأفقد عمرى بسبب ذلك.
ويقول ابو الحسن الحقيقة لا اعرف لماذا يتجاهل الاعلام القائد الثانى للمجموعة د.محمد علاى نصر هذا الرجل العظيم الذى قام ب 58 عملية خلف خطوط العدو فى سيناء وكان الثانى قى ترتيب القيادة وترتيب عدد العمليات التى قامت بها المجموعة بعد الشهيد ابراهيم الرفاعى الذى قام بحوالى 60 عملية وكنت الثالث بعدهم فى الترتيب،وكان عالى نصر نعم المقاتل ونعم الاخ،وكان هو والرفاعى دائما فى مقدمة اى عملية نقوم بها وكانوا يعاملوننا كأننا ابنائهم اللذين لابد ان يعودوا بهم سالمين،رحمهما الله.
عمليات الاستفزاز للإسرائيليين :
ويحكي علي أبو الحسن عن العمليات التي كانت المجموعة تقوم بها لاستفزاز الإسرائيليين وإحباط الروح المعنوية لديهم فيقول : في إحدي المرات كنا نريد تصوير موقع للصواريخ يقوم بضرب القوات المصرية من الضفة الشرقية للقناة وكنا لا نعرف مكانه بالتحديد فقرر الرفاعي أن يقوم بتصوير هذا الموقع في عز النهار وليس بالليل كما كنا نقوم بكل عملياتنا، وكان هدفه إحباط الإسرائيليين، وبالفعل ذهبنا بالسيارات إلي موقع كبريت وكان أكثر مناطق القناة ضيقاً ونزلنا إلي الموقع وأخرجنا أنابيب هواء وأنزلنا بالون وقمنا بملئه بالهواء حتى انتفخ وكان برج المراقبة عند الإسرائيليين علي الضفة الشرقية يرانا بوضوح ونحن في الضفة الغربية واندهشوا مما نفعل وفجأة صعد الرفاعي إلي البالون ومعه د. علي نصر ولم يجعل الرفاعي أي من المقاتلين يصعد، وكان معهما كاميرات تصوير بعيدة المدي وكنا أسفل المنطاد نمسك بالسلك الذي يربط المنطاد وكان اثنان منا مكلفين في حالة سقوط المنطاد في الضفة الشرقية مكلفين بالعبور وإرجاع الرفاعي ود. علي نصر من عندهم، وصعد البالون وبدأ الرفاعي يقوم بالتصوير وتركنا الإسرائيليين بعض الشئ وفجأة صعدت طائرات مقاتلة من عندهم وكان الطيار ينوي أن يأخذ البالون في جناح الطائرة وهو يعتقد أنه مربوط بحبل ولكن الطيار اكتشف أنه مربوط بواير سلك فصعد فوق البالون وغير اتجاهه وقام بما يسمي بحاجز الصوت فحدثت فرقعة وعندما أخذ الطيار الدورة الثانية كنا قد سحبنا البالون بسرعة بعد أن قام الرفاعي بتصوير موقع الصواريخ وتحديد مكانه، وبعد أن عاد الطيار إلي موقعه صعد الرفاعي بالبالون مرة أخري ليستفزهم أكثر وأكثر.
