الآن.. وبعد أن استوقفت الدراسة في الجامعات عقب إجازة نصف العام الدراسي.. وأقبل الطلبة على دروسهم ومحاضراتهم بجد وانتظام، وبعد أن أعلنت جداول امتحان نصف السنة..
نعود لمناقشة كيف يمكن أن تصبح جامعاتنا ومعاهدنا الغالية، مكانًا للعلم والدراسة والبحث، بدلًا من أن تتحول إلى حدائق «هايد بارك» للفوضى، أو سيرك للتهريج؟
لقد دأبت قلة نادرة من بعض الطلبة المعروفين باتجاهات سياسية معينة، أو من الذين ينتمون إلى التنظيمات السرية، أو ممن يسمون أنفسهم بالناصريين.. على محاولة تعطيل الدراسة أو إحداث نوع من الفوضى والشغب والقلاقل داخل أسوار الجامعة..
فهم تارة يحاولون عن طريق هتافات تمس مشاكل ومعاناة الجماهير جمع الطلبة حولهم..
وتارة أخرى يحاولون التجمع في حلقات بالقرب من السور الخارجي لباب الجامعة الرئيسي، يرددون هتافات معادية للنظام وللدولة، في محاولة يائسة لإعلام جماهير الشارع بهم!
وتارة ثالثة.. يحاولون المرور على الكليات بقصد إخراج الطلبة معهم، للإيهام بأنهم كثرة!
وتارة رابعة.. يحاولون اقتحام المدرجات بحجة واهية.. هي أنهم يريدون أن يقدموا التوعية للطلاب المنتظمين في مدرجات العلم!
والحقيقة أن هؤلاء الطلاب ليسوا في حاجة إلى توعية.. فتوعية العلم وتلقى الدرس هي خير توعية..
ولكن هذه الحالة التى تكاد تكون شبه مستمرة بصفة يومية، تجعل الدراسة في الجامعة غير منتظمة بالمعنى العلمي المعروف.
والغريب أن قادة هذه القلة النادرة من خارج الجامعة.. ينتمى أغلبهم للتنظيمات الشيوعية وبعضهم سبق اعتقاله.. بل إن هناك طالبة تتزعمهم سبق فصلها بقرار من مجلس كليتها مدة عام لمحاولة تعطيل الدراسة فيها.. وبعضهم مطلوب القبض عليه في قضايا التجمهر والشغب والتحريض على الإضراب.
والأكثر غرابة أن الجامعة عقدت مجالس تأديبية طوال الأسبوع الماضي وقررت فصلهم من الجامعة!
ولكن الطلبة المفصولين يدخلون إلى الحرم الجامعي غير عابئين بشيء.. بل يقودون حركات التجمهر والهتافات المعادية؛ لأنه لا ضابط ولا رقيب على دخول الجامعة أو الخروج منها!
هنا.. وحفاظًا على أمن الجامعة، واستقرار الدراسة، ثم حفاظًا على المصلحة القومية العليا للوطن، يجب أن تنفذ توصيات وقرارات مجالس الجامعات، وقرارات أعضاء المجلس الأعلى ورؤساء الجامعات، في اجتماعاتهم المستمرة، خلال إجازة نصف السنة، وعقب أحداث الشغب يومي 18 و19 يناير الماضيين..
بصراحة ووضوح.. لا بد أن تعود لإدارة الجامعة كل سلطاتها.. ليس المقصود إعمال سلطاتها في مجالس التأديب فقط.. ولكن لا بد أن تكتمل الصورة من جميع زواياها.. ولن يتحقق ذلك إلا إذا أعيدت لأستاذ الجامعة هيبته وكرامته واحترامه.. إن فقدان أستاذ الجامعة لهذه الصفة يؤدى إلى انهيار كل شيء في الجامعة. كالحال تمامًا إذا ما فقد رجل الشرطة هيبته، فإن الأمن يختل، ويمكن أن يحدث ما لا تحمد عقباه!
وحتى تعود لأستاذ الجامعة هيبته وكرامته فلا بد أن تتحقق هذه الضوابط:
لا بد أن يرأس جلسات اتحاد طلاب الجامعة نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب، ولا بد أن يكون رائد اتحاد طلاب كل كلية أستاذًا من الكلية..
لا بد أن تعود السلطة كاملة لعميد الكلية ووكيلها في كل ما يتعلق بشئون كليته..
فلا يستطيع اتحاد طلاب الكلية أن يوقع شيكًا بأي مبلغ إلا إذا اعتمده العميد أو الوكيل أو من ينوب عنهما من أساتذة الكلية..
وحتى تتأكد كل هذه السلطات، ويمكن وضعها موضع التنفيذ، فلا بد أن يعود الحرس الجامعي فورًا..
إن إعادة الحرس الجامعي ليست ردة عن الديمقراطية، بل على العكس إنها تدعيم وتأكيد لها مائة في المائةـ إن الجامعة مؤسسة علمية يجب أن يكون لها استقلالها الكامل وحرسها الخاص.. مثلها في ذلك مثل: مجلس الوزراء وحرصه الخاص، ومجلس الشعب وحرسه الخاص..
ولم يقل أحد، ولا يتصور أحد أن حرس مجلس الشعب وجد ليمنع الشعب من دخول بيت الشعب.
فلماذا تثار هذه الافتراضات كلما نادينا بعودة الحرس الجامعي إلى موقعه في الجامعات؟ إننا لا ننادى بفكرة جديدة، وإنما نريد عودة الحرس الجامعي إلى مكانه، لحماية الجامعة ومنشآتها من العبث والعدوان الخارجي، ولتأكيد استقلالها..
