الطبيعة فى خطر!.. لكن هناك أكثر من حل

الطبيعة فى خطر!.. لكن هناك أكثر من حلتغير المناخ

كنوز أكتوبر10-11-2022 | 19:58

ألا تستحق الأرض التى نعيش عليها بذل الجهود المكثفة من أجل حمايتها من التدهور والدمار؟ وهل نضحى بكل شىء من أجل التقدم والتكنولوجيا؟ وهل تتحقق نبوءة ليوناردو دافنشى المتشائمة حين قال: "لن يبقى شىء على وجه الأرض أو تحتها أو فى المياه دون أن يشتعل أو يدمر"؟

إن الأرض لن تنجو من الدمار إذا استمر الإنسان على هذا المعدل من الإسراف والتبذير فى الموارد الطبيعية، ف الطبيعة ليست كنزا أبديا لا يفنى، والموارد سوف تنفد إذا لم تتخذ الإجراءات السريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فالبيئة بما تشمل من كائنات حية وهواء وماء وأرض تأثرت كلها بالتلوث ويظهر بشكل خطير فى الدول الصناعية والمدن المزدحمة بالسكان، وهناك مناطق أصبحت ملوثة وسامة، فأنهار الفولجا والكاما فى الاتحاد السوفيتى أصبحت ملوثة جدا، وهناك بحيرة فى إيطاليا هى بحيرة ايريا يحظر الاستحمام فيها ويلقح كل من يستحم بمصل التيتانوس – وفى فرنسا هذا العام منعت السلطات الفرنسية الاستحمام فى 116 شاطئا لأنها اعتبرت ملوثة يحظر الاستحمام فيها، والبحر المتوسط سيتعرض لخطر التلوث خلال العشرين سنة القادمة – كذلك الموارد والخامات يجرى استهلاكها بلا حساب مثل البترول وقطع الأشجار، والنقص الخطير فى الأرض الزراعية.

أما الإنسان فأصابته أمراض كثيرة مثل الأمراض المرتبطة بالشُعب الهوائية والرئتين والنزلة الشعبية واحتقان الرئة والربو، وأخطر من هذا كله السرطان، والحيوانات الأليفة والصديقة ظهرت آثار التلوث على سلالات البقر والخيول والماعز ودودة القز والكلاب.

ومن أجل إنقاذ الطبيعة بدأت الدعوة لحماية البيئة ومكافحة التلوث الذى يتسع نطاقه يوما بعد يوم – وأصبح علماء البيئة أبطالا يحظون بالتأييد وينضم إليهم كل يوم ملايين من المكافحين والمتعاطفين وكانت دعوة ادوارد جولد سميت عالم الطبيعة البريطانى بالتغيير من أجل البقاء سنة 1972 هى المحرك والمنبه لعدة حركات بيئية فى بريطانيا وفرنسا وكندا والهند وأمريكا ومؤخرا فى الاتحاد السوفيتى.

فماذا يتضمن التقرير السنوى للأمم المتحدة الذى قدم للرئيس كارتر من العالم المصرى مصطفى طلبة عن أحوال البيئة هذا العام؟ وهل يحدث تحسن فى مجال إنقاذ البيئة والإنسان الذى يعيش فيها؟ وما هو الحل الذى يقدمه لنا علماء البيئة وعلى رأسهم ادوارد جولد سميث الذى نعرض رأيه فى هذا الموضوع؟ وما هى ملامح المجتمع الذى يدعو إليه؟ وهل هناك أمل فى إيقاف التدهور؟

تقرير الدكتور مصطفى طلبة أمام الرئيس كارتر

على مكتب الرئيس كارتر تقرير عن تلوث البيئة باسم العالم المصرى مصطفى طلبة فهو المدير التنفيذى لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والوثيقة فى 15 صفحة تعترف بوجود بعض الإنجازات التى تمت فعلا فى مجال البيئة لإيقاف التلوث البترولى للبحار وتنقية الأنهار وحماية بعض أنواع الأحياء البرية ومنع الاستعمال الخاطئ للمبيدات – إلا أن التقرير ركز على أربعة مجالات خطيرة تواجه الإنسان ومازال نشاطه فيها محدودا بالمقارنة بالخطر الذى يهدد بيئته وحياته نفسها:

