لقد صدرت عشرات الكتب الأوربية والأمريكية لإلقاء المزيد من الأضواء على زلزال يوم السادس من أكتوبر، الذى هز البناء العسكرى، والسياسى، والاجتماعى داخل إسرائيل، ومن الدراسات التى صدرت فى مكتبة أكتوبر دراسة للكاتب الألمانى ايريش هلمنسدورفر بعنوان «العبور العظيم.. الروح المصرية الجديدة»، ما الجديد الذى أضافه هذا الكاتب؟..
ويحاول الكاتب الألمانى ايريش هلمنسدورفر فى كتابه العبور العظيم.. الروح المصرية الجديدة، البحث عن إجابة سؤال مهم، هو كيف فعل المصريون ذلك؟!
لقد تناول مضمون كتابه من زاوية الجوانب الإنسانية للأحداث السياسية والعسكرية، واستشهد المؤلف بكلمات الرئيس السادات عندما عرقل الإسرائيليون مساعى كيسنجر نحو السلام فقال:
إننى لا أشعر بالرعب أو الخوف، ذلك لاقتناعى غير المزعزع بما يلى..
أولا:
أنه لا يوجد طريق واحد فقط، عندما يريد المرء أن يصل إلى هدف.
ثانيا:
فى القرارات التى لها صلة مباشرة بالحرب أو السلام، لا ينبغى لأى قائد يحمل المسئولية ويؤمن بقدسية الحياة أن يضيع أية فرصة بدون استفادة أو يترك أى مجال بدون دراسة.
ثالثا:
لقد أكدت منذ اليوم الأول الذى توليت فيه مهام منصبى أننى لا أتأثر بظروف شخصية، وأننى مستعد دائما لتجربة أى شىء، يبدو لى أنه طريق يؤدى بنا للوصول إلى أهدافنا وإذا توقفت جهودنا لأى سبب، فأنا لا أعتقد هذا بمثابة النهاية، كما أنى لا أسمح بأن يمس شىء كبريائى، كنت أومن ومازلت أفعل هذا.. بأن كبريائى تكمن فى الوصول إلى حقوق بلدى وشعبى.
وحاول المؤلف أن يبحث عوامل التغيير السيكولوجى للنفسية المصرية من الكبوة إلى العبور العظيم، وانتهى إلى أن الشرق عالم آخر.. فهو أرقى، وأعمق شعورا، وأوضح تعبيرا، ولعل هذا هو أعجوبة القاهرة فى مواجهتها للأحداث ببساطة، ولعل هذا ما يلفت الأنظار إليها، والرجل الذى قرر أن يهجم فى السادس من أكتوبر 73.. هو محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية.. فمن هو؟
منوفى فى المقدمة
ويستعرض المؤلف حياة رجل منوفى فى المقدمة، ويحلل أثر البيئة على شخصية الرئيس، وقصة كفاحه الوطنى حتى انتخب رئيسا للجمهورية، ويقول المؤلف ايريش هلمنسدورفر، أن كلمة «منوفى» مصطلح يسمى به سكان محافظة المنوفية، الذين يتميزون خصوصا بالمهارة، والمكر فى اللعب بالأوراق غير المكشوفة، وهم فى الوقت نفسه متزنون يحققون الوصول إلى هدفهم بهدوء، ولكن فى سرعة البرق يلقون بالورقة الرابحة التى يكسبون بها، ولقد أظهرت سياسة السادات فى حرب أكتوبر هذه الخصائص بوضوح تام، وإذا كان جمال عبد الناصر هو أول مصرى فى التاريخ يحكم مصر، فإن السادات هو أول رئيس يفخر بأنه فلاح والسادات يعتبر نفسه واحدا من أفراد الشعب بدون أى تحفظ.
وفى السنوات بين 67 و1970 كانت جميع المقاصد فى مصر موجهة إلى تضميد الجروح، بينما كان الإسرائيليون يرفضون أية تسوية وأية وساطة وأصبح الوضع ميئوسا منه «لا حرب ولا سلم»، وهنا اقترب موعد الانفجار، وأعلن السادات أن عام 71 هو عام الحسم، ولكن الظروف لم تساعده على ذلك، وقد كشف ذلك فيما بعد، وهو أن السوفيت قد توقفوا عن إمداده بالأسلحة، وقطع الغيار.
وفى 13 أبريل سافر عزيز صدقى رئيس الوزراء حينئذ إلى موسكو لإجراء مفاوضات وكان من المقرر أن يبقى هناك أسبوعا، ولكنه عاد إلى القاهرة بعد 48 ساعة فقط، وبعد 17 يوما أبعد السادات المستشارين العسكريين السوفيت ومعهم عائلاتهم وفى صمت وعجلة غادر 39 ألف شخص البلاد.
وأخذ الشعب المصرى يصغى ويقول: لابد أن يكون السادات واثقا من نفسه تماما ولأول مرة أظهر الإنسان الشرقى أن قفازه الحريرى يخفى تحته قبضة حديدية.
** ويحلل المؤلف ايريش هلمنسدورفر الوضع فى نظر السادات عندئذ كما يلى: «الولايات المتحدة الأمريكية هى حامية إسرائيل، والنفوذ الصهيونى قوى هناك، بحيث انقطع الأمل فى أن تمارس أمريكا نفوذها فى الضغط على إسرائيل لإجبارها على الانسحاب من المناطق العربية التى تحتلها، وليس أحب للسوفيت من بقاء الأزمة كما هى وتركها تتضخم، وتخشى القوتان العظميان أن تتورطا فى حرب الشرق الأوسط وتريدان منع ذلك بأى حال من الأحوال، ولقد استنتج الرئيس السادات أن البيان الذى صدر بعد مؤتمر القمة بين برجنيف ونيكسون يعنى أن القوتين العظمييين تريدان البقاء فى الشرق الأوسط.
ملاحظة هامة
وتناول المؤلف تفاصيل الخدعة العالمية التى قام بها المصريون استعدادا لعبور القناة، بعد أن خدعوا كل مخابرات العالم، وحلل شخصية الزعماء العسكريين الذين اشتركوا فى هذه الخطة التى بهرت العلم من دقة التدريب والثقة المتبادلة بين الجندى المصرى وقادته، والتناسق الهرمونى بين كل أسلحة الجيش فى لحظات الصفر.
ثم يصرح المؤلف بملاحظة هامة قائلا: إنه لابد أن يدون تاريخ حرب أكتوبر 73، إذ مازالت أغلب المصادر صعبة المنال، وفى كثير من الأحيان تكون غير معروفة تماما ويكرر المصريون دائما القول بأن الوقت لم يحن بعد لكشف أسرار الحرب.
لماذا يتحدث المصريون عن انتصار أكتوبر؟
أين يكمن «النصر» بالنسبة للمصريين؟
ويستطرد ايريش فى إجابته قائلا:
إنه يكمن فى أنهم قد نجحوا فى فرض إرادتهم على العدو وعبورهم لقناة السويس ويكمن النصر عند المصريين أيضا فى أنهم حطموا أسطورة إسرائيل التى لا تقهر فى منطقة الشرق الأوسط والنصر عند المصريين هو أنهم أثبتوا خطأ نظرية «الحدود الإسرائيلية».
لقد تفجر الوضع الذى ظل جامدا عشر سنوات، وحل التطور محل الركود والسير قدما إلى الأمام.
l إن كتاب «الأيام المؤلمة فى إسرائيل» للكاتب الفرنسى جان كلود جييوه، وكتاب «العبور العظيم» لايريش هلمنسدورفر.. إضافة جديدة إلى مكتبة أكتوبر، وأهمية هذه الكتب التى تصدر بين الحين والآخر، لكتاب غربيين، أنها تلقى المزيد من الأضواء على هذا الحدث الكبير، لقد كان عبور السويس.. بعثا للروح المصرية الجديدة وإجبارا للعالم كله على احترام العرب.. وتكريس الجهود لإحلال السلام فى هذه المنطقة الخطرة من العالم.
تم النشر فى السنة الأولى – العدد الثامن والأربعون – الأحد 25 سبتمبر «أيلول» 1977 – 12 شوال 1397