وما زال الأخضر فى مواجهة الأصفر

وما زال الأخضر فى مواجهة الأصفرالأخضر يكسب دائمًا

كنوز أكتوبر9-6-2023 | 00:27

العالم كله الآن مشغول بالبحث عن أنسب الطرق للمحافظة على نقطة الماء، للرى أو للشرب، من أجل مزيد من الأرض الخضراء وللحد من الغزو الأصفر.. لكل ما هو أخضر..

النتائج حتى الآن.. أن "اللون الأصفر" يتقدم ليغزو "اللون الأخضر" فى جميع أنحاء العالم.. تحت سمع وبصر جميع شعوب العالم – مما يهدد حوالى 50 مليون شخص.. يعيشون حاليا فوق أراض زراعية، أو المفروض أنها زراعية ولكنها تتحول تدريجيا إلى أراض صحراوية – وأن هناك ملايين أخرى.. مهددة بغزو اللون الأصفر.

الأمم المتحدة.. ومعها كل شعوب العالم، الذى يعرف أبعاد المشكلة، تتابع المشكلة باهتمام بالغ – جندت أكثر من 1500 عالم وخبير، ومن المهتمين بالمشكلة لدراسة الآثار الخطيرة المترتبة على غزو اللون الأصفر لكل ما هو أخضر، وهؤلاء العلماء يمثلون حوالى 100 دولة تعيش معظمها المشكلة فى الخمسين سنة الأخيرة..

نحن.. والغزو..

ولأن المشكلة.. خطيرة خطيرة.. فإن الأمم المتحدة.. كلفت هذا العدد الضخم من الخبراء والعلماء لبحث المشكلة واشترك مع هؤلاء العلماء عدد من المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، حيث ثبت أن الخسارة السنوية فى الأراضى الزراعية تقدر بما يزيد على 5.7 مليون فدان من الأراضى الزراعية فى العالم.. مما يؤثر تأثيرا بالغا على الاقتصاد العالمى.. كما يؤثر أيضا على الأحوال المعيشية للمناطق التى يهددها الغزو الأصفر..

وكانت أهم الخطوات التى اتخذتها الأمم المتحدة لمواجهة هذه المشكلة الدعوة إلى عقد مؤتمر الأمم المتحدة لمقاومة زحف الصحراء.

ومشكلة الغزو الصحراوى للأراضى الزراعية، كانت طوال الثلاثين سنة الماضية محل اهتمام كبير للخبراء والعلماء المصريين الذين درسوا أنسب الطرق للغزو المضاد، غزو اللون الأخضر لل صحراء – وترتب على هذه الدراسات استصلاح مليون و300 ألف فدان من الأراضى الصحراوية، لتصبح أراضى زراعية منتجة، وتكونت نتيجة لذلك خبرات مصرية لا يستهان بها، فى مجال استصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية، ومقاومة الزحف الصحراوى..

وهناك دراسات مصرية حول أنسب الطرق لمقاومة الغزو الأصفر قام بها اثنان من العلماء المصريين المشتركين فى مؤتمر الأمم المتحدة فى نيروبى هما الدكتور محمد عبد الهادى مدير المركز المصرى للاستشعار من البعد، والدكتور عبد الفتاح القصاص الأستاذ بجامعة القاهرة، وتركزت الدراسات المصرية حول خزانات المياه الجوفية تحت أرض ال صحراء الكبرى، فى شمال إفريقيا، وفى شبه الجزيرة العربية.. ومدى إمكانية استخدام هذه الخزانات فى استصلاح الأراضى الصحراوية.. بما يمنع تقدم الغزو الأصفر..

الغزو.. بالأرقام..

وحتى نستطيع أن نتابع المعركة الحاسمة بين اللونين الأصفر والأخضر نعود إلى الأبحاث التى أجرتها الأمم المتحدة.. حول مشكلة الأراضى الزراعية التى تتحول تدريجيا.. خلال الخمسين سنة الأخيرة وحتى الآن – إلى أراض صحراوية قاحلة.. لا تصلح للزراعة.. بعد أن تحولت إلى مناطق رعى فقيرة.. فى معظم أنحاء العالم.. لا فرق بين دولة كبيرة ودولة صغيرة.. فالعالم كله يعانى الآن من هذه المشكلة.. التى تترتب على الغزو الأصفر.

