يعتبر زواج الملك فاروق والملكة فريدة يوم أسطوري يعرفه الكثير من المصريين ممن عاصروا هذا اليوم ، ولكن دعونا نتعرف بداية عن من هي الملكة فريدة ونعيش من خلال السطور التالية قصة جميلة لأحد ملوك مصر القديمة...
*من هي الملكة فريدة؟
أسمها الحقيقي صافيناز ذو الفقار ولدت فى 5 سبتمبر سنة 1921 ، وهى الزوجة الأولى للملك فاروق الاول ملك مصر ، وقد تزوجها فاروق وهو في سن الثامنة عشر فى 20 يناير سنة 1938 ، وكانت هى فى سن السادسة عشر .
و الملكة فريدة او صافيناز ذو الفقار هى كريمة صاحب السعادة يوسف ذو الفقار باشا وكيل محكمة الإستئناف المختلطة ، ابن على باشا ذو الفقار محافظ العاصمة السابق ابن يوسف بك رسمى أحد كبار ضباط الجيش المصرى فى عهد الخديوى إسماعيل ، ووالدتها زينب هانم ذو الفقار ، كريمة محمد سعيد باشا الذى رأس الوزارة المصرية غير مرة ، وإشترك قبل وفاته فى وزارة سعد باشا زغلول ، وكان أحد السياسين الذين شُهد له بالذكاء والدهاء وبُعد النظر والبصر بعواقب الأمور ، وكان للملكة فريدة أخوين من الذكور هما سعيد ذو الفقار وشريف ذو الفقار كما كانت زينب هانم ذو الفقار وصيفة الملكة نازلى بالاضافة الى انها كانت صديقتها ، وخالها هو المثال الكبير محمود سعيد .
و الملكة فريدة من مواليد مدينة الاسكندرية ، وقد تلقت تعليمها الابتدائى بمدرسة ( نوتردام دى سيون ) الفرنسية فى الرمل ، مما ساعدها على اتقان اللغة الفرنسية ، وكانت تعتبر تلك المدرسة من المدارس المتميزة .
وكان لها عدة هوايات خاصة الموسيقى وكانت بارعة فى العزف على البيانو والصيد ، وقد عُرف عن الملكة فريدة منذ صغرها ميلها إلى البساطة فى ثيابها وزينتها فكانت ترتدى ما هو أقرب إلى الحشمة وبعيداً عن الكُلفة .
وقد كانت صافيناز او " فافيت " وهو اسم الدلع الخاص بصافيناز ذو الفقار ، ، بالاضافة الى انها كانت فتاة ذات طابع هادىء وخجول .
وقد كان اسم فريدة اختاره لها الملك فاروق واسمها الأصلى هو ( صافى ناز - صافيناز ) .
رحلة اوروبا :
كانت الرحلة الملكية إلى أوروبا فى شتاء 1937 هى الخطوة الأولى فى سبيل القران الملكى السعيد ، إذ طلبت الملكة نازلى من والدة صافيناز ( فريدة فيما بعد ) طلبت منها ان تسمح لأبنتها صافيناز بأن تصاحب العائلة المالكة المصرية فى رحلتها الى سويسرا ، وكانت تلك الرحلة هى بداية العلاقة التى ربطت بين قلب الفتاه الصغيرة وبين الملك الشاب ، فقد حدث تقارب وتعاطف بين صافيناز والملك الشاب ، وقد رافقت الأسرة الملكية فيها صاحبة العصمة السيدة زينب هانم ذو الفقار وكريمتها ( جلالة الملكة فريدة ) وقد مهدت هذه الرحلة لصداقة متينة بين الملكة فريدة وصاحبات السمو الأميرات شقيقات الملك فوزية وفائزة ، وكانت فرصة للملك ليَطلع على صفات عروسه ويعرف ميزاتها .
الخطوبة السعيدة :
فى ذات أمسية من شهر أغسطس 1937 ، وبعد العودة من رحلة اوروبا كان الملك فاروق بمصيفه بالإسكندرية فقصد فى سيارته سراى سعادة يوسف بك ذو الفقار وكان فى إستقباله كريمة رب البيت الآنسة ( صافى ناز - فريدة ) لأن والدها كان قد سافر إلى بورسعيد ليُبحر منها إلى لبنان .
