لحل أزمة الإسكان.. القانون.. والتحايل.. من يهزم من؟!

لحل أزمة الإسكان.. القانون.. والتحايل.. من يهزم من؟!اسكان

كنوز أكتوبر5-5-2022 | 13:03

أغلب الظن أن أصحاب العمارات وملاكها يدخرون دائمًا حيلًا «طازة» لمواجهة أى قانون جديد من قوانين الإسكان، ورغم أن القوانين تحمى المستأجر فإن خبراء ا لإسكان يعتبرونها سببًا رئيسيًا من أسباب الأزمة.. ولهذا كان الصراع بين الحيلة والقانون – من وجهة نظرهم – ليس إلا محاولة للخروج من دائرة مغلقة.. والنتيجة فى كل المجالات تعنى ازدياد الأزمة حدة!

فى البداية، يكشف المهندس سعد زغلول إبراهيم الخبير الدولى ل لإسكان والتخطيط طرق التحايل التى يلجأ إليها الملاك للتهرب من القوانين، فيقول: إن المالك يقوم بعمل عقود وهمية مع أقاربه أو أصدقائه الذين يثق بهم، يحدد فيها الإيجارات التى لا تجد تعارضا بين مطالبه ومطالب المستأجرين الوهميين، فتقر الإيجار الموجود.. وينتظر المالك لمدة 30 يومًا حتى تصبح قرارات اللجنة نهائية ولا يجوز الطعن فيها.. وعندئذ يعرض المالك شقق عقاره للإيجار دون خوف من أن يستدعى أحد المستأجرين الحقيقيين اللجنة لتخفيض الإيجار.

وبنفس الطريقة يتحايل الملاك الذين يعرضون عقاراتهم للتمليك، فالقانون حدد لهم السعر الذى يبيعون به، بحيث لا تتجاوز نسبة الربح 20% من قيمة الأرض والمبانى، ولكنه أباح لمن يشتريها أن يبيعها بعد ذلك بأى سعر.. وعن طريق العقود الوهمية يتمكن المالك الأصلى من بيع عقاره بالسعر الذى يناسبه.

نصف مفروشة

ويضيف أن القرارات الخاصة بتنظيم الشقق جعلت أصحابها يلجأون إلى طريقة غريبة يتحايلون بها على أى قانون جديد.. فهم يقومون بتأثيث الشقق بنصف أثاث، ثم يطالبون المستأجر بإكمال الباقى.. وبهذه الطريقة تتحول الشقق المفروشة إلى شقق نصف مفروشة.. لا تخضع لقوانين الشقق الخالية ولا المفروشة!
ويؤكد أنه حتى القوانين الحالية لا تستطيع أن تمنع الملاك من تقاضى خلو الرجل، والمسألة بالنسبة لهم بسيطة، فالخلو يتم استلامه بلا شهود، وعقد الإيجار يكتب بعد أن يوقع المستأجر فى قسم الشرطة محضرا يعترف فيه بعدم دفع أى مبلغ كخلو رجل وإذا اشتكى المستأجر بعد ذلك فإن صورة المحضر الرسمى كفيلة بحماية المالك تماما!

لماذا يتحايلون ؟

.. نتساءل: لماذا يلجأ الملاك إلى هذه الطريقة التى يتحايلون بها على القانون؟
إن المهندس سعد زغلول إبراهيم يؤكد أن التشريعات الخاصة بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وقوانين تقدير الإيجارات هى السبب.. لأنها تظلم المالك بصفة دائمة وتعرضه للخسارة.. وعلى سبيل المثال فإن القانون رقم 707 لسنة 1970 حدد تكاليف بناء المتر المربع من 8 إلى 13 جنيها للمساكن الاقتصادية ومن 13 إلى 16 جنيها للمساكن العادية ومن 16 إلى 20 جنيها للمساكن فوق المتوسطة.. ورغم ارتفاع أسعار مواد البناء.. ورغم صعوبة الحصول عليها فإن لجنة تقدير الإيجارات لا تزال تعمل بهذا القانون حتى الآن فيتعرض المالك لخسارة.

ونفس المعنى يؤكده حديث المهندس الفونس حنا مسئول ا لإسكان بحزب الأحرار الاشتراكيين.. ويضيف أن هذه التشريعات جعلت الملاك يحجمون عن البناء أو حتى عن إصلاح المبانى الحالية.. فهناك 172 ألف مسكن آيلة للسقوط ونسبة الذين يتقدمون للحصول على تراخيص بناء المساكن الجديدة انخفضت إلى الصفر تقريبًا!.. والصورة يؤكدها قيام مقاولى البناء ببيع عدتهم نتيجة لتوقف سوق البناء تمامًا.. واضطرار هؤلاء المقاولين للبحث عن مهنة أخرى!

والتشريعات الحالية لا تتيح للمالك أن يحصل على عائد أكثر من 3% - والكلام مازال للمهندس الفونس حنا – فإذا علمنا أن صاحب رأس المال يستطيع أن يستثمر أمواله بنسبة 11% عن طريق إيداعها فى البنوك الخارجية.