ومؤشرات الغزو الأصفر، تتجه إلى منطقة الحدود الجنوبية لل صحراء الكبرى فى إفريقيا، أى المنطقة الصحراوية التى تقع جنوب ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، تتحول الآن إلى منطقة صحراوية تماما، وأن مساحة هذه المنطقة حوالى 650 ألف كيلومتر مربع، وهذه المساحة تعتبر أكبر من مساحة فرنسا، بخلاف مائة ألف كيلومتر مربع تحولت إلى أراض صحراوية فى السودان خلال العشرين سنة الماضية وهذه مساحات ضخمة.. تعتبر خسارة فادحة للاقتصاد العربى..

وإذا تابعنا نتائج الغزو الأصفر.. فى أنحاء أخرى من العالم.. فسنجد أن هناك مساحات ضخمة من الأراضى الزراعية فى شمال شرق الهند بدأت تتحول إلى صحراء.. وأن هناك حوالى 20 مليون هكتار من الأراضى الزراعية تتحول إلى صحراء فى الولايات المتحدة الأمريكية.. وأن معدل تقدم الغزو الصحراوى فى الأراضى الزرعية، عالميا، يتم بمتوسط مائة هكتار كل عام..

وأثبتت الدراسة التى قامت بها الأمم المتحدة.. أن هناك عوامل كثيرة تساعد على تقدم الغزو الأصفر.. لكل ما هو أخضر من أهمها تزايد عدد السكان والاضطرار إلى زراعة الأرض زراعة مكثفة تجهد الأرض وتحولها تدريجيا إلى أراض فقيرة لا تصلح للزراعة وبالتالى يسهل تحويلها إلى أراض صحراوية.. بالإضافة إلى زيادة قطعان الرعى، بشكل أدى إلى اختفاء أعشاب الأرض، وتحولها التدريجى إلى أراض صحراوية، مما يساعد على تقدم الغزو الأصفر..

ليست مستعصية..

ومع ذلك.. فإن المتابعة السريعة لحركة الغزو الأصفر، وتقدمه نحو الأراضى الخضراء تؤكد ما توصلت إليه الدراسات المقدمة للأمم المتحدة فى مؤتمر مقاومة الغزو الصحراوى للأراضى الزراعية، وهو أن المشكلة ليست مستعصية، لو اتبعنا الطرق الفنية لإيقاف الزحف الصحراوى، ولكن فى نفس الوقت، فإن هذه الدراسات تلقى العبء على حكومات الدول المعنية، والتى ثبت أن ال صحراء تهدد أراضيها الزراعية، ومع ذلك لا تتوافر لديها أراض زراعية، ولا الرغبة الصادقة للنظر إلى هذه المشكلة بالجدية اللازمة خاصة أن الزحف الأصفر يتقدم بشكل خطير.. ليلتهم الأراضى الزراعية، بسبب سوء الاستخدام واختفاء الغابات، وكثافة الرعى، وعدم الاهتمام بالمحافظة على البيئة الزراعية..

والتجربة المصرية.. فى هذا المجال – تجربة غنية، فكما استطعنا انتزاع مليون و300 ألف فدان من بين أنياب ال صحراء فإننا فقدنا مساحة من الأراضى الزراعية، لا تقل عن مليون فدان، بسبب تحويل الأراضى الزراعية إلى أراضى بناء، وتجريف قشرة التربة الزراعية لتحويلها إلى مواد بناء، فكأننا فى النهاية لم نستفد شيئا من ملايين الجنيهات التى أنفقت على استصلاح الأراضى الزراعية، وفى الوقت ذاته لم نحاول استغلال الأراضى الصحراوية فى إقامة المدن، ولم نحاول استغلال المواد المتوافرة فى الأراضى الصحراوية لإنتاج مواد للبناء.. ولم ننتبه إلى هذه الحلقة المفرغة التى ندور فيها إلا مؤخرا..

ولكن.. هناك محاولات جادة الآن.. لنسير فى الطريق الصحيح نحو مقاومة زحف الصحراء، والاستفادة بالأرض الصحراوية وفى نفس الوقت الاهتمام باستصلاح الأراضى الصحراوية وتحويلها إلى أراض زراعية.

واستثمارًا للخبرات المصرية فى هذا المجال.. فقد تم وضع خطة زراعية طموح تهدف إلى أن تصبح الرقعة الزراعية فى مصر 11 مليون فدان حتى سنة 2000 على أن تبدأ هذه الخطة، بالخطة العاجلة لاستصلاح الأراضى والتى ستبدأ خلال 1978 – 1980 ثم يبدأ تنفيذ الخطة الطموح.. خلال الأعوام التالية والتى تقدر من الآن بحوالى 23سنة وسوف يراعى فى هذه الخطة تشجيع الأفراد والشركات والهيئات على دخول ميدان استصلاح الأراضى الزراعية وتعميرها تمهيدًا لتوطينها.. مع اختيار الأراضى الصحراوية القابلة للزراعة والمتاخمة للأراضى الزراعية.

