تبذل الحكومة المصرية دائمًا جهدًا مشكورًا فى سبيل أن تكون المعرفة متاحة للجميع وبأقل أسعارا ممكنة.. ففى عام 1994 انطلق مشروع مكتبة الأسرة بهدف إعادة إصدار أهم وأشهر الأعمال الفكرية والأدبية والدينية وغيرها بأسعار زهيدة فى متناول الجميع.. ومع دخول عصر الإنترنت تم إنشاء بنك المعرفة المصرى عام 2016 كأحد المشروعات القومية فى مجال التعليم والبحث العلمى ويضم عددا لا محدود من الكتب العامة، التى تعير الكتب بأسعار زهيدة.
كما تطرح كثيرا من دور النشر إصداراتها على مواقعها على الشبكة العنكبوتية ويلاقى الكتاب الإلكترونى استحسانًا لدى قطاع كبير من القراء، خاصة الشباب؛ لانخفاض سعره وسهولة الحصول عليه فى أى مكان.. هل مازالت لدينا حُجج لكى لا تقرأ؟!
بإمكانك وأنت فى سن العشرين أن تحيا خصائص هذه السن.. ولكن بتفكير من بلغ الأربعين، ويمكنك أن تدور حول العالم.. وأنت فى مكانك، بل يمكنك أكثر من هذا أن تعيش آلاف السنين، وأن تحمل العالم فى رأسك، وأن تحيا أكثر من حياة واحدة مع آلاف من الأصدقاء المخلصين لا يغضبون، ولا يعاتبون، ولا يعاندون.
فإذا كنت ترغب فى كل هذا.. فاسأل نفسك أولا.
هل أنت تقرأ؟
والإجابة تحتمل نعم.. ولا.
فإذا كانت لا.. فلماذا لا تقرأ؟ هل هو ضيق الوقت؟ أم ارتفاع أسعار الكتب؟ أم أنك لا تعرف ماذا تقرأ؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ وحتى تتحول علامات الاستفهام هذه إلى نقط على الحروف.. نلتقى بأكثر من شاب وفتاة لنسمع آراء ومقترحاتهم..
وتقول أمينة صابر الطالبة بكلية آداب عين شمس: كل إنسان يقدر وبإمكانياته أن يشترى ما يناسبه من الكتب.. وإمكانياتى لا تسمح لى بشراء معظم الكتب لارتفاع أسعارها.. ويكفينى شراء الكتب الدراسية.. وفى رأيى أن ثقافة الشباب ليست الكتب مصدرها الوحيد، فهناك الإذاعة والتليفزيون.. وهناك المجالات والجرائد.. وهى بالنسبة لى رخيصة نسبيا عن الكتب.
كما أننى لا أستطيع الذهاب للمكتبات العامة، حيث تتوافر الكتب ويمكننى استعارتها.. لأن معظم وقتى أقضيه فى المذاكرة.. وفى أثناء عطلة الصيف لا تسمح أسرتى لى بالخروج بمفردى.. ولذلك أحاول أن أثقف نفسى بما أملك من إمكانيات بسيطة..
وأما أسامة صادق، الطالب بمعهد التربية الرياضية فيقول: إن أهم مشاكل الشباب، هى مشكلة استثمار وقت فراغه فيما يعود عليه بالنفع.. فاليوم الواحد 24 ساعة.. أنام سبع ساعات.. وأعيش حائرا.. لا أستفيد من 17 ساعة كل يوم.. ولم أجد غير القراءة لتنمية عقلى وشخصيتى.. وواجهتنى مشكلة شراء الكتب.. فلجأت إلى المكتبات الخاصة بالكليات والمعاهد.. لأستعير منها ما يلزمنى.. وأهم ما يشدنى قراءة القصص، خاصة روايات نجيب محفوظ.. لأننى أرى نفسى وكثيرا من الواقع الذى أعيشه.. فى قصصه ورواياته.. لكننى لا أحب قراءة التاريخ، ولا الكتب السياسية.
