أسرار ملحمة السويس!

أسرار ملحمة السويس!ملحمة السويس

كنوز أكتوبر27-10-2022 | 21:33

ما حقيقة الملحمة التى دارت فى الساعة السابعة صباحا وعند مشارف السويس فى 24 أكتوبر منذ أربع سنوات؟ من هم الأبطال الذين يعيشون فى الظل؟ ما هى مشاكل النصر التى تعيشها مدينة السويس.. كما يرويها لى اللواء محمود أبو حسين محافظ مدينة الصمود؟ كيف يمكن تكريم أبطال السويس؟

ما مغزى الكلمات التى قالها الرئيس السادات حين قال: إن مدينة السويس لم تدافع عن نفسها فقط، ولكنها كانت تعبر عن بطولة كل مدينة، وكل قرية فى أرض مصر.. وكانت تعرف أنها تحمل فى عنقها اسم الشعب المصرى كله.
تذكرت تلك الكلمات، بعد أن عبرت بى السيارة الكيلو 101 فى طريقى إلى السويس.. حيث دارت عند مداخل المدينة.. وأمام قسم الأربعين.. فى الساعة السابعة صباحا.. ملحمة.. مازالت وقائعها خافية على الكثيرين، ولذلك ذهبت لألتقى بمن بقوا على قيد الحياة من الذين التحموا فى نيران هذه الملحمة.


وقد عجبت وأنا أقرأ كتاب "زلزال فى أكتوبر" للكاتب الإسرائيلى (زئيف شيف) عند وصفه لهذه الملحمة البطولية، أنه تغافل عن بطولة شعب السويس، حين قال:
لقد فوجئت القوة التى اقتحمت مشارف السويس، أن المدينة خالية من أية مقاومة، واحتلت قسم الأربعين، وبدأت تتوغل فى الشارع الرئيسى للمدينة، ولكن القوات أصيبت بالذعر، حين انفتحت أبواب الجحيم، وانهالت آلاف الطلقات الرشاشة، والقنابل المضادة للدبابات من كل جانب.. لقد اتضح أن هناك جيشا مصريا كان مخبئا فى المدينة، وربما كان بعض وحدات من قوات الجيش الثالث، واستنجد القائد الإسرائيلى بالقيادة بعد أن أصيبت عدة دبابات من قواته، وقتل بعض جنوده، وتم انقاذه بصعوبة.

ما حقيقة الذى حدث فى الساعة السابعة صباحا، عند مشارف السويس، أو بمعنى أصح تلك اللحظات الرهيبة التى حولت خريطة المعارك، وأنقذت شرف مصر، فقد كان هدف العدو ببساطة، احتلال السويس، وبور توفيق، وخنق قوات الجيش الثالث من جميع الجهات، ومن ثم تقع الكارثة.


لكن الحقيقة التى لم يعرفها الكاتب الإسرائيلى (زئيف شيف) أن شباب السويس وبعض الجنود المصريين الشاردين المسلحين الذين تراجعوا أمام مفاجأة تسلل العدو إلى مواقع الصواريخ غرب القناة فى الإسماعيلية، هم الذين وقفوا أمام القوات الإسرائيلية.


الأبطال الحقيقيون يتكلمون


قال لى أحد الأبطال الذين لم يستشهدوا فى الملحمة.. محمود عواد.. وهو عمل فى شركة السويس للبترول، شاب أسمر اللون، تنطلق من عينيه شرارات وهاجة كلما جاءت سيرة الإسرائيليين..
- لقد اشتركت فى أكثر من معركة ومع ذلك لم أحظ بالشهادة، لأن الذين استشهدوا كانوا أفضل منى..
ما كان لله دام واتصل
وما كان لغير الله انقطع وانفصل
- ولكنك كنت قائدا لهذه المجموعة.. قل لى ماذا حدث فى تلك الدقائق؟
وروى محمود عواد ما حدث فى تلك اللحظات قائلا:
كانت مجموعتنا مختبئة بجوار قسم الأربعين.. وهو قريب من مشارف طريق (القاهرة – السويس) ومجموعتنا كانت مكونة من: إبراهيم سليمان، السيد هاشم، فايز أمين، وأشرف عبد الدايم، إبراهيم محمد يوسف، سعيد البشتلى، وهؤلاء استشهدوا ومحمد سرحان الشهير (بميمى)، وفوق سطح قسم الأربعين كان هناك الرائد الشهيد حسن أسامة (من رجال الشرطة)..
وبعد فترة انتظار طويلة "طوال الليل" كانت القنابل تتساقط على أحياء السويس.. وفى السادسة صباحا.. ساد الصمت.. والهدوء.. وفى السابعة صباحا، سمعنا صوت جنازير الدبابات، وظهر الغبار، وخرجت منه دبابتان من طراز سنتريون، وباتون، وخلفهما قطيع من المجنزرات، والدبابات الحقيقية، وانطلقت النيران من أفواه مدافع تلك الدبابات فى كل الاتجاهات.
وتوقفت الدبابة الأولى عند القسم، ومن خلفها عربات الجنود المجنزرة.. ونزل قائد القوة وبعض الجنود، ودخلوا القسم، وكان فيه بعض المواطنين العزل من السلاح يحتمون فيه من القنابل المتساقطة من المدفعية.
ووقف القائد الإسرائيلى بين المواطنين العزل من السلاح، ومن حولهم الجنود الإسرائيليون، وكنا فى تلك اللحظة.. صامتين، نستعد للهجوم فى اللحظة المناسبة، وفجأة انطلقت الرصاصات من بندقية أحد جنودنا داخل قسم الأربعين، فقتلت القائد، وعندئذ فتح الجنود الإسرائيليون نيران مدافعهم الرشاشة على المواطنين العزل، وخرجوا من القسم مذعورين.


