أهمية هذا الكتاب أنه لكاتب إسرائيلى كبير هو «زئيف شيف»، عضو رئاسة تحرير هاآرتس.. يكشف فيه أسرار انهيار قادة إسرائيل.. ومنهم ديان.. الذى طلب من القيادة ترك الجرحى الإسرائيليين ليقعوا فى الأسر فى قبضة القوات المصرية، وكيف أشاد الكاتب الإسرائيلى رغما عن أنفه بالجندى المصرى، وسلاح المهندسين المصريين، ونواحى القصور التى كشف عنها بالنسبة للجيش الإسرائيلى.
كتاب «زلزال فى أكتوبر»، أو حرب عيد الغفران من إعداد الكاتب الإسرائيلى «زئيف شيف»، عضو رئاسة تحرير جريدة «هاآرتس»، والمتخصص فى الشئون العسكرية، وقد صدر هذا الكتاب باللغة العبرية لأول مرة فى مايو 74، ثم أعيد طبعه بعد ذلك.
فما الجديد الذى أضافه هذا الكاتب الإسرائيلى، وما هى الخفايا التى انزاح عنها الستار والتى لم تنشر من قبل؟
الكتاب فى حوالى 400 صفحة، ومن جزأين.. ويبدأ الكتاب على هيئة يوميات، وبالرغم من حذر الكاتب فى سرد الوجه الآخر للمعركة، ومحاولته إضفاء صورة البطولة على الجندى الإسرائيلى، فإنه لم يستطع أن يخفى حقيقة بسالة الجندى المصرى، والسورى، خلال المعارك، وكيف تغيرت صورة الجندى المصرى تماما عما كانوا يتصورونها داخل إسرائيل خلال الحروب السابقة.
فقد ذكر «زئيف شيف» فى كتابه، صورا رائعة لبطولة الجندى المصرى، وبراعة التكتيك الحربى المصرى، وامتياز التخطيط للقادة المصريين خلال المعارك، وهو من خلال سطور كتابه يوجه النقد العنيف للقادة الإسرائيليين الذين طغت خلافاتهم الشخصية على أخطر المواقف التى كان يتعرض لها الجنود الإسرائيليون.
ويقول «زئيف شيف» فى مقدمة كتابه: «لقد امتنعت – بقدر الإمكان – عن أن أكون قاضيا وأوزع النياشين، فهذه المهمة ستبقى حتما للمؤرخين، وحاولت بقدر الإمكان الاعتماد على المادة الأصلية – تسجيلات صوتية للقادة، التقطت أثناء المعارك، ووثائق من أنواع مختلفة، وجزء من التفاصيل، وكذلك مقتطفات من التسجيلات، تنشر لأول مرة فى هذا الكتاب، وهناك تفاصيل أخرى كثيرة كانت بمثابة مادة خلفية، ولكن لم يحن الموعد لأن ترى النور، لأسباب تتعق بتبريرات الرقابة وأسباب الأمن».
وتمتاز يوميات «زئيف شيف» بأنها تضم بجانب سرد الوقائع تعليقات وقصصا هامة، يهمنا أن نستخلص منها روعة الإنجاز الكبير الضخم الذى تم فى حرب السادس من أكتوبر بشهادة الأعداء أنفسهم.
فيقول «زئيف» فى يوميات أول أكتوبر 73: «فى قناة السويس يبلغ جندى ملاحظة، «العريف تسفى بيتان» عن حركة كبيرة من الجيش المصرى على مقربة من القناة، وعن نقل قوافل زوارق ووسائل عبور، ويكرر بلاغاته عدة أيام، ويرد قائده: هل بصرك ضعيف؟.. هل ترى الشىء اثنين؟
ثم يتعرض الكاتب الإسرائيلى إلى كل الشواهد التى كانت تؤكد أن مصر وسوريا تستعدان لشن الحرب، ولكن ديان وزير الدفاع لا يصدق التقارير ويقول: إن المصريين سيكشفون أنفسهم، ويوجد عندنا ما يقولون: نتمنى أن يأتوا، ويروى زئيف، أن المخابرات الإسرائيلية، والأمريكية لم تكتشف أن السادات والأسد يعدان فى تلك الاجتماعات التى عقدت فى أغسطس، الفصل الأخير من خطتهم العسكرية، تأمين الجناح الأردنى، فهذه الفكرة لا تأتى على بال الخبراء على الإطلاق.
ويستطرد الكاتب الإسرائيلى قائلا بالحرف الواحد: «إن حرب يوم الغفران هى أول حرب خطط فيها العرب، بصورة أساسية، جاهدين على ألا يتركوا شيئا للصدفة، وهذه المرة كانت ميزة المبادرة والمفاجأة للاستراتيجيين العرب».
