"نحن نغزو الصحراء من كل الاتجاهات.. ننقل الماء العذب وننقل معه الحياة لأول مرة عبر القناة إلى سيناء.. نحن نمد الدلتا شرقا بحيث تلتحم بالقناة وغربا بحيث تصل إلى أقصى أطراف الصحراء، نحن نبنى مدنا جديدة تماما لأول مرة فى مصر منذ أكثر من مائة سنة.. فمنذ حفر قناة السويس وإقامة المدن الثلاث لم تنشأ فى مصر مدينة جديدة واحدة.. ونحن ندرس مشروعا خاصا وثوريا لصعيد مصر بحيث يتحول إلى منطقة حضارية ممتدة من الوادى الجديد غربا إلى ساحل البحر الأحمر شرقا.. وسأتوجه بنفسى لإعطاء إشارة البدء فى هذا المشروع الكبير.. إلى الواحات".
"أنور السادات"
منذ ثلاثة أشهر انفردت "أكتوبر" بخبر زيارة الرئيس السادات لأول مرة للوادى الجديد، سيقضى الرئيس بعض أيام فى أراضى الأمل مع أبناء الواحات وأبناء المحافظات الأخرى الذين هاجروا إلى الوادى ليعطوا الخير الوفير وليسهموا فى خلق حضارة جديدة تفوق ما كان على أرضه من حضارات قديمة على مر العصور، يضع خريطة هذه الحضارة مئات من رجال مصر، وشباب مصر على أعلى مستوى من الخبرات.
q ما هى المشروعات التى سيعطى الرئيس إشارة البدء فى تنفيذها فى الوادى الجديد؟. إنها تضم ثلاث مدن كبيرة و500 قرية، وإنشاء "قناة السادات" طولها 45 كيلومترا تبدأ من بحيرة ناصر إلى الوادى الجديد، بهدف التوسع فى الأراضى.
أعلن شعب الوادى الجديد أن يوم زيارة الرئيس سيصبح عيدهم القومى.
ما هو المشروع الكبير الذى أعلن عنه الرئيس فى خطابه؟
هو مشروع إنشاء مجتمع زراعى صناعى بالوادى الجديد على خام الفوسفات الموجود فى هضبة أبو طرطور، وقد أثبتت الدراسات التى قامت بها الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية والمشروعات التعدينية تأكيد وجود حوالى 1000 مليون طن خام فوسفات.. تكون خام الفوسفات فى العصور الجيولوجية السحيقة.. وعنصر الفوسفور من العناصر الهامة فى حياتنا فهو ضرورى لكل كائن حى من نبات وحيوات ويدخل فى صناعات كثيرة.. ويوجد عنصر الفوسفور فى صورة ثلاثى فوسفات الكالسيوم فى صخور تعرف بالصخور الفوسفاتية التى تنتشر فى العالم وخاصة فى أمريكا، وروسيا، ومراكش، والجزائر وبعض دول غرب إفريقيا، ودول الشرق الأوسط ومنها مصر.
ويوجد خام الفوسفات فى مصر فى البحر الحمر فى سفاجا والقصير ووادى النيل فى مناطق السباعية وفى الوادى الجديد فى المنطقة بين الخارجة والداخلة وخاصة هضبة أبو طرطور، وفى عام 1974 أسند تنفيذ المشروع إلى مجمع الحديد والصلب لوجود كفاءات عالية وخبرات على مستوى عالمى بعد أن تأكدت كميات من الخام بدرجة تأكيد من الدرجة الأولى تكفى لإقامة مشروع يعمل لمدة لا تقل عن 50 عاما..
وذهبت "أكتوبر" إلى موقع العمل.. مئات من الشباب.. ومهندسون من مختلف التخصصات.. وعمال فنيون.. يعيشون فى معسكر تحت سفح هضبة أبو طرطور فى أسوأ ظروف طبيعية ممكنة.. جو حار خانق فى منطقة متطرفة فى الصحراء تبعد عن الواحة الخارجة مسافة 50 كيلومترا، صورة مشرفة ومشرقة لشباب مصر الصابر الصامد.. خلية نحل تعمل فى صمت وعمل يبدأ من الخامسة صباحا.. والهدف 10 ملايين طن من خام الفوسفات سنويا وذلك فى المرحلة الأولى ليرتفع تصدير مصر من 2 مليون طن إلى 8 ملايين طن من خام الفوسفات.. وليزيد دخلنا سنويا إلى 100 مليون جنيه.