وأطل الرائد حسنى من فوق سطح القسم، وأطلق الرصاص من مدفعه على الهاربين من الإسرائيليين، صارخا فى أفراد مجموعتنا بأن يطلقوا النيران ولم ينته كلامه، حتى انطلقت إلى صدره قذيفة دبابة، كانت واقفة بالقرب من القسم، وبدأت الدبابة الأولى تتحرك لتنسق القسم بمن فيه، فاقترب منها إبراهيم سليمان، وأطلق عليها قذيفة مضادة، فانفجرت، واخترقت وخرج جنودها والنار مشتعلة فيهم صارخين، وانطلقت رصاصات المدافع الرشاشة من بقية أفراد المجموعة تحصدهم من كل اتجاه.
وقفز إبراهيم سليمان، والسيد هاشم، وفايز أمين إلى العربات المجنزرة حاملة الجنود، ورموها بقنابل حارقة، ولكن مدافع رشاشات الدبابات الأخرى قد اصطادتهم وسقطوا شهداء واكتشف بقية الرفاق أن هؤلاء الجنود كانوا من الدمى الخشبية، لاكتشاف مصادر النيران، لكى نوجه الدبابات الأخرى قذائفها.


وأحسن قائد الدبابة الثانية التى كانت واقفة أمام القسم، أنه قد وضع فى كمين، بعد أن شاهد مصرع الجنود الإسرائيليين، فحاول الهرب بسرعة، وتحركت الدبابة بصعوبة، وهرست جثث زملائهم من الإسرائيليين، ومن شدة الخوف الذى تملكهم داخل الدبابة، فانطلق السائق بها فوق الرصيف، فاصطدم بعمود النور فكسره، وسقط العمود الثقيل فوق الدبابة الضخمة فاعتقد قائدها أن صاروخا مصريا قد أصابها، وفى تلك اللحظة تلامست أسلام كهرباء عمود النور المحطم بجسم الدبابة، فأحدثت بها ماسا كهربائيا، جعل من بداخل الدبابة، يهرعون للنجاة بأنفسهم صارخين مولولين، وعند خروجهم، اصطادتهم رصاصات الزملاء مثل اصطياد الفئان فسقطوا أيضا، وعندئذ تراجعت بقية الدبابات.. لكن بعض الجنود الإسرائيليين قد اختبأوا فى المنازل المهدمة.


وتحول ميدان قسم الأربعين إلى ساحة للشهداء من أبطال مجموعة منظمة سيناء.. وترك العدو جثث قتلاه، واشتعل الحماس فى صدور بقية أفراد المجموعة، وأطلقوا صيحتهم (الله أكبر.. الله أكبر).. فسرت إلى صدر الآلاف.. وخرج الجميع يحملون أى شىء للقتال، وتجسدت فى كل فرد منهم روح الرفض.


وقال لى محمد سرحان الشهير (بميمى) مقاطعا محمود عواد: نحن لم نقدم أرواحنا لبلدنا من أجل شهرة، أو غرض دنيوى.. إن زملاءنا قد استشهدوا بجوارنا.. وكان من الممكن أن نكون معهم.. ولكن إرادة الله شاءت أن نبقى ونحيا لنروى بطولات زملائنا.


وانهزموا بسلاح الصمت


ويروى لى السيد مصطفى.. مراقب التكرير بشركة السويس للبترول.. ومسئول الدفاع فى المصنع ما حدث فى الزيتيات يوم 24 أكتوبر عندما تسللت الدبابات الإسرائيلية من الإسماعيلية ملتفة خلف جبل عتاقة، وقبل وصولها المصنع اشتبكت مع بعض الوحدات الشاردة من الجيش، ودارت مذبحة دموية بين دبابات حديثة أمريكية، وجندى بسلاح خفيف، ومع ذلك دمرت تلك القوات المتفرقة عددا من دبابات العدو، وعند المصنع وقف الضابط الإسرائيلى ليتأكد من أن الصورة التى معه هى نفس صورة المصنع.

