يقول «وليم غاي كار» صاحب كتاب «أحجار على رقعة الشطرنج»: «تطلب تنفيذ مخطط وايزهاوبت لتدمير الدول (Adam Weishaupt - وهو أستاذ قانون يعتنق المذهب الشيطاني) ست خطوات، هي: إلغاء الحكومات الوطنية؛ إلغاء مبدأ الإرث الحضاري؛ وإلغاء الملكية الخاصة؛ وإلغاء الشعور الوطني؛ إلغاء المسكن العائلي، كون الحياة العائلية تُبنى حولها الحضارات؛ بالإضافة إلى إلغاء كافة الأديان الموجودة، تمهيدًا لمحاولة إحلال العقيدة الشيطانية ذات الطابع المطلق فى الحكـم وفرضها على البشرية».
ولن يتم تدمير الحكومات إلا بتقسيم الشعوب، وتحويلهم إلى قطعان بشرية، والكلمتان الأخيرتان (قطعان بشرية) يطلقهما اليهود على من يخالفونهم فى الديانة.
هكذا تم التحرك بداية القرن التاسع عشر، وصولًا إلى القرن العشرين، وما زال التوجه للمناطق المستهدفة، وفق خطط متعددة فشل بعضها فى فترة من الفترات، فأُعيد صياغتها، وأعيد التحرك وفق البدائل المخططة.
الموجة التي يحاولون صناعتها من جديد، مستهدفة الدولة المصرية فى المقام الأول، ليست بالأمر المستغرب لدي، بل متوقع ما هو أكثر من ذلك، بدءًا من صناعة الأزمات، ومرورًا بصناعة الفوضى، وانتهاءً بالقضاء على الدولة الوطنية، وهنا يكون قد تم تنفيذ المخطط كاملًا.
الأمر ليس بجديد، على كل من يقرأ التاريخ جيدًا، أو يتابع الأحداث ويدققها ويعمل على تحليلها بشكل صحيح، خاصة أن محاولات هدم الدولة الوطنية بدأت منذ فترة توجه لدول المنطقة العربية، ولم تكن أحداث 2011 هي المحاولة الأولى، لكنها كانت تبعات محاولات قديمة، بدأت فى نهاية النصف الأول من القرن الماضي، ثم تجددت فى نهاية القرن الواحد والعشرين، وعندما فشلت فى بعض البلدان، خاصة فى مصر، التي تعد بمثابة عمود الخيمة للمنطقة العربية، بحسب وصف الأشقاء العرب لها.
(1)
فعلى مدى 11 عامًا تزداد حدة محاولات تحقيق أهم بند فى مخطط «آدم وايزهاوبت» لتدمير الدول بالقضاء على الحكومات الوطنية ولا تتوقف، وذلك كلما استطاعت الدول الوطنية أن تكون أكثر ثباتًا وقوة باتجاه الهدف الاستراتيجي لها، وقد حملت قوى الشر على عاتقها تنفيذ ذلك المخطط، والذي جاء على عدة مراحل ومحاور:
المرحلة الأولى: إفشال الدولة الوطنية والعمل على إسقاط مؤسساتها ليسهل عملية التقسيم.
ويتحقق ذلك بالعمل على عدة محاور:
المحور الأول: بدأ التحرك فيه عقب فشل مخطط خلق الفوضى فى الدولة بالضغط عليها من خلال المظاهرات الفئوية للضغط على الاقتصاد وخلق نموذج الدولة الفاشلة، ولم يدرك المتحركون فى ذلك الاتجاه من المواطنين العاديين أنهم مجموعة من أدوات تنفذ مخططًا خارجيا، لأنهم كانوا يظنون أنهم يحاولون الحصول على حقوقهم التي سُلبت منهم خلال الفترات السابقة.