وحلل الكاتب الإسرائيلى الخطة المصرية لعبور القناة، وأسلوب الخداع، فقال: إن خطة الخداع المصرية والسورية لم تكن لتنجح لو لم يحافظ جيدا على سر موعد الحرب، فى سوريا عرف ثلاثة أشخاص فقط بهذا الموعد، وهم: الرئيس الأسد، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، وحتى رئيس العراق لم يبلغ بأمور واضحة بالنسبة لقرار شن الحرب.
لقد كانت خطة الخداع العربية متكاملة، وتحققت كما ينبغى، وهذه المرة تغلب المكر العربى على الفطنة والريبة اليهودية.
ويجيب «زئيف شيف» فى كتابه «زلزال فى أكتوبر» عما حدث داخل إسرائيل، وفى الجبهة الجنوبية «سيناء» وفى الجبهة الشمالية «هضبة الجولان»، ويكشف الكثير من الأسرار، وخاصة الأحاديث التى دارت بين القادة، فى غرف العمليات، ومراكز القيادة، واستغاثات الجنود الإسرائيليين فى مواقع خط بارليف، أمام هجمات المصريين الضارية.
ويكشف «زئيف» مدى البلبلة، والحيرة التى وقع فيها قادة إسرائيل، أمام المعلومات التى تشير إلى احتمال قيام المصريين بهجوم ويصبح جندى التحويلة فى التليفون فى غرفة عمليات رئيس أركان الحرب «أيها القائد.. لقد فتحوا النار.. السوريون.. وكذلك فى القناة».
ومع المساء يبعث وزير الحربية المصرى، بتقرير إلى السادات عن نجاح المرحلة الأولى من العملية، مرحلة العبور، فيرد السادات بسرور قائلا:
- عبرت الأمة العربية حاجز الخوف.
ويخصص «زئيف شيف» فصلا كاملا عن المخابرات الإسرائيلية، يتحدث فيه عن فشلها، وأن ما حدث فى أكتوبر 73 ليس الحادثة الأولى، فقد فشلت فى عام 48، وفى بداية عام 60 عقب اشتباكات على الحدود مع سوريا، وعملية انتقامية ضد قرية التوافيق فقد أرسلت مصر جيشا إلى سيناء، وفوجئت إسرائيل، واستمر «زئيف» يحصى أخطاء وفشل المخابرات الإسرائيلية ويندد بها، واستشهد أيضا بكلمات وزير الخارجية الأمريكى دكتور كيسنجر حيث قال:
- إن المخابرات عرفت الحقائق، ولكنها شغلت بالتصورات.
لقد أراد القدر أن يسخر فى عام 73، فقد كرر نفس الحكاية التى وقعت عام 67، إلا أن الممثلين قد استبدلوا أدوارهم، ووقع جنود إسرائيل فى الفخ.
ويقرر الكاتب الإسرائيلى حقيقة، ويعترف ببراعة سلاح المهندسين فى الجيش المصرى فيقول:
«وفى الليل أقام المصريون مزيدا من الكبارى على القناة، إن أفراد المهندسين فى الجيش المصرى، يقومون بعمل جيد.
كيف انهار ديان؟
ويكشف «زئيف شيف» فى كتابه «زلزال فى أكتوبر» أسرار اللحظات التى انهار فيها موشيه ديان وزير الدفاع، خلال الـ 48 ساعة عقب عبور القوات المصرية لقناة السويس، واحتلال الكوماندوز.
السوريين «لمنطقة الحرمون» وفى غرفة العمليات فى القيادة الجنوبية (سيناء) يقول ديان للعميد جونن قائد الجبهة الجنوبية:
- هذه حرب صعبة، وليست اشتباك حدود.. يجب الانسحاب إلى خط ثان.. إلى الجبال.. والتحصن هناك.
ويقول ديان لجونن ومساعديه:
- من الواضح أن تعطى الأولوية لداجانيا وطبرية، وعيمن حايرون، أما سيناء فهى ليست هامة هكذا، عشرون كيلومترا أكثر، 40 كيلو مترا أقل، إنها أقل أهمية بكثير من الشمال، ستحصلون على معاونة جوية، أكثير بكثير من اليوم، ولكن صباح غد فقط.
ومرة أخرى يتحدث ديان عن ضرورة الانسحاب والتثبيت فى خطوط أخرى، ويقول:
- يجب ترك خط الماء والانتقال إلى خط العرض، بالمدرعات الموجودة، وبما سوف يصل، يجب ضربهم، ليس هناك ما يمكن أن نبنيه على المواقع، وخسارة أن يقتحموا إلى هناك، ليس من المنطقى أن يقتحموا إليها، إنى لا أرى أن الموقف سوف يتغير، أن يحاول الرجال فى المواقع الاقتحام فى الليل.