وكانت السيدة والدتها قد ذهبت إلى سراى سعادة حسين صبرى باشا لتقضى سهرتها مع أسرته الكريمة وعندما استقر المقام ب الملك فاروق حتى راح يسأل الآنسة النبيلة هل تقبله زوجاً لها ، فكانت مفاجأة سارة لم تعرف إزاءها إلا أن أحنت رأسها وقالت فى صوت حبسه الخجل والسرور ( هذا شرف عظيم يا مولاى ) .
وعندئذ صحبها جلالته فى سيارته إلى السيدة والدتها حيث أخبراها بما كان بينهما فطفرت من عينها دمعة الفرح وقالت لجلالته : تلك نعمة من الله وشرف كبير .
وكان سعادة يوسف ذو الفقار والد العروس قد سافر إلى بور سعيد فطلب الملك أن يظل أمر الخطبة سراً بينهما هو والعروس ووالدتها حتى يفاتح والد العروس بنفسه ، فأرسلت إلى زوجها برقية فى بور سعيد تطلب إليه أن يلغى سفره ويُعجِل بالعودة إلى الأسكندرية ، وتم محادثة حكمدار بوليس بورسعيد ليطلب إلى زوجها أن يَعدِل عن السفر فانزعج جداً وذهبت به الظنون كل مذهب ومرت بمخيلته طائفة من الفروض دون أن يخطر بباله أن القدر قد كتب لكريمته أن تكون ملكة على مصر .
وكان أن عاد يوسف بك ذو الفقار إلى الأسكندرية ليترف بمقابلة الملك فاروق ليطلب إليه الملك يد كريمته ثم أُعلنت الخطبة رسمياً .
وتعتبر تلك الفترة هى فترة النقاء الحقيقى للملك فاروق ، حيث كان لايزال شابا صغيرا ممتلأ بالامال ، يفتح ذراعيه للدنيا بأكملها ، كما كانت علاقته فى تلك الفترة من احسن الفترات السياسية فى حياته نظرا لكون شعب مصر كان يحبه حبا كثيرا ، بل وينظر اليه على انه الامل المنتظر لهم ، بعد فترة حكم الملك فؤاد التى شهدت الكثير من المواقف الصعبة .
وقد ازداد حب الشعب للملك بعد زواجة من الملكة فريدة ، اذ كان الشعب يقدر تلك الشخصية الرائعة والتى اعتقد انها بالفعل خلقت ... لتكون ملكة .
هدايا الخطبة الملكية :
فى أول زيارة قام بها الملك لسراى والد خطيبته كان يحمل ثلاث هدايا :
خاتم الخطبة وهو الذى كان الملك فؤاد الأول قد قدمه للملكة الأم ( الملكة نازلى ) فى مثل هذه المناسبة .
براءة الباشوية التى أنعم بها على والد خطيبته .
براءة الوشاح الأكبر من نيشان الكمال الذى أنعم به على السيدة والدة الخطيبة .
ثم توالت بعد ذلك الهدايا الملكية على الخطيبة النبيلة ، إذ قدم لها جلالته فى عيد ميلادها السادس عشر سيارة كابروليه ، وقدم لها فى مناسبة أخرى مصحفاً ثميناً يُعتبر تحفة فنية نادرة ، هذا غير الهدايا اليومية التى كان يبعث بها جلالته لخطيبته من الزهور النادرة والفواكه الحديثة الظهور والطيور والأسماك التى يصطادها بنفسه .