1- تدمير طبقة الأوزون التى تحمى الأرض:

فطبقة الأوزون هى الستار الذى يحمى الأرض من الأشعة فوق البنفسجية للشمس وتحتوى على الأوزون الذى يحمى الإنسان وبقية الأحياء الأخرى من هذه الأشعة – ولكنها طبقة رقيقة إذا تعرضت للمواد الكيمائية فتتحول من الأوزون إلى أوكسجين عادى – وطبقا للتقرير فإن الانتشار الواسع لاستخدام الأيروسولات مثل مزيلات العرق مثلا وغيرها أفسدت فعلا 1% من هذه الطبقة وسوف تدمر 10% منها سنة 2050 ما لم يقل استخدام هذه الإيروسولات.

والتزايد فى استخدام الأسمدة الأزوتية الذى ينتشر فى الهواء يؤدى إلى تدمير طبقة الأوزون بنسبة 15%.

ولكن أكبر تهديد للأرض هو حدوث حرب ذرية عالمية لأنها سوف تدمر 70% من هذه الطبقة فى فترة قصيرة – ومعروف أن أقل زيادة فى الأشعة البنفسجية تسبب زيادة نسبة الإصابة بسرطان الجلد.

وإتلاف هذا الستار الذى يحمينا يسبب خسائر على المدى الطويل للنباتات والحيوانات ويحدث تغيرات مناخية خطيرة.

كذلك عن عوامل إفساد هذه الطبقة بنسبة 10% الطائرات الأسرع من الصوت التى تلقى بغازاتها فى الجو، ونفس المشاكل تسببها عمليات إحراق الفحم والغازات والأخشاب والفضلات بجميع أنواعها.

2- الإصابة بالسرطان:

أكثر أنواع السرطان سببها عوامل البيئة من حولنا – ففى الدول الصناعية المتقدمة الهواء الذى يتنفسه الناس ملوث والمياه التى يشربونها ومحيط العمل والمنزل والطعام وأسلوب الحياة كلها ضار بالصحة.. ففى الدول الصناعية ثبت أن عوامل البيئة هى المسئولة عن 40% من الإصابات السرطانية التى تصيب الإنسان – فقد وجد الأطباء على سبيل المثال نسبة إصابة لنوع نادر هو سرطان اللسان فى العمال الذين يتعرضون للـ Asbeston
ويرجع العلماء اليوم أن 90% من أسباب السرطان ترجع لعوامل بيئية.

3- النقص الخطير فى أخشاب الوقود:

فى حين تبدى الدول الصناعية قلقا إزاء النقص فى البترول يؤدى النقص المتزايد فى الأخشاب إلى أزمة طاقة للرجل الفقير فى الدول النامية لأنه يعتبر الوقود الأساسى فى حياته – فى الهند وفى أفريقيا الشمالية بلغ النقص لدرجة أن الأهالى يسيرون لمسافة 50 كم ليجمعوا الخشب.
كما ارتفع الثمن، ففى النيجر مثلا ارتفع الثمن لدرجة أن العامل ينفق 4/1 دخله لشراء الوقود.

وفى أماكن أخرى يؤدى قطع الأشجار لزيادة مساحات الصحراء، صحيح أن قطع الأشجار يعتبر ضرورة قصوى لسكان أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وعددهم مليار نسمة منهم يعتمدون عليه كوقود للإشعال لأغراض معيشتهم كالطهو والتدفئة، ولكنه يؤدى إلى خسائر فادحة لأنه يؤدى لفتحات الأرض وتعريضها للعواصف والسيول.

