الصوم ربع الإيمان

الصوم ربع الإيمانالصوم ربع الإيمان

كنوز أكتوبر16-3-2023 | 21:03

وبعد أيام سوف يهل علينا شهر رمضان المبارك، وسوف يكون لكل شىء فى الدنيا لون آخر وطعم آخر.. وسوف تتعلى الدعوات والصلوات والأضواء.. وتمتلئ الآذان بالميكروفونات، والمعدات بالطعام ويشتهى الناس كوب الماء، والتكدس أمام التليفزيون.. وتنتقل إلى المرتبة الثانية والثالثة: كل قضايا البشرية.. لماذا؟
لأن الإحساسات نسبية!

بسم الله الرحمن الرحيم

"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ".

صدق الله العظيم

إن الصوم عمل صامت، لا يطلع عليه أحد إلا الله، وصدق الله العظيم إذ يقول فى حديثه القدسى " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به"، ومفاد ذلك أن الصوم أرقى العبادات وأعلاها تقربا من الحق تبارك وتعالى، لأنه جلا وعلا نسب جزاء الصوم إلى نفسه، لأن الصوم صلة بين العبد وربه، لا يخاف فيه أحدا سواه ولا يحرص فيه على إرضاء أحد من الخلق، وإنما هو عمل يقصد به وجه المولى سبحانه، ومن ثم فهو حين لا يكشف عن صومه، إنما يؤديه بحريته و بإيمانه " إياك نعبد وإياك نستعين".

يقول ابن الأثير فى شرح الحديث القدسى:

"أحسن ما سمعت فى تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات، التي يتقرب بها إلى الله من صلاة وحج وصدقة واعتكاف وتبتل ودعاء وقربان وهدى، وغير ذلك من أنواع العبادات، قد عبدها المشركون ما كانوا يتخذونه من دون الله أندادا، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل فى الأزمان المتقدمة عبدت آلهتها ب الصوم ولا تقربت إليها به، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع، فلذلك قال عز وجل " إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، أى لم يشاركني فيه أحد، ولا عبد به غيري، فأنا حينئذ أجزى به وأتولى الجزاء عليه بنفسى".

إن الصوم منبع لا ينضب معينه، فما حقيقة الصوم الذى يوصلنا إلى ما نريد من حياة فاضلة؟.. إنه من أحب العبادات إلى الله تعالى، وهو يعادل ربع الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم: " الصبر نصف الإيمان" وقوله " الصوم نصف الصبر".

وكان النبى صلى الله عليه وسلم يخص شهر رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور فكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف"، كان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن فى رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون فى رمضان".

لقد خص الله الأمة الإسلامية بصوم شهر رمضان، باعتباره الشهر الذى أمر فيه رسوله بالبلاغ ونزل فيه القرآن الكريم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد الشهر وجب عليه صومه، إن الصوم عبادة لا تقع إلا خالصة لوجه الله تبارك وتعالى، فكل عمل الإنسان يمكن أن يتسرب إليه الرياء إلا الصوم، إنه جهاد للنفس يكون الأشخاص ويمنعهم من عوامل الضعف، والذل والاستكانة، فيأبون الضيم ويترفعون عن المهانة ولا يكون ذلك إلا عن طريق قوة الإرادة التى يربيها الصوم وذلك إنما يكون بالتحكم فيما يلاحق حق الإنسان من ضعف، فيقف أمامه صامدا، والصمود هدف كل مسلم الآن فى تيار المعارك الفاصلة، التى نخوضها لنحفظ كياننا على الصعيد العالمي.

إن الصوم الذى يعتبره الشرع ويقدره هو الذى يحقق القبول عند الله والثواب منه والذى يحدده قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" وقوله: " فليس الصوم حرمانا بالجوع وإنما الصوم تدريب على السمو بالنفس والبُعد بها عن الوقوع في مهاوي الرذيلة.

