انتهى مجلس الدولة من صياغة المشروع الجديد للإسكان.. وبعد غد ستبدأ لجنة الإسكان والمرافق ب مجلس الشعب مناقشته بعد أن وافقت عليه الحكومة.. تمهيدًا لعرضه على مجلس الشعب.
وما يلفت النظر حقًا ويحتاج منا إلى وقفة.. ما تضمنه فى أحكام حالات تأجير الشقق المفروشة، التى حدد فيها أربع حالات على سبيل الحصر للتأجير المفروش بالعملات الحرة القابلة للتحويل، وهى: التأجير لإحدى الهيئات الأجنبية أو الدبلوماسية أو المنظمات الدولية أو لأحد العاملين بها، والتأجير للأجانب المرخص لهم فى العمل أو الإقامة بمصر، والمشاركين فى تنمية الاقتصاد ومشروع الانفتاح، وللسائحين.
وفى كل الأحوال يجوز للمالك أن يؤجر شقة واحدة مفروشة فى كل عقار يملكه، كما أنه لا يجوز للمستأجر فى غير المصايف والمشاتى أن يؤجر شقته مفروشة ولو بإذن من المالك، ويجوز له أن يؤجر شقته خلال مدة إقامته بالخارج وفى الحالات، التى يجوز فيها للمستأجر تأجير المكان المؤجر له مفروشا يستحق المالك أجرة إضافية بواقع 300% للأماكن المنشأة قبل 1944، و150% للأماكن المنشأة من 1944 وقبل 5 نوفمبر سنة 1961، و100% للأماكن المنشأة بعد ذلك، على أن تخضع الوحدات، التى تؤجر مفروشة للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية.
وقد نسى المشرع بذلك أن تناسى – الله أعلم – أن القاعدة والأصل العام هو عدم تأجير أى وحدة سكنية مفروشة.. فى دولة أعلن فيها مؤخرًا على لسان اللواء جمال عسكر بأن نتيجة إحصائية تعداد السكان فى جمهورية مصر العربية هى 40 مليونًا.. القاهرة وحدها 9 ملايين.. ونصف عدد السكان فى سن الزواج.. كما جاء على لسان وزير الإسكان والتعمير بأن مشكلة الإسكان لن تحل إلا إذا تم بناء 2 مليون وحدة سكنية حتى سنة 1980.. بمعنى أننا فى كل دقيقة يجب أن ننتهى من بناء وحدة سكنية متكاملة!! بالإضافة إلى التزايد المستمر نتيجة عدد المواليد فى هذه الفترة والمساكن المهددة بالسقوط نتيجة القدم، التى جاوزت عمرها الافتراضى عشرات السنوات!!
فإذا جاء المشرع، وهو يعلم جيدًا هذه النسب المفزعة – وإذا كان لا يعلم فالمصيبة أعظم – وأباح التأجير المفروش فهو يعنى أولا وأخيرا تشجيع السياحة.. ونحن لا ننكر أنها قد أصبحت بالفعل موردًا رئيسيًا لخزانة الدولة من العملات الحرة لتتمكن بهذه العملات من استيراد أدوات البناء اللازمة لتشييد آلاف المبانى الجديدة للمواطنين، الذين حرمناهم من السكنى فى هذه الشقق وهم فى أشد الاحتياج إليها وأصحابها فى غنى عنها، بل وأغلبهم يجنى منها أرباحًا فاحشة لا يهمه الحكمة، التى سعى إليها المشرع من إباحة التأجير المفروش فى بعض الحالات تشجيعًا للسائحين والمستثمرين وهو دور وطنى بلا شك.. كل ذلك يتم على حساب المواطن الشريف دافع الضريبة من المنبع ولا وسيلة له للتهرب لأنه موظف!!
والحل؟
يتركز فى ضرورة أن ينص القانون صراحة وبدون استثناء وكفى تفسيرًا واجتهادا.. نريد نصوصا واضحة محددة تجرم كل مخالف وتعاقبه بالسجن.. وذلك بإلزام كل صاحب شقة مفروشة بتأجيرها بالعملات الحرة لأن كل من يسكن فيها سيكون بالطبع من بلد شقيق عربى أو دولة أجنبية.
