لا شك أن تكوين الشباب الصالح.. الذى يستطيع أن يقدم لوطنه الكثير.. وفى نفس الوقت يقدم لنفسه الكثير أيضًا عندما يجعل لحياته هدفا ومعنى وغاية.. هو شىء فى غاية الأهمية لوطننا.. ونحن نحاول أن نسبق ظلنا لنصل إلى مجتمع يشعر كل فرد فيه بالسعادة والرفاهية.. ويشعر فى نفس الوقت بالأمن والأمان.
وهناك الكثير من المشاكل التى تواجه الشباب.. وأخطر هذه المشاكل على الإطلاق هو الفراغ الدينى الذى يجبر الشباب أن يسلك طريقا لا يرضى عنه المجتمع، أو ينحرف بأفكاره نحو ما يدمر مستقبله دون أن يدرى..!
والحل:
هو أن يعرف الشباب أمور دينه معرفة حقيقية.. معرفة مستنيرة.. حتى لا ينحرف.. أو ينقاد بلا وعى لأفكار مدمرة أبعد ما تكون عن تعاليم الدين لأن تعاليم الدين واضحة للغاية.. بسيطة للغاية لأن ديننا ببساطة هو دين الفطرة..
وأسلم الطرق لحل مشكلة الفراغ الدينى هو القدوة الحسنة.. وليس هناك قدوة حسنة أعظم من القدوة بالرسول العظيم محمد "صلى الله عليه وسلم".. فقد كانت حياته بسيطة للغاية «إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» وسلوكه يضىء معالم الطريق لمن يريد أن يحيا حياته متوافقا مع نفسه.. ومع مجتمعه.
وقد التقيت بالشيخ موسى محمد على مدير مكتب الإمام الأكبر، ودار حوار بينى وبينه حول الرسول "صلى الله عليه وسلم" كقدوة للشباب، ليسلكوا نفس السلوك الذى سلكه رسولنا العظيم "صلى الله عليه وسلم".. ومن هنا يعرفون موضع خطاهم فى الحياة، وقد خرجت من هذا اللقاء بالعديد من الصور الجميلة الرائعة التى يمكن أن تكون سلوكا مستنيرا لشبابنا.. وقدوة حسنة لهم تنفعهم فى الحياة وما بعد الحياة!
إن الله يأمرنا أن يكون لنا فى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قدوة حسنة لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
والقرآن الكريم يقول أيضًا: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ).
والنور هو الرسول "صلى الله عليه وسلم"، والكتاب المبين هو الق رآن الذى أنزله الله عليه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.
فالرسول "صلى الله عليه وسلم" نور، ورسالته نور، وخلقه نور.. والاقتداء به "صلى الله عليه وسلم" نور، وفى التخلق بأخلاقه نور.. وفى إتباع طريقه نور، فهو نور على نور.. والله يهدى لنوره من يشاء.
كان يحب الحياء.. ومن هنا فالحياء مطلوب، فقد روى عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" إنه كان لا يثبت بصره فى وجه أحد.
كان يجالس الفقراء، ويواسى المساكين، ويكرم الضيف.. لا يحب الكبر ولا المتكبرين.. يلتمس الأعذار للناس.. لا يحب أن يعيب على أحد.. أو يلعن أحدا.
إنما بعثت رحمة.. ولم أبعث لعانا.
نصغى إلى الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" وهو يتحدث بكل الإيمان.. يطلب من الإنسان أن يرحم أخاه.. وأن يقف بجانبه فى ساعات الشدة.
«الراحمون يرحمهم الرحمن».
«من لا يرحم.. لا يُرحم».
«من يسر على معسر فى الدنيا.. يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة».
«والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه».
«المسلم أخو المسلم.. لا يظلمه.. ولا يخذله.. ولا يحقره».
والرسول "صلى الله عليه وسلم" كان كما يصفه الإمام علىّ كرم الله وجهه: (كان أوسع الناس صدرا.. وأصدق الناس لهجة.. وألينهم عريكة.. وأكرمهم عشرة).
وهناك صورة أخرى للرسول "صلى الله عليه وسلم" ترسم للمؤمن أخلاقياته.. ومعاملته للناس.. تتمثل فى قول جرير بن عبد الله: (ما حجبنى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قط منذ أسلمت.. ولا رآنى إلا تبسم وكان يمازح أصحابه ويخاطبهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم فى حجره.. ويجيب دعوة الحر والعبد.. والأمة والمسكين.. ويعود المرضى فى أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر).