وكان الملك يقوم بزيارة خطيبته فى سراى والدها دون كلفة أو سابق إخطار ، فكثيراً ما كان يفاجئها مع والديها فيقضى معهم سهرة ممتعة ووقتاً جميلاً ، وعقب إعلان الخطبة الملكية لاحظ الملك أن صور خطيبته تتسرب إلى الصحافة ، فقصد سراى سعادة يوسف باشا ذو الفقار وطلب أن يرى كل صور خطيبته فأحضر الباشا كل ما عنده من صور كريمته فى أطوار حياتها المختلفة فوضعها الملك فى صندوق وأخذها معه إلى سراى المنتزه ، وهكذا استطاع أن يحول دون تسرب صور خطيبته ، ثم استدعى بعد ذلك أحد المصورين المهرة الخاصين بالبلاط الملكى وتم أخذ مجموعة صور للخطيبة فريدة ، احتفظ الملك بمعظمها عدا إثنتين سمح بنشرهما فى الصُحف ، وكان فاروق حريصاً على أن تُنشر صوراً لخطيبته وهى ترتدى ثوب طويل الأكمام يغطى الصدر والظهر يعتبر مثلاً من امثلة الحشمة والوقار والذوق الحسن .
ظل الملك يقضى معظم وقته مع خطيبته طوال مقامه فى الأسكندرية ، ولما عاد الملك إلى القاهرة إنتقلت أسرة العروس إلى القاهرة أيضاً حيث أُعِد لجلالتها سراى شماس بك بمصر الجديدة ، وقضيت بها فترة قصيرة هى الفترة التى سبقت عقد القرآن السعيد .
الشبكة ... العقد والتاج :
توالت هدايا فاروق على خطيبته فريدة ، كان أثمنها وهو ما أُصطلح تسميته ( الشبكة ) عُقد ثمين نادر أهداها إياه بمناسبة عقد القران السعيد وهو حلية نادرة المثال ذات ثلاثة أفرع من الماس الأبيض وتنتهى الأفرع من الناحيتين بمساكتين ذات ماستين نادرتين وقد بلغ ثمنه حوالى 27.000 جنيه واستغرق صنعه فى باريس عاماً كاملاً وكان من مفاخر معرض باريس الدولى .
أما التاج الذى اهدته الملكة نازلى إلى الملكة فريدة بمناسبة زواجها فكان عبارة عن تاج فى وسطه زُمردة نادرة وفى أعلاه ماسة برسم قلب وثمنه حوالى 7000 جنيه .
فستان الزفاف :
صُنع جهاز الملكة فريدة فى أشهر محلات الأزياء الفرنسية وقد حظى محل ( ورث ) بشرف صُنع ثوب الزفاف ، ومحل شانيل بصنع أثواب الملكة نازلى .
كان ثوب الملكة فريدة مصنوع من الدنتلة الفضية الثمينة وله كُمان طويلان وذيل قصير وفوق الثوب إرتدت جلالتها ( مانتو ) من قماش خفيف مفضض تّكون منه الذيل الذى بلغ طوله خمسة أمتار وغطى بالتُل الخفيف .
الاحتفالات الاسطورية :
صاحب الاحتفال بعقد القران والزفاف الذى تم يوم الخميس 20 يناير 1938 عدد من مظاهر الإبتهاج فى البر والبحر ، فقد تقدمت آلاف من طلبة الأزهر والمعاهد الدينية إلى ساحة قصر عابدين للتهنئة بعقد القران ووقفت تهتف بحياة مليكها ، من ناحية أخرى انتشرت فى الشوارع فرق لفرسان العرب فى عروض فروسية بخيولهم العربية الأصيلة عدة ليالى ، وفى يوم القران السعيد إزدحمت شوارع القاهرة وشرفاتها بعشرات الآلاف المصريين والأجانب فى إنتظار موكب الظهور العظيم الذى بدأ سيره عند الظهر من سراى عابدين إلى سراى القُبة العامرة .. فبدا كأنه أُمه فى مهرجان .
وبعد أن وصلت مواكب الزهور إلى سراى القُبة أخذت إحدى عرباته تمر أمام السراى فى هيئة إستعراض وظلت تطوف هذه المواكب حتى ساعة متأخرة من الليل .
وفى الجمعة 21 يناير شاهد الملك والملكة استعراض المرشدات والكشافة ، وفى نفس اليوم قصد رجال الجيش ساحة قصر عابدين ليهنئوا قائدهم الأعلى بقرانه المبارك ، ويجددوا عهد الولاء له وقد عرض الجيش بفرقه وأدواته المختلفه من مدافع ثقيلة ودبابات وغيره .
