بحث علمى إسرائيلى يقول: إن نتائج حرب أكتوبر 1973 أثبتت فشل الحكومات السياسية فى إسرائيل فى ضمان وجودها، ولأن الفشل فى إسرائيل يعنى النهاية، فقد اختار الإسرائيليون "مناحم بيجين"، ليشكل حكومة عسكرية تضمد جراح إسرائيل، وأثبتت الانتخابات الأخيرة أنهم هناك لا يريدون غير العسكريين..
تحليلات كثيرة ظهرت فى إسرائيل، وفى العالم عقب فوز كتلة "ليكود" الإسرائيلية، وزعامة "مناحم بيجين" فى الانتخابات الأخيرة.
ذهب البعض فى تحليلاتهم إلى أن ما حدث فى إسرائيل ليس سوى رغبة فى التغيير.. بعد أن أثبت حزب العمل فشله فى إدارة إسرائيل وأنه نتيجة طبيعية لفشل إسرائيل فى حرب أكتوبر.
والبعض الآخر رأى أن فوز "ليكود" استمرار للتفاوض على الطريقة الإسرائيلية وهى الدخول فى المفاوضات بالتطرف فى التشدد، مما يسهل لهم إعطاء أقل التنازلات، والحصول على أكثر المكاسب..
أما الجديد فهو تبرير آخر لفوز "ليكود" من داخل إسرائيل عبر عنه البروفيسور "إسحاق جلمور" الأستاذ بقسم علوم الدولة اليهودية بالجامعة العبرية فى محاضرته التى ألقاها فى معهد "ليفى أشكول" للدراسات الاجتماعية التابع للجامعة العبرية بالقدس..!
إذ يرى الدكتور "جلمور" أن فوز "ليكود" ليس بالفعل إلا نتيجة طبيعية ل حرب أكتوبر 1973 ولكن من وجهة نظر مؤداها أن حرب أكتوبر أثبتت فشل الجهاز السياسى الإسرائيلى، فى التصدى للامتحان الرهيب فى أكتوبر 1973 حين كان الأمر يتعلق ببقاء دولة إسرائيل ووجودها، وأن إسرائيل ثبت أنها بحاجة ملحة إلى حكومة عسكرية قوية تستطيع أن تقول رأيها بصراحة أمام العالم..
وكما فرضت حرب أكتوبر على المنطقة مؤتمر جنيف وإمكانية النجاح فيه، وكما يستطيع الزعماء العرب أن يقولوا لا تنازل عن شبر واحد.. رأى الإسرائيليون أنهم فى مواجهة مؤتمر جنيف الذى فرضته حرب أكتوبر، وما تبعها من استراتيجية عربية ناجحة يحتاجون إلى زعامة عسكرية تستطيع هى الأخرى أن تقول لا تخلى عن شبر واحد.
ويستطرد الدكتور "جلمور" فى محاضرته قائلا: إن إسرائيل استمرت منذ قيامها إلى حرب يونيو 1967 تعتمد على زعامات عسكرية لضمان وجودها، وبعد انتصارها في يونيو 1967 وفشلها فى فرض وجودها على العرب بالقوة تحولت إسرائيل من قيادة الزعامات العسكرية إلى الزعامات السياسية، أو بمعنى آخر حاولت إسرائيل تسييس زعامتها، وتسييس وجودها بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع، وظهرت حكومة جولدا مائير كحكومة سياسية، وإن كان بها بعض الجنرالات فإن هذه السيدة – يقصد جولدا مائير – استطاعت تسييسهم.. ثم يضيف الدكتور جلمور:
إلى أن جاءت حرب أكتوبر لتهدم هذه المفاهيم ولتعيد من جديد إلى أذهاننا، وأهدافنا حكومة عسكرية تحقق استراتيجيتنا العسكرية.. ثم يضيف الدكتور جلمور: لعلها حقيقة بديهية أن تتلخص الاستراتيجية الأساسية لأية دولة فى تحقيق الأهداف القومية، وضمان الحصول على المطالب الحيوية لأفرادها مع الأخذ فى الاعتبار بحقائق الوضع المجردة لهذه الدولة، وعند تطبيق هذه العوامل على الوضع الإسرائيلى نجد أن أهم حاجتين حيويتين ل إسرائيل ولأى بلد آخر هما ضمان دوام وجوده، وأن يعيش بعيدًا عن أى خطر – أو بمعنى آخر يحقق الأمن، وفيما يتعلق بهذا المطلب بالنسبة ل إسرائيل نجد "بن جوريون" يقول فى كتابه "أمن إسرائيل وعلاقاتها الدولية": يجب ألا ننسى، ولو للحظة واحدة أن مشكلة أمن إسرائيل تختلف اختلافا تاما عن مشكلة أى بلد آخر.. فإنها ليست مشكلة حدود أو سيادة بل مشكلة وجود مادى بالمعنى الحرفى لهذه الكلمة..
