تعالوا نزرع أرض السويس

تعالوا نزرع أرض السويسزراعة

كنوز أكتوبر22-11-2022 | 15:09

استيقظ نزلاء مستشفى السويس العام فى أحد الأيام على شيء غير عادى يحدث داخل المستشفى، حركة دائبة هنا وهناك.. عمال وعاملات النظافة انتشروا داخل العنابر.. مرور الأطباء اليومى على المرضى يتم فى الموعد المحدد بالدقيقة والثانية.. وجبة الإفطار تقدم فى أنية أكثر نظافة.. كميات الطعام مالت إلى الزيادة قليلا.. حتى الممرضات اتسع حجم الابتسامة فوق شفاههن أكثر من المعتاد.

ماذا جرى؟..

سؤال يتردد فى همس بين المرضى.. سألوه بألسنتهم.. ويسألونه بنظراتهم التى لا تخلو من دهشة.. وبدأ بعضهم يخمن الإجابة.. قال أحدهم: من المحتمل أن يزور المستشفى أحد كبار الشخصيات اليوم.. وقال آخر: أعتقد أنه المحافظ.. وقال ثالث: يمكن شخصية كبيرة من وزارة الصحة فى مصر.

ومع مرور الوقت ثبت خطأ كل هذه التخمينات.. ووضح أن الأمر أبسط من ذلك بكثير..

إن ما حدث كان نتيجة لتقرير رفعه الطلبة من شباب السويس إلى مدير المستشفى ثم إلى محافظ المدينة ويتضمن حالة العمل داخل المستشفى بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات.

وفى أمسية من أمسيات رمضان عقد محمود أبو حسين محافظ السويس اجتماعا عاما ضم كل الأطراف.. المدير.. والأطباء.. والممرضات والعمال.. كما ضم بعض أهالى المدينة.. وعلى الملأ نوقشت بنود التقرير بندا بندا.. وانتهى الاجتماع بعد أن اتخذت عدة توصيات تم الاتفاق عليها من الجميع.. ومن ثم بدأت الخدمات داخل المستشفى تأخذ صورة أفضل.. سواء كانت خدمات علاجية أو خدمات خاصة برعاية المرضى وتقديم التغذية المناسبة لهم والاهتمام بنظافة المبنى والعنابر.. إلخ.

ولكن ما هى قصة هذا التقرير؟ وما علاقة طلبة وطالبات السويس بالمستشفى؟..

فى الحقيقة ترجع بداية القصة إلى أعوام مضت وبالتحديد بعد حرب 1967 حينما هاجرت الأسر بأبنائها من المدينة وانتشروا فى مختلف محافظات الجمهورية..

وبعد حرب أكتوبر.. وبعد أن انتصرت المدينة المناضلة التى توجت بصمود انتصار مصر والعالم العربى كله.. عاد الشباب إلى مدينتهم.. وأدركوا بحسهم أن الجهود التى تبذلها الدولة لإعادة الحياة على أرض السويس مهما بلغت من قوة فإن المدينة بحاجة ماسة إلى سواعد أبنائها وتضافر جهودهم، لإعادة النبض إلى كل مرفق من مرافقها وكل منشأة من منشآتها.. ونظم الشباب أنفسهم تحت إشراف مكتب رعاية الطلبة وبدأوا انتشارهم فى مختلف المواقع بهدف الإصلاح.. ليس إصلاح ما أفسد العدوان فقط.. ولكن أيضا لمحاربة كل السلبيات الموجودة بالمدينة.. ومن هنا تحددت مجالات أنشطتهم خلال الإجازة الصيفية..

عند مدخل مدينة السويس.. تلاحظ على جانبى الطريق مجموعة من الأشجار مازالت صغيرة.. تصحبك من المثلث ولا تفارقك إلا وأنت على مشارف المدينة.. هذه الأشجار تبلغ من العمر شهرين فقط.. أى أنها غرست فى بداية شهر يوليو الماضى حيث بدأ عمل الطلبة والطالبات فى مشروع التشجير بالمدينة وهو واحد من مشروعات كثيرة يقوم بها الشباب خلال الإجازة الصيفية لتجميل مدينتهم.. ومشروع التشجير يشمل أهم المناطق فى السويس وقد انتهى الشباب من العمل فى جزء منه ومازال العمل جاريا فى أجزاء أخرى..

