ما أن تأتي ذكرى ثورة ٢٣ يوليو حتى تخرج أبواق منظمة باحترافية شديدة تحاول تشويه الصورة ونثر التراب على الحدث الأهم فى تاريخ الدولة المصرية؛ بل والأهم فى تاريخ المنطقة العربية والقارة الإفريقية.
الأمر بالنسبة لي ليس بغريب؛ فهكذا يتم استهداف الشعوب الناهضة من كبوتها والدول التي تدفع أبناءها نحو الانطلاق بها نحو الأفضل.
ونحن نحتفل بمرور 70 عامًا على ثورة يوليو المجيدة التي قادت حركات التحرر فى المنطقة، لتصبح الثورة الملهمة، كان إعلان الجمهورية الأولى، عقب ثورة قادها أبناء الشعب من ضباط الجيش، ضد الظلم والاستعمار لبناء دولة تليق بمصر حاملة مشعل النور والحضارة للعالم.
وخرج الشعب يساند الجيش ويؤيد قرارًا اتخذه أبناؤه من الضباط.
بدأت مرحلة بناء الجمهورية الأولى بعد ترهل النظام الملكى تحت رحمة الاحتلال الإنجليزي.
نعم كان الجنيه المصري قويًا ولكن غالبية المصريين كانوا حفاة بسبب الفقر المدقع.
نعم القاهرة كانت من أحسن عواصم العالم لكن لم ينعم بها سوى أبناء الطبقة الأرستقراطية والمقربون من السرايا والعاملون لدى الباشوات والبكوات أما باقي أبناء الدولة المصرية فكانوا لا يعرفون عن ذلك شيئًا فكانوا يستقلون الدواب رغم وجود القطارات والسيارات.
فمشهد الفنان «على الشريف» فى فيلم الأرض وهو يجري خلف الحمار الذي كان يركبه شقيقه «محمد أفندي» وقدماه تكتوي بنيران تراب الأرض الحارق من قيظ الصيف، كان معبرًا عن واقع يعيشه أهل الريف فى تلك الفترة وما رواه المبدع عبد الرحمن الشرقاوي من أحداث فى ذلك الفيلم كان حال المصريين فى الريف قبل الثورة.
فقد كانت جدتي رحمها الله تروي لي كيف كان أبناء الريف يُساقون للعمل فى مزارع الملكة «فريدة» التي كان لها قصر فى قرية تجاورنا وأطلق اسم الملكة عليها (الفريدية) نسبة للملكة وكانت بها محطة قطار ما زالت حتى الآن ضمن محطات قطار الشرق.
أما المدن الحضارية فلم تكن سوى عدة مدن لا تتعدى أصابع اليد الواحدة فى مصر هي التي تعرف التطوير والمدنية منها القاهرة والإسكندرية وجميعها إما كانت مقرًا للحكم أو أماكن للترفيه للأسرة الحاكمة.
لقد جاءت الجمهورية الأولى نتاجًا طبيعيًا لثورة يوليو 52 فبدأ العمل على تأسيس الدولة، وجاءت الجمهورية الثانية عقب ثورة 30 يونيو حينما استرد المصريون دولتهم المختطفة لمدة عام وتسعة أيام كان مكتب الإرشاد هو الحاكم الفعلي لها ليدفع بها فى اتجاه اللادولة.
ليبدأ العمل فى بناء دولة جديدة بعد أن كانت قد ترهلت مؤسساتها وباتت غير قادرة على مواجهة التحديات.
(1)
انطلقت الجمهورية الأولى عقب ثورة يوليو52 لبناء دولة قوية وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق مبادئ وضعتها الثورة ومنهج استهدفت تحقيقه.
حددت الثورة مسارًا لها شمل بناء جيش وطني قوي لحماية مقدرات الدولة، وتم بالفعل؛ فلم يكن ليحدث ذلك ما لم تواكبه صناعة عسكرية وطنية توفر للجيش احتياجاته وتساهم بشكل كبير فى تطويره، وهو ما حرص الرئيس جمال عبد الناصر على القيام به بهدف تصنيع الذخائر والمفرقعات والأسلحة المختلفة.
أُنتجت أول طلقة مصرية فى مصنع 27 الحربي يوم 23 أكتوبر 1954، والذي أصبح عيداً للإنتاج الحربي، وتوالى استكمال وتشغيل معظم المصانع الحربية، وازدهرت الصناعة الحربية المصرية وتمكنت من تلبية مطالب القوات المسلحة، وزادت الطاقات وتعددت الأنشطة ما بين صناعة الطائرات والصواريخ والمعدات العسكرية الثقيلة وكذا المركبات ذات الاستخدامات العسكرية.