نتج عن ذلك انهيار حجم الاحتياطي النقدي، وعدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها للمستثمرين خاصة فى قطاع الطاقة، ما دفع بعدد من الشركات العاملة فى سوق التنقيب عن البترول بالخروج من مصر فى تلك الفترة؛ وبالتبعية تزايدت حدة أزمة الطاقة فى مصر بعد عجز الدولة عن توفير الوقود لمحطات الكهرباء، وأصبح انقطاع التيار وما يسمى بتخفيف الأحمال هو الأمر الطبيعي والمعتاد، وما زالت كلمة رئيس حكومة الإخوان هشام قنديل (ممكن الناس تلبس قطن، وتقعد فى غرفة واحدة، لتقليل استخدام التكييف) عالقة فى ذهني وأذهاننا جميعًا، بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر فى فصل الصيف، مما اضطر المواطنين إلى شراء المولدات، وأدى عجز المواد البترولية أيضًا إلى العجز عن تشغيلها، بل إن غرف العمليات والرعاية المركزة بالمستشفيات قُطعت عنها الكهرباء بسبب الأزمة.
إنها عملية صناعة الدولة الفاشلة التي أسهمت فيها الجماعة الفاشية التي لا تؤمن بالدولة الوطنية.
كما تحركت الجماعة الإرهابية نحو خلق حالة من العنف، وتدمير مؤسسات الدولة بتقسيم الشعب، فكل من هو ليس معهم وهو ضد الدولة، مع خلق حالة من الإرهاب الفكري مستهدفة تنفيذ النقطة السادسة فى مخطط «وايزهاوبت» نحو تقسيم الشعوب.
المحور الثاني: استهداف المؤسسة الأمنية، للتأثير على ثقة المواطن فى قدرتها على حفظ الأمن والاستقرار، وهو ما أدركته الدولة المصرية مبكرًا وواجهته بقوة، وحرصت على دعم الأجهزة الأمنية فى تلك المواجهة وعملت على تطوير قدراتها.
وقد نجحت الدولة والأجهزة الأمنية فى التصدي لهذه التحركات، خلال السنوات الثماني الماضية، من خلال حربها ضد الإرهاب المدعوم من قوى الشر وعدد من الأجهزة الاستخباراتية الخارجية.
المحور الثالث: العمل على خلق الأزمات بين الحين والآخر، خصوصًا فى القطاعات المرتبطة بالخدمات والأمن الغذائي، والقطاعات الاقتصادية، مثل أزمة الدولار، وخلق سوق موازية للضغط على أسعار السلع ومحاولة استغلال الشركات التابعة للأشخاص التابعين والمدعومين من الجماعة الإرهابية فى احتكار السلع وتعطيش الأسواق.
عملت عناصر الجماعة الإرهابية على دعوة تابعيها إلى التحريض على عدم إيداع الدولار فى البنوك، أو التحويل من الخارج، وتقديم لبنان وما حدث بها كنموذج للأزمة، وقد أثر ذلك على حجم تحويلات المصريين خلال شهر يوليو الماضي، ثم عاودت التحويلات الارتفاع فى شهر أكتوبر ما يدل على عدم نجاح محاولات قوى الشر فى الضغط على سوق الصرف.
وقد كان لحزمة القرارات الأخيرة الخاصة بالسياسة النقدية وحرية سوق صرف الجنيه مقابل الدولار، دور مهم فى نجاح المواجهة من محاولات قوى الشر لضرب الاقتصاد، فقد ارتفع حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال أكتوبر إلى 33.411 مليار دولار، بزيادة حوالي 213 مليون دولار عن شهر سبتمبر.
المحور الرابع: التحرك نحو خلق حالة من التوتر بين المواطن والحكومة، من خلال نشر معلومات مضللة، وخلق صورة ذهنية غير دقيقة، وتشويه كل محاولات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة، من خلال الأبواق الإعلامية لقوى الشر ومجموعات الكتائب الإلكترونية التابعة لها، وهو ما ظهر بشكل كبير خلال السنوات السبعة الأخيرة، وازدادت حدته خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وعملت الكتائب على إنشاء حسابات وهمية على تويتر وفيس بوك، وتزايدت بشكل كبير عن السابق، نظرًا لانخفاض عملية تدقيق الحسابات، وهو ما تتحرك عليه عناصر قوى الشر والتنظيم الإرهابي لإظهار حالة زخم كبير حول الدعاوى المزعومة لإسقاط الدولة، لكن المدقق قليلًا فى الحسابات التي تقوم بالتعليق يجدها حسابات منشأة منذ أقل من شهرين، وبلغ حجم التغريدات الخاصة بها أكثر من 3000 تغريدة أي بمعدل 50 تغريدة يوميًا تحمل جمل وكلمات وفيديوهات سابقة التجهيز «معلبة» تمت صناعتها باحترافية تستهدف تغييب العقول وقلب الحقائق.