إن النفس الزكية ب الصوم لا يحجب دعاؤها، فإن رفعت إلى الله دعاء، تفتحت له أبواب السماء ويقول الله صلى الله عليه وسلم:
ثلاثة لا ترد دعوتهم:

الإمام العادل

والصائم حتى يفطر

ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول جل وعلا: "وبعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين".

وأكثر أوقات الصيام وأرجاها قبولا للدعاء لحظة الإفطار فقد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" وكان يقول عند فطره: ذهب الظمأ، وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى".

وكان يقول: "اللهم له صمت وعلى رزقك أفطرت"، وكان عبد الله يقول عند فطره: "الله إنى أسألك برحمتك التى وسعت كل شىء أن تغفر لى".

إن الصوم يضرب بقسط كبير فى زيادة الإنتاج، الذى يدعم القوة الإسلامية ويزيدها رهبة فى قلوب الأعداء، فإنه رياضة روحية يخفف فيها الإنسان من أوزار الروح والبدن، حيث يقبل بروح قوية وعزيمة صادقة وبدن لا يمسه كسل ولا فتور ولا يدركه إعياء ولتحقيق ذلك كله لا بد من أداء الصوم على النحو، الذي بينه القرآن الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، انتهجه السلف الصالح ودرج عليه المسلمون قديما وحديثا منذ عهد النبوة إلى عهدنا الحالي.

إن شهر رمضان، شهر الصراط المستقيم، إن الاعتدال فيه طعاما وشرابا وسلوكا هو الوسيلة الأكيدة للخير، لقد جاهد الرسول فى رمضان وانتصر وقمع شر الأعداء وكان جهاده مريرا، "قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا من اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين".

وما أحسن الجود فى رمضان، يربط الناس بعضهم ببعض ويزيل عنهم آثار الغمة وإبعاد البأس واليأس فإن الجود بالنفس غاية الجود، ومن حديث سعد بن أبى وقاص عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله جواد يحب الجود كريم يحب الكرم"، فكان جوده عليه السلام يتضاعف فى شهر رمضان عن غيره من الشهور كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضا، فإن الله جلبه على ما يحبه من الأخلاق الكريمة، وفى الحديث القدسى عن رب العزة قال: " يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فى صعيد واحد، فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم، ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه، ذلك بأني جواد، واجد، ماجد أفعل ما أريد".

يقول الإمام الشيخ محمود مصطفى المراغى:

فى شهر رمضان نعمتان، نعمة القرآن الكريم ونعمة الصوم، نعمة العلم والنور والهداية، ونعمة الوسيلة لتقبل هذا الفيض فالبصوم ترتاض النفس وتسكن إلى الحق، وتهش لقبوله، وتبعد عن رذائل الجسم وتيارات الشهوات المختلفة من بغض وحقد وحب للانتقام وميل إلى إرضاء غريزة الشهوة للطعام والشراب وترقى إلى أفقها السماوى لتلقى الفيض الإلهى وتفهم معانى الآيات وما فيها من عبر وعظات".

ما أروع التوجيه المحمدى "فإن شاتمه أحد أو سابه فليقل إنى صائم، فلا يشتم مبتدئا ولا مجاوبا".. وهذا توجيه نبوى كريم يحض على الأخلاق الكريمة والسمو ب الصوم إلى منزلته الحقيقية: وصدق الله العظيم إذ يقول: "الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً".

كانت " أم عمارة" نسيبة بنت كعب قد خرجت فى جيش المسلمين يوم (أحد) لتشارك فى سقى الماء وتضميد الجراح.

فلما رأت الموقف العصيب الذى وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم، انضمت إلى المدافعين عنه، تقاتل دونه بالسيف، فكانت من أعظمهم أثرا وقال فيها الرسول فى هذا اليوم:

ما التفت يمينا ولا شمالا، وإلا وأنا أراها تقاتل دونى".