كما تم إنشاء المشروعات الكبرى ك السد العالي لتوليد الكهرباء كأحد أكبر المشروعات القومية ليبدأ عصر النهضة الصناعية والتنمية الزراعية فزادت الرقعة الزراعية؛ ليصبح المشروع أكبر تحدٍ يواجه الدولة عندما حرضت القوى الدولية على عدم تمويل السد فكان قرار تأميم قناة السويس لتمويل مشروع السد العالي.
فى الوقت ذاته تحركت الجمهورية الأولى باتجاه بناء نهضة صناعية ضخمة شملت إنشاء 1,200 مصنع فى مختلف القطاعات وكانت شركة المراجل البخارية إحدى الشركات التي استهدفت نقل مصر لمرحلة مهمة فى الصناعات الثقيلة (صناعة المحركات) واستطاعت مصر تصنيع أول محرك نفاث I-300 والذي يعد من أفضل المحركات النفاثة بعد اعتراض الرئيس عبد الناصر على تصنيع المحرك بالتعاون مع شركة «رولز رويس» البريطانية معتبرًا ذلك اختراق للأمن القومي المصري.
تم استخدام المحرك المصري I-300 فى الطائرة القاهرة 300 المقاتلة الاعتراضية المصرية.
لم يكن لمصر أن تنهض فى قطاع الصناعة أو التنمية الزراعية إن لم تقم بإنشاء «السد العالي» الذي وفر الطاقة الكهربائية لمجمع الألومنيوم وساعد الدولة على التوسع فى صناعات النسيج فى المحلة الكبرى والحديد والصلب وكيما، وأيضًا الصناعات الغذائية فتم إنشاء المجمعات الصناعية الكبرى، أسهم السد العالي بنسبة تزيد على 80% من طاقتها الكهربائية.
كما ساعد السد على توفير المياه للزراعة خلال موسم الجفاف، والتخفيف من آثار الفيضان فأسهم فى زيادة الرقعة الزراعية بنسبة 15%.
كما استهدفت ثورة يوليو 52 توفير التعليم لكافة أبناء الشعب بمراحله المختلفة؛ فقد كان التعليم عقب المرحلة الابتدائية مقصورًا على المنح وأبناء الطبقات الغنية فأصبح التعليم مجانيا فى كافة مراحلة.
كما استهدفت الجمهورية الأولى تقوية علاقتها بكافة دول العالم وكانت إحدى أهم أولوياتها هو محيطها العربي الذي تعاونت معه مصر لتحريره من الاستعمار.
كما حرصت على التعاون مع عمقها الإفريقي وكانت الداعم الأول لحركات التحرر فى دول القارة من الاستعمار لينعم أبناء إفريقيا بمقدرات أوطانهم.
وقد حرص الرئيس عبدالناصر على تقوية علاقة مصر بالمعسكر الشرقي (الاتحاد السوفيتي والصين والهند) فى مواجهة المعسكر الغربي الذي كانت تقوده بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .. وذلك لأن الأخير استهدف الدولة المصرية متحالفًا مع إسرائيل خاصة بعد قيام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وهو ما جعل فرنسا وبريطانيا ومعهم إسرائيل يقومون بالعدوان على مصر عام 1956.
ومع بداية الستينيات واصلت مصر مسيرتها فى تطوير الصناعة والعمل والبناء فى كافة القطاعات واستطاعت فى الفترة ما بين 1957 و1967 تحقيق نسبة نمو بلغت 7% سنويًا.
انخفضت معدلات البطالة إلى ما دون 10% فى وقت كانت فيه طوال فترة الملكية تزيد على هذا المعدل بل تصل فى بعض الأحيان إلى 30% أثناء فترة الحرب العالمية الثانية.
مع تلك الخطوات والنجاحات التي حققتها الجمهورية الأولى كانت هناك قوى خارجية ترفض تحرك مصر فى الاتجاه الصحيح فعملت على تركيعها وعندما فشلت فى ذلك أدخلتها فى أكبر أزمة غير رشيدة فى تاريخها عام 1967 نتج عنها تعثر خطوات الجمهورية الأولى باتجاه التنمية رغم إصرارها على مواصلة المسير لاستكمال خطط التنمية إلا أن الحرب والإعداد لها جعل الأولوية الأولى للدولة معركة تحرير الأرض.