وقابلت مدير المشروع المهندس بهى الدين محمود وله ابتسامة وادعة وعندما يتحدث يعطى للمستمع انطباعا بالأمن والأمان والثقة والأمل فى المستقبل.. رجل عالم ومتواضع والجميع يحترمونه ويحبونه.. يقول إنه قدرت احتياطات الخام بحوالى 987.8 مليون طن فى منطقة مساحتها 108.6 من هضبة أبو طرطور أى أن الكمية الموجودة فى مساحة 10 كيلومترات بها حوالى 1000 مليون طن والهضبة الموجود فيها الفوسفات ممتدة لمسافة تزيد على 2000 كيلومتر طولى.
وقد أجريت تحارب لمعرفة أفضل الطرق لتركيز الخام ورفع درجة حيويته والحصول منه على مركز فوسفاتى صالح للتصنيع وسوف يتم إنشاء وحدة تركيز الخام فى الموقع ويهدف مشروع الفوسفات إلى استخراج 10 ملايين طن سنويا ابتداء من عام سنة 1981 يتم تركيز هذه الكمية لتنخفض إلى 7 ملايين طن يصدر منها إلى الخارج 6 ملايين طن ويصنع محليا مليون طن وقد تم حفر 55 بئرا فى سنة 1976 مجموع أطوالها 84 و8873 مترا ثم حفر فى أوائل سنة 1977 – 44 بئرا مجموع أطوالها 350 و7303 أمتار.
وسيصبح الفوسفات ثروة عظيمة تتحدى البترول، والمياه المتبقية من غسيل الخام يمكن استخدامها فى زراعة المحاصيل.. بالإضافة أن هذا المشروع سوف يلفت الأنظار إلى هذه المنطقة..
وهذا المشروع ستنشأ فيه منطقة سكنية تستوعب 30 ألف شخص بأسرته على أساس أن العمالة الأصلية هى 5500 شخص وهذه المجينة سوف تكون شاملة جميع المرافق والخدمات.. وذلك لأنه يكون قد وصل إلى منطقة أبو طرطور خط السكة الحديد الذى يصل من موقع الفوسفات فى أبو طرطور و ميناء سفاجة مارا بوادى النيل فى نجع حمادى وقنا وأيضا إلى ال ميناء الجديد ( ميناء للتصدير) فى مدينة سفاجا على البحر الأحمر التى تشحن 6 ملايين طن سنويا ويزداد إلى 12 مليون طن فى المرحلة الثانية..
وهذا ال ميناء سوف يكون على أحدث الطرق العلمية ويقع على بُعد 3 كيلومترات جنوب ميناء مجمع الفوسفات.. و ميناء سفاجا أنسب الأماكن للتصدير لقربها من الأسواق المستهلكة لخام الفوسفات فى الشرق الأوسط، ومشروع السكة الحديد له فوائد جانبية لأنه سيربط الوادى الجديد بوادى النيل من جهة ووادى النيل بالبحر الأحمر من جهة أخرى، وما يخلقه هذا الربط من تعمير لكل هذه المناطق التى يمر عليها كبير جدا، بالإضافة إلى أنه سيتم نقل بضائع المصانع فى هذه المنطقة على هذا الخط الحديدى.
ويقول المهندس بهى الدين محمود إنه وضع فى الاعتبار الاستفادة من الطاقة الكهربائية الناتجة من السد العالى فى تشغيل المشروع بجميع مصانعه ولهذا سيتم توصيل خط كهربائى من محطة محولات نجع حمادى إلى الوادى الجديد وبهذا يمكن نقل وتوصيل طاقة السد العالى إلى محافظة الوادى الجديد المحرومة من كهرباء السد بالرغم من قربها من أسوان، وبذلك يمكن استغلالها فى رفع المياه الجوفية إلى أماكن قاحلة وصالحة للزراعة ولا تحتاج إلا إلى طلمبات لضخ ما فى باطن الأرض من مياه إلى مكان الزراعة، علاوة على المشاريع العديدة الأخرى التى تحتاج إلى طاقة كهربائية.
وحتى لا يكون المشروع عبئا على الوادى الجديد فقد وضع فى الاعتبار إنشاء مزرعة حوالى 1500 فدان لإنتاج ما يلزم المشروع من مواد غذائية ولحوم على أن يقوم بزراعة هذه الأراضى أسر العاملين الذين سوف يتم تشغيلهم بالمشروع وبذلك يسهم المشروع فى خلق مجتمع صناعى زراعى متكامل يعمل على تعمير مناطق جديدة بالوادى، تماشيا مع سياسة الدولة فى تعمير الصحراء.