ومن هنا نستطيع أن نستنتج نتيجتين منطقتين كما يقول المحاضر:
الأولى:
أن طبيعة الخطر مضافا إليها انعدام التوازن فى مساحة الأرض، وعدد السكان بين العرب، واليهود.. ذلك الانعدام الذى سيزداد على مر الزمن تجعل الحل الوحيد السليم للمدى الطويل أن تتوصل إسرائيل فى آخر الأمر إلى تسوية سلمية نهائية مع جيرانها..
النتيجة الثانية:
هى أنه وإن كانت التسوية السلمية تنطوى عادة على حل وسط، وتنازلات من كلا الطرفين كافية لجعل الاتفاق ممكنا.. فإن إسرائيل نظرا لطبيعة ما تسميه بالخطر العربى.. لا تستطيع أن تجازف إلا بعرض أقل التنازلات، وذلك مما سيعتبره العرب غير كاف.. خصوصا بعد انتصارهم فى حرب أكتوبر 1973، وانتظارهم لنتائج هذا الانتصار، ولقد بلوروا هذه النتائج فى الانسحاب الإسرائيلى الكامل من الأراضى المحتلة فى 1967، وإقامة دولة للفلسطينيين.
وإذا كانت إسرائيل ترى فى ذلك تنازلا كبيرا من جانبها، فالدلالة الواضحة هى أنه ليس هناك حل وسط يمكن أن يقبله الطرفان، والنتيجة التى يؤدى إليها ذلك هو قيام أحد الطرفين بفرض تسوية بالقوة، وذلك يتوقف على تحقيق تفوق استراتيجي وعسكري، وربما كان التوصل إليه ممكنا بطريقتين:
1- بنصر عسكرى سريع، وقد استنفدت حرب يونيو 1967 إمكانية ذلك، وأثبتت بطلانه.
2- بتحسن عظيم فى الكم، والنوع فى القوة العسكرية من جانب واحد.. لا يستطيع الخصم أن يباريها، ومن جانب إسرائيل يتطلب الأمر وجود حكومة عسكرية ترهب العرب، وتستطيع أن تفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة أو تتنازل أقل التنازلات إذا ما فرض عليها أن تذهب إلى جنيف..
ويضيف البروفيسور الإسرائيلى:
إننا يجب أن نذهب إلى جنيف لكى نمنع سخطا عالميا على دولة إسرائيل، وفى نفس الوقت كان يجب ألا نذهب إلى هناك بحكومة متآكلة مهلهلة.. أكلتها خلافات فردية، وفضائح متتالية.. ثم يقول:
وعلى المستوى الداخلى يجب أن نعد أنفسنا إعدادا كاملا، ونترك وراء ظهورنا الزعامات السياسية التى تنتج عنها تقسيمات سياسية للمجتمع.
إننى لا أريد أن أرى المجتمع الإسرائيلى منقسما إلى فئات (عمالية ومدنية، ودينية)، بل أفضل أن يكون مجتمعنا منقسما بين رقباء فى الجيش ونقباء.. مجتمع كله عسكرى تقوده حكومة عسكرية، خصوصا فى هذه الظروف العصيبة من تاريخنا.. التى تحتم علينا الانتقال من حكومات سياسية أو شبه عسكرية – كما فى حكومة رابين– إلى حكومة عسكرية خالصة كما فى حكومة بيجن الحالية.
تم النشر فى السنة الأولى – العدد التاسع والثلاثون – 24 يوليو (تموز) 1977 – 8 شعبان 1397 – 10 قروش