(2)
عقب انتصارات أكتوبر73 جاء التحرك باتجاه اتفاقية السلام لاستكمال استرداد الأرض وتحركت الدولة باتجاه استكمال تنفيذ مبادئ ثورة يوليو والعمل على استكمال بناء الدولة؛ لكن تم اغتيال الرئيس السادات من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة من القوى الخارجية للحيلولة دون استكمال الدولة لمسار البناء.
استمرت عجلة البناء فى الدوران لكن على استحياء شديد إلى أن أصابت الدولة حالة من الترهل.
عقب ثورة 30 يونيو ومع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم عام 2014 بدأ التحرك باتجاه الجمهورية الجديدة «الجمهورية الثانية» لتنفيذ مبادئ ثورة يونيو التي قادها الشعب وحماها جيش الشعب.
ونظرًا لحجم التحديات والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة والدولة المصرية كان العمل على تطوير وتحديث القوات المسلحة لتصبح الأولى فى منطقة الشرق الأوسط أولوية أولى.
ولم يحدث ذلك فى ظل هدوء المنطقة أو استقرارها بل فى ظل معركة من أصعب المعارك وهي معركة مواجهة الإرهاب «الحروب اللامتماثلة» كما أن أطماع القوى الخارجية فى المنطقة استوجبت أن تمتلك مصر قوة عسكرية قادرة على حماية أمنها القومي والأمن القومي العربي.
كما تم تطوير وتحديث المصانع الحربية وكذا الصناعات العسكرية، فالسلام الحقيقي يحتاج إلى قوة تحميه.
بدأت الجمهورية الجديدة بمشروع من أكبر المشروعات القومية، فقد التف الشعب حول قيادته معبرًا عن ثقته فى قرار القائد فجمع المصريون 64 مليار جنيه خلال 8 أيام لحفر قناة السويس الجديدة ليثبت المواطن أنه بطل الجمهورية الثانية.
وحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مشروع من أكبر مشروعات الدولة المصرية «حياة كريمة» والذي يحقق العدالة الاجتماعية لأكثر من 50% من سكان مصر سبقه القضاء على العشوائيات الخطرة وتطوير العشوائيات غير المخططة كما تم العمل فى مشروعات التنمية الزراعية من أجل إضافة أكثر من 5 ملايين فدان تم الانتهاء من 4.7 مليون فدان منها حتى الآن لتوفير الأمن الغذائي.
بالتوازي مع ذلك كان العمل على بناء قلاع صناعية عملاقة مهدت لها مشروعات بنية تحتية تتوافق مع تنفيذ تلك الخطة.
كما يجري حاليًا تطوير أكبر قلعة للنسيج فى المحلة الكبرى لتصبح أكبر قلعة صناعية متخصصة فى الصناعات النسيجية فى الشرق الأوسط، فتم تطوير قطاع الطاقة الكهربائية ليتضاعف الإنتاج ويوفر الطاقة للصناعة وتحويل العجز إلى فائض وكذا فى قطاع المواد البترولية والبتروكيماويات.
في الوقت ذاته، تم العمل على مشروع تطوير التعليم ليتوافق مع متطلبات سوق العمل وتخفيض حجم البطالة وزيادة حجم الناتج المحلي؛ كما استعادت مصر مكانتها الإقليمية والعالمية.
كما عملت على تطوير الخدمات الصحية والتعليمية والنقل لتحقيق جودة الحياة للمواطن، وكان التحرك بشكل سريع وفي توقيت متزامن أحد النجاحات التي جعلت الجمهورية الثانية تستطيع مواصلة تحركها لتنفيذ رؤيتها رغم الأحداث العالمية المزلزلة للعديد من الدول وتأثيرها على العالم (جائحة كورونا - الحرب الروسية الأوكرانية).
لقد استطاعت الجمهورية الثانية خلال السنوات الثماني الماضية أن تحقق ما لم يتحقق خلال أكثر من 40 عامًا.
على الحكومة أن تنتبه
ما يحدث من تطوير للطريق الدائري من استعداد لعمل الأتوبيس الترددي لتقديم خدمة نقل جماعي ترتقي لمستوى العالمية أمر رائع، فشكل المحطات التي بدأت فى الظهور رائعة كما أن توسعات الطريق الدائري أيضًا أمر جيد جدًا لتخفيف الكثافات المرورية.
لكن قرار إنشاء طريق بجانب الدائري لسير الميكروباص يبدو أنه سيواجه عقبات لغياب الرقابة من قبل الحكومة التي قامت بتعويض أصحاب الوحدات السكنية المُزالة لإنشاء الطريق الجانبي.
فقد استغل بعض المواطنين غياب الحكومة لإعادة بناء منازلهم مرة أخرى بأموال الدولة.