إن الحرس الجامعي يعتبر جزءًا أساسيًا من تنظيمات وهيئات الجامعة، إنه يمارس حقه في الحفاظ على النظام واستقرار الدراسة..
إن من يزور جامعة القاهرة هذه الأيام، يجد أن بعض الطلبة المارقين والغرباء العابثين المستهترين يحاولن أن يجعلوها مكانًا للفوضى، أو يحيلوها إلى حديقة «هايد بارك» أخرى!
أناس غرباء يأتون من خارج الجامعة، من جهات مختلفة من أنحاء العاصمة، بقصد إثارة وتهييج الطلاب وإشعال حماسهم، في محاولة لتحقيق أهدافهم الدنيئة ومخططاتهم الرخيصة المكشوفة!
انظروا ماذا يقول هؤلاء الخارجون على النظام العلمي والقانون واستقلال الجامعات:
1 – يطالبون بإلغاء قرارات الرئيس السادات الخاصة بالمحافظة على أمن المواطن وحماية الوطن!
يطالبون في تبجح باعتبار نتيجة الاستفتاء كأن لم تكن!!
يطالبون باعتبار من سقط قتيلًا في حوادث التخريب يومي 18 و19 يناير شهداء أبطالًا سقطوا في ساحة الجهاد وعلى حد منشوراتهم، كشهداء معركة حرب أكتوبر المجيدة!!
فهل يعقل أن تستمر شرذمة من الخارج تأتى إلى القاعدة العريضة من الطلاب الشرفاء بمثل هذه المطالب، ثم لا نجد من يقبض عليهم في الحال؟!
أليس هؤلاء يرتكبون جريمة الخيانة العظمى في حق الوطن؟ ومن الذى يمكنه أن يطبق القانون، الذى استفتى عليه الشعب يوم الخميس 10 فبراير الحالي في مؤسسة الجامعة، سوى رجال الحرس الجامعي، الذين لهم الشرعية القانونية في القبض على هؤلاء متلبسين بجريمتهم داخل أسوار الجامعة؟
إن اللائحة الجامعية تنص صراحة على أنه لا يجوز أن تقتحم الجامعة قوات من الخارج، مهما كانت الأسباب.. لأن هذه متروكة للجامعة وحرسها الخاص..
إذن هل نترك الجامعة بكل منشآتها تدار هكذا؟!
ثم انظروا إلى باقي طلبات هذه الفئة الخارجة:
2 – يطالبون أيضًا إقامة حفل تأبين كبير داخل حرم الجامعة لهؤلاء الشهداء – شهداء أحداث الشغب يومي 18 و19 يناير – وأن تحضر أسر هؤلاء الشهداء - كما يقولون – هذا الحفل!!
ما هذه المهزلة الخلقية؟
أناس يخربون منشآت الدولة، ثم يحاولون إشعال نار الفتنة في بلادنا، للقضاء على كل مكتسباتنا، على اليابس والأخضر، ثم يريدون أن نعتبر من سقطوا قتلى من هؤلاء المخربين شهداء؟
3 – ليس هذا فقط.. ولكنهم يطالبون، في شبه «مانفستو».. أي بعد تحقيق كل مطالبهم السابقة، على الجهات المسئولة، أن تعتبر أن الجامعة مكان للعمل السياسي أولًا للطلاب، قبل تلقى العلم!
أي أن قرارات الرئيس السادات وتوجيهاته لرؤساء الجامعات وأعضاء المجلس الأعلى للجامعات، عند اجتماعه بهم خلال عطلة نصف السنة، كأن لم تكن، أو مجرد توجيهات على الورق!
إن توجيهات الرئيس أنور السادات في هذا صريحة و واضحة:
«معاهد العلم يجب أن تبقى مكانًا للعلم. السياسة محظورة على الطلاب داخلها. وإذا أرادوا ممارستها يمكنهم ذلك عن طريق القنوات الشرعية في الأحزاب وفى مجلس الشعب. الاعتصام ممنوع داخل الجامعة. محاولة تعطيل الدراسة أو الإضراب أو التظاهر أو التحريض عليه ممنوع، وأصبحت عقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة».
من إذن سوف يبلغ النائب العام وأجهزة التحقيق القضائي بالطلاب العابثين الخارجين على النظام والقانون سوى أجهزة الجامعة نفسها، التى لها السلطة وهى حرس الجامعة !
إننا لا نريد أن يستغل بعض هؤلاء المنظمين والمخططين من المخربين طيبة قلوب الطلاب، في ذكرى يوم الطلاب العالمي – غدًا الإثنين 21 فبراير – في محاولة إحداث الفتنة، إننا لا نمانع من الاحتفال بهذه الذكرى بالطريقة القانونية، ولكننا نحذر فقط..
إننا لا نريد أن تتكرر مأساة يومي 18 و19 يناير من بعض الشراذم، إن التهاون في حق الوطن جريمة تصل إلى الخيانة العظمى.. أعيدوا للجامعة كرامتها وقدسيتها وحرمتها.
إننا نريدها جامعة للعلم، وللعلم وحده، ومحرابًا للبحث والاطلاع والدرس.
لا نريدها أن تتحول إلى حديقة «هايد بارك» للفوضى والشغب..
بل إنني لا أكون مجاوزا إذا قلت إن الفرق واضح بين الاثنتين، فهناك في لندن.. داخل الحديقة يقولون ما يريدون في هدوء، ثم ينصرفون في هدوء، دون تخريب أو إشعال نار الفتنة.. ولكنهم يريدونها فتنة حمراء، تدمر وتقتل.. ولكن لن يتحقق لهم ما يريدون.. وسيحمى الله مصر، كنانة الله في أرضه، من شر الملحدين الآثمين.