ممنوع دخول الفتيات الإسرائيليات لقناة السويس
ويضيف أبو الحين قائلاً أن الإسرائيليين كانوا كثيروا ما يحاولوا استفزاز المصريين الموجودين علي الضفة الغربية للقناة، فكان يوم السبت هو يوم الترفيه بالنسبة للإسرائيليين وكانت تحضر لهم فتيات،ومجندات إسرائيليات للترفيه عن الجنود وكانوا ينزلون للسباحة في القناة ليستفزوا المصريين بتصرفاتهم فقرر الرفاعي أن نأسر إحدي هؤلاء الفتيات لكي يتوقف الإسرائيليين عن إحضار فتيات لجنودهم، وبالفعل خرجنا لعمل استطلاع لمعرفة مواعيد نزولهم القناة وأثناء الاستطلاع قاد لي د. علي نصر أن هذه العملية عمليتك خطط أنت لها ونفذها، وكان لدينا أجهزة تنفس تحت الماء مفتوحة يمكن أن تنكشف من خلال الفقاقيع التي تخرج منها فذهبت إلي الإسكندرية وأحضرت أجهزة تنفس بالأكسجين مغلقة لا تنكشف وكان الإسرائيليون ينزلون إلي القناة من الساعة الخامسة إلي السادسة وكان البرد شديد في ذلك الوقت فنزلت إلي القناة قبل الساعة الخامسة وسبحت حتى وصلت إلي شمندوره تتوسط المسافة بيننا وبينهم في القناة وكانوا معتادين أن يعوموا حتى يصلوا إليها وظللت تحت الشمندوره لمدة ساعة كاملة انتظرهم وكان معي طرف حبل والطرف الآخر كان يمسك به الشهيد إبراهيم الرفاعي ود. علي نصر وكان برج المراقبة عندنا يراهم بوضوح، ومن شدة البرد شعرت أن أطرافي تكاد تتجمد لإني لا أتحرك فأعطيت لنفسي مهلة 5 دقائق أعود بعدها لموقعنا إذا لم ينزلوا إلي الماء، وفجأة وجدت الرفاعي يجذب الحبل بسرعة وكان ذلك علامة علي أن الجنود الإسرائيليين نزلوا للمياه فانتظرت حتى وصلوا إلي الشمندوره وفجأة وجدتهم يعودوا للشاطئ مرة أخري، وأراد الله أن تكون هناك فتاة في نهاية الصف وبسرعة أمسكت بها ولففت الحبل حولها فبدأت في الصراخ بصوت عالي وبدأ الإسرائيليين يضربون بالرشاش حولنا حتى لا تصاب الفتاة وكان زملائي يسحبون الحبل بسرعة فصعدت إلي سطح المياه وأخذت الفتاة علي صدري حتى يتوقفون عن الضرب وسحبني زملائي حتى وصلت للشط وبدأت الفتاة تصرخ وتسبنا وتحاول خربشتنا وأخذناها كأسيرة ومن ذلك اليوم لم تجرؤ فتاة أو جندي إسرائيلي علي النزول إلي مياه القناة، وقد بادلنا الفتاة بعدد كبير من جداً من الأسري المصريين بعد ذلك "وحرمناهم" إحضار فتيات إلي جنودهم.
وأذكر في أحد المرات أن الشهيد الرفاعي كان يقوم بتصوير موقع إسرائيلي علي القناة من علي الضفة الغربية فرآه جندي إسرائيلي يقف علي الضفة الشرقية فقام بحركة سخيفة بيده لاستفزاز الرفاعي، فصوره الرفاعي وقام بتكبير الصورة وتوزيعها علينا وأمرنا أن نحضر هذا الجندي كأسير وبالفعل حفظنا شكله وبعد شهر كامل استطعنا أن نأسره عقاباً له علي فعلته.
دورة في عملية ميناء إيلات :
ويروي علي أبو الحسن قصة دوره في ضرب ميناء إيلات الإسرائيلي فيقول : أن الضفادع البشرية المصرية دخلت ميناء إيلات وقامت بتفجيرات فيه ثلاث مرات وفي المرة الثانية كانت مجموعة منا قد دخلت إلي ميناء إيلات عن طريق الأردن وأقمنا في كنيسة بالقرب من إيلات لمدة ثلاثة أيام وقد دخلنا فلسطين بمساعدة المخابرات الأردنية ورجال منظمة التحرير الفلسطينية واستضافنا القس في الكنيسة وساعدنا كثيراً وأثناء قيام الضفادع البشرية بتلغيم الميناء كنا نحن نضرب الميناء من الخارج بصواريخ الكاتيوشا وبعد أن انتهينا من الضرب خرجنا بسرعة إلي الحدود الأردنية ومنها إلي مصر.
