بالأمس: أنكرت هزيمة أكتوبر.. واليوم: تنكر تبعيتها لأمريكا!

بالأمس: أنكرت هزيمة أكتوبر.. واليوم: تنكر تبعيتها لأمريكا!حرب اكتوبر

كنوز أكتوبر17-10-2022 | 08:41

بعد إعلان البيان المشترك الأمريكى – السوفيتى، بشأن تسوية النزاع العربى – الإسرائيلى مباشرة، ثارت إسرائيل، وقالت كلاما كثيرا فى رفض هذا البيان، أهمه أن الولايات المتحدة لم تستشرها قبل الاتفاق فى نص البيان، مما يجعلها دولة تابعة، وهى ليست كذلك!!

وأنها قد تقرر إعلان حالة الطوارئ وتدعو إلى تشكيل حكومة اتحاد وطنى، ومثل هذا القرار يعتبر توطئة لإعلان الحرب!!

قالت إسرائيل هذا الكلام وهى تتجاهل متعمدة:

أولا: تبعيتها للولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

ثانيا: عجزها عن خوض الحرب إذا لم تضمن المعونة العسكرية.. والمعونة المالية أيضا.

وتجاهل إسرائيل واقعها، ليس جديدا.. فهى بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، زعمت أنا ما أصابها فى بداية الحرب كان نتيجة للمفاجأة، وليس لسبب آخر، وأنها لو لم تكن فى إجازة «عيد الغفران» لحققت النصر الذى حققته فيما بعد!! منذ اللحظة الأولى، كما زعمت فيما بعد أنها قادرة على مواجهة العرب عسكريا، حتى لو لم تقدم الولايات المتحدة أية معونة حربية لها.. وهى بذلك تريد أن تنفى «تبعيتها» للمساعدات الأمريكية!

فهل هذا صحيح؟

فى المذكرات التى نشرها «موشى ديان» من أقل من سنة فى باريس، تحدث بصفته وزيرا للدفاع أثناء حرب 1973، عما أسماه «المفاجأة»، فأوقع نفسه فى تناقض ساذج، حينما أكد مرتين أن المفاجأة لم تكن مفاجأة.. وأن الحرب كانت متوقعة وأن توقعها بدأ منذ أواسط شهر سبتمبر.. أى قبل نشوب الحرب بنحو عشرين يوما.

فى المرة الأولى قال ديان: فى الساعة الرابعة من فجر السادس من أكتوبر استيقظت على رنين الهاتف الأحمر قرب سريرى، ولم يكن ذلك شيئا غير عادى، إذ لا تمضى ليلة دون أن أتلقى بواسطة هذا الهاتف مكالمتين أو ثلاث مكالمات، لكن هذه المرة كان الغرض من المكالمة إبلاغى معلومات وصلت حديثا تفيد أن مصر وسوريا ستشنان الحرب فى اليوم نفسه، وبعد ما تأكدت من أن الخبر أبلغ إلى رئيسة الوزراء «جولدا مائير» استدعيت رئيس أركان الحرب إلى مكتبى وحددت له الساعة السادسة موعدا، ورجوت مرافقى إبلاغ كبار الموظفين فى وزارتى.

وأضاف ديان:

الخبر كان موثوقا، وكان علينا أن نتحرك بسرعة وكان أمامنا أربع مشاكل أساسية، تعبئة الاحتياطى وتعزيز الجبهة واحتمال القيام بهجوم جوى وقائى وإجلاء النساء والأطفال من مستعمراتنا فى الجولان، وتوجيه إنذار إلى كل من مصر وسوريا والمشكلة الأخيرة كان لها جانبان:

الأولى أن يؤدى تحذيرنا إلى حمل الدولتين العربيتين على العدول عن الهجوم !!

والثانى إذا ما قررا المضى فى خططهما تعرف واشنطن من المسئول عن الحرب، وبالتالى نضمن دعمها.

فى مكان آخر من المذكرات، قال موشى ديان:

لقد رفضت فكرة الهجوم الجوى الوقائى، وتعبئة القوات الاحتياطية بأكثر مما يلزمنا للدفاع المباشر؛ لأننى كنت أخشى أن تؤدى هذه الإجراءات إلى حرماننا من الحصول على الدعم الأمريكى الكامل.

