د. ناجح إبراهيم يكتب: حازم دياب .. وداعاً حتي لقاء

د. ناجح إبراهيم يكتب: حازم دياب .. وداعاً حتي لقاءد. ناجح إبراهيم يكتب: حازم دياب .. وداعاً حتي لقاء

*سلايد رئيسى12-12-2018 | 20:32

هم بدخول المستشفى لتناول جرعة جديدة من العلاج الكيماوى من سرطان أصابه وهو في شرخ الشباب،أخبره مندوب التأمين في المستشفى أن سقفه التأمينى قد نفذ هكذا دون سابق إنذار. بعد صولات وجولات إدارية خاضتها أسرته وأحباؤه"تدوخ العفريت"وتزهق أحلم خلق الله"اضطر أن يستكمل العلاج علي نفقته الخاصة،حينها أدرك أن العجز لا يعنى فقط أن يكون جسدك واهناً لا يمكنك من حمل طفلك الصغير أو يمنعك مما تحبه من أطعمه أو من ممارسة حياتك العادية،فهذه صور فقط من العجز ولكن هناك عجز آخر أشق تعلمه صاحبنا من مرض السرطان ضمن دروس كثيرة لم يتسع عمره ليعلمها للناس. أدرك وقتها صورة أخرى من العجز حينما يكون ظهرك عارياً دون نقود تكفيك لمواجهة الأمراض العاتية أو المحن الطارئة أو النكبات المفاجئة ومنها السرطان الذي أفلس ودمر وعاث في البيوت  المصرية فساداً. أردف صاحبنا أنه لولا معاونة أهله في دفع نفقات الكيماوى- ومعظمهم من الصعيد وكانوا قبل تعويم الجنيه من الطبقة المتوسطة- لربما لقى مصير الآلاف من مرضى السرطان الذين لا يستطيعون استكمال العلاج. سألته زوجته وهو يدفع نقود إحدى الجلسات عن مصير مرضى السرطان الفقراء الغير مؤمن عليهم أجابها باقتضاب حزين"بيموتوا". مقولة المرحوم حازم هذه ذكرتنى بأحد أصدقائى الفقراء أصابه سرطان القولون جمعت له أسرته وأحباؤه مبلغ جراحة استئصال الورم وتوسط أهل الخير ليتناول جرعات العلاج الكيماوى مجاناً في أحد المستشفيات الجامعية،أخذها جميعاً،كاد الأستاذ الجراح أن يجزم أنها مغشوشة لأن الورم عاد بشراسة. كررها في مستشفى خيرى آخر،أصر الجراح الكبير علي رأيه أنها مغشوشة أيضاً ولم تؤثر،فالورم يحتاج لإعادة استئصال،استسلم صديقنا لقدره وأدرك أنها النهاية المحتومة. كان صاحبنا قد تعلم نعمة الرضى عن الله وحمده منذ نعومة أظفاره من والده وأسرته،حينما كان صغيراً حدق بوجل في رجل كفيف،نصحه والده أن يردد :الحمد لله الذي عافانى مما ابتلى به آخرين. كان يخجل بل يكره نظرات التعاطف والشفقة من الناس بعد أن أصابه السرطان وهو في قمة شبابه ورجولته وشهرته. حاول الشيطان أن يأخذ صاحبنا إلي مربعه البغيض:لماذا أنا بالذات ؟ فإذا بالملائكة والصالحين من الرفاق يذكرونه بالحديث الشريف"يبتلى المرء علي قدر دينه". كان جهاز المسح الذرى عند صاحبنا آلة تعذيب نفسى،يحدثك عن ساعات الانتظار الطويلة السخيفة حتى يحين دورك بين وجوه مرضى السرطان التى ترتسم على ملامحهم كل معانى الهلع والرعب والقلق من المجهول،وكأنهم يستعدون للحظة التي يطرق فيها ملك الموت بابهم. آه من الممرضة العابسة التى توصلك لسرير المسح الذرى وهى تتأوه بانكسار"يا حرام شاب مريض بالسرطان ..شد حيلك"وآه لو أجريت الفحص في الشتاء فسوف تمكث فترة تشبك ذراعيك خلف رأسك في وضع تعذيب مثالي،وبعد الفحص لا تستطيع الاقتراب من طفلك واحتضانه لأن جسدك مملوء بالإشعاعات . كان صاحبنا شجاعاً لم يخبر من حوله فقط بإصابته بالسرطان ، ولكنه أعلم الناس جميعاً عبر مقالاته التي كانت تهزنى هزاً،فقد كنت أحب المرحوم/حازم حباً كبيراً لا أدري له سبباً منذ أن عرفته،أصبح توأم روحى رغم البعد دون سبب معروف،كان ضمن فريق إعداد برنامج أ/خيرى رمضان ،ائتلفته سريعاً دون سبب ظاهر. دعانى لعقد قرانه وقمت بعقد القران والدعاء لهما بالإسكندرية،أنا من أنصار تفسير حديث"المبطون شهيد"أن علي رأسهم مريض السرطان،إن لم أكن أول من قال بذلك منذ 30 عاماً،فلا يعنى"المبطون"مرض الاستسقاء فقط فهذا ما عرفه الصحابة والتابعون وقتها،ولكن معناها كل أنواع الأمراض المزمنة التي تدخل تحت حديث"جهد البلاء"مثل:الفشل الكلوى والكبدى والسرطان بأنواعه،فإن لم يكن مريض السرطان شهيداً فمن يكون من المرضى. كان كالنسمة الرائعة التى تصافح الوجوه فتعطرها بنسيم الأدب والخلق والتواضع. السرطان يهز النفس هزاً،أصيب به شاب من أسرتى حاول والده ألا يعرفه اسم مرضه حفاظاً علي روحه المعنوية،لم يذهب به إلي أي مستشفى عليها يافطة أورام ورغم ذلك من هول العلاج الكيماوى وقسوة ألمه أدرك الشاب الصغير إصابته بالسرطان. آه من قسوة جلسات الكيماوى التي تجبرك علي المكث ثلاثة أيام متواصلة في المستشفى،أحسنت الدراما المصرية حينما اقتربت من عالم هؤلاء المرضى. حينما كان المرحوم حازم في جلسات الكيماوى كان يقول لنفسه:أخشى أن يسألنى طفلى الصغير سؤالاً عبثياً أهذه هي الحياة التي ركلت بطن أمى لأجلها. آه ثم آه ..من كم المعاناة التي عاناها الحبيب /حازم دياب وهو يصارع المرض حتى استراح منه،واستراح من هذه الدنيا التي وصفها القرآن"فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا"ووصفها الرسول"صلي الله عليه وسلم"بأنها ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه". رحم الله حازم دياب وسلام عليه في الصالحين الطيبين ، ورزق أهله وأحبته الصبر والسلوان.

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2