ويسأل أحد الضباط:
ماذا بشأن الجرحى فى المواقع؟
فيرد ديان قائلا:
الأصحاء هم الذين يحاولون اجتياز الخطوط.. الجرحى!.. لا خيار.. يقعون فى الأسر..
ويسود الغرفة هدوء رهيب، ويضيف وزير الدفاع قائلا:
- ما قلته هذا هو نصيحة على مستوى وزارى، ومن الواضح أنه يجب تنسيق الأمور مع رادو.
وهذه القصة التى أوردها «شيف» فى كتابه، يكشف فيها مدى انهيار القادة إثر زلزال أكتوبر، وكيف أن وزير الدفاع حاول أن يتخلى عن الجرحى فيقعوا فى قبضة الجيش المصرى، بل ويطلب أن تتراجع القوات الإسرائيلية إلى الخط الثانى، ويروى «شيف» أيضا قصة أخرى لانهيار ديان، ومحاولته الهروب من المعركة، بعد أن أصبح الموقف عسيرا فى الجبهة السورية، وجبهة سيناء، فيقول لجولدا مائير رئيسة الوزراء:
- جولدا.. بكل الصدق والصداقة، إذا كنت تعتقدين أن هناك أحدا يستطيع أن يؤدى وظيفة وزير الدفاع أفضل منى فلتكلفيه بذلك.
ويبين «شيف» على لسان أحد القادة الإسرائيليين كيف إنهم كانوا يعيشون فى وهم، عندما أيقظهم زلزال أكتوبر، قال هذا القائد بعد أن عبرت القوات المصرية خط بارليف، وأنزلت بالقوات الإسرائيلية خسائر رهيبة.. «ليس هذا جيش سنة 67 المصرى»، فقد أشاد بالتكتيك السريع الذى استخدمه المصريون فى هجماتهم البرية، وبأسلوب هجوم جديد، اتبعه المصريون فى مجال السلاح الجوى.
فكانت الطائرات المصرية تنقض على الأهداف الإسرائيلية بالعشرات، ففى إحدى الطلعات المصرية، وصل عدد الطائرات إلى ستين طائرة.. للتغلب على التفوق لسلاح الطيران الإسرائيلى.
ويضطر «زئيف شيف» إلى أن يروى قصة اللواء المدرع بقيادة عساف ياجورى، الذى ابتلعته صواريخ جنود المشاة فى دقائق.
ويصف «شيف» هذه الحرب، بأنها مطاردة أكثر منها قتالا حقيقيا، وتبدأ المطاردة عقب قصف مصرى شديد، إن إصابات المدفعية المصرية جيدة جدا.
ويقول «شيف» واصفا المعركة:
«الوضع معقد جدا، على حافة القناة، جهود تخليص أفراد الحصون المحاصرة ينتج عنها قتلى كثيرون، ويزداد عدد القتلى كلما ازدادت محاولات الاقتحام، ونموذج ذلك جهود إنقاذ أفراد الحصن عند كوبرى الفردان، لقد أصيب قائد الحصن بإصابات بالغة وقطعتن يده فى القتال، وأصيب نائبه.
ويبعث قائد اللواء المرابط فى مواجهة الحصن بثلاث سرايا لإنقاذ الرجال، سرية تلو الأخرى، ولا تصل واحدة منها إلى هدفها. وتصاب فى هذا الجهد حوالى 40 دبابة إسرائيلية وحوالى 50 من أفرادها ما بين قتلى وجرحى، وفى النهاية يقع الحصن فى يد المصريين.
ومن بين 16 حصنا مجهزا بالأفراد على طول القناة، يقع ويستسلم 9 حصون وآخرها حصن اللسان استسلم بعد أسبوع و6 من الحصون يتم إخلاؤها وإنقاذ أفرادها والباقى، عند الساحل، يصمد حتى النهاية.