ليلة الفرح الكبير :
ويتذكر علي أبو الحسن ما حدث قبل حرب أكتوبر فيقول : قبل الحرب بفترة كنا نشم رائحة شئ غير عادي يحدث وفوجئنا بتكثيف التدريب الغير عادي قبلها بحوالي شهرين ولم يكن هناك أي مجال للتعب أو الاعتذار عن التدريب وتم منع الأجازات، ويوم 5 أكتوبر 1973 جاءت لنا أوامر بالنزول إلي مياه القناة وسد فتحات أنابيب النابالم التي وضعها اليهود تحت مياه القناة لإشعال سطح القناة في حالة محاولة المصريين العبور، وكان الاستطلاع قد أحضر خرائط توزيع فتحات المواسير ونزلنا بالفعل إلي القناة وقمنا بسد فتحات الأنابيب بخلطة أسمنت سريعة التجمد في الماء وذلك في المنطقة التي كنا نعمل فيها وقامت وحدات أخري من الجيش بسد باقي الفتحات في مناطق أخري، وكانت الأوامر في هذا اليوم صارمة بعدم الاشتباك مع اليهود حتى لو كان أمامنا ألف يهودي بإمكاننا قتلهم.
ويوم السادس من أكتوبر عام 1973 كنا بمقر المجموعة بالقاهرة صدرت الأوامر لنا بأن يتحرك ستة أفراد ومعني ذلك أن العملية استطلاع لأن ستة أفراد كان عدد صغير، وتحركنا بالفعل الشهيد إبراهيم الرفاعي، ود. علي نصر و النقيب فؤاد مراد والمقاتلين مصطفي إبراهيم وأحمد مطاوع وأنا وذهبنا إلي المطار فلاحظنا أن هناك إجراءات أمن غير عادية وكانت الساعة الثانية عشرة والنصف ولاحظنا أن الطيران يتحرك بكثافة داخل المطار وكنا حتى ذلك الوقت لا نعرف حقيقة الموقف، ودخلنا إلي المنطقة التي كان يقف فيها سرب الطائرات الخاص بنا وصعد الرفاعي ود. علي نصر إلي القيادة وانتظرناهم حتى عادوا لنا وقال الرفاعي : (مبروك .. النهاردة الفرح الكبير) وكانت فرحتنا لا توصف وذهبنا إلي الطائرات الهليوكوبتر وركبنا كل اثنين في طائرة وكانت الطائرات قد تم خلع أبوابها الخلفية وطارت الطائرات مسافة طويلة حتى اعتقدنا إننا ذاهبين لإسرائيل حتى هبطت الطائرات في سفاجة وكان وقت الإفطار في المغرب فأفطرنا وركبنا الطائرات مرة أخري وصدرت الأوامر بتدمير 3 حقول بترول في سيناء وكانت المسافة بين كل حقل والآخر 5 كيلو متر وكانت الأوامر في حالة عدم وجود مقاومة أن تهبط الطائرات وتقوم بلصق ألغام في الحقول إما إذا كانت هناك مقاومة أن يضرب الطيارين الحقول بالصواريخ ونقوم بضرب الأفراد بالرشاش والذخيرة.
وكان تشكيلنا علي شكل رأس سهم كانت طائرة المقدمة هي طائرة الرفاعي ويقودها الطيار جلال النادي قائد السرب الخاص بنا وكنت في الطائرة التي علي اليمين وكانت الطائرة الثالثة علي اليسار.