وحتى الآن تم تشجير طريق السويس وبور توفيق بأكثر من 300 شجرة كما تمت زراعة الأحواض الموجودة على جانبى الطريق..

وأصبح من المألوف وأنت تسير فى شوارع المدينة أن تشاهد جماعات الشبان يحفرون بالفئوس بينما تقوم الفتيات بتثبيت الشجرة داخل الحفرة وحاطتها بكميات الطمى والمياه.. العمل يستغرق من المجموعة المخصصة للتشجير وعددها 85 شابا وفتاة النهار كله..

اعتاد الأطفال أن يلتفوا حول الشباب وهم يعملون.. واعتاد الشباب الاستعانة بهم فى ملء أوعية المياه لتغذية الأشجار الوليدة.. وكأن الشباب دون أن يشعر أراد أن يغرس فى نفوس الأجيال الجديدة حب الحياة والنماء مع كل عود أخضر.

شقة لكل مدرس

من بين مشاكل السويس وربما من أهم المشاكل فى الوقت الحالى.. مشكلة التعليم.. فبعد عودة المهاجرين إليها واستئناف الحياة فيها بدأت المدارس تفتح أبوابها للطلبة من جديد.. ولكن عدد المدرسين بالنسبة لعدد الطلبة قليل جدا.. والسبب أزمة المساكن والإقامة.. لدرجة أن المحافظة قررت منح الإجازة الأسبوعية للمدارس يومين بدلا من يوم واحد وذلك نتيجة لأن معظم المدرسين يأتون إلى المدينة من الخارج ويقيمون فى أحد الأندية أو إحدى الاستراحات ثم يغادرون المدينة فى نهاية الأسبوع مما يضيع على الطلبة ثلاثة أيام تقريبا كل أسبوع.. وكما يقول إبراهيم أبو هاشم رئيس مكتب الطلبة، جاءت نتائج الشهادات العامة فى السنتين الماضيتين سيئة للغاية.

ولكن الشباب لم يقفوا مكتوفي الأيدى أمام المشكلة إذ وضعوا ضمن مشروعاتهم فتح فصول تقوية للطلبة والطالبات.. يقوم طلبة الجامعات بتدريس كل المواد لتلاميذ المراحل الثلاث (إبتدائى – إعدادى – ثانوى) حتى إذا ما استقبلوا العام الدراسي الجديد كانت لديهم حصيلة تؤهلهم لبدء الدراسة ناقشوا المشكلة مع المحافظ واستطاعوا أن يحصلوا منه على وعد بتشجيع كل مدرس يأتى إلى السويس.. وفعلا وعد المحافظ بتقديم العون ومنح أى مدرس يأتى للعمل بالمدينة شقة فورا من مساكن المدن الجديدة التى أقامها جهاز التعمير هناك.

* تقول التقارير إن نسبة التعمير فى بور سعيد كانت 7.5% وفى الإسماعيلية كانت 35%، أما فى السويس فإنها بلغت 80%، هذه حقيقة وجد الشباب أنفسهم أمامها، وتقدموا فى شجاعة لمواجهتها.. بقلوب نقية وجهود مخلصة، بعضهم رفض الذهاب إلى المصايف وبعضهم كان يستطيع أن يسافر إلى أوروبا كما يفعل الكثير من الطلبة فى فترة الصيف، ولكن شباب السويس أثر أن يقضى إجازاته فى السويس.. مدينتهم المناضلة.. يحولون صحراءها إلى جنة خضراء ويعيدون إليها نبض الحياة ويمسحون بأيديهم الطاهرة ما علق بوجهها من آثار المعارك.

تم النشر فى السنة الأولى – العدد الثالث والخمسون – الأحد 30 أكتوبر «تشرين أول» 1977 – 18 ذو القعدة 1398

أضف تعليق