التنمر على مُصابي فيروس كورونا جريمة إنسانية بإمتياز
التنمر على مُصابي فيروس كورونا جريمة إنسانية بإمتياز
بقلم د. وسيم وني / مدير مركز رؤية للدراسات الأبحاث في لبنان
التنمّر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجه من قبل فرد أو مجموعة نحو شخص آخر أو مجموعة أخرى، قد يكون التنمّر لفظياً أو جسدياً (أي الإساءة اللفظية أو العنف الجسدي تجاه الآخر) ففي كثير من الأحيان، يكون التنمّر تجاه شخص مستضعف لا حيلة له؛ نسمع عن حالات تنمّر كثيرة في المدارس ما بين الأطفال مثلاً، من تخويف وتهديد كلامي أو جسدي والتنمّر في حديثنا اليوم هو عن المصابين بفيروس كورونا، أو من ممكن أن يكون مصاباً أو مخالطاً لمصاب بفيروس كورونا، وهو الإساءة لهذا الشخص أو لعائلته ومجتمعه ، من خلال التذنيب وتحميل المسؤولية ووصمة العار التي تُفرض عليهم جراء إصابتهم بفيروس كورونا .
التنمر ضد مصابى "كورونا " جريمة والمرض ابتلاء وليس وصمة اجتماعية" ولعل أصعب الحالات التي يعيشها المصاب بفيروس كورونا اليوم ألا وهي التنمر حيث يصبح المصاب بهذا الفيروس كأنه في قفص الإتهام والمجتمع أجمع يقوم بمحاسبته عليه مما يدفع بعض المصابين بالفيروس بإخفاء إصابتهم لتجنب التنمر عليهم وهو ما يعرض حياة المصاب والمجتمع ككل للخطر وتفشي الفيروس .
وبالتأكيد أن هنالك تعليمات نشرتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات الصحية في العالم أجمع، يجب علينا جميعاً أن نتبعها من غسل الأيدي والتباعد الإجتماعي وتفادي الإختلاط وإرتداء الكمامة مروراً بالحجر الصحي والبقاء في المنزل وعدم لقاء آخرين وخاصة كبار السن وأصحاب أمراض سابقة والمناعة الجسدية المنخفضة وما إلى ذلك وهذه تعليمات تحفظ قدر الإمكان سلامتنا وسلامة الآخرين وسلامة من نحب ، من مقربين وغرباء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ورغم كل هذا من يُصاب بفيروس كورونا ليس مجرماً و ليس "عالة على المجتمع"، ولا يستحق أي شكل من أشكال الإساءة والأذى، بل العكس تماماً، يستحق الدعم المعنوي والنفسي، خاصة أن على المصاب المرور بفترة مرضه معزولاً لوحده، سواء في البيت أو في المستشفى، إن لزم الأمر ويحتاج منا جميعاً مساعدته لتخطي هذا المرض الذي يفتك بالعالم بأسره .
ومما لا شك فيه أن الظروف التي نعيشها تضع الناس في ضغوطات عديدة؛ الخوف من المرض والموت، الظروف الاقتصادية إلخ… وبالتالي، تدفع الناس إلى استخدام آليات دفاع نفسية للتعامل معها، وهي موجودة منذ ولادة الإنسان حتى يكبر، مثل الفكاهة في مواجهة الخوف، وهنالك آليات غير متطورة للتعامل مع المخاوف، مثل أن يسقط رجل في بركة ماء ويلوم الناس الآخرين ومحيطه على سقوطه، هذه آليات دفاعية محورها الإسقاطات على الآخرين وإلقاء اللوم عليهم .
طبعاً هذه الآليات غير متطورة، يستخدمها من لا يملك الإدراك، ووصمة العار التي تُفرض على الآخرين، هي جزء من منظومة الإسقاطات ( وخاصة ما يٌمارس على المصاب بفيروس كورونا ) مثلاً، أنا خائف من كورونا، فمن السهل أن أتعامل مع الخوف، بأني بصحة جيّدة، فالشخص الآخر الذي تربطه تفصيلة حياتية ما بفيروس كورونا، يوصَم بالعار ويتنمر عليه، مثلاً؛ أنه زار مصاباً أو عاد من السفر أو يعمل في مستشفى أو مستوصف صحي، إلخ… فيُسقط الناس عليه مخاوفهم، وتصبح وصمة العار آلية دفاع نفسية يتبعها البعض ضده وهذا خطأ ويدفع المصاب أومن أصيب من أفراد أسرته بالفيروس بأن يخفي إصابته ، تجنبا للوصم الاجتماعي الذي يتعرض له حتى بعد التعافى من إصابته .
وأخيراً إن هذه الظاهرة التي تجتاح مجتمعنا تحتاج منا جميعاً إلى رفع درجة الوعي لدى المجتمع بكافة أطيافه لندعم المصاب بفيروس كورونا نفسياً ومعنوياً لا أن نتنمر عليه ونسارع بتداول اسمه بالكامل وعدد أولاده وسكنه إلى حد السخرية منه ومن عائلته ( وخاصة على وسائل التواصل الإجتماعي ) ، فهذا المرض كغيره من الأمراض المعدية يمكن أن يصيب أي إنسان ويتعالج ويشفى منه وعلينا جميعاً مسؤولية كبيرة ألأ وهي رفض المتنمرين ، وأن نقف إلى جانب المصاب بعزلته، وبفترة علاجه، وأن نحاول قدر الإمكان مناهضة كل أشكال الإساءة النفسية التي يُمكن أن تمارس عليه، كأفراد وكمؤسسات تعمل في حقول الصحة النفسية هذه مسؤوليتنا جميعاً، لأن الإصابة بكورونا ليست عاراً ولا عيباً ولا يحقّ لأحد أن يُعامَل بالإساءة بسبب مرضه، كما أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الجسدية لمواصلة الحياة فجميعنا معرضين للإصابة بالفيروس فلا تجعلو من هذا التنمر أن يجردكم من انسانيتكم.
ونسأل الله السلامة للجميع والشفاء للمرضى .