كل أسرة فى مصر.. عاشت لحظات القلق خلال اليومين اللذين استغرقتهما حوادث الشغب الأخيرة.. وناقشت كل أسرة فى مصر.. ظاهرة اشتراط الأطفال الصغار الأبرياء فى المظاهرات بعد أن غابوا عن الوعى تحت تأثير المخربين والمحرضين لتنفيذ مخططات الخونة.
إن الظاهرة الأولى التى استرعت انتباه المسئولين من الشرطة والنيابة، وأفراد الشعب.. كانت اشتراك الآلاف من الصبية والأطفال صغار السن فى المظاهرات التى تحولت إلى عمليات تخريب.. فقد استطاع المخربون أن يستغلوا هؤلاء الأطفال ليدفعوهم إلى اللعب بالنار.. التى أحرقت مصر.. قبل أن تحرقهم.
فماذا فعلنا للطفولة؟
وما هى الوسيلة لنجعل منهم أدوات إنتاج.. لا معاول تخريب؟
إن هناك بديهية فى علم النفس تقول: إن سنوات الطفولة الأولى هى التى تتكون من خلالها شخصية رجل المستقبل، لأن طفل اليوم هو رجل الغد، وبالتالى تصبح العناية بالطفولة مسألة حياة أو موت على المستوى القومى والفردى على حد سواء.
فقد تم القبض على مئات الأطفال الصغار والصبية الذين لم تصل أعمارهم إلى 18 عاما.. لأنهم من الناحية القانونية مسئولون عن النتائج والجرائم التى تقع نتيجة التجمهر وما يترتب عليه.
وكل هذه الجرائم جرائم أمن دولة، وقد شدد القانون العقوبة الخاصة بها وهى الحبس المطلق حتى الانتهاء من التحقيق، وتقديم المتهمين إلى المحاكمة، وخلال مدة الحبس تختلف معاملة كل منهم – حسب عمره – وسوف تختلف معاملة كل منهم مستقبلا وحتى ينتهى الفصل فى القضية.
وهكذا.. بدأ الأطفال يلعبون بالنار، فأحرقوا أنفسهم كما أحرقوا مصر وانتهت بهم اللعبة إلى مؤسسات الأحداث.. حيث أمر النائب العام بإيداع 160 طفلا – أو حدثا – فى مؤسسات الأحداث، وهم حوالى 10% من عدد المتهمين.. حتى الآن.
ولكن.. هل تحرك هؤلاء الأطفال بدوافع ذاتية؟.. أم أن تحركهم جاء نتيجة لتحريض.. واستهواء من جانب الكبار الذين اشتركوا فى المظاهرات والذين تحولوا بها إلى جحافل تخريبية وتدميرية؟!
تبين من التحقيقات أن رموز المخربين استغلوا هؤلاء الصبية الصغار – أو الأحداث حتى 18 سنة – فى تحطيم وسائل النقل العامة والخاصة والتعدى على المنشآت والمتاجر والمواطنين.. ودفعوهم إلى السلب والنهب.. وفى الوقت نفسه كانت تدفع بين هؤلاء الصبية الصغار مجموعات صغيرة من الكبار تحمل معها مواد حارقة ولفائف من القماش وكرات من القطن مغموسة فى سوائل قابلة للاشتعال والانتشار السريع مثل البنزين والكيروسين.. وبعضهم كان يحمل معدات أخرى مثل «الأجنات» وكان هؤلاء الكبار يوجهون الأطفال الصغار للتخريب، ثم يختفون، ويتوجهون لمجموعات أخرى يمارسون معهم الشىء نفسه.
إن المسئولية مشتركة.. يتقاسمها البيت والمدرسة والمجتمع وكل الأجهزة التى تتناول الطفل.. من قريب أو بعيد، والتنظيم السياسى – ممثلا فى أجهزته التى ترعى الشباب.. والطفولة، وأيضًا أحزاب الأغلبية والأقلية، لأنها.. لم تباشر دورها فى مجال الشباب.. والأطفال.. وأيضًا مسئولية أعضاء مجلس الشعب.
إن المسئولية واضحة بالنسبة لكل منهم.. وإن كانت مسئولية البيت.. هى القاسم المشترك الأعظم.. لأن الأطفال يولدون فى البيت.. وتتم تربيتهم فى المرحلة الأولى – بالاشتراك مع الحضانة – داخل البيت.. ثم مع المدرسة الإعدادية والثانوية.
