مرض خطير جديد بدأ يزحف على حرفنا الفنية التقليدية كالتطعيم ب الصدف والنقش على النحاس والخراطة اليدوية.. إنه نقص الصبية وعدم إقبالهم على تعلم هذه الحرف، والصبية هم الماء الذى يسرى فى عروق المهنة ليثمر مستقبلها، وما دام الماء قد انقطع أو فى طريقه إلى الانقطاع فلا مستقبل لها.
متى وكيف نعيد الماء لتجرى فى عروق حرفنا الفنية.. واجهة مصر الجميلة أمام العالم ومصدر العملات الصعبة؟
فى مركز 26 يوليو للتدريب المهنى، وهو أحد مركزين اثنين فقط تابعين للدولة يهتمان ب الحرف الفنية التقليدية، قال مدير المركز عزت حسين: لماذا يطالبون بتحديد النسل ونحن فى أشد الحاجة إلى الصبية فى جميع الحرف خاصة الحرف الفنية؟.. مثل التطعيم ب الصدف والنقش على النحاس، والخراطة.. إلخ، فالنسل هو ثروة وطاقة يمكن تنميتها والاستفادة منها داخليا وخارجيا.
ويضيف أن قلة الصبية تهدد مستقبل الحرف إذا لم نسارع بوضع حل لذلك بتحسين الوضع الاجتماعى للحرفيين، فنحن نحس أن مجتمعنا يفرق بين «الصنايعى» أو الحرفى وبين المثقف ويعطى الثانى وضعا أدبيا أفضل.
ولذلك فإننى أرى ضرورة إعطاء الصبية حوافز مادية أكبر كى يقبلوا على تعلم هذه المهن مع مساواة العامل الفنى بحملة المؤهلات المتوسطة على الأقل.
فالصبى الذى يتدرب بالمركز يحصل على 150 قرشا شهريا فى السنة الأولى، ثم 3 جنيهات فى السنتين التاليتين وهو مبلغ ضئيل لا يشجع الصبية على الإقبال على المركز.
ويروى مدير المركز قصة طريفة عن موظف كبير بالدولة استطاع أن يقوم بخراطة مجموعة من الخشب فى يوم واحد لم يستطع أن ينجزها لدى محل متخصص فى 15 يوما ما طله فيها المحل.
فالموظف الكبير يهوى الخراطة ولديه آلاتها..
ويقول الأسطى حسين عبد المنعم (عامل صدف) إن عدد الصبية فى مركز 26 يوليو فى تدهور، فقد كانوا 35 طالبا فى قسم الصدف سنة 1971، ثم أصبحوا 20 فى سنة 1973، ثم 10 سنة 1976، وفى هذا العام لم يلتحق بالقسم سوى اثنين فقط.
ويضيف الأسطى حسين: إن إسرائيل أنشأت صناعة صدف كبيرة بعد نكسة 1976، بل أكثر من ذلك فقد احتكرت إنتاج مصنع يابانى للصدف، ورغم أن هناك بلادا أخرى تقوم فيها صناعة الصدف مثل سوريا والأردن وتركيا والهند، فإن العامل المصرى أمهرهم لدقة التطعيم ب الصدف الذى يقوم به.
ربط الصبى بصاحب العمل
وفى مناقشة مع أحد المنتجين بـ خان الخليلى، الحاج فرحان، يقول منفعلا:
يجب على الدولة حلا لمشكلة الصبية التى نعانى منها بأن تصدر قرارا يلزم الصبى بالبقاء مدة معينة فى الورشة التى نشأ بها، ويحدد هذه المدة خبراء حرفة فنية على أساس الزمن، الذى يمكن فيه للصبى اكتساب المهنة بأصولها من الأسطى.
لأن ما يحدث حاليًا هو إهدار للجهد الذى بذله الأسطى فى تعليم الصبية، فلا يكاد الصبى يتعلم شيئًا من المهنة حتى يهرب لورشة أخرى تعطيه دخلا كبيرا، وذلك يعتبر إهدارُا لحق صاحب الورشة فى الاستفادة من الجميل الذى أعطاه لصبيه ولو لفترة من الزمن وهذا الهروب من الصبية يجعل الأسطى يمتنع عن إعطاء كل خبرته للعامل خوفًا من أن يتركه.