ويوم الأحد 23 يناير وفد على القاهرة رجال الطرق الصوفية من مختلف أنحاء القطر ، وبعد ان ادوا فريضة الظهر قصدت جموعهم قصر عابدين كل فرقة منفصلة عن غيرها حاملة علمها الخاص هاتفين بحياة الملك .
كانت أيام الاحتفال بالزفاف عيداً للفقراء ، إذ إنتهزت الجمعيات والهيئات والأندية الخيرية هذه المناسبة السعيدة وقاموا بتوزيع الصدقات وإطعام الفقراء .
وبدت القصور الملكية خلال ليالى الإحتفال وكأنها قطع ماس ، حيث تم إنارة القصور ودور الوزارات ، فحولت الليالى إلى نهار مُشرِق على نحو يدعو للسرور والبهجة ، كما تم إنارة مجرى نهر النيل من عند بدايته عند فندق سميراميس ، وكانت الأنوار التى تنعكس على مياهه من زينات الذهبيات والقوارب أشبه بأشعه سياله .
كما احتفلت المساجد فى جميع أنحاء البلاد بالزفاف السعيد ، فاكتسبت حُلة باهرة من الأنوار طوال ليال الاحتفال وكانت مآذنها وقبابها المضيئة تنشر البهجة والسرور .
حفل عقد القران :
كان حفل القران قبيل ظهر الخميس 20 يناير بقصر القبة ، حيث تجمع معظم النبلاء والآمراء والوزراء ورجال الدولة للمشاركة فى الإحتفال بعقد القران ، الذى لم يحضره سوى جلالة الملك ويوسف باشا ذو الفقار والد الملكة ووكيلها وشاهدا الزواج وفضيلة الأستاذ الأكبر ورئيس محكمة مصر الشرعية فضيلة الشيخ( محمد مصطفى المراغى ) الذى عقد القران
فكان الشاهدان هما دولة على ماهر باشا و سعيد ذو الفقار باشا ، وبعد عقد القران تم توزيع علب مِلَبِس ثمينة على المدعوين ، وتوزيع شيلان كشمير فخمة على أصحاب الفضيلة العلماء .
وقبيل الساعة الخامسة والربع من مساء نفس اليوم ، وقف جلالة الملك فاروق الأول فى إحدى شُرفات سراى القبة ينتظر وصول عروسه ، التى وصلت وفى رفقتها الأميرة نعمت مختار ، فاستقبل جلالته العروس ثم صعد إلى جناحه الخاص وبعد عدة دقائق خرج صاحبا الجلالة إلى الحديقة .
بوفية العرس :
بلغ طول الكعكة الخاصة بالقران السعيد حوالى خمسة أمتار ، وكانت من صُنع حلوانى الخاصة إبراهيم على يوسف ، وامتدت مائدة الفرح لمدة يومين كان عليها كل أنواع الأطعمة العربية والفرنسية وعدد من التورتات التى زينها الشعار الملكى .
شهر العسل :
بعد أن انقضت أيام الإحتفال الرسمية قصد الملك فاروق ومعه عروسه مساء يوم الإثنين 24 يناير إلى قصر أنشاص ، ليقضيا هناك أسبوعين فى هدوء الريف .
هدايا الامراء والنبلاء :
كان اشتراك أعضاء الأسرة المالكة جميعاً فى تقديم الهدايا لجلالة الملك والملكة من مظاهر عظمة الأسرة المالكة ، ومن أهم الهدايا التى اشترك فيها معظم أبناء الأسرة المالكة هى صينية وكوبين من الذهب الخالص ، وقد طُرزت أطراف الصينية بالألماس ونُقِش فى وسطها التاج الملكى وإسم الملك .
أيضاً من الهدايا القيمة المصحف الأثرى الثمين أهدته للملك الأميرة ( نعمت كمال الدين ) ، ومنشة ثمينة أهدتها الأميرة ( شويكار ) ونقاب نادر أهداه الأمير محمد على إلى العروس الملكة .