ومسئولية البيت تبدأ من التربية.. فيعرف الأطفال معنى «العيب» وكذلك فإن البيت يعكس أى إجراءات تأتى من خارجه أو أى انفعالات على نفسية الطفل من كثرة تكرار الحديث عن الغلاء والأجور والأسعار مما يترسب فى ذهن الطفل ويحمل المجتمع بكل طبقاته مسئولية الضيق الذى تعيش فيه الأسرة.. فى غياب القيم.
ومن هنا حرصنا على لقاء جمال علام بالمجلس الأعلى للشباب لكى يضع النقط فوق الحروف حول مستقبل الطفولة وماذا أعدت لهم الدولة حتى ينموا نموا سليما، بدأ حديثه بقوله:
ابتداء من 1975 اعتمد المجلس الأعلى لرعاية الشباب لأول مرة ميزانية مستقلة لدعم نشاط مرحلة السنين الأولى سواء فى مراكز الشباب أو المدارس الابتدائية والإعدادية، بلغت 50 ألف جنيه.. لدعم نشاط أندية الأطفال، وتم إنشاء 62 ناديًا للأطفال فى جميع أندية جمهورية مصر العربية، وفى عام 1976 اعتمد المجلس 67 ألف جنيه لـ 83 ناديا للأطفال بمراكز الشباب.. بواقع ثلاثة أندية فى كل محافظة، منها واحد فى الريف واثنان فى المدن.
واعتمد فى ميزانية وزارة التعليم بجانب ما يصرف 50 ألف جنيه لتكوين وحدات طلائع بالمدارس الابتدائة والإعدادية، وتم تكوين 132 وحدة بصفة مبدئية لم تكتمل أوجه النشاط بها، حيث إنها السنة الأولى التى تفتتح فيها.. واعتمد فى ميزانية هذا العام 67 ألف جنيه لإنشاء أندية للأطفال بالقاهرة والمحافظات و50 ألف جنيه لدعم أنشطة الطلائع فى المدارس الابتدائية والإعدادية المختارة لتنفيذ المشروع.. إلى جانب المبالغ التى تصرف على أوجه النشاط المختلفة (الرياضية – الفنية – الثقافية) والتى تمثل فى الاعتمادات التالية 67 ألف جنيه للصرف على 83 ناديا للأطفال تضم 15000 طفل ومسابقات دينية لعدد 1000 طفل فى المرحلة الابتدائية والإعدادية و46 مركزا للتكوين المهنى تضم سنويا 3000 طفل وألف طفلة من الطلائع المعوقين فى مرحلة التعليم الإعدادى.. وتدعيم هذه الأندية والمراكز بالأدوات والمعدات بالتنسيق والتعاون مع هيئة اليونيسيف الدولية.
وقد خصص لكل نادى أطفال بالقرية مبلغ 600 جنيه للصرف منها على ناد يضم 100 طفل و800 جنيه لناد يضم 200 طفل، وذلك وفق بنود محددة بالنسبة للأنشطة ومكافآت للعاملين حتى نحقق الخدمة المطلوبة بالمستوى المطلوب هذا إلى جانب أن مراكز شباب المدن وعددها 145 مركزا للشباب تقوم أيضًا بتنظيم أندية للأطفال ضمن الميزانية المعتمدة لها من المجلس.
هل معنى هذا أنه لم يكن هناك اهتمام بالطفولة قبل عام 1975؟
قال: كان الاهتمام مجرد اجتهادات شخصية فقط كانت توجد بعض الجمعيات الأهلية التى تهتم بالطفولة مثل الجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية وجمعيات الرواد والأندية الريفية وأندية المدن وأندية الهيئات إلى جانب ما كانت تقوم به وزارة التربية والتعليم من خدمة رياضية واجتماعية وثقافية وفنية لتلاميذ المدارس الابتدائية فى بداية الثلاثينيات.