4- زحف الصحراء ونقص الأراضى الزراعية:

إن الأراضى الصالحة للزراعة آخذة فى التناقص بدرجة خطيرة نتيجة لسوء التنظيم والرى الخاطئ والإهمال ونظام الزراعة المكثفة، مما يؤدى لإتلاف الأرض وتآكلها، فالرى الخاطئ يؤدى لزيادة نسبة الملح فى الأرض ويركز فيها الماء ويقضى على 200 ألف إلى 300 ألف هكتار من الأرض كل عام.

وتضمن التقرير موضوعا قدمه الأستاذ صلاح جلال عن فقدان الأراضى الصالحة للزراعة فى مصر والسودان – وعمليات "التصحير" التى أصابت فعلا 40% من الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم.

فى مصر تم فعلا القضاء على حوالى نصف الأراضى الزراعية والأسباب كثيرة وأهمها الزيادة السكانية بمعدل 2.5 فى المائة – والتى تصل إلى 70 مليون نسمة عام 2000 فى حين يبلغ معدل الزيادة فى الثروة الحيوانية (ماعز – أبقار – أغنام) 2.9% مما يستلزم زيادة المراعى وإتلاف النباتات نتيجة مرور الحيوانات عليها وكلاهما يعرض الأرض الزراعية للتلف، كذلك عملية ميكنة الزراعة وزحف المبانى على الأرض الزراعية، ووسائل الرى الخاطئ الذى يؤدى لارتفا نسبة الملح وتركيز المياه فى التربة.

وأصبح نقص الأراضى الزراعية أخطر مشكلة تتزايد يوما بعد يوم فى الدول النامية خصوصا مع الزيادة الكبيرة فى السكان والحاجة المتزايدة للغذاء.

وقد تحركت الأمم المتحدة لحل المشكلة فعلا وتوجه نداء لعقد مؤتمر عالمى يعقد من 29 أغسطس إلى 9 سبتمبر هذا العام من أجل حل المشكلة.

وعلى رأس المنسقين للمؤتمر الدكتور مصطفى طلبة الذى يبذل جهودا كبيرة من أجل إرساء علم جديد للصحراء "Desr to lo gie" والمهم الآن هو ضرورة إيجاد حركة متكاملة مخططة منظمة للبيئة تشترك فيها دميع الدول من أجل إيقاف التدهور فى البيئة، فمكونات البيئة كل لا يتجزأ وإتلاف الجزء قد يؤدى لانهيار الكل.

- والمحور الأساسى فى هذه المشكلة هو الإنسان، وهناك خطوات فى بعض دول العالم تمت بنجاح.

ففى مجال السرطان يجرى العلماء فى الدول المتقدمة اختبارات لتحديد الخواص السرطانية للمواد الكيمائية الجديدة

فى الباكستان حوالى 23 مليون شجرة زرعت خلال شهرين.

فى الهند يتم زرع آلاف من أشجار البلح لوقف انتشار الصحراء فى راجاستان التى تبتلع كل عام 1% من أراضى الهند.

* ترى هل من أمل فى إيقاف تدهور البيئة وإعادة التوازن للطبيعة؟ لقد اتخذت معظم الحكومات الأوربية اليوم إجراءت مشددة تستهدف محاربة الوباء وتعتبر غير كافية ولكنها دليل على بداية الوعى بخطورة الموقف.

وسبب اليقظة هم علماء البيئة الذين ينبهون فى حملة مكثفة اليوم الرأى العام والحكومات للسعى لإنقاذ الطبيعة.

ادوارد جولد سميث عالم بيئة بريطانى له وثيقة رسمية اسمها "التغيير أو الفناء" ترجمت إلى 16 لغة وأصبحت الحكومات تستنجد به من أجل إيجاد الحلول لإنقاذها، مثل حكومة كندا التى استدعته مؤخرا ليضع تقريرا حول مستقبل كندا، وهو الذى ينظم لمؤتمر فى سبتمبر فى أطلانطا حول مستقبل الولايات المتحدة.