وقرر جلال النادي أن يقوم بخدعة فاتجه لليمين داخل أرض العدو بحيث يعود إلي الحقول وكأنه قادم من المواقع الإسرائيلية ولكن فهم الإسرائيليون الخدعة وشعرنا ((أن الدنيا تمطر صواريخ)) بالعكس من أسفل لأعلي فأخرج النادي الصواريخ وبدأنا في ضرب الحقول وحولها إلي جهنم، وكنت في الطائرة الثانية ومهمتي كانت ضرب الأفراد بالرشاش ففوجئت بكمية هائلة من النيران تدخل الطائرة حتى إني أخفيت وجهي بيدي وكنت أقفز بداخل الطائرة من شدة النيران، وفجأة لم أري الطائرة الثالثة وكانت قد أصيبت بصاروخ فدارت الطائرتين الأخرتين ثلاث دورات للبحث عن الطائرة الثالثة فلم نجدها فعدنا إلي قاعدتنا بعد أن دمرنا الحقول الثلاثة وكانت المفاجأة هي أن المصريين اعتقدوا أننا إسرائيليين لأننا ذهبنا ثلاث طائرات وعدنا أثنين كما أن جلال النادي كان يقوم بحركة تحية معينة بالطائرة عند وصوله للقاعدة فاعتقدوا أننا نهاجم الطائرة ففتحوا علينا النيران وأصيبت الطائرتان فنزلنا قبل المطار بنحو 50 كم حتى جاءت طائرات أخري لحملنا وكنا قد حولنا الحقول إلي جهنم. وبعد أن عدنا كلفت المجموعة بالعمل في خليج السويس وحتى رأس محمد وكنا كل يوم نقوم بعملية ومنها عمليات في مطار الطور وميناء الطور وكانت العمليات برمائية وجوية حتى حدثت الثغرة،وفيها استشهد امير الشهداء العميد اراهيم الرفاعى ولهذا قصة اخرى.
المرح في مواجهة الخطر :
ويذكر علي أبو الحسن أنه رغم كل المخاطر التي كانت المجموعة 39 تتعرض لها إلا أنهم كانوا يواجهون كل ذلك بروح المرح والسخرية ويقول : كنا نذهب إلي أي عملية وكأننا ذاهبين إلي نزهة أو رحلة ممتعة، ولم تكن كلمة الخوف موجودة في قاموسنا، وكان الرفاعي رحمه الله يقول أننا نجاهد في سبيل الله فلا يجب أن ننتظر أي مقابل وكنا مؤمنين بذلك.وأذكر كثيراً من الواقف الطريفة التي حدثت لنا في تلك الفترة، فمثلاً د. علي نصر القائد الثاني وعلي الرغم من كونه ينتمي لعائلة أرستقراطية وثرية جداً إلا أنه كانت له هواية دائمة فكان يقول لي : ((أعمل لنا يا أبو الحسن شاي في الكريستال)) وكان الكريستال هذا هو علب الفول الفارغة وكان لا يشرب الشاي إلا فيها.
وأذكر في أحد المرات أننا كنا نتدرب في بحيرة قارون بالفيوم وكان موجوداً معنا خبير هولندي كان قد حضر و معه نوع جديد من القوارب لنقوم بتجربتة ، وفي فترة الراحة ذهبنا للتمشية في المزارع القريبة من البحيرة وكان معي زميلين كانوا يسبقاني وفوجئت بهم يعودان وهم يجرون بسرعة وسألتهم عما حدث فقالوا لي ثعبان ولم أكن أتخيل أن يفعل بنا ثعبان هذا ولكني رأيته وفوجئت بثعبان ضخم طوله أكثر من أربعة أمتار وكان هناك (نمسين) يناوشان الثعبان وجرحوه مما أهاج الثعبان وحينما رآنا النمسان هربا وجري الثعبان ورائنا حتى وصلنا إلي مكان التدريب ورآنا الرفاعي قادمين نجري مثل الريح وحينما لمحته تأخرت عن زميلي فسألهم الرفاعي ماذا حدث فقالوا له ثعبان فاستاء جداً أن يفعل فينا ثعبان ذلك ونحن المتعودين علي صيد الثعابين، ولم يسأل ولم يستفسر ولكنه قال جملة واحدة (إية ثعبان ؟ روحوا هاتوه). وكان لابد من تنفيذ الأمر وأمسك بي الغضب من زملائي فأمسكت أحدهم وضربته من غضبي فأين سنعثر علي الثعبان وسط المزارع وبدأنا نبحث عنه حتى وجدناه ووجدنا النمسان عادوا له وتعاملنا مع الثعبان حتى تمكنا منه وقتلناه وعدنا ونحن نسحبه وراءنا ونحن فرحين وبمجر أن رآنا الخبير الهولندي ورأي ضخامة الثعبان جري مثل الريح من الخوف، وقد أقمنا وليمة من الثعبان في ذلك اليوم وأكلت منه المجموعة كلها.