ويتميز مشروع فوسفات الوادى عن باقى مشروعات الفوسفات السابق تنفيذها فى مصر أنه سيزود بوحدة للتركيز، حيث يكون هناك مصنع كبير يقوم بعمليات مختلفة من تكسير ثم الطحن ثم الغسيل ثم العضل بالاحتكاك ثم التعويم ثم التجفيف وسيتم فيها التشغيل الآلى بالكامل على أحدث النظم والتصميمات العالمية وسيتكلف المشروع 450 مليون دولار ونصبح الدولة الخامسة فى العالم فى تصدير الفوسفات.
ويؤكد محمد فهمى نجم محافظ الوادى الجديد.. وهو جديد فعلا – فقد عين منذ خمسة أشهر وهو المحافظ الخامس للوادى – أنه يستبشر خيرا بزيارة الرئيس السادات ويتمنى أن تطول الزيارة لمدة أسبوع، فهناك أكثر من مشروع كبير سيعرض على الرئيس بالإضافة إلى المشروع الذى أعلن عنه.. وهذه الزيارة فاتحة خير وبركة لشعب الوادى الجديد.
مشروع جنوب الوادى:
وهى المنطقة التى تقع جنوب الصحراء الغربية المتاخمة لبحيرة ناصر جنوب الوادى الجديد وحتى حدود السودان، حيث تبين وجود مساحات شاسعة من الأراضى الجديدة الصالحة للزراعة تقدر بمليون فدان، هذه المنطقة يربطها ببحيرة ناصر عند توشكى، واد ضيق يصل إلى ارتفاع أعلى نقطة عند منسوب 183م فوق سطح البحر وبذلك يمكن أن تصل مياه الرى إلى هذه المنطقة عن طريق قناة يتم حفرها بطول 45 كيلومترا تسمى (قناة السادات) وتبدأ من بحيرة ناصر مع الاحتياج إلى رفع لا يزيد على 20 مترا فى أجزاء محدودة منها، وأن هذه المنطقة يمكن أن تستوعب كل زيادة مستقبلية فى إيراد النهر بعد تنفيذ مشروعات أعالى النيل المعدة حاليا للتوسع فى الأراضى، وأن مناخ هذه المنطقة سوف يتيح إنتاج حاصلات جديدة تزيد من شهور الإنتاج الزراعى المصرى لسد كافة الاحتياجات وأن تعمير مليون فدان فى قلب الصحراء المصرية يخلق عمقا جديدا لا يتيحه الشريط الضيق لوادى النيل فى مصر العليا.
وأن تعمير مليون فدان سيربط مصر والسودان برباط أوثق، حيث يصبح العمران على حدود السودان الشقيق مباشرة وما يتيحه ذلك من دعم شبكات الطرق والمواصلات سوف يخفف من الكثافة السكانية الكبيرة فى الصعيد وذلك بتهجير وتوطين حوالى أربعة ملايين مواطن للعمل فى مجالات الزراعة والصناعة والخدمات وهذا المشروع سيعرض على الرئيس بكل دراساته التى بدأت منذ خمس سنوات، ومن المنتظر أن يبدأ فى حفر القناة فى أوائل عام 1980.
مشروع التوسع الزراعى بمنطقة سهل الزيات:
ويقول محمد فهمى نجم محافظ الوادى الجديد إن السهل يقع فى منتصف الطريق المرصوف بين الخارجة والداخلة أى على بُعد 90 كيلومترا من عاصمة المحافظة (الخارجة) وتبلغ المساحة الكلية التى أجريت عليها دراسات تصنيف التربة 120 ألف فدان وسيعرض هذا المشروع على هيئة الاستثمار، هذا بالإضافة إلى 10 مشروعات توسع زراعى وتصنيع زراعى وتربية مواشى ودواجن.
سيقوم الرئيس بتوزيع عقود تمليك أراض جديدة لعدد كبير من أسر المنتفعين.
وقال المحافظ إن كل هذه المشروعات الكبيرة متوقف تنفيذها على زيارة الرئيس لتعرض عليه مشفوعة برأى الخبراء المصريين والعالميين وبعده ستجد إنسانا جديدا فى الوادى الجديد.
السنة الأولى – العدد الرابع والأربعون – 28 أغسطس (آب) 1977 – 14 رمضان 1397 – 10 قروش