كان عددنا 200 عامل ومهندس، وطلبوا منا أن نتواجد فى مطعم الشركة، وظللنا هكذا.. ننام على الأرض، ونشرب ونأكل، ونصلى.


إلى أن جاء يوم الجمعة، وكان أول أيام عيد الفطر المبارك، فقام مدير المصنع، وخطب خطبة الجمعة، مؤكدًا أن نستمر فى الصمت، وأن نكون حذرين من أية محاولة يقوم بها العدو، خاصة أن القائد الإسرائيلى طلب منه أن يتصل بالمحافظ ليجبره على تسليم السويس، ورفع الراية البيضاء.. علامة الاستسلام، وإلا نسف بنا المصنع، وكان الرد أن أغلق المحافظ التليفون.


وكان هدف الإسرائيليون بعد ذلك – عندما علموا بمأساتهم عند قسم الأربعين – أى يضعونا فوق الدبابات ليدخلوا بها السويس من ناحية الزيتية، ولكنهم غيروا رأيهم، وقرروا أن يضعونا فى لوريات تتقدم مدرعاتهم، وفى هذه اللحظة قرر المهندس الهاكع أمرا، ووافقنا معه على اقتراحه وهو أن نركب اللوريات ونرفض التحرك ونستشهد، حتى لا نجبر المدافعين عن السويس على الاستسلام، وعندما اكتشف القائد الإسرائيلى أن خطته قد فشلت، وأن هؤلاء العزل من السلاح على استعداد للتضحية بأرواحهم.. قرر إطلاق سراحنا لنعود إلى السويس.

والتقيت باللواء محمود أبو حسين محافظ السويس، ليروى لى مشاكل النصر فى السويس، وخطة المحافظة فى حل هذه المشاكل، فقال لى:
إن هذه المشاكل تنحصر فى الإسكان، والصناعة، والتعليم، والقطاع الريفى.
وفى عيد السويس، سيقوم السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء بافتتاح المنطقة الحرة فى بور توفيق ووضع حجر الأساس للمنطقة التجارية، ومساحتها 80 فدانا.
وكذلك افتتاح مشروع الإسكان التعاونى، أو مدينة 24 أكتوبر.
وتوزيع 500 مسكن على أهالى السويس من مبانى مدينة الصباح ،وسيتم خلال بداية العام القادم الانتهاء من 3 آلاف مسكن بعد استكمال الخدمات.
وأضاف المحافظ قائلا:
أما من ناحية التعليم، فأنا أعلنها بصراحة "نحن مذنبون فى حق طلبة الثانوية العامة فى السويس فى العم الماضى نقص عدد المدرسين ولذلك فقد تم استدعاء 55 مدرسا فى كافة المواد بعد أن كان عددهم خمسة مدرسين فى العام الماضى.
وقال لى أحمد عجيب العسكرى رئيس المجلس المحلى للسويس أنه تم لأول مرة اعتماد تخطيط السويس، وتحديد منطقة التعاون الإسكانى، وستمنح كافة التسهيلات لإقامة 4 آلاف مسكن، بأسعار رمزية، وهذا المشروع يتعاون فيه المواطنون من أبناء السويس، وسيمنحون قروضا تشجيعية، لتعمير السويس.


ويقول المحافظ.. إننا نواجه مشاكل النصر، الإسكان.. والتعمير فى السويس.. وإعادة الحياة إلى ما كانت عليه وعلى أفضل صورة، فمشكلة الإنارة تحتاج من الجميع إلى التعاون..
فالشبكة الداخلية للتيار الكهربائى ضعيفة لقدمها إلى جانب المناطق العمرانية الجديدة مثل حى فيصل، تحمل على كابلات قديمة، ولن يتم تغييرها إلا بعد ثلاث سنوات.
وسوف تصبح السويس عام 2000، أى بعد ثلاثة وعشرين عاما، ثالث مدينة بعد القاهرة والإسكندرية وستضم مليون نسمة، منهم 400 ألف عامل، وستصل حدود المدينة إلى قرب منطقة عجرود، وسيكون منتصف المدينة.. هى منطقة فيصل الحالية.
وهناك الكثير من المشروعات لتحدد معالم الأمل فى حياة السويس.. وليس ذلك بالمستحيل فقد عبرت مصر حاجز.. الهزيمة.. إلى النصر الكبير.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2