أما عن هدايا أوروربا فكان من أهمها بندقيتا صيد فخمتان أهداهما الملك جورج السادس ملك إنجلترا ، وتمثال من البرونز للملكة المصرية ( برنيسيس ) إحدى ملكات البطالسة وهو مماثل للمحفوظ فى متحف أثينا أهداه ملك اليونان بالإضافة إلى السيارة الفخمة التى أهداها إليه الهر هتلر ، وهدية ملك إيطاليا تمثال من البرونز لأمير إيطالى من آمراء القرن السابع عشر اشتهر بديموقراطيته وعطفه على الفقراء .
اما عن هدايا الشرق فكان أهمها النادى السودانى وهى مؤلفة من مروحة من ريش النعام بعضها من الذهب الخالص وتمثال غزال من سِن الفيل ، وقدمت الجمعية الإسلامية الصينية قصيدة مدح للملك باللغة الصينية مُطرزة على الحرير ، وكانت هدية سمو الأمير عبدالله أمير شرقى الأردن عبارة عن حصان عربى أصيل إضافة إلى عدد من الجياد العربية التى أهداها الملك عبد العزيز ملك السعودية .
هدايا الطوائف الدينية :
كانت الطوائف الدينية فى مقدمة الذين تقدموا بالهدايا إلى جلالة الملك بمناسبة قرانه السعيد ، من أهمها هدية بطريرك الأقباط وكانت عبارة عن تاج من الذهب الخالص ، وهدية بطريرك الروم الأرثوذوكس وكان عبارة عن شمعدانان أثريان من الفضة الخالصة ، وهدية الجالية الأرمنية كانت صندوق مصحف من الفضة المطعمة بالذهب ، وهدية الطائفة اليهودية كانت صندوق من الذهب مُرصَع بالزُمُرد والياقوت فى داخله ثلاث لوحات عليها آيات من مزامير داود عليه السلام .
كما ساهمت جميع الوزارات والهيئات والمصالح فى تقديم هدايا للتهنئة بالزفاف السعيد يضيق النطاق عن ذكرها جميعاً لكن كان أهمها مثلاً ، التمثال الخاص بأخناتون الذى قدمه الطلبه ، وهدية نقابات عمال الأسكندرية وهى رمز العمل مصوغاً بالذهب الخالص .
وهدية أعيان فيوم وهى كأس جميلة من الذهب الخالص وهدية هيئة المحكمة المختلطة وهى صينية ثمينة وطقم شاى فاخر ، وهدية ضباط بوليس الأسكندرية وهى علبة أثرية من الذهب مُرصعة بالألماس .
وكان الزواج حدثاً تاريخياً سعيداً لم تشهد مصر مثله منذ أجيال ، فقد تجلت مظاهر الإبتهاج على الشعب بمختلف طوائفه وطبقاته قبيل حفل عقد القرآن وبعده بعدة أيام ، فقد عم السرور أنحاء القُطر وقصدت القاهرة وفود الأقاليم حتى امتلأت بهم الفنادق والدور والشوارع .
قصر العروسين :
جرت العادة فى الدولة المتحضرة أن يُخصص لأولياء العهود قصور مستقلة يقيمون فيها بعيداً عن مقر الملك لكن الملك فاروق سواء كان ولياً للعهد أو ملكاً آثر البقاء مع والدته الملكة نازلى وشقيقاته ، وبعد عقد الخطبة الملكية رأت الملكة نازلى أن تتخلى للعروس عن السرايات الملكية حتى تقيم فيها مع الملك وتقيم هى فى سراى المغفور له والدها فى الدقى ، فلم يوافق الملك فاروق وأصر أن تظل جلالتها إلى جواره طفلاً وملكاً وخطيباً .
وعلى ذلك استقر الرأى على أن تقيم مع جلالة الملك وعروسه فى سراى القبة وأن يخصص لها ولصاحبات السمو الملكى الأميرات الجناح الذى كان يقيم فيه جلالته قبل الزواج مع تغيير طفيف على نظام الصالونات والردهات .
هذا فى فصل الشتاء ، أما فى فصل الصيف قتقيم الملكتان معاً كذلك فى سراى المنتزه ، على أن تقيم الملكة فريدة مع جلالة الملك فى السراى القديمة التى تطل على الميناء ، بينما تقيم الملكة نازلى والأميرات فى ( السراى الجديدة ) التى شيدها الملك الراحل قبل موته .
مراسم الاحتفال بالزواج الملكى السعيد فى شوارع القاهرة
بعد ان تمت الخطبة بين الملك فاروق وصافيناز ذو الفقار اختار لها الملك اسم فريدة ، وذلك لأنه يبدأ بحرف الفاء ، وهى عاده كان قد بدأها الملك فؤاد اذ سمى جميع اولاده بأسماء تبدأ بحرف الفاء بأستثناء ابنه اسماعيل من زوجته الاولى شيوه كار .
ابناء الملك فاروق من الملكة فريدة :
كان الملك فاروق لديه رغبة شديدة مثله مثل اى ملك من الملوك يرغب فى ان يرزقه الله بولد ذكر ليكون ولى العهد ، ولكن القدر لم يشاء تحقيق تلك الامنية للملك فاروق من زوجته الملكة فريدة ، فقد انجبت الملكة فريدة من الملك فاروق الاول بنات وهن الاميرة فريال والاميره فوزية والاميره فادية ، ومما لاشك فيه ان انجاب الملكة فريدة للبنات فقط دون انجابها لولى عهد ذكر ، كان له عامله السىء فى العلاقه بين الملك فاروق و الملكة فريدة بعد ذلك ، وصولا الى الطلاق فى 19 نوفمبر سنة 1948 بعد زواج دام احدى عشر عاما .
طلاق الملك فاروق و الملكة فريدة :
وجاء طلاق الملك فاروق و الملكة فريدة بعد قصة حب جميلة مما سبب صدمة للناس وأثار تساؤلاتهم وقتها حول أسباب الطلاق ، فالبعض أرجع ذلك لرغبة فاروق في إنجاب طفل ذكر ليكون وليا للعهد ، وقد ارجع البعض ذلك لكراهية الملكة فريدة لحياة القصر وما يحدث فيه من مفاسد ، وعدم قدرتها على احتمال حياة المجون والعبث التي كان يحياها الملك فاروق مع رفقائه من اعضاء الحاشية الملكية الايطالية الفاسدة ، بينما راح البعض يؤكد أن السبب وراء الطلاق هو شكوك الملك فاروق فى الملكة فريدة حيث تصور انها ترتبط بعلاقه مع احد الامراء .
وكان توقيت طلاق الملك فاروق للملكة فريدة فى 17 نوفمبر من العام 1948 ، وكان الشهر المذكور شديد الدقة بالنسبة لأوضاع الجيش المصري في فلسطين ، إذ كانت القوات الإسرائيلية قد استولت على تقاطع الطرق ما بين «مستعمرة نجبا» وحتى «مستعمرة نيتساليم»، وبذلك تمكنت من احتلال شمال النقب ، وقسمت الجيش المصري إلى قسمين كل منهما معزول عن الآخر ، المجموعة الضاربة التي يقودها القائمقام أحمد عبدالعزيز وقيادتها في بيت لحم، والمجموعة الرئيسية التي يقودها اللواء أحمد محمد المواوي وقيادتها في المجدل على الطريق الساحلي .
وكان ذلك هو الوقت الذي اختاره الملك فاروق لإتمام طلاقه من المرأة التي أحبها ، والمدهش في الأمر أن الملكة فريدة أرادت أن تعرّف السفارة البريطانية بالتفاصيل الدقيقة لما جرى معها ساعة الطلاق ، وكانت الأميرة سميحة حسين ابنة السلطان حسين كامل ، ووالدة وحيد يسري باشا ، هي التي دعت المستشار الشرفي في السفارة السير والتر سمارت لتنقل له على لسان الملكة تفاصيل ما وقع لها .
