قال الشاب: وهو يزفر أنفاسه فى زهق: تصور أن مرتبى أربعين جنيها يخصم منه حوالى عشرين فى المائة ويصلنى منه 22 جنيها وعشرون قرشا فى حين أن عبده السباك لا يقل دخله اليومى عن أربعة جنيهات أى من 100 فى الشهر إلى مائة وعشرين جنيها، دون أن يخصم منه ولا مليم واحد.. لماذا.. لماذا يا اخوانا.. لماذا ياربى..
وقال العجوز وبين شفتين ابتسامة إشفاق.
لأنك موظف
وصرخ الشاب
يعنى إيه موظف.. يعنى مجرم محكوم على بخراب البيت.. ولا يعنى مليونير محكوم على بأن أصرف على البلد من عرقى.
وقال العجوز وهو يبتسم ساخرا: لا.. موظف يعنى أحد أبناء الطبقة السهلة.
وعاد الشاب يصرخ
يعنى إيه طبقة سهلة؟
قال العجوز: يعنى الطبقة التى يسهل التحكم فيها..تكفى كلمة لترتفع مرتبات كل الموظفين.. وكلمة لتنخفض مرتبات كل الموظفين، وكلمة لنقل موظف وكلمة لترقية موظف، وكلمة ليدفع الموظف ضريبة الدفاع وضريبة التأمين الصحى وضريبة المعاش وضريبة السماح له بالبقاء على قيد الحياة.
وقاطعه الشاب صارخا: عبده السباك.. ومصطفى الصرماتى.. وخليل البنا.. والمليونير عاشور الذى يتعامل بالدولار والاسترلينى والريال السعودى والفرنك الفرنسى.. كيف نتحكم فيهم.
قال العجوز: هذه هى الطبقة الصعبة.. فالموظفون من أولهم إلى أخرهم ليسوا سوى أرقام مسجلة فى دفاتر الدولة.. تفتح الدولة دفاترها وتتحكم فى أرقامها.. ولكن عبده السباك ليس رقما.. إنه شخصية كاملة فى مواجهة الدولة فكيف تتحكم فيه.. كيف تعرف كم عملية قام بها فى كل يوم وكم ربح من كل عملية.. إن دفاتر عبده السباك ملك خاص له لدرجة أنه قرر أن يستغنى عنها.. وربما فكرت الحكومة أن تعتمد فى الحصول على حقها على رفع ضريبة الترخيص بالعمل، ولكن معظم الذين يعملون ليسوا فى حاجة إلى تراخيص، لأنهم يعملون بصفة خاصة ويزاولون الصفقات فى المقاهى أو النوادى، أو فى بيوتهم بما فيهم المليونير عاشور، وربما اعتمدت الدولة على أمانة المواطن كى يسدد حق بلده عليه.. ولكن الأمانة لا تتحرك إلا من وراء اقتناع.. والاقتناع مفقود.. مفقود.. مفقود يا ولدى.. وقد تلجأ الدولة إلى طريقة أخرى لفرض الضرائب على الطبقة الصعبة.. أن يحصلوها من المنبع لا من المصب.. أى إذا كان الفنان عدوية يحصل على ألف جنيه كل ليلة كنقوط، فإن الدولة تحاسب صاحب الكباريه لا أحمد عدوية.. وحتى بالنسبة لعبده السباك، فإن صاحب البيت يجب أن يخصم منه الضريبة عندما يدفع له ويوقع له وصلا، ثم يقدم الوصل إلى مصلحة الضرائب.. وودنك منين يا جحا.. النتيجة دائما واحدة.. لذلك فإنه يقال إن النظم الشيوعية والاشتراكية هى أسهل نظم الحكم بالنسبة للحكام؛ لأنها تجعل من الشعب كله طبقة موظفين.. أى طبقة سهلة للتحكم فيها.
وقال الشاب وكأنه يبحث عن طريق النجاة: أى إن الطريق الوحيد هو أن تجعل من عبده السباك وعاشور المليونير موظفين حتى أتساوى معهما فى تحمل عبء الإنفاق على الدولة؟
وقال العجوز بسرعة: لا.. لا.. إنك بذلك تدعو إلى أن تكون الدولة غنية والشعب فقير.. كالدولة السوفيتية والشعب السوفيتى.
وقال الشاب فى سخط:
إذن ما هو الطريق لتسيطر على الطبقة الصعبة كما تسيطر على الطبقة السهلة؟
قال العجوز فى لوم: سبق أن قلت لك إن الطريق هو أن نعترف بأننا لسنا دولة اشتراكية ولا دولة رأسمالية، ولكننا دولة تجمع بين الاثنين فى طبقتين.. وبعد ذلك تعامل كل طبقة على حدة وبقوانين خاصة.. مثلا.. إن ثمن أنبوبة البوتاجاز يكلف الدولة جنيهين.. مائتى قرشا.. ونبيعها لكل الناس خمسة وستين قرشا وتتحمل فرق السعر نيابة عنهم.. لماذا تتحمل الدولة فرق السعر عن رجل يكسب ألف جنيه فى الشهر أو حتى مائة جنيه.. بل لماذا تعينه على تحمل ثمن السكر أو الأرز أو السماد أو الفراخ.. إن الدولة لو اعترفت باختلاف الطبقات، فإنها تستطيع أن توفر على الأقل أربعين فى المائة من ميزانيات الدعم.. وفى الوقت نفسه تلغى السوق السوداء؛ لأن الذى يحدث الآن هو أن الفقراء يشترون بالبطاقة ويبيعون ما يشترونه للأغنياء.
وقال الشاب:
وكيف تكشف الدولة إذا كان هذا المواطن غنيا أو فقيرا.. إن الدولة لا تزال تعامل عبده السباك على أنه فقير رغم إنه يكسب أكثر من عشرة موظفين من أمثالى.
قال العجوز:
الطريق هو إعادة تنظيم البطاقات التمونية التى تحدد الأسعار الرسمية، بحيث لا تمنح إلا لمن يقدم إثباتا لمستوى دخله..فإذا كان دخله أقل من مائه جنيه يمنح بطاقة أما الأكثر من مائه جنيه فهو مسئول علن نفسه.. وتتسع مجالات هذه البطاقات أى تشمل التعليم المجانى والعلاج المجانى وكل ما هو مجانى.
وقال الشاب فى استهتار: بأه ده اسمه كلام.
وقال العجوز ضاحكا: إنه كلام المقاهى.