وقامت وزارة الزراعة باختيار 4.5 مليون فدان من 22 مليونا من الأفدنة التى سبق دراستها وتنتشر فى سيناء، وشرق القناة، وشرق الدلتا، ووسط وغرب الدلتا والساحل الشمالى الغربى، ومصر الوسطى والعليا، ومنخفض القطارة وسيوة، والوادى الجديد، وشواطئ بحيرة ناصر، ووضعت الخطة العاجلة لاستصلاح هذه الأراضى خلال الأعوام الثلاثة القادمة بحيث يضاف إلى الرقعة الزراعية الحالية 100 ألف فدان فى العام القادم، و153 ألف فدان فى عام 79، والباقى يتم استصلاحه عام 1980.

واستقر الرأى على أن تنفذ خطة استصلاح الأراضى الزراعية الجديدة على أساس مساهمة رءوس الأموال المصرية والعربية والأجنبية، إلى جانب ما تخصصه الدولة من استثمارات فى عمليات الاستصلاح ولذلك فقد تم تخصيص 150 ألف فدان لاستصلاحها بواسطة الأفراد، و155 ألف فدان تستصلحها الجمعيات التعاونية، و180 ألف فدان تستصلحها الشركات المصرية وشركات الاستثمار المشتركة، بخلاف 65 ألف فدان تستصلحها الدولة..

وتقرر أن تشجع الدولة الأفراد للمساهمة بجهودهم أو أموالهم فى عمليات الاستصلاح والتعمير والتوطين، على أن تيسر لهم الدولة سُبل الرى والصرف، حيث تقوم الدولة بتمليكهم الأرض فور استصلاحها، على أن تباع بأسعار رمزية، توازى أسعار الأراضى قبل بدء استصلاحها، وهناك اتفاقيات كثيرة تبحثها الآن وزارة الزراعة تمهيدا لتنفيذها.. من بينها مشروعات زراعية ومشروعات تصنيع زراعى.

وبالنسبة للجمعيات التعاونية.. فقد تقرر أن يسمح لها بشراء الأراضى البور واستصلاحها واستزراعها وتعميرها ثم تمليكها بالتساوى لأعضائها على اعتبار أن الجمعيات التعاونية.. ذات مقدرة تفوق مقدرة الأفراد..

q ولم تنس الدولة صغار المزارعين.. فقد تقرر تجميد مساحة 25% من المساحات التى تستصلحها الجمعيات التعاونية لتوزع بمعرفة الدولة على صغار المزارعين، وتمول الدولة ما يخص هذه المساحة من تكاليف، وتشجيعا للجمعيات الزراعية التعاونية على الجدية فى التنفيذ، فقد تقرر تخفيض ثمن الأراضى للجمعيات بواقع 10% من كل سنة تختصرها الجمعية من المدة المحددة للتنفيذ وقدرها 10 سنوات.. لإتمام عملية الاستصلاح والاستزراع والتعمير..

وتقرر أن يسمح للشركات الزراعية المصرية بالمساهمة فى عمليات التكامل الزراعى والحيوانى والتصنيعى، التى ترتبط بالأراضى المستصلحة وكذلك المشروعات المشتركة والمتخصصة فى إنتاج وتحسين البذور ومشروعات إنتاج الألبان والخضر للتصدير..

وهناك مشروعات جديدة يتم الإعداد لها الآن لكى تبدأ فى التنفيذ مع بداية عام 1980 لتعمير الصحراء.. ولوقف الزحف الأصفر على اللون الأخضر وهى مشروعات عديدة.. وتشترك شركات استثمار عالمية.. من مختلف الجنسيات بالاشتراك مع رأس المال العربى والأجنبى.. للمساهمة فى الخطة المصرية الطموح لكى يحل اللون الأخضر محل اللون الأصفر.. تمهيدا لكى ينتصر اللون الأخضر، الذى يحبه العالم – ويعيش عليه.. حتى لا يسود الجفاف.. والجوع.

ولا تزال المعركة مستمرة.. وآخر النتائج أن العالم يعيش الآن معركة ساخنة.. وعلى ضوء النتائج النهائية.. سوف يتحدد مصير العالم، هل ينتصر اللون الأصفر.. فيسود الجفاف والقحط والجوع.. أم ينتصر اللون الأخضر.. فيسود الرخاء.. والأمل.. والحب.. تحت ظلال الخضرة.. مع الماء.. والوجه الحسن؟.

السنة الأولى - العدد التاسع والأربعون - 2 أكتوبر (تشرين أول) 1977 - 19 شوال 1397 - 10 قروش

أضف تعليق