وكتب السير والتر سمارت تقريرا عن لقائه والأميرة سميحة حسين ، مشيرا إلى أن الاميرة سميحة حسين أبلغته بالتفاصيل نقلا مباشرا عن الملكة فريدة وكان نص التقرير كما يلي :
يوم 10 نوفمبر طلب نجيب سالم باشا مدير الخاصة الملكية مقابلة الملكة فريدة على وجه الاستعجال ، وأبلغته باستعدادها لمقابلته على الفور في جناحها الخاص ، وجاء نجيب باشا ، ومعه ظرف سلمه للملكة ، وكانت فيه ( ورقة طلاق ) .
قال لها نجيب سالم «باشا»: إن جلالة الملك يعطيها مهلة شهر لكي تجد لنفسها مكانا تقيم فيه وتخرج من القصر الملكي ، وأبلغها أن الملك سوف يحتفظ بحضانة البنتين الأكبر «فريال وفوزية» ، لكن الأصغر وهي فادية ستظل في حضانتها هي حتى تبلغ سن التاسعة ، وسوف تتكفل الخاصة الملكية بجميع نفقاتها ، وهذه النفقات تشمل كل ما هو لازم لأميرة ملكية من الحضانة والتربية والتعليم والخدمة وهذه إضافة مستقلة عن التسوية المالية مع الملكة نفسها .
وتنقل الأميرة سميحة حسين إلى السير والتر سمارت بالنص : «إن الملكة فريدة شكرت نجيب سالم على إبلاغه بهذه الأخبار ولاحظت حرجه وهو يقوم بمهمته ، ورجته هي إبلاغ الملك بأن يهتم برعاية «البنات» حتى لا يتحولن إلى «بغايا مثل عماتهن».
و«خرج نجيب سالم (باشا) مهرولا من جناح الملكة ، لكن أنتوني بوللي (بك) مدير الشؤون الخاصة للملك ما لبث أن وصل إلى جناحها مهرولا يقول إنه يريد جلالتها لكلمة واحدة» .
وتنقل الأميرة سميحة حسين عن فريدة بالنص : قال بوللي إنه يحمل رسالة ذات طابع سري من الملك ، وهي أن جلالته يريد منها أن تسلم التاج الذي كان في عهدتها ، وأن تسلم أيضا جميع المجوهرات التي تلقتها منه عند الزواج أو في مناسبة الزواج ، لأن تلك كلها متعلقات ملكية .
وردت فريدة بأنها سوف تسلمه التاج الآن ، على أنها تريد لفت نظره إلى أن هناك ماسة ضائعة فيه ، وأنها تتكفل بشراء بديلة لها توضع مكانها ، ثم قالت إنه بالنسبة للهدايا التي جاءتها من الملك عند الزواج أو في مناسبته فتلك أشياء تملكها هي الآن ، وأبلغها بوللي أن جلالة الملك مصمم على طلبه ، وقامت فريدة غاضبة وجاءته بكل ما كان عندها قائلة له «إنه عندما تهدأ أعصاب فاروق فإنها تريد أن تجلس معه على انفراد لحديث طويل» .
ذكرت الأميرة سميحة حسين «أن الملك فاروق كان قد أطلق اسم فريدة على «تفتيش زراعي» ملكه مساحته 1700 فدان ، وسماه فعلا باسم «الفريدية» ، لكنه لم يتخذ بعد «الاسم» أي إجراءات ، ومن الظاهر أن هذا التفتيش سوف يضيع على الملكة ، كذلك أشارت الأميرة سميحة حسين إلى أن الملك كان قد أهدى إلى الملكة فريدة قصرا قدمه له ابن عمته محمد طاهر (باشا) ، وهو قصر الطاهرة ، لكن فاروق لم ينقل «عقد الهبة» إلى فريدة ، وظهر أن هدية ابن عمته له موثقة ، وأما هديته إلى زوجته فقد كانت شفوية ، وبذلك فإن الملكة سوف تخرج بأقل القليل بعد إتمام الطلاق ، وهكذا خرجت الصحف المصرية .
وتناقلت عنها وسائل الإعلام العربية والأجنبية بلاغين صادرين عن ديوان حضرة صاحب الجلالة الملك :
البلاغ الأول : يعلن طلاق الملك فاروق من الملكة فريدة ، والسبب «أن حكمة الله وإرادته اقتضت وقوع الانفصال بين الزوجين الكريمين» .