المحور الخامس: تقديم الصورة السلبية للدولة على أنها الصورة العامة، وتشويه الإنجازات وشيطنة النظام وكل من يؤمن بدوره فى بناء الدولة، الأمر الذي تم على مدى 8 سنوات بين ارتفاع وهبوط، وبحث عن فرصة مواتية للقذف بالدولة فى قلب الفوضى من جديد، ولكن هذه المرة يكون التحرك من قبل قوى الشر أكثر عنفًا.
(2)
المرحلة الثانية والحالية:
تستهدف تلك المرحلة القضاء على الدولة نهائيًا، فى اللحظات الأولى لصناعة الفوضى، لإعادتها إلى نقطة ما دون الصفر، وإلغاء الشعور الوطني والسيطرة على العقول تحت ضغط الأزمة، وتحطيم الثقة بين المواطن والنظام من أجل القضاء على الدولة الوطنية وتقطيع أوصالها.
ويجري تنفيذ تلك المرحلة على عدة محاور:
المحور الأول: وهو ما تحاول الجماعة الإرهابية والمدعومة من قوى الشر القيام به حاليًا للعودة إلى المشهد المصري فى ظل إدراك قوى الشر أن عبور الدولة المصرية للسنوات الثلاث الماضية قد يجعلها تعبر المرحلة الحالية والقادمة بأمان، مما سيفسد مخططات هدم الدولة المصرية؛ لذا تجري التحركات بقوة وعنف شديد، مع زيادة عدد الأبواق الإعلامية الناطقة بلسان تنظيم الإخوان الإرهابي، من قنوات فضائية وقنوات على اليوتيوب وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
المحور الثاني: تدريب العناصر على العنف وكيفية مواجهة أجهزة الدولة وتدمير المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة لإرهاق الدولة وجعلها غير قادرة على مواجهة احتياجات الشعب، فتسقط فى الفوضى وتصبح غير قادرة على الخروج منها، وهو ما حدث فى عدد من الدول المجاورة مما قد يهدد بإعلان إفلاس تلك الدول.
وقد بدأت عناصر التنظيم الإرهابي فى نشر فيديوهات حول كيفية صناعة أقنعة النينجا وكيفية التعامل مع الأجهزة الأمنية وكيفية إرباكها.
لكن التنظيم الإرهابي وعناصره والقوى الخارجية الداعمة له، لا تدرك قوة أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، وقدرتها على الحفاظ على أمن مصر واستقرارها.
المحور الثالث: محاولة استغلال الأزمات سواء الداخلية أو الخارجية والضغط على الشعوب لخلق حالة رفض زائف للأنظمة، وخلال هذه الفترة يتم العمل على نشر الشائعات والأكاذيب، وخلق وعي غير سليم لتسهيل الانقضاض عليه فى أي وقت.
الأمر الذي يجري حاليًا من دعوات تستهدف الانقضاض على كل ما تحقق فى مصر خلال السنوات الثمانية الأخيرة، من أجل إعادة الدولة إلى نقطة الصفر، وهو ما يعد محاولة يائسة من قبل التنظيمات الإرهابية للعودة للمشهد من جديد فى ظل فشل تجربة التنظيم الإرهابي فى إدارة الدولة.
المحور الرابع: إعادة تحريك العناصر الكامنة (الخلايا النائمة)، داخل المؤسسات للتحرك من خلال تعطيل الخدمات لإثارة غضب الشارع، ونشر الشائعات، وإثارة الفوضى، ولكن يكون التحرك بدفع عناصر ليس لها علاقة بالتنظيم الإرهابي، لمعرفة كيف سيتم التعامل معهم من قبل الدولة، ثم القفز على المشهد فى توقيت محدد.
إنها محاولة لإعادة سