إن مدينة القدس مهددة بأفدح الأخطار.. فمنذ زمان بعيد وقبل قيام إسرائيل، و اليهود يهدفون إلى طمس معالم المدينة.. أولى القبلتين، والمؤسسة الصهيونية تعمل على أن تحمى المسجد الأقصى وقبة الصخرة لتقيم على أنقاضه هيكل سليمان.. لأن نية الصهاينة تجاه الإسلام والمسيحيين معروفة ومسطرة فى كتبهم.
وهنا سأتناول بعض ما جاء فى وثائق وتصريحات الصهاينة، التى تكشف نواياهم المبيتة حول تدمير المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ولو أردنا هنا أن نتناول كل تصريحاتهم ووثائقهم لطال الحديث وامتد.
جاء فى دائرة المعارف البريطانية ما نصه «أن اليهود يتطلعون إلى امتداد إسرائيل واستعادة الدولة اليهودية وإعادة بناء هيكل سليمان».
كما جاء فى دائرة المعارف اليهودية المطبوعة فى لندن عام 1904 (أن اليهود يجمعون أمرهم بغية الزحف على القدس وقهر العرب وإعادة العبادة إلى الهيكل وإقامة ملكهم هناك).
هيكل سليمان
وفى سنة 1929 أعلن الزعيم اليهودى (جلوزتز) أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس ملك لهم، وقال الوزير البريطانى اليهودى اللورد (فشت): إن اليوم الذى سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريبا جدا وإننى أكرس ما تبقى من حياتى لبناء هيكل سليمان فى مكان المسجد الأقصى، كما طالب اليهود أثناء الانتداب البريطانى على فلسطين الحكومة البريطانية أن تسلمهم الحرم الشريف فى القدس بحجة أنه ملك لهم.
هذه بعض تصريحات ووثائق الصهاينة، التى أعلنوها قبل إقامة إسرائيل أما بعد إقامة إسرائيل فإن تصريحاتهم أكثر وقاحة.
صرح (بن جوريون) مرات عديدة (لا معنى ل إسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل).
المسجد الأقصى
وقال وزير الأديان الإسرائيلى فى مؤتمر دينى عقد فى القدس بمناسبة احتلال القدس إن أرض الحرم – يقصد أرض.. المسجد الأقصى – ملك يهودى بحق الاحتلال ويحق شراء أجدادنا لها منذ ألفى سنة.. كما نشرت صحيفة (لا مراحاب) مقالا تحت عنوان ( هيكل سليمان بالقدس) قالت فيه يجب الاستيلاء بسرعة على المقدسات الإسلامية ووضعها تحت سلطة إسرائيل مهما كان الثمن.
بالإضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية هدمت بعد احتلالها للقدس فى يوم 6 يونيو 1967 جميع الأبنية الأثرية وغيرها الواقعة حول المسجد الأثصى بحثا عن آثار عبرانية يمكن أن تكشف عن بقايا الهيكل، وأنشأت إسرائيل صندوقا لجمع التبرعات أطلقت عليه اسم (صندوق إعادة بناء هيكل سليمان) وقد استطاعت جمع مبالغ طائلة من اليهود وأنصارهم فى العالم.
ولا يفوتنى هنا أن أُذكّر للقارئ العربى والإسلامى.. بأول محاولة قامت بها المؤسسة الصهيونية لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أغراضها الدينية فى هدم المسجد الأقصى، ففى يوم الخميس الثامن من جمادى الثانى سنة 1389 هجرية المصادف 21 أغسطس 1969 حاول الإسرائيليون حرق المسجد الأقصى، ولقد دمر الحريق القسم الجنوبى الشرقى من المسجد، كما أتى على منبره الأثرى العريق.
ولعلها أول مرة يذكر فيها أن تيتوكس قد قام بتدمير هيكل سليمان فى يوم 21 أغسطس سنة 70 ميلادية، وأنى أتساءل هل من الصدف أن يتم حرق المسجد الأقصى فى نفس اليوم، الذى أحرق ودمر هيكل سليمان؟
وبالضبط بعد 1899 سنة، خاصة أن الصحف الإسرائيلية كانت قد مهدت قبل شهر واحد من إحراق المسجد الأقصى الجو المناسب لإزالته من الوجود، فدعت إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق ذلك.. ونشرت صحيفة (معاريف) على سبيل المثال مقالا تحت عنوان «المسلمون اغتصبوا أرض الهيكل» جاء فيه: يجب على الحكومة والمسئولين العمل على استرداد أرض هيكل من المسلمين وإعادة بناء الهيكل.
هدم المسجد الأقصى
وفى رأيى أن للمؤسسة الصهيونية اتجاهين فى طمس معالم القدس القديمة بالإضافة إلى العمل على هدم المسجد الأقصى.
الاتجاه الأول داخل سور المدينة والاتجاه الثانى خارج سور المدينة، وهذان الاتجاهان يسيران فى خطين متوازيين؛ لمحو تراث هذه المدينة المقدسة ذات الحضارة العريقة ذات الطابع الفريد.
فهم يعملون على طمس معلم المدينة داخل السور، وفى نفس الوقت يعملون على هدم أحياء بأكملها، هى الأحياء، التى تحيط بالمسجد الأقصى، وبناء أحياء أخرى مغايرة للطراز القديم منافية لهيئة القدس الأثرية هذا بالإضافة إلى أعمال الحفر، التى تقوم بها السلطات الإسرائيلية أسفل المسجد الأقصى، التى وصلت إلى عمق أربعين قدما تحت المسجد مما يهدد المسجد بالانهيار وقد سبق لأعمال الحفر أن أصابت الجانب الجنوبى من المسجد بأضرار جسيمة قبل جريمة إحراقه، هذا بالإضافة إلى أعمال الحفر للطرق والشوارع داخل مدينة القدس القديمة وتركها بدون إصلاح مما يؤثر على طبيعة حياة سكانها وأعمالهم التجارية ويدفعهم إلى التفكير فى الهجرة وهو ما يصفه البعض بأسلوب خبيث لإخلاء المدينة من سكانها العرب الأصليين.
هذا إلى جانب محاولاتهم وأعمالهم لطمس وتغيير معالم المدينة من الداخل.
أما أعمالهم لتغيير معالمها من الخارج فتمثل فى بنائهم المبانى الشاهقة، التى تلتف من حولها.
إن هذه المحاولات كلها تقوم بها المؤسسة الصهيونية؛ لكى تحقق حلمها وأطماعها فى السيطرة على المدينة المقدسة لكى تحقق أهدافها وتقوى من جذور احتلالها ولتعيد بناء الهيكل، ليس هذا فقط.. ولا يفوتنى بالذكر أن أنبه العالم العربى والإسلامى إلى الدور، الذى تقوم به بعض المؤسسات الصهيونية فى العالم؛ لتحقيق أهداف اليهود فى إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فقد أرسلت الحكومة الأمريكية حمولة (500) شاحنة كبيرة من الحجارة الصخرية من (بيدفورد) بولاية انديانا إلى إسرائيل كما جاء فى مجلة المسيحية المعاصرة، وتعتبر حجارة أنديانا من أفضل صخور البناء فى العالم، أما الغرض من استيراد هذه الحجارة فهو إعادة بناء هيكل سليمان وقد أذيع أن حجر الزاوية ل هيكل سليمان قد وصل إلى القدس وأن تحضير مواصفات البناء يجرى بصورة سرية منذ سبع سنوات.
تم النشر فى السنة الأولى – العدد السابع عشر من مجلة أكتوبر – الأحد 20 فبراير «شباط» 1977 – غرة ربيع الأول 1397