البلاغ الثاني : يعلن طلاق الأميرة فوزية من زوجها محمد رضا بهلوي شاه إيران ، والسبب «ما ثبت من أن مناخ طهران لا يلائم صحة الأميرة المصرية التي تحملت ذلك المناخ حتى اعتلت صحتها ، ولم يعد في مقدورها الاستمرار» .
وفي اليوم التالي دعي مجلس البلاط إلى اجتماع عاجل لبحث مسألة طرأت للملك فاروق وهي ضرورة إصدار فتوى أو قرار شرعي يمنع الملكة فريدة من الزواج مرة أخرى في حياتها ، ويجعل مثل هذا الزواج باطلا مهما كانت ظروفه ، وكان داعي الملك إلى هذا الطلب أنه سمع خبرا عن احتمال أن تتزوج فريدة من وحيد يسري (باشا) ، وقد أراد أن يسبق احتمالات مثل هذا الزواج ويحول دونه .
* الملك فاروق يسعى لأستصدار فتوى لتحريم زواج الملكة فريدة بعد طلاقها منه :
وحاول فاروق استصدار فتوى من شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي ، بتحريم الزواج على فريدة من بعده ، لكن المراغي رفض الأمر لمخالفته الشريعة الإسلامية ، وإن لم تتزوج فريدة من بعده بلا فتاوى وهو ما يؤكد شدة حب الملك للملكة فريدة وغيرته عليها حتى بعد الطلاق والانفصال .
بعد الطلاق عملت الملكة فريدة بالفن ورسمت الكثير من اللوحات ، وشجعها خالها الفنان الكبير محمود سعيد على تنمية مواهبها في فن الرسم ، ولكن واجباتها الملكية صرفتها عن ممارسة الرسم ، لكنها عادت لممارسة فن الرسم منذ عام 1954 وذلك لتغطية نفقات معيشتها ، كما إنها أقامت العديد من المعارض الفنية في مدريد وجزيرة وجزيرة مايوركا وباريس والقاهرة وجنيف وبلغاريا وتكساس وذلك فى السبعينات والثمانينات .
وبعد سنوات طويلة أرسلت خطابا إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر تستأذنه في السفر لرؤية بناتها ، ووافق بخطاب يحمل توقيعه ، لكن الخطابين حرقهما فيما بعد ميشيل أورلوف ، وهو نجل ابنتها فادية التي تزوجت من الروسي بيير أورلوف ، كما حرق جزءا من مذكراتها وحمل ما تبقى منها إلى موسكو ليخفيها .
وقد كتبت المذكرات باللغة الفرنسية وكشفت فيها عن رغبة عضو مجلس قيادة الثورة جمال سالم في الزواج منها ، وعندما رفضت وضع ما تبقى من ممتلكاتها تحت الحراسة ، فعاشت من بيع لوحاتها .
وقبل أن ترحل بسنوات قليلة أصبحت لها شقة صغيرة في حيّ المعادي «جنوب القاهرة» منحتها لها الدولة ، لكنها لم تعش فيها طويلا ، فقد ماتت بسرطان الدم .
عودة الملكة فريدة الى القاهرة ووفاتها :
عادت الملكة فريدة إلى مصر في سنة 1982 ، وذلك بعد ان كانت تعيش في باريس في شقة اشتراها لها شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي في شارع «الشانزليزيه» وكان ينفق عليها ، وعندما انتهي حكم آل بهلوي على يد الخميني انقطع المورد الذي كانت تعيش منه ، حسبما تقول الدكتورة لوتس عبدالكريم ، فقد سبق لشاه ايران السابق الزواج من الأميرة فوزية شقيقة طليقها الملك فاروق والتي أصبحت إمبراطورة لعرش الطاووس في إيران بفعل هذا الزواج ، قبل أن يطلقها وتعود إلى مصر .
اصيبت الملكة فريدة بسرطان الدم حتى توفيت فى 15 اكتوبر سنة 1988 ، وعندما توفيت حضرت الأميرات الثلاث لمصاحبة جثمانها .