أطفئوا مصابيحكم فقد سطعت شمس الله

أطفئوا مصابيحكم فقد سطعت شمس اللهالشيخ محمد متولى الشعراوى

كنوز أكتوبر6-4-2022 | 15:06

محمد صلى الله عليه وسلم أذن الخير، التى استقبلت آخر رسائل السماء لهداية الأرض.. ولسان الصدق الذى بلّغ الحق إلى الخلق.. فكان بحق مسك الختام للأنبياء والمرسلين.

أحمدك ربى، وأستعينك، وأسألك أن توفقنى فى كل ما أتى من الأمر، وفى كل ما أدع، فكما جعلت يا رب صمتى زمنا طويلا فكرا، فاجعل نطقى له ذكرا، فإنك سبحانك تعبد بالصمت قبل أن تعبد بالنطق، وأصلى وأسلم على سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، رحمة الله للعالمين، الذى وصفه ربه "يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين".

أحمدك ربى حمد العبودية الصدق.. الربوبية الحق.

سبحانك تنزهت عن كل صفات الحادث، فلست (كلا)، له أجزاء.. لكنك أحد..

ولست كليا، له أفراد.. لأنك واحد.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أذن الخير، التى استقبلت آخر رسائل السماء لهداية الأرض.. ولسان الصدق الذى بلغ الحق إلى الخلق، فكان – بحق – مسك الختام للأنبياء والمرسلين.. وما أجمل أن يلتقى المسلمون على ذكرى المناسبات الإسلامية المباركة فى كل عام..

الكلمة الطيبة

فإن عطاء الأحداث فى الإسلام ليس مناسبة تحيا وتفوت بفوات الزمن.. وبخاصة ذكرى الهجرة المباركة..

لكنها تتكرر كل عام.. كالكلمة الطيبة.. "ومثل كلمة طيبة، كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها".

فليست العبرة التى نلتقطها هذا العم.. كالعبر التى التقطناها فى الأعوام الماضية..

وكل وقت.. له عطاؤه من منهج الله.. فهو يعطى كل جيل عطاء على قدر استعداده فى الصفاء والفهم والمدارسة..

والحدث الذى نحن بصدده.. حدث الهجرة.. وهى ليست مأخوذة من الهجر لأن الهجر هو هجر الإنسان المكروه للنفس.. إلى المحبوب.

ولم تكن الهجرة كذلك، فإن اسمها الهجرة.. ولكن فعلها هاجر وليس هجر.

وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهجر مكة لأنه لم يكره مقامه بها..

بل إنه قال وهو يغادرها: "إنى لأعلم يا مكة أنك أحب بلاد الله إلى، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت".

وكلمة "هاجر" تقتضى "مفاعلة" من جانبين.. وكانت المفاعلة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، فهو لم يخرج من مكة إلا لأن أهلها أرادوا أن يخرجوه كرها.

والشاعر القديم يقول:

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا

ألا تفارقهم فالراحلون هو

لا إله إلا الله

ولا يقال إن أهل مكة لم يعرفوا منهج الرسالة، فإنهم كرهوا منهج "لا إله إلا الله"، لأنهم عرفوا أن مكنون الكلمة..

- لا معبود إلا الله..

- ولا فاعل لأى شىء فى الوجوه إلا الله..

- ولا خالق إلا الله..

- ولا رازق إلا الله..

- ولا مرجع فى الآخر إلا إلى الله..

وكانت عقيدتهم فى عبادة الأوثان و الأصنام ضد هذه العقيدة.. ولا يمكن أن تعيش عقيدتان فى نفس الإنسان.. فإما أن يترك عقيدته الأولى ويستقبل الثانية.. وإلا فلن تجد العقيدة الثانبة مكانا لها فى نفس الإنسان.. والعقيدة الجديدة لا تقبل أن تدخل مع عقيدة أخرى..

الرسالة الخاتمة

وقد جاءت الرسالة المحمدية بعد موكب طويل من الرسل أبلغوا رسالات ربهم إلى أقوامهم.. ومضت فترة غلبت فيها الشهوات على الإنسان.. وانطمست النفس اللوامة فقد المجتمع.

وحين تنطمس النفس اللوامة لغلبة الشهوات على الإنسان وحين يفسد المجتمع.. ولا توجد طائفة تأخذ بيد النفس اللوامة فإن السماء تتدخل برسول جديد.

وكان هذا الرسول هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن الدعوة فى مكة المكرمة لأن فيها بيت الله الحرام " الكعبة المشرفة".

ولكن العجيب أن النصرى لم تكن فى مكة.. وجاءت فى المدينة المنورة حيث انطلق فيها نور الإسلام.. مع أنه لم يكن مبعوثا فيها بل كان مبعوثا فى مكة.

وشاءت حكمة الله أن يجعل "الصراخ بالدعوة" فى مكة أولا.. بين القبائل الذين تتهيبهم العرب جميعا.. وجعل النصرة فى المدينة المنورة لأن النصرى إذا حدثت فى مكة المكرمة فسيقول الناس: إن أهل محمد فى مكة جاءوا برجل ليفرضوه على الناس..