وهؤلاء جميعًا – كما نعلم وكما تعلمون – أن قانون النقد لا يسمح لهم بدخول الأراضى بأى عملات مصرية بأى صورة من الصور.. ونحن نعلم أيضًا أنهم يقومون بتغيير العملات، التى يحملونها فى السوق السوداء بسعر مرتفع ويستفيدون من هذه الفروق فى دفع أجور الشقق المفروشة بالعملة المصرية، وتضيع على الدولة ملايين العملات الأجنبية وتنتفى الحكمة، التى من أجلها سمح المشرع بتأجيرها الشقق المفروشة..
ماذا استفادت الدولة؟.. لا شىء
ماذا استفاد المواطن، الذى حرمناه من السكن فى هذه الشقق هو وأسرته؟.. لا شىء
هذا لا يحدث على الإطلاق فى أى دولة فى العالم حتى لو كانت من الدول الغنية.. فكيف يكون الحال بالنسبة للدول النامية؟!
والنتيجة: المشرع المصرى بدلا من أن يواجه المشكلة بصراحة ويحلها من جذورها سزيد من جرعات تفجير أزمة السكان بدلا من حلها بصورة وطنية مخلصة مؤمنة بالمشاكل الحقيقية، التى تواجه الاقتصاد فى هذه الفترة الحرجة.
والاقتراح الذى أقدمه هو:
l تحريم تأجير أى شقة مفروشة فى العمارات، التى يملكها القطاع العام.. لأن هذه العمارات لم تنشأ إلا للمساهمة فى حل أزمة الإسكان على المواطنين؛ لأنها من مال الشعب.. ويعاقب جنائيًا رئيس مجلس إدارة الشركة، التى تمتلك العمارة، التى سمح لمستأجرها بتأجيرها مفروشة.
l كل من يريد تأجير شقته مفروشة عليه أن يبلغ وزارة السياحة أو القسم الذى تتبع له هذه الشقة مع موافقة كتابية صريحة من مالك العمارة وإيجار هذه الوحدات السكنية، وهذا لمنع المنازعات، التى تطرح كل ساعة أمام النيابة والمحاكم بين مُلاك العمارات وأصحاب الشقق المفروشة.
l تقوم وزارة السياحة بإرسال مندوبين عنها لمعاينة هذه الشقق ومدى صلاحيتها لإقامة الأجانب وتقييم الأجر الشهرى لها، خاصة أن غالبية الشقق المفروشة كانت محل شكاوى عديدة من السائحين فى عدم وجود أثاث لائق أو عدم الأدوات المتفق عليها فى العقد.
l بعد المعاينة والتقييم تبلغ شرطة السياحة وبعدها تتحرى عن صاحب الشقة من القسم التابع له، خاصة أن جزءا كبيرا من أصحاب الشق خرجوا بها عن طبيعتها المفروضة للسكنى.. فكيف أحرم المواطن الكادح من شقة فى بلده وأعطى الحق لآخر مستغل أو يكسب آلاف الجنيهات على أشلاء هذا الشريف؟!
تقوم وزارة السياحة بالاتفاق مع شرطة السياحة بفتح مكاتب لها فى المطارات والموانئ والأماكن المهمة.. تستقبل القادمين من الخارج على مختلف جنسياتهم وتعرض عليهم مواقع هذه الشقق وعدد الحجرات والقيمة الإيجارية على أن يقوم مندوبو المكاتب بمرافقة السائح بعد أن يدفع رسما بالعملات الحرة ليعاين الشقق فى المنطقة، التى يريدها.
l بعد الموافقة يقوم السائح بدفع القيمة، التى حددت حسب المدة التى يريد أن يقضيها فى مصر.
l يقوم المكتب بتحويل المبالغ إلى البنك المركزى ويحرر شيكا بالعملات المحلية باسم صاحب الشقة بعد خصم الجزء المستحق للدولة – الخصم عند المنبع – بدلا من أن تضيع الضريبة ويكفى أن نعلم أن مستحقات الدولة من الضرائب، التى ضاعت عليها لا تقل عن مليار جنيه، كما يستخرج شيكا آخر باسم مالك العمارة بنسبته المعينة.
وبهذه الصورة نكون قد منعنا التحايل، الذى يتم بين صاحب الشقة المفروشة والأجنبى بكتابة عقود وهمية بإيجارات زهيدة تهربا من الضريبة، كما أنه يجب ألا تعطى تأشيرة الإقامة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات.
تم النشر فى السنة الأولى – العدد السادس والعشرون – 25 أبريل «نيسان» 1977 – 7 جمادى الأولى 1397