ولأن فى إمكاننا تعبئة القوات اللازمة للهجوم المعاكس خلال بضع ساعات بعد بدء الهجوم العربى وبعد توضيح الموقف من واشنطن، على هذا الأساس نقرر فى اجتماع مجلس الوزراء تعبئة العدد الذى طلبه رئيس هيئة أركات الحرب من القوات الاحتياطية، وهو يتراوح بين 100 ألف و120 ألف فرد على الأكثر من الجيش النظامى، وعدم القيام بهجوم جوى مفاجئ.. وإجلاء النساء والأطفال من مرتفعات الجولان، وإرسال تحذير إلى مصر وسوريا بواسطة الولايات المتحدة، وكان السبب فى هذه الإجراءات أنه إذا ما نشبت الحرب فعلا نستطيع الإجابة عليها بتعبئة كثيفة.. وإذا ما كانت مساعدة الولايات المتحدة مطلوبة، فإن علينا أن نقدم لها الدليل القاطع على أننا لسنا نحن الذين نريد الحرب، حتى لو أدى ذلك إلى استبعاد كل عمل وقائى!

ثم أضاف ديان قائلا:

إذا كان العرب قد قرروا الحرب فعلا، فإن مهمتنا أن نكون مستعدين لتلقى الصدمة وعلينا أن نتصرف بحيث تكون كل طائرة وكل دبابة وكل جندى فى الموقع المقرر (إننا لن ننطلق من الصفر)، فالطيران قد يجيئ فعلا بنسبة 100%، وكان لدينا على الجبهة المصرية 275 دبابة، و12 بطارية مدفعية، و8500 مقاتل، وعلى الجبهة السورية 18 دبابة و11 بطارية مدفعية و5000 مقاتل وكان الجيش فى حالة طوارئ منذ اليوم السابق – أما خطط الطوارئ، سواء للدفاع أو للهجوم، فقد كانت معروفة ومقررة من خلال المناورات السابقة، وقد وزعت قواتنا على الجبهتين، بحيث تحتوى الهجوم المعادى، وبدأ الطيران منذ الظهيرة بجولات استطلاعية، وقد تمت تعبئة الاحتياطى بسرعة كما تم استدعاء عشرات الآلاف من المقاتلين.

ماذا يعنى هذا الكلام؟

يعنى أولا أن الحرب لم تكن مفاجئة، خلافا لما ادعت إسرائيل فيما بعد، وأنها لم تأخذها على حين غرة إلا بشكل محدود جدًا، وقد قال ديان نفسه: لقد فاجأنا الهجوم المصرى والسورى، لكنه كان متوقعا.

وكانت المفاجأة هى أن إسرائيل توقعت أن يبدأ الهجوم فى الليل، فإذا به يبدأ فى الساعة الثانية بعد الظهر!

أمر آخر، وضحه ديان، حينما قال: إن إسرائيل لم تعتد خوض حرب يملك العدو المبادرة فيها، وأن الموقف كله كان متناقضا مع طبيعتنا ومع البناء العضوى لجيشنا، لأن القوات الاحتياطية هى أساس جيشنا، وكان على هؤلاء أن يقفزوا خلال أربع وعشرين ساعة من المكاتب، ومن مقاعد الآلات الزراعية إلى ساحة الحرب.

وقد ساق وزير الدفاع الإسرائيلى هذا الإيضاح ليبرر الهزيمة الساحقة التى لحقت بقواته بعد فترة وجيزة من بدء العمليات الحربية، فهو حينما قال إن الطيران الإسرائيلى قد يجيئ بنسبة 100% قبل نشوب الحرب، وأنه يقوم بجولات استطلاعية، وحينما أكد أنه كان ل إسرائيل على الجبهة المصرية 275 دبابة وفى مكان آخر 300 دبابة، و12 بطارية مدفعية و8500 مقاتل نسى أن يقول إنه لم يكن لمصر دبابة واحد ولا مقاتل واحد على الضفة الشرقية لقناة السويس، وكان بينها وبين هذه الضفة مياه القناة، والساتر الرملى وخط بارليف.

صحيح أن ديان حاول فيما بعد التقليل من أهمية خط بارليف، لكن الصحيح أيضًا أن إسرائيل أنفقت على تحصين هذا الخط مليارات الليرات ووصل الغرور بها ذات يوم إلى المجاهرة بأنه لا قوة تستطيع اقتحامه، فلما سقط الخط بعد ست ساعات فقط من القتال، حاولت إسرائيل التنكر له، وعجزت فى الوقت نفسه عن تبرير قدرة القوات المصرية على إقامة عشرات الجسور على طول القناة، وعبور مياه القناة بسرعة قياسية، ونقل قوات كثيفة إلى الضفة الشرقية رغم أنها لم تكن تملك شيئا على تلك الضفة!