من تخطيط السماء

ونلاحظ فى هذه الهجرة أمورا عجيبة.. لا يمكن أن نجعلها من تخطيط البشر:

.. فالرسول صلى الله عليه وسلم هاجر إلى الطائف يطلب التعسير.. فعاد كسير النفس.. وقد أفرغ شحنة رجائه فى نصر الخلق هناك، ولجأ إلى الله وحده يقول: "إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى".

.. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ب الهجرة إلى الحبشة لتكن مهجر أمن – وهو الذى لم يقرأ تاريخ الشعوب ولا سياستها.. ولكنه قال لأصحابه: "لأن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد" وصدق الواقع رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدا بأنه لا ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحى يوحى.

.. ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة – وبيعة الوفود.. وكان يأخذ البيعة لله.. ويعطى ثمنها الجنة للذين بايعوه.. ثمنا آجلا.. لا عاجلا.. وحين يفرغ الإنسان "الأسباب البشرية" يكون أهلا لعون الله بدون أسباب، فكانت بيعات العقبة الثلاث إمدادا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استنفد أسباب البشر، وانكسر فى الطائف.

الإسلام تصحيح لمسار الأرض

.. وعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة التى هى دعوة الله على القوم، فمنهم من استقبلها بعقل وفكر وأناة.. ومنهم من رماه بالجنون.. ولا يمكن أن يكون الإنسان الذى فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمته وصدقه وأمانته من المجانين.. ومنهم من قال إنه ساحر.. ولو كان ساحرا لسحر أعداءه فآمنوا به جميعا.. ولم يكفروا بما جاء به - ومنهم من قال: "ما تراك أتبعك إلا الذين هو أراذ لنا" ولا يزال بعض أعداء الإسلام يرددون أن الإسلام ثورة من الأدنى على الأعلى، وهم فى ذلك كاذبون فإن الإسلام ليس ثورة من الأدنى على الأعلى ولكنه تصحيح لمسار أهل الأرض..

وخروج بالناس من مرادهم إلى مراد الله سبحانه وتعالى.. فقد تنازل الأنصار للمهاجرين عن نصف أموالهم "اختيارا" لا "إجبارا" وتقاسموا ما عندهم فزاعية، بل إن بعض المهاجرين رفض قبول مقاسمة أخيه الأنصارى فيما عنده..

تربية للعقيدة

.. وكانت الهجرة المباركة تربية عقدية للؤمنين..

.. كما كان الأسراء وهو مخالف لنواميس الكون امتحانا للعقيدة، فمن لم تصح عقيدته لا حاجة لنا به، ومن صحت عقيدته أصبح أهلا لهذه العقيدة.. وكان أول الذين صحت عقيدتهم سيدنا أبا بكر رضى الله عنه، الذى أخبر بالإسراء.. فقال "قبل أن يلقى النبى محمدا صلى الله عليه وسلم: والله لو جاءنى بخبر السماء لصدقته.. وبذا أصبح أبو بكر أحق الناس بأن يكون رفيق الهجرة.

.. وحين نحب أن نلتقط العبرة من الهجرة لنأخذها دستورا فى حياتنا نجد أنه يجب أن نمتثل لأمر الله حين يقول: (افعل) أو (لا تفعل) لأن منهج الله صادق فى الحالين.. ولن تكون السماء معنا إلا إذا كنا مع الله.

ومنهج اله يوضح لنا طريق الحق بين عدة طرق باطلة..

الله كرم الإنسان

.. وقد خلق الله كل الأجناس الحادثة فى الكون لتخدم الإنسان "ولقد كرمنا بنى آدم".

فالحيوان "أدنى" مرتبة من الإنسان..

والنبات "أدنى" مرتبة من الحيوان..

والجماد "أدنى" مرتبة من النبات..

وقد كرمنا الله بالشريعة الإسلامية منهلا صادقا.. وكل ما نعانيه اليوم فى حياتنا من متاعب، فإن مرجعه أننا نعيش فى ظل قانون البشر..

وإذا كان كل إنسان منا حين تغرب "الشمس" يضىء مصباحا بالغاز.. أو الزيت، أو الكهرباء أو غيرها.. فإذا جاء نور "الصباح" أطفأ كل واحد منا "مصباحه"، فإن شريعة الله هى "النور" الذى يجب أن تطفأ أمامه "جميع المصابيح".

وإذا كان الله "أمر".. أو "نهى"، وجب أن يكون هو الأمر المطاع، دون مناقشة أو نزاع.

ولابد لهذا المجتمع من التربية العقدية، وأن يحسن كل إنسان ولايته التى ولى عليها..

وأن نحقق الشريعة الإسلامية للشعب وأن نقول بوضوح "للملحدين" ولأهل "المذاهب المادية":

هذه هى الشريعة الإسلامية منهج الله.. "أطفئوا مصابيحكم".. فقد سطعت شمس الله.

أضف تعليق