وكتاب «زلزال فى أكتوبر» الذى كتبه «زئيف شيف» على هيئة يوميات منذ قيام الحرب فى السادس من أكتوبر حتى يوم 25 أكتوبر 1973، يحاول فيه تسجيل خلفيات المعارك من وجهة النظر الإسرائيلية، ويحاول أن يضفى بعض البطولات على الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا فى المعارك، ويسرد بعض القصص والحكايات التى تكتشف كيف أصيبت الشخصية الإسرائيلية بشرخ كبير، فهو يقول بالحرف الواحد:
الذين فقدوا أسماءهم
«هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى، يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين هكذا، مصابين بصدمة القتال، إن معظم مصدومى القتال، فى الأيام الأولى، فى مرحلة الصد، عندما كان الرجال يفقدون الاتصال بوحداتهم، وهناك أيضا المحاربون مع أطقم لم يعرفوهم على الإطلاق، مئات المصابين بهذه الصدمة، ومعظمهم يكفيه النوم والراحة لمدة 24 ساعة ثم يعودون للمعركة، وآخرون يحتاجون إلى علاج نفسى، هناك من نسوا أسماءهم ومن يجب تحويلهم إلى المستشفيات».
فمثلا..
فى فرقة (برن) يفقد طاقم إحدى الدبابات قائدهم، الذين تدربوا معه، وعملوا معه طوال سنوات، وعندما يحضرون جثته إلى محطة التجميع، يصعد الدبابة قائد جديد، رجل احتياط، وفى خلال حوالى ساعة يلقى مصرعه هو أيضا، ويعودون مرة أخرى، ولا يصدق الرجال فى محطة التجميع أعينهم من مشهد الدبابة وهى عائدة للمرة الثالثة، وهى تحمل معها هذه المرة أيضا جثة القائد، ويرفض أفراد الدبابة العودة إليها، فالطاقم مذهول، بحيث لا يستطيع القتال.
وتعرض «زئيف شيف» لكل المعارك الحيوية، التى دارت خلال أكتوبر 73، مثل معركة الدبابات الكبرى وخطة الثغرة، أو خطة الغزالة التى اقتحمت فيها القوات الإسرائيلية القناة، وكيف تكبدت إسرائيل أكبر وأضخم خسائرها من القتلى والمعدات فى محاولة لكسب دعاية سياسية، ورفع الروح المعنوية المنهارة، لجنود إسرائيل، ثم معركة السويس التى أحبطت كل محاولات إسرائيل لحصار الجيش الثالث.
ويذكر «شيف» أن زلزال أكتوبر قد أفقد اليهود كثيرا من تقاليدهم فى المعارك، مثل ترك قتلاهم وجرحاهم فى الميدان دون حملهم، وأصبحت الأسطورة القائلة، بأن الجيش اليهودى لا تجرفه عوامل الفساد والتلوث الأخلاقى لا أساس لها.
لهذه الأسباب لم يعدد الكاتب الإسرائيلى نواحى القصور فى الجيش الإسرائيلى فيذكر منها:
- القصور فى حالات الاستعداد للحرب.
- الانحلال والتلوث الأخلاقى فى محيط الجيش والقادة، خاصة بعد حرب الأيم الستة.
- التعالى الذى عاش فيه القادة بعيدا عن الشعب.
- تكالب الضباط على الوظائف المدنية والأعمال السياسية وتركهم خدمة الجيش.
- سياسة «تصلب الشرايين» الروتينى التى أصبحت تسيطر على الجيش.
- عزوف الكثير من الآباء عن إلحاق أبنائهم بالجيش.
- إهمال الجيش نواحى التقدم العلمى والتكنولوجى، فى وقت ينمو فيه الجيش فى الجانب الآخر.
- ضعف مستوى المخابرات الإسرائيلية، حيث لا تعلم ما يدور فى المحيط الآخر.
- انعدام الإحساس وعدم التنازل عن مفهوم أن العرب لن يجرءوا على مهاجمة إسرائيل.
- أخطاء الساسة الإسرائيليين وعدم تقديرهم للأمور منذ قيم العرب بطرد الخبراء الروس.
- الاستهانة بالقوات العربية وإرسال عدد ضئيل من الدبابات لصد الهجوم العربى.
- أصبحت إسرائيل الآن لا تستطيع أن تدمر العرب، ولكن يمكنها أن تستنزفهم..
واستخلص «زئيف شيف» من خلال تحليله ليوميات زلزال أكتوبر، بالنسبة للجانب العربى رأيه بأنهم قد استفادوا كثيرا.
- نجحوا فى الاستخدام الإلكترونى الحديث والتقدم التكنولوجى لاستخدام العتاد الحديث.
إن كتاب «زئيف شيف».. زلزال فى أكتوبر من الكتب الإسرائيلية التى يمكن أن نستخلص منها الكثير، مثل إصرار الخطط الإسرائيلية العسكرية على الالتفاف حول الجيش المهاجم، وطعنه من الخلف، كما حدث فى كل الحروب السابقة.
كما يعتبر هذا الكتاب وجهة نظر للجانب الإسرائيلى فى حرب أكتوبر.