مع هذا اعترف ديان بأن خطة مواجهة المصريين التى حسب فيها حساب كل الاحتمالات قد تم وضعها فى شهر أبريل سنة 1973 ويومها استعجل موعد تشكيل وحدات مدرعة وقوات مشاة آلية إضافية وشراء دبابات ومدفعية رصد لها 17 مليون دولار، كما أعطيت معلومات مفصلة لقبائل المنطقتين الشمالية (سوريا) والجنوبية (مصر) لمواجهة مختلف الحالات المحتملة مع تدعيم القوات المرابطة على خط الجبهة فى الجنوب بقوات نظامية دون تعبئة الاحتياطى، وكذلك تدعيم خط الجبهة فى الشمال بعدد محدود من القوات الاحتياطية وفى الساعة الثانية عشرة من يوم الغفران (السادس من أكتوبر) كان كل شىء جاهز للعمل.

أين هى المفاجأة أيضًا.. إذا كانت إسرائيل قد أنهت استعدادات المواجهة، قبل ساعتين كاملتين من بدء القتال؟

بل أين هى المفاجأة إذا كان موشى ديان يفسر بأن معالم التوتر على الحدود السورية كانت واضحة منذ الثالث عشر من سبتمبر، حينما اشتبكت الطائرات السورية بالطائرات الإسرائيلية، وحينما عقدت هيئة أركان الحرب اجتماعا طارئا فى الرابع والعشرين من الشهر نفسه أكد فيه قائد المنطقة الشمالية لخشيته من هجوم مفاجئ يشنه السوريون على مرتفعات الجولان، وحينما قال ديان نفسه تعقيبا على ذلك كنت متأكدا من وجوب أخذ هذا الاحتمال بأقصى الجد.

أكثر من هذا، أبلغ ديان هيئة أركان الحرب – فى اجتماع الرابع والعشرين من سبتمبر – أنه إذا كان السوريون يستعدون لهجوم مفاجئ، وعلى نطاق واسع فإن الموقف سيكون مقلقا، وعلى هيئة أركان الحرب أن تدرس فورا ما يجب اتخاذه من احتياطات، إذ لو توصل السوريون إلى اجتياح مستعمراتنا الزراعية فى الجولان، فسيؤدى ذلك إلى كارثة لا مثيل لها.

ثم قال: فى الرابع من أكتوبر وردتنا معلومات تدعم احتمال قيام المصريين والسوريين بهجوم شامل، فقد بدأ الروس ينقلون أسرهم جوا من القاهرة ودمشق، لذلك قررت فى الخامس من أكتوبر إعلان حالة الطوارئ القصوى فى الجيش، وكان الطيران فى حالة طوارئ مستمرة، كما طلبت خطوطا هاتفية مباشرة مع مساعدى الأساسيين فى الوزارة، وأكدت على هؤلاء بوجوب قضاء إجازة العيد فى بيوتهم، وفى الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والأربعين أبلغت رئيسة الوزراء بالمعلومات الجديدة، وبالإجراءات التى اتخذناها لتحسين حالة استعداد، وألغينا إجازات العسكريين، وراقبنا التدابير لتعبئة القوات الاحتياطية عبر وسائل الاتصال العامة وهى أكثر سرعة من الدعوات الفردية السرية.

وانتهى ديان إلى القول:

وفى مساء ذلك اليوم – عشية يوم الغفران – رصد رئيس هيئة أركان الحرب ورئيس المخابرات الموقف على الجبهات كما يلى: يحتل المصريون والسوريون مواقع صالحة للدفاع بقدر صلاحيتها للهجوم، لكن فى اعتقادنا أن الهجوم غير محتمل، وإذا ما بدت الحرب قريبة فسنتلقى تقارير جديد من عملائنا، وفى هذه الحالة فقط نقرر دعوة القوات الاحتياطية واتخاذ الإجراءات اللازمة.

وأعرب رئيس هيئة أركان الحرب عن اعتقاده بأن المصريين قد يفتحون النار ويحاولون القيام بعمل ما، لكن من غير المحتمل أن يتواصلوا إلى عبور القناة بأعداد كبيرة.

إذن.. لم تكن القضية قضية مفاجأة.. إنما كانت قضية سوء تقدير.. ف إسرائيل كانت تتوقع الحرب، وكانت تستعد لها، لكنها لم تكن واثقة من أن القوات المصرية والسورية تستطيع أكثر من فتح النار، والتقدم بأعداد محدودة من قواتها، فلا تلبث القوات الإسرائيلية أن تحتويخا وتصدها!

هذه هى الحقيقة التى تعمدت إسرائيل إخفاءها.