ومن المواقف الطريفة التي لا أنساها أيضاً أنني قبل أن انضم للمجموعة 39 قتال كان مقر عملي في لواء الضفادع بالإسكندرية وكنا نخرج مأموريات تستمر أسبوع أو اثنان أو شهر بالأكثر، وعندما انضممت للمجموعة صدرت الأوامر لنا بعدم إخبار أي شخص من مكاننا فكنت أقول لزوجتي أنني في مأمورية، وظللت علي ذلك لمدة عامين حتى ظنت زوجتي أنني تزوجت بأخري لأن مقرنا كان في القاهرة حتى أصبت في مرة بقاذف لهب في وجهي في إحدي العمليات وحدثت حروق بوجهي وعندما عدت في أجازة وأنا مصاب أيقنت زوجتي إنني كنت في مهمة عمل خاصة وكانت قد رأت رؤيا لي في منامها في نفس لحظة إصابتي وانتهي شكها في أنني تزوجت بغيرها.
وبعد كل هذه السنوات أقول الحمد لله الذي أقدرنا علي أن نقدم شئ ساهم في تحرير تراب وطننا وأقول رحم الله شهدائنا العظام الذين قدموا أرواحهم فداء لوطنهم.
تسعة أسرى بعلبة بيف!!
ويروى ابو الحسن قصة طريفة شاهدها اثناء حرب اكتوبر وهى قصة الجندى الذى اسر تسعة جنود اسرائيليين بعلبة (بولبيف)فيقول ان جندى مصر كان يقضى حاجتة فوجد امامه علبة (بولبيف ) ولكن كان المفتاح الخاص بها غير موجود،فحاول الجندى ان يسحب غطاء العلبة بأسنانه ففوجىء بمن يقول له بس يامصرى توقف،ونظر فوجد امامه تسعة جنود اسرائيليين فى حالة رعب وهم يتخيلون أن علبة البيف هى قنبلة يدوية، وفهم الجندى الذكى ما حدث واستمر فى خداعهم وامرهم بخلع احذيتهم وربط ارجلهم ببعض برباط الاحذية واخذهم اسرى امامه ،وعندما علم الفريق الشاذلى ما حدث قام بترقيته إلى رتبة شاويش على الفور.
ما رأيك فيما يقوم به الجيش فى سيناء حاليا؟؟
نعم الفعل ما يفعله الجيش فى سيناء الآن، سيناء التى استشهد فى سبيل عودتها الاف الارواح،لا يمكن ان تكون مأوى للإرهابيين و (المتشردين والصيع) من كل دول العالم، ولا يمكن أن يتركوا حتى يفعلوا فيها ما يريدون فهى أرض غالية جدا، وأنا قلبى مع كل جندى على أرض سيناء وأدعو الله لهم بالنصر، والحقيقة أن الفريق السيسى هو نعم الرجل ونعم القائد، وأنا لا أرى غيره حاليا يصلح لحكم مصر ويستطيع أن يعدل المايل وينهض بهذا البلد العظيم الذى تحمل الكثير، ولابد أن ننتظر ونتحمل حتى ننول ما نتمناه.
[caption id="attachment_347496" align="aligncenter" width="518"]
صورة على ابو الحسن وصور المجموعة ٣٩ قتال التى ينتمى لها[/caption]
[caption id="attachment_347497" align="aligncenter" width="360"]
على ابو الحسن[/caption]