ويقول: "يجب ألا ننتظر حتى يقع المحظور"، ولا بد من اتخاذ القرارات تدريجيا والسلطات المحلية والإقليمية هى القادرة على ذلك لأنها تحتاج إلى مساعدة الجماهير لإنجاح هذه السياسة، لذلك لا بد من توزيع السلطة وتحقيق استقلال اقتصادى وسياسى فى ظل مجتمعات صغيرة..

إن التكنولوجيا لا تحل مشاكلنا الحقيقية بل تحل مشاكل علمية فقط مثل الذهاب إلى القمر، وجاء الوقت الذى نسخر فيه الاقتصاد والتكنولوجيا لخدمة المجتمع ولا بد من العودة للمجتمع البسيط.

فالتقدم التكنولوجى يؤثر فى كل ما حولنا إلا الإنسان الذى لم يستطع أن يجارى هذا التحول والنتيجة ظواهر خطيرة مثل الجريمة، تعاطى المخدرات، إدمان الخمر، انفصام الشخصية، الهمجية، وكلها ظواهر لفقدان التوازن الاجتماعى لذلك فأمامنا واحد من اثنين: التغيير أو الفناء، ولا بد من التغيير من أجل البقاء ومن أجل حماية الطبيعة، فالوقود الذى نعتمد عليه سوف يأتى وقت ينفد فيه، 12% من مساحة انجلترا بنيت أو عمرت ومعظمها من أفضل الأراضى الزراعية وبهذا المعدل الحالى فلن يبقى فى انجلترا أى أرض صالحة للزراعة سنة 2167.

والمجتمع اللاصناعى الذى ينادى به لا يتطلب نفقات كبيرة مثل عصر الصواريخ والطائرات العملاقة، فالمصلحة الأولى للإنسان واحتياجاته وبيئته، فكل إنتاج أو منفعة نحصل عليها من المجتمع الصناعى هى محاولة لتعويضنا عن فائدة طبيعية حرمنا منها، وهذا المجتمع يحل مشكلة البطالة لأنه يتطلب وحدات إنتاجية صغيرة باستثمارات غير ضخمة يتيح أكبر فرص للعمل، وهو يعيد الروابط الاجتماية والأسرية التى حرم منها المجتمع الحديث، فإذا يمكن أن تفعل التكنولوجيا لأب مدمن وأسرة مفككة، لقد عشنا عصرا سخر المجتمع لخدمة الاقتصاد والتقدم وجاء الوقت لخلق نشاط اقتصادى جديد يسخر لخدمة احتياجات الإنسان.

أما فى فرنسا فقد تفجرت قنبلة مشكلة البيئة أثناء انتخابات أعضاء المجالس البلدية الفرنسية، وتبنت إحدى المجلات الفرنسية الشهيرة هذه القضية لاستطلاع آراء الجماهير حول مشكلة البيئة فتبين أن 86.8% من القراء أكدوا أنهم مستعدون لانتخاب الأعضاء من علماء البيئة فى الانتخابات التشريعية القادمة، و80% مستعدون للانضمام معهم فى أى تجمع لحل مشاكل البيئة، وهكذا ضمن علماء البيئة تكاتف الجماهير الذين يزدادون يوما بعد يوم قبل أن تصل الانتخابات إلى ذروتها، فكثيرون يتوقعون العودة للحياة الهادئة البسيطة دون التخلى عن التكنولوجيا – ليس عن خوف من المستقبل ولكن عن اقتناع بأن أبطال علم البيئة يقدمون حلولا اقتصادية وسياسية شاملة.

وهذه ليست دعوة رجعية ولكنها محاولة للاستفادة من الأخطاء الموجودة، فمن الواضح الآن أن الكارثة التى تهددنا لن تكون مفاجأة لنا، والآمال الأخيرة لن تعتمد من الآن فصاعدا إلا على كفاءة أجهزة الوقاية وقرارات الحكومات واستخدام الذكاء البشرى فى خدمة البيئة.

تم نشر فى السنة الأولى - العدد الخامس والثلاثون - الأحد 26 يونيو "حزايران" 1977 - 9 رجب 1397

أضف تعليق