فقد كانت تستهين بقدرة مصر وسوريا على شن الحرب، وعلى اجتياز قناة السويس ومرتفعات الجولان، فلما فوجئت بالهزيمة، نسبت السبب فيها إلى المفاجأة وإلى الهجوم الغادر فى يوم اتحاد اليهود واتجاههم إلى الصيام والصلاة، بحيث يسود الصمت البلاد ويتوقف كل عمل!

وقالت إن قوات الهجوم المصرية كانت تضم 100 ألف مقاتل مقابل 8500 مقاتل إسرائيلى وكأن المائة مقاتل انتقلوا فى الدقائق الأولى إلى الضفة الشرقية وكانت قوات الهجوم السورية تضم 45 ألف مقاتل مقابل 5000 من المشاة الإسرائيليين!

وكانت دهشة الإسرائيليين بلا حدود عندما اضطروا للاعتراف بأن المصريين استطاعوا حتى منتصف ليل اليوم الأول نقل 300 دبابة إلى الضفة الشرقية مقابل 300 دبابة إسرائيلية كانت جاهزة للعمل، و30 سلاحا مضادا للدبابات فى الكيلو متر الواحد، وأن الإسرائيليين على خط الجبهة كانوا يقاومون بنسبة واحد إلى عشرة!

بيد أن موشى ديان اعترف فيما بعد، أن إسرائيل كانت تواجه يوم ذاك ثلاث صعوبات الأولى هى كثافة القوات المعادية المزودة بسلاح يتراكم منذ ست سنوات وكأن إسرائيل لم تتسلح ولم تضاعف من قواتها وأسلحتها وأن الجيشين المصرى والسورى ليسا الجيشين اللذين عرفناهما فى حرب 1967، بل بضمان قوات جيدة، تستخدم سلاحا جيدا وتقاتل بكفاءة، الصعوبة الثانية أن جهاز العدو للدفاع الجوى المزود بصواريخ أرض جو، بالإضافة إلى صواريخ سام 6 بطرح مشكلة خطيرة لسلاحنا الجوى ما دام لم يستطع التغلب عليه، لأنه يصبح عاجزا عن دعم دباباتنا وعن تدمير الدبابات المعادية، والصعوبة الثالثة هى أننا مضطرون فى الوضع الذى نحن عليه إلى حماية حدودنا بقوات محدودة!

أين ذهبت إذن الإجراءات التى اتخذت منذ الثالث عشر من سبتمبر حتى الخامس من أكتوبر، والتى حملت رئاسة أركان الحرب وديان نفسه على التأكيد بأن المصريين عاجزون عن عبور قناة السويس!

وعلى أن أكثر ما أثار قلق إسرائيل هو أنه عندما أبلغ سفيرهم فى واشنطن الحكومة الأمريكية بأن العرب قد بدأوا هجومهم، تلقى الجواب بأن معلومات واشنطن، على حد قول العرب تؤكد أن إسرائيل هى التى بدأت الاعتداء.

لماذا كان قلق إسرائيل بسبب هذا الرد..؟

نجد الجواب فيما سبق ل موشى ديان أن صرح به، وهو أنه عارض القيام بهجوم جوى وقائى لكى لا تحرم إسرائيل من الدعم الأمريكى.

أى إن إسرائيل رغم كل ما لديها من سلاح، ورغم كل ما تزعم من انتصارات، لا تستطيع أن تحارب وحدها – وهو أمر معروف على النطاق العربى والدولى – ولا تستطيع الاستغناء عن دعم الولايات المتحدة.. وهى بذلك تعترف بطريقة غير مباشرة بتبعيتها للحكومة الأمريكية.

فهل مثل هذه الدولة تستطيع إعلان حالة الطوارئ لترفض البيان المشترك الأمريكى السوفيتى؟ وهل تستطيع أن تفرض على واشنطن استشارتها قبل اتخاذ قرارها؟ وهل تستطيع من ثم إنكار تبعيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة؟!

إن الذين سمعوا التصريحات الإسرائيلية فى أعقاب صدور البيان المشترك ضحكوا وقالوا: إن إسرائيل قد خرجت عن طورها وفقدت صوابها.

لكن بالرغم من هذا يجب التأكيد على مبدأ ثابت لا يتغير، وهو أن مفتاح الحل لا يزال فى يد الدول العربية وأنه لولا هذا الواقع لما كان البيان المشترك وبدون هذا الواقع ما أسهل أن يفقد البيان المشترك فعاليته وكذلك ما ينتظر أن يتبعه.

أضف تعليق