ولكن هذا الاهتمام كان محدودا، وإمكانياته غير كافية واساليبه متعددة لا يربط بينهما تنسيق وكانت كلها اجتهادات خارج وزارة المعارف (وزارة التعليم) كما كانت هناك أيضًا اهتمامات بالطفولة فى وزارة الإرشاد (الثقافة والإعلام) من خلال أجهزة الإعلام المختلفة.. والجامعات الشعبية ومن خلال وزارة الشئون الاجتماعية، حيث كانت تتبعها فيما مضى الساحات الشعبية والأندية الريفية والوحدات المجمعة كما كان يوجد قانون ينظم عمل الهيئات الأهلية، وكانت تشرف عليه أيضًا وزارة الشئون الاجتماعية أى أنه كانت هناك جهود، ولكنها لم تكن ترتبط بخطة موحدة، ومن الجائز أن الخدمة التى كانت تقوم بميزانية محددة كانت تحقق أهدافها بصورة أفضل مما هو قائم الآن نظرًا لعدم توافر الميزانيات أو القادة العاملين فى هذا الميدان.. ولكن هذه الصورة لم تكن موجودة إلا فى بعض الأندية التى كانت تولى اهتماما بالطفولة مع أنشطتها الأخرى.. ومنذ إنشاء جهاز خاص لرعاية الشباب بالتربية والتعليم بدأت الإمكانيات وبإشراف الإخصائية الاجتماعية.
ويستطرد جمال عبد العظيم قائلًا: أعتقد أن البداية السليمة بدأت منذ عام 1975 وسيعقد المجلس الأعلى للشباب فى شهر مارس القادم مؤتمرا للطفولة يناقش فيه دور الطفولة كمرحلة أساسية فى بناء الإنسان.. وهى بداية صحيحة يجب أن نتوسع فيها حتى تتاح الفرص أمام الأطفال فى هذه المرحلة ليزاولوا مختلف الأنشطة مما يساعدهم على تكوين شخصياتهم وبناء أجسامهم بناء سليما، لأن العملية التربوية التى تقدم لأطفالنا فى هذه السن مكملة للعملية التعليمية داخل المدارس ولا يمكن فصلها.
وأسأله عن مدى الاهتمام بالقاعدة العريضة فى الريف؟
إننا نوجهه خدماتنا وميزانيتنا للريف.. فالثلثان للريف والثلث للمدينة.
وماذا أعددتم للإجازة الصيفية؟
قال: علاوة على مشروع الأندية الصيفية الذى يتبناه المجلس الأعلى للشباب مع وزارة التعليم باختيار بعض المدارس وفتحها فى الصيف للأطفال بجانب المعسكرات الصيفية، يتم تكوين مكتبات عملية تزود بمجموعات من الكتب العلمية والقصص الدينية التى تتناسب مع أعمار الأطفال، وكذلك الأدوات الموسيقية وجميع الهوايات المختلفة وتسهم منظمة اليونسيف بالتعاون مع وزارة التعليم ووزارة الثقافة.. فى دعم أنشطة أندية الأطفال بناء على اتفاقية معقودة بين اليونسيف ومصر.
من الملاحظ أنه يوجد تضارب بين أكثر من جهة تهتم بالطفولة فما هو الحل لهذا التضارب؟
إن الأساس هو المجلس الأعلى للشباب فهو يضع الخطة ثم يوزعها على الجهات التى تنفذها.. وعلى العموم سيعقد المؤتمر فى مارس القادم، وهو بقصد تنسيق وتكامل وشمول الخدمات التى تقدمها أجهزة الدولة للخروج بخطة موحدة تنفذ فى جميع الأجهزة على أن تتوافر لها الإمكانيات من حيث القادة والتمويل والأدوات والمنشآت.. وذلك فى إطار الخطة القومية التى تضم جميع نشاطات الهيئات والمصالح التى تتعامل مع الأطفال.
ومع هذا.. فإنه ينبغى ألا ننزعج ولكن ينبغى أن نكون أكثر حذرا.. نعيد النظر.. فى مناهج التعليم.. وفى الطريقة التعليمية.. فالاهتمام بالعملية التعليمية ينبغى أن يأخذ فى اعتباره الرحلات.. والزيارات الميدانية.. وهى طريق للمعرفة.. يعرف من خلالها الطفل معالم بلاده.. ودروس الجغرافيا والتاريخ ودروس العلوم.. والكيمياء والطبيعة.
وكلما استطعنا أن نضع الطفل فى أحلام صورة بلاده استطعنا أن نعمق إيمانه.. ببلاده الجميلة التى تغنى بها العالم.. هذا الإيمان هو أساس الانتماء.. وأساس الحب والتضحية التى تصل إلى حد الاستشهاد فى سبيلها.. وقتها.. سيغنى كل طفل فى مصر:
بلادى.. بلادى.. لك حبى وفؤادى.