مليون وحدة.. عجز

وهناك عجز يقدر بحوالى مليون وحدة سكنية.. وهذا العجز سيصل إلى مليون ونصف المليون وحدة فى عام 1980.. ومن الطبيعى ألا تكون التشريعات هى السبيل إلى حل المشكلة وإنما هى الإمكانيات.. فإذا علمنا أن المطلوب هو 4500 مليون جنيه لسد هذا العجز فإن المشكلة تصبح مشكلة توفير هذه الإمكانيات.

كيف..؟

يقول المهندس الفونس حنا إن هناك الآلاف من الأراضى المعتدى عليها يمكن للدولة حصرها وبيعها فى مزاد علنى.. بالإضافة إلى حصيلة الغرامات الخاصة بإشغالات الطريق والنظافة والإعلانات والبناء بدون ترخيص.. وخاصة أن هناك قصورا شديدا فى تحصيل هذه الغرامات.. إن حصيلة هذا فى النهاية يمكن أن تمول ا لإسكان الشعبى.. ويطالب بتشجيع القطاع الخاص على البناء عن طريق محاسبته على التكاليف الفعلية.. وضمانا لعدم زيادة الأعباء على المستأجر فإنه يقترح صدور تشريع يحدد مسطحات الشقق بما لا يزيد على 50 – 60 مترا بدلا من 90 – 100 متر كما هو الآن.
ويطالب أيضًا بإعفاء مواد البناء من رسوم الجمارك لأن هذا هو السبيل الوحيد لتوفيرها مما يؤدى إلى القضاء على السوق السوداء فتقل بالتالى نسبة التكاليف الفعلية.
ويضع المهندس سعد زغلول إبراهيم تصوره عن توفير الإمكانيات لقطاع ا لإسكان فيقول: إن شركات ا لإسكان التابعة للوزارة يمكنها الحصول على كميات كبيرة من العملة الصعبة عن طريق تحركها وانتشارها فى البلاد العربية والإفريقية..

ويؤكد أن الظروف مهيأة تماما لنجاح هذه الشركات.. فالعمالة متوافرة والحركة العمرانية فى هذه المناطق تحتاج إلى الكثير، بالإضافة إلى أسعارنا معقولة جدا بالنسبة لأسعار الشركات الأجنبية، ويضرب على هذا مثلا فيقول إن إحدى الشركات الإنجليزية قامت بتنفيذ بوابة ضخمة من الخرسانة المسلحة فى منطقة الخليج مقابل مليونى جنيه مصرى فى الوقت الذى تستطيع فيه أية شركة مصرية تنفيذ نفس المشروع مقابل 200 ألف جنيه فقط!

مدينة الوطاويط!

ويضيف أن هناك مناطق كثيرة لا يتم استغلالها كالخرابات الموجودة فى القاهرة والتى تبلغ عددها 662 خرابة ومساحتها 15 مليون متر مربع!
وأشهر هذه الخرابات «مدينة الوطاويط» الموجودة فى منطقة الخليفة والتى تبلغ مساحتها آلاف آلاف الأمتار ولا يتمكن أحد من دخولها لوجود آلاف الوطاويط بها.. ويقترح أن تقوم الدولة بتقسيم كل منطقة من هذه المناطق إلى جزءين.. لبيع أحدهما وبثمنه تبنى الجزء الثانى.. ويطالب المسئولين بإعادة النظر فى نظام الجمعيات التعاونية ل لإسكان التى لا تبنى إلا الفيلات الفاخرة، فتستغل مواد البناء بما لا يعود بالفائدة على القاعدة العريضة.. ويقترح إنشاء شركات تعيد بناء المساكن الآيلة للسقوط مثلما يحدث فى الخارج.. ففى اليونان تقوم هذه الشركات بإعادة بناء المبانى المعرضة لتهدم ثم تعطى للمالك الأصلى 60% من عائد الإيجار وتحتفظ هى بنسبة 40% حتى يتم لها تحصيل كل ما دفعته فى عملية البناء وبعدها تئول ملكية العقار مرة أخرى للمالك الأصلى.

تصحيح الأوضاع

وبعد.. فإن الخبراء قد وضعوا تصورهم الخاص لحل المشكلة وأكدوا أن المسألة لا يحلها القانون وإنما الإمكانيات وتوافرها.. ونحن بدورنا نضع هذا التصور أمام المسئولين وبقى أن نطالب بتصحيح بعض الأوضاع التى تزيد المشكلة تفاقما.. فهناك أراض يشتريها أصحابها ويحتفظون بها لمدة، ثم يبيعونها بعد ذلك بمكسب هائل.. وفرض ضريبة على هذه الأراضى الفضاء سيجبر أصحابها على بنائها.. وهناك أيضًا مناطق تعيش فيها أسرة أو أسرتان ويرغب أصحابها فى إعادة بنائها ليعيش فيها عشرون أسرة والقانون الحالى يمنع إخلاءها.. وهناك أيضًا العمارات التى انتهى أصحابها من بنائها وتركوها بدون تأجير أو تمليك.. بينما هناك آلاف تتمنى شقة واحدة.. ولا ننسى أن القانون مطالب بألا يظلم الملاك ولكنه مطالب أيضًا بألا يكون هذا على حساب المستأجر وهذه هى المعادلة الصعبة التى يجب على المسئولين حلها.

أضف تعليق