ويعلق محمد أحمد، الطالب بكلية طب القاهرة: إن قراءة التاريخ شىء ضرورى والكتب الأدبية عموما، وبالرغم من أن طبيعة دراستى عملية فإن التاريخ يجعلنى أعيش عصورا ومجتمعات لم أكن أحيا فيها، وإن كنت أتخيل أننى عدت للوراء آلاف السنين وأحيا مع كل حلقة من حلقات التاريخ.. كما أننى أهوى قراءة المسرحيات، خاصة لتوفيق الحكيم.. هذا بجانب المجلات الأجنبية والأدب الإنجليزى، وقد استطعت من مصروفى الشخصى أن أكون مكتبة خاصة بى فى منزلى.. وفى معظم الأحيان أتردد على مكتبة "جون كنيدى" التابعة للسفارة الأمريكية، حيث أجد هناك ما لم أستطع العثور عليه فى أية مكتبة مصرية أخرى.. إلا أننى لا أميل إلى الكتب السياسية وإن كنت أحب قراءة المقالات السياسية بالصحف والمجلات المصرية والعربية.
أما نبيلة أرمية، الطالبة بكلية تجارة أسيوط فتقول:
بمنتهى الصراحة.. أنا لا أقرأ إلا الجرائد.. لأننى لا أستطيع أن أشترى الكتاب، وأثناء العطلة الصيفية أعود لقريتى طما بمحافظة سوهاج.. فلا أجد فى القرية أى مصدر إشعاع ثقافى.. والمكتبة العامة توجد فى سوهاج فقط وتقاليد مجتمعنا هناك تمنعنى من السفر لسوهاج للقراءة.. ومع أن طما بها ما لا يقل عن 70% من شبابها بالجامعات المختلفة.. فلا توجد بها مكتبة عامة واحدة.. ولا أية وسيلة تثقيف أخرى كالسينما أو التليفزيون.. وأنى أعتقد أن مثل هذه البلاد النائية أحق بوجود المكتبات العامة، وإلا فكيف يشغل الشباب أوقات فراغهم، فلا مانع أن تقوم إحدى العربات التابعة لقصر الثقافة بسوهاج لتصل إلى القرى المحيطة بها مرة كل أسبوعين تحمل عددا مناسبا من الكتب والمجلات.. يستعيرها الشباب لحين عودة العربة مرة أخرى وهكذا..!
فليس من المعقول أن يعيش الشباب فى مناطق نائية دون أن يجدوا ما يشغل أوقات فراغهم!!
أما ناجى حسين، مدرس الثانوى فيقول:
منذ عامين وبعد تخرجى بعام واحد اتفقت أنا وبعض الأصدقاء على تبادل ما لدينا من كتب، لنحل مشكلة ارتفاع ثمن الكتاب.. وأهم ما يشد انتباهى للقراءة كتب الدين التى تناقش بأسلوب عصرى.. مثل كتابات د. مصطفى محمود وكذلك أحب قراءة كتب التاريخ.. والرحلات.. وبعد أن أتقنت اللغة الإنجليزية بأحد المعاهد الأجنبية.. اتجهت إلى قراءة المجلات الأجنبية.. وأود أن أضيف أن المكتبات الأجنبية تتميز بالنظام والهدوء واحترام القارئ والكتاب معا.. وهذا مالا نجده متوافرا فى كثير من المكتبات المصرية..
صالون.. ولكن أدبى!
القراءة عند الشباب تختلف.. حسب نوعياتهم.. وأمزجتهم بل تؤثر فيها عوامل أخرى مثل ظروف المجتمع، ومناهج التربية والتعليم التى اهتزت فترة.. ولم يعد واضحا أمام الشباب أى الكتب يقرأ، وأدت هذه الحيرة إلى عزوف نسبة كبيرة من الشباب عن القراءة..
ويقول صلاح الشناوى، مدير قصر ثقافة مصر الجديدة: إن مكتبة القصر كانت تحتوى على 12 ألف كتاب ولم يكن يرتادها إلا عدد قليل من الشباب، والآن هبط عدد الكتب إلى 3446 كتابا.. ولكن ألاحظ ارتفاع عدد رواد المكتبة بحيث أصبح المكان يضيق بهم الآن، وإذا بحثت عن سبب هذا..
أقول: قبل ثورة التصحيح كان الشباب يخشى القراءة.. الجادة الهادفة فإذا هو يجرى وراء القصص الرخيصة.. والروايات المبتذلة وابتعد عن كتب الأدب والفلسفة والدين.. فكانت المكتبة مليئة بالكتب، وليس بها أكثر من عدد أصابع اليدين من القراء.