وأصيبت يومئذ بثلاثة عشر جرحا، منها جرح غائر فى عاتقها نزف منه دم كثير وهى لا تبالى، فلما رآها الرسول تنزف قال لابنها: "أمك.. أمك.. أعصب جرحها، بارك الله فيكم من أهل بيت لمقام أمك خير من مقام فلان وفلان".

فلما سمعته قالت:
ادع الله أن نرافقك فى الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة".
فقالت "أم عمارة":
" ما أبالي ما أصابني فى الدنيا بعدها".


أحداث فى رمضان
فى رمضان.. ابتدأ نزول القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم فى غار حراء بأول آية من القرآن، تدعو إلى العلم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ".

فى السنة الثانية للهجرة، وقعت فى رمضان غزوة بدر الكبرى، وكان فى هذه الغزوة أول انتصار حاسم للإسلام.

فى السنة الثامنة من الهجرة فى العشرين من رمضان، كان فتح الفتوح.. كان فتح مكة.

فى السنة التاسعة من الهجرة، شهد رمضان بعض أحداث غزوة تبوك.

فى السنة العاشرة من الهجرة فى رمضان بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، عليا كرم الله وجهه، فى سرية من المسلمين إلى اليمن، وحمل على معه كتابا نوباي إلى أهل اليمن، وأسلمت قبيلة همدان كلها، وصلوا جميعا خلف الإمام على.

فى رمضان عام 53 هجرية فتح العرب جزيرة رودس.

فى رمضان عام 92 هجرية انتصر القائد المسلم طارق بن زياد على الملك "رودريك" فى معركة فاصلة.

فى رمضان سنة 361 هجرية، تم بناء الجامع الأزهر الشريف بالقاهرة للعبادة وتدريس العلوم العربية والشرعية.

فى رمضان سنة 584 هجرية انتصر القائد صلاح الدين الأيوبى على الصليبيين واستولى على قلعة " صفد" الحصينة.

فى رمضان سنة 658 هجرية، عزم المماليك جيوش التتار فى معركة "عين جالوت" وأوقفوا الزحف التتارى على مصر.

فى العاشر من رمضان سنة 1393 هجرية تحطمت أسطورة إسرائيل على رمال سيناء وفى مرتفعات الجولان السورية وتجلت قوة العقيدة الإسلامية فى المجاهدين المسلمين.. مرددين الهتاف الربانى " الله أكبر.. الله أكبر".

سبعة فى ظل الله

قال صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ فى طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا فى الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنى أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

صلاة التراويح

صلاة التراويح، سنة مؤكدة فى كل ليلة من رمضان.

وتسن فيها الجماعة.

وقتها: بعد صلاة العشاء.

روت السيدة عائشة، رضى الله عنها، أن النبى صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا، وقولها " يصلي أربعا، لا ينافي أنه كان يسلم من ركعتين، وذلك لقول الرسول: "صلاة الليل مثنى مثنى وقولها يصلي ثلاثا" معناه أنه يوتر بواحدة والركعتين شفع".
وقد ظل الصحابة يصلونها متفرقين، حتى رأى عمر رضى الله عنه فى خلافته أن يجمعهم على صلاتها بالمسجد وراء إمام فكانت صلاة التراويح جماعة بهذا العدد مما استحسنه عمر رضى الله عنه، ووافقه عليه الصحابة وسار عليه المسلمون بعده.
روى الإمام مالك قال: كان الناس فى زمن عمر يقومون فى رمضان بثلاث وعشرين ركعة " أى بزيادة الوتر ثلاث ركعات على التراويح، وقد ذكر أصحاب هذا الرأى أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قد صلى فى المسجد فى الليالى التى خرج فيها إليهم، ثماني ركعات إلا أنهم يكملون العشرين فى بيوتهم.
ويسن القنوت فى الوتر فى النصف الثانى من شهر رمضان عند الإمام الشافعى.

السنة الأولى – العدد الثالث والأربعون – 21 أغسطس (آب) 1977 – 7 رمضان 1397 – 10 قروش

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2