دار المعارف - محمود درغام
ما أن تدخل متحف " جاير آندرسون " و المعروف بإسم " بيت الكريتلية " سيلفت نظرك ذلك البئر المغلق في أحد أركان الساحة، و الذي
يقول عنه الباحث الآثري أبو العلا خليل أن له الكثير من الحكايات، فالبئر يدعي " بئر الوطاويط " و قد أطلق علي الشارع" المجاور لمسجد "
أحمد بن طولون " و الذي يمكن رؤيته من شباك التسبيل بيت الكريدلية بنفس الإسم لشهرته بالمنطقة، و يذكر المقريزى فى الخطط أن هذه البئر
أنشأها الوزير ابوالفضل جعفر بن الفرات المعروف بأبن حنزابة عام 355هـ / 965م لينقل منها الماء الى السبع سقايات – أى سبعة أحواض
– التى أنشأها وحبسها لجميع المسلمين التى كانت بخط الحمراء – جهة السيدة زينب رضى الله عنها - ، فلما طال الأمر خربت السقايات ،
وبنى فوق البئر المذكور وتولد فيها كثير من الوطاويط فعرفت من حينذاك ببئر الوطاويط .
وثبت أبوالفضل جعفر بن الفرات على هذا البئر بلاطة من الحجر عليها كتابة فى ثلاثة عشر سطرا بالخط الكوفى وكتب عليها حسب ما ذكره
المقريزى " بسم الله الرحمن الرحيم ، لله الأمر من قبل ومن بعد وله الشكر وله الحمد ، ومنه المن على عبده جعفر بن الفضل بن جعفر بن
الفرات وماوفقه له من البناء لهذه البئر وجريانها الى السبع سقايات التى أنشأها وحبسها لجميع المسلمين ، وحبسه وسبله وقفا مؤبدا لايحل تغييره
ولا العدول بشئ من مائه ، ولا ينقل ولا يبطل ، ولا يساق إلا إلى حيث مجراه الى السقايات المسبلة . فمن بدله بعد ماسمعه فإنما أثمه على
الذين يبدلونه ان الله سميع عليم ، وذلك فى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم " .
و يذكر الباحث الآثري الراحل حسن قاسم فى موسوعة " المزارات الإسلامية أن هذه الكتابة التاريخية على نقش بير الوطاويط أقدم حجة وقف
فى مصر . كما يذكر د / فرج الحسيني في كتابه" النقوش الكتابية الفاطمية على العمائر فى مصر " أن نقش بئر الوطاويط من أجود نماذج
الكتابات الأخشيدية ويرجع الفضل الى " فان برشم " عام 1891م فى حفظ هذه الكتابة شديدة الأهمية والتى تبقى من أيامه الجزء العلوى من
الجانب الأيمن من هذا النقش ، وذكر فان برشم أن مادة هذا النقش من الحجر الوردى وجده مثبتا على حائط منزل مهدم، و لم يدرك فان برشم
وقتها نسبة هذا النقش الى العصر الأخشيدى الى أن قام " جاستون فيت " عام 1914م بعمل دراسة تاريخية وأثرية توصل فيها الى أن هذا
النقش هو نقش وقفية بئر أقامها الوزير جعفر بن الفرات والتى أوردها المقريزى فى خططه .
و " أبوالفضل جعفر بن الفرات " صاحب هذا النقش يعرف بأسم" إبن حنزابة " وحنزابة هى أم " أُبيه الفضل بن جعفر " و" الحنزابة " هى
المرأة القصيرة الغليظة ، و تولى رحمه الله الوزارة في عهد الدولة الأخشيدية ، و يذكر ابن خلكان فى وفيات الأعيان أن " إبن حنزابه " كان
عالما محبا للعلماء و اشتغل بعلم الحديث النبوى الشريف وبسببه أتي " الحافظ ابوالحسن على " الى الديار المصرية ، ومما يؤثر عن ابن
حنزابة صاحب البئر بشارع بير الوطاويط حبه الشديد لأقتناء ذوات السموم من الأفاعى والحيات والعقارب وأم اربعة واربعين حتى خصص
لهن قاعة جعل لها خدمة وفراشون . وكان كل حاوى فى مصر يقصده ويعرض عليه ماعنده فيجلس ابن حنزابة على دكة مرتفعة يشاهد
مايطرحه عليه الحواة فيتعجب من ذلك ويستحسنه ويثيبهم على ذلك اجل الثواب .
و يذكر بن شاكر الكتبى فى فوات الوفيات أن صاحب بير الوطاويط كان كثير الإحسان الى أهل الحرمين من الأشراف ، واشترى بالمدينة
المنورة دارا بالقرب من الضريح النبوى الشريف على ساكنه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليس بينها وبينه الا الحائط ، وأوصى أن يدفن فيها .
ولما توفى فى شهر ربيع الأول سنة 391هـ حمل تابوته من مصر الى الحرمين ، وخرج الأشراف من مكة الى لقاءه وفاء بما أحسن إليهم
فحجوا به وطافوا بعرفة ثم ردوه الى المدينة ودفنوه فى الدار التى اشتراها مجاورا للحبيب صلى الله عليه و سلم .