ففى الماضى كان لكل مهنة شيخ يستشار فى النواحى الفنية، وكذلك فإن له صوتا محترما مسموعا بين أهل مهنته ويعتبر أبًا روحيًا لهم، إن العامل حين يرغب فى الانتقال من ورشة إلى أخرى كان يستأذن من صاحب ورشته.
ويقول الحاج عبد اللطيف صاحب محل وورشة فى خان الخليلى: إن عمال الورشة إذا اتفقوا معا وهجروا الورشة إلى ورشة أخرى أو فتحوا هم ورشة جديدة فإنهم سيخربون بيتى، فالعامل أجره فى اليوم 3 جنيهات على الأقل ولا يأتى فى ميعاده ولا يعطى الجهد الموازى للأجر، ونحن من جانبنا لا يمكننا رفع أسعار السلع التى نبيعها لأنها سلع كمالية.
وهناك مشكلة أخرى كبيرة فهيئة التأمينات الاجتماعية تتراخى، ثم فجأة وبدون سابق إنذار أجد غرامة 632 جنيها منذ سنة 1959، لماذا لا يقومون كل فترة – ولتكن 6 أشهر – بالمرور على الورش وإخطارها دوريا بقيمة التأمينات عليها، أو يقومون بتعيين محصلين لتحصيل التأمينات أو يفوضون الجمعية التعاونية لصناع خان الخليلى.
وهناك موقف غريب آخر من هيئة التأمينات فهى تمنع تشغيل الصبية أقل من 12 سنة بحجة أنهم لا يتحملون، رغم أن هذه الحرف الفنية لا تحتاج إلى جهد كبير، ومهم جدًا تعلمها فى الصغر.
شركة قطاع عام تشجع الاحتكار
ويثير الحاج مصطفى الشامى قضية نقص خامات النحاس كأهم مشكلة تواجه حرفة النقش على النحاس، فيروى هذا الموقف الغريب لشركة القطاع العام للنحاس، وهى الشركة الوحيدة التى تصدر النحاس للقطاعين العام والخاص فى مصر، فهى تشجع كبار تجار النحاس بالقطاع الخاص على احتكار كميات النحاس التى تطرحها الشركة فإن الكمية التى يحصل عليها صناع النحاس من جمعية خان الخليلى (ألف عضو) لا تكفى ورشة واحدة لمدة 3 شهور.
لماذا:
لأن شركة النحاس لا تعطى الجمعية إلا هذه الكمية المحدودة بحجة نقص الإنتاج فى الوقت الذى تعطى فيه تجار القطاع الخاص للنحاس كل ما يحتاجون إليه ويقوم الصناع بشراء بقية الكمية التى يحتاجون إليها من السوق السوداء بضعف السعر الذى يحصلون عليه من الجمعية التعاونية.
وفى النهاية نلتقى بالرجل الذى يجمع كل الحرف الفنية فى الجمعية التعاونية الصناعية ل خان الخليلى شوقى هيكل، يقول: إنه ينظر لمستقبل التعاون بعد الانفتاح الذى أعطى للقطاع الخاص فرص الاستيراد والتصدير، بحيث ينتقل إلى الإنتاج والتصدير، ولكن تواجهنا مشكلة فى هذا المجال هى مشكلة عرض المنتجات.. فهناك أماكن فى خان الخليلى يصل (خلو الرجل) لها إلى 10 آلاف جنيه، لا يمكن للجمعية تدبيرها وتود لو استطاعت محافظة القاهرة إعطاءنا أكشاكًا بجوار الفنادق والمتاحف السياحية.
ويشكو مدير جمعية خان الخليلى من عدم تخريج مراكز التدريب (مركزان فقط) والمدارس الصناعية للأجيال الجديدة، ويطالب الدولة بأن توجه الطلبة إلى الصناعات التى تحتاج إلى عمال.. وخاصة أن الخريجين ينتظرون سنوات طويلة إلى أن يتم تعيينهم.
تم النشر فى السنة الأولى – العدد العشرون – الأحد 13 مارس «آذار» 1977 – 23 ربيع الأول 1397