أما الآن.. فأجد مئات من الشبان.. ومن الجنسين يتنافسون على قراءة الكتب فيما بينهم بعد أن عاد إليهم الأمن وحرية الفكر.. ولما كثر عدد رواد المكتبة.. وجدنا أنه من الضرورى عقد لقاء دورى فى السبت الثانى من كل شهر.. يلتقى فيه الشباب أحد رجال الفكر والأدب داخل قاعة بقصر الثقافة أطلقنا عليها الصالون الأدبى، ففوجئنا بحضور عدد كبير من الشباب.. وكانت مناقشاتهم على درجة من الوعى والثقافة..
وهذا فى رأيى هو الضمان الوحيد لعدم انحباس الشباب داخل فكرة معينة، كما أن حرية القراءة دون مصادرة أى كتاب تمنع ظهور الفكر المتطرف أو المتعصب عند الشباب.. وأثناء الأمسية الأدبية يناقش الشباب بكل حرية وبقلب مفتوح.. وقد نجح الصالون الأدبى، حيث يصل عدد الحاضرين إلى 800 شاب وفتاة.
غذاء للروح
مثل كل الأطعمة، التى يمنع الطبيب مريضه من تناول بعضها؛ وقاية لصحته.. كذلك الكتب، بعضها رخيص يضر بالعقل الروح.. فكان لابد من متابعة شبابنا بدءًا من المرحلة الإعدادية؛ لأن أهم ما يواجه الشباب من مشاكل ثقافية.. أن ترتعش يداه على رف الكتب ولا يعرف كيف يختار الكتاب المناسب ولا ماذا يقرأ؟ وتقول سهير محمد أمينة المكتبة:
إن على المدرسة دورا كبيرا فى تشجيع الشباب على القراءة، مع عدم إغفال العامل التربوى بعقد الندوات والمحاضرات؛ لمناقشة بعض الكتب المهمة.
أما المكتبات العامة فلابد أن يتجاوز دور أمين المكتبة مجرد تسجيل الكتاب واسم المستعير.. فإذا عرفنا أن أول كتاب يقرأه الإنسان فى حياته يترك أثرا فى ذهنه لمدة طويلة.. أدركنا خطورة اختيار الكتاب.. ومن هنا كان لابد من إيجاد علاقة صداقة بين الرواد والمكتبة من ناحية، وبين الرواد وأمين المكتبة من ناحية أخرى.. حتى يساهم مع الشاب والفتاة فى اختيار ما يناسب العمر والعقل.
وتضيف سهير.. ورغم أننا نحاول أن نقوم بهذا الدور الذى نؤمن به.. فإننا نطالب على يسرى، رئيس مجلس الحى.. بإعطاء العناية والرعاية للحركة الثقافية بالحى بجانب اهتماماته الأخرى.. كما ندعوه لزيارة القصر والوقوف على أنشطته المختلفة؛ لتقييم الممتازين من الشباب.. كحافز على التفوق والمنافسة.. وإذا عرفنا أن حى مصر الجديدة به أكثر من مليون ونصف المليون مواطن.. وجدنا أن هناك كتابا واحدا لكل 700 مواطن تقريبا.. وهذه نسبة ضئيلة جدا.. إذا عرفنا أن أكثر شبابنا يعتمد على الاستعارة الخارجية لاتفاع ثمن الكتب.. وعدم قدرتهم المالية على شرائها.
ارتفاع أسعار الكتب خيب آمال بعض الشباب الذى يتمنى أن يدور حول العالم وهو فى مكانه.. فأصبح يدور حول نفسه لاختيار أرخص الكتب ثمنا.. ولم يبق أمامه إلا المكتبات العامة وقصور الثقافة.. التى هى فى حاجة إلى متابعة دقيقة من وزارة الثقافة.. ورعاية الشباب ثقافيا.. بالمسابقات الجادة المنظمة فليست الثقافة أقل من كرة القدم أهمية.. كل قصور..!