ويكفى أن الرسول "صلى الله عليه وسلم" له اسمان من أسماء الله تعالى عندما وصفه سبحانه بقوله: (بالمؤمنين رءوف رحيم).
وكان الرسول y يرفض أن يقوم له الناس إجلالًا فهو القائل: (لا تقوموا لى كما تقوم الأعاجم لملوكها).
.. والحديث عن أخلاقيات رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم"، وتمسكه بالقيم والمثل العليا.. وتواضعه وحبه الخير للناس، ونهيه عن الكراهية والبغض والحسد.. حديث يملأ عشرات المجلدات.
وينتهى حديثى مع الشيخ موسى محمد على عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" كقدوة.. وأتذكر كلمات واعية للأستاذ خالد محمد خالد، فى كتابه (إنسانيات محمد) وهو يصف لنا القدوة كأعظم ما تكون القدوة وهو يتحدث عن محمد الإنسان.
تعالوا نر الإنسان الحانى الذى لا تفلت من عقله الذكى شاردة من آمال الناس وآلامهم إلا لباها ورعاها.. وأعطاها من ذات نفسه كل اهتمام وتأييد.
نر الإنسان الذى يكتب لملوك الأرض طالبا إليهم أن ينبذوا غرورهم الباطل.. ثم يصغى فى حفاوة ورضا لأعرابى حافى القدمين يقول له فى جهالة: (اعدل يا محمد.. فليس المال مالك ولا مال أبيك)!
نر العابد الأواب الذى يقف يتلو سورة طويلة من القرآن فى انتشاء وغبطة لا يقايض عليها بملء الأرض تيجانا وذهبا، ثم لا يلبث أن يسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلى خلف رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فى المسجد، فيضحى بغبطته الكبرى وحبوره الجياش، وينهى صلاته على عجل رحمة بالرضيع الذى يبكى وينادى أمه ببكائه.
نر الإنسان الذى وقف أمامه الجميع صاغرين، جميع الذين شنوا عليه الحرب والبغضاء، ومثلوا بجثمان عمه الشهيد «حمزة» ومضغوا كبده فى وحشية ضارية فقال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
نر الإنسان الذى يجمع الحطب لأصحابه فى بعض أسفارهم ليستوقدوه نارا تنضج لهم الطعام!
والذى يرتجف حين يبصر دابة تحمل فوق ظهرها أكثر مما تطيق !
والذى يحلب شاته.. ويخيط ثوبه.. ويخصف نعله!
والذى يقف بين الناس خطيبًا، فيقول: (من كنت جلدت له ظهرا.. فهذا ظهرى فليقض منه).
أجل هذا هو الإنسان أبهى وأنقى.. وأسمى ما يكون الإنسان.. يتيم.. جعل الله اليتم له مهدًا.
وحين كان أترابه يلوذون بآبائهم، ويمرحون بين أيديهم كطيور الحديقة كان محمد "صلى الله عليه وسلم" يقلب وجهه فى السماء.. لم يقل قط يا أبى.. لأنه لم يكن له أب يدعوه، ولكن قال كثيرا.. وقال دائما: يا ربى!
ونمضى مع كتاب الكاتب الإسلامى الأستاذ خالد محمد خالد لنراه يرسم صورة عظيمة لشخصية الرسول "صلى الله عليه وسلم" فيقول عنه: (والحب عند الرسول مثل القاعدة الراسخة لسلوكه، وحين تفرض عليه الظروف القاهرة أن يبغض بعض الناس، فإن هذا البغض لا ينفصل عن قاعدة الحب ذاتها. أعنى أنه – عليه السلام – يبغض حين يكون البغض تعبيرا عن الحب وولاء له.
فهو مثلا يحب الحق، وهذا الحب يقتضيه أن يبغض الباطل.
وهو يحب العدل، وحبه للعدل يقتضيه أن يكره الظلم..
وهكذا فهو لا يبغض عن كره أو حقد، إنما يبغض حين يكون البغض «موقف دفاع» عن شىء يحبه.. وهو الذى لا يحب لنفسه ولا يبغض لنفسه.. إنما تحدد قيمه العليا السامية ما يجب وما لا يجب.
.. وما أروع الحديث عن سيرة رسول الله "صلى الله عليه وسلم".. وقيم رسول الله.. ولو عرفنا أخلاقياته تلك.. وتخلق بها الشباب وغير الشباب.. لعشنا فى ظل مجتمع ترفرف عليه ظلال المحبة والسلام.. ولسار مجتمعنا نحو حياة أكثر أملا وسعادة وإشراقًا.