الثقافة باتت ضرورة لحياة المجتمع، وليست شيئا كماليا، ولا هى من الرفاهية فهى تثرى المجتمع.. وتجعل حياة الناس فيه تستحق أن تعاش.. ثم إنها تنعكس على العلاقات الأسرية فتحسنها، وتعمقها.. فما أجمل للأسرة من الذهاب إلى مسرحية هادفة، أو فيلم ممتع، أو قراءة كتاب مفيد.. وما الفكر أو الفن أو الأدب إلا وهو موجود فى صفحات الكتب.
ويقول صالح إبراهيم، مدير عام دار الكتب: هذه الدار هى مكتبة الدولة الرسمية، ولذلك فهى تأخذ 10 نسخ من كل مطبوع يتم طبعه داخل الجمهورية وخمس نسخ مما يطبع فى الخارج فى شتى أنواع المعرفة.. ولقد بلغ رصيد دار الكتب من المؤلفات الأدبية 76425 كتابا وتبلغ ميزانية الدار ربع مليون جنيه مخصصة لشراء الكتب الحديثة.
وأما عن حركة المترددين على الدار فى نصف السنة الحالية فقط فهى على النحو الآتى:
25306 طلاب "ذكور"
10036 طالبة "إناث"
10824موظفا "ذكور"
3105 موظفات "إناث"
وكل هذه الأعداد تتردد على الدار للقراءة الداخلية.. فمنذ هزيمة 1967 والدار لا تسمح بالاستعارة الخارجية، حيث إن كثيرا من الشباب قد استعار كتبا ولم يفكر فى إعادتها.. والدولة تعتبر أن هذه الكتب تراثا قوميا يجب ألا تفرط فيه..
ويضيف صالح إبراهيم.. إن الدولة بصدد إنشاء مكتبة عامة مركزية قريبا يمكن الاستعارة منها.. وبمراجعة نوعية قراءة المترددين على الدار وجدنا أن الكثيرين منهم يفد إليها لأغراض علمية ودراسية والقليل لأغراض ثقافية.. وذلك لأن الشباب يفضل الأماكن القريبة من مسكنه مثل قصور الثقافة والمكتبات الفرعية للدار وعددها 10 مكتبات موزعة على أحياء القاهرة المختلفة، وفى هذه الفروع يسمح للشباب بالاستعارة الخارجية وقد وصل رصيد هذه الفروع من الكتب العربية والأجنبية 259436 كتابا ويفد إليها كل عام 98552 شابا وفتاة، وأما عن قلة عدد المترددين من الشباب على المكتبات منذ النكسة وحتى عام 1973 فيرجع السبب فى ذلك إلى أن الشباب فى هذه الفترة كان قبل على القراءات ذات الصبغة الجنسية.. كما أن الأفلام السينمائية قد شدت عددا كبيرا من الشباب إليها وفى هذه الفترة أيضا لم يجد الشباب الجرعة الإعلامية المناسبة التى تحبب إليه الثقافة الجادة والمفيدة.
ويرجع ذلك إلى الرقابة التى فرضت على المطبوعات فى تلك الفترة.. ولكن يؤخذ على الشباب هذا التباعد.. وخلطه بين السياسة والثقافة الأدبية وهذا ما خلق لدى الشباب حالة من الفراغ والضياع وانعكست عليه هذه الحالة فترة طويلة..
ويواصل صالح إبراهيم كلامه قائلا: أما الآن وبعد أن انطلقت الحريات فى التعبير عن الرأى، ورفعت الرقابة عن المطبوعات وبدأ الشباب بوعى من انطلاقه وإحساسه بالمسئولية تجاه وطنه ونفسه وتجاه الحرية التى منحت له وتجاه تطلعهم لمستقبل أفضل، خاصة بعد الانفتاح على الخارج.. أصبح يقبل على الثقافة فى شتى أنواع المعرفة، كما نلاحظ إقباله على الكتب الأجنبية وإتقان اللغات.. ويبقى على وسائل الإعلام، خاصة الصحافة أن تساعد الشباب فى الحصول على أفضل الكتب عن طريق تلخيصها ومناقشاتها على صفحات الجرائد والمجلات بصورة شائقة وجذابة.
السنة الأولى – العدد السادس والأربعون – 11 سبتمبر (أيلول) 1977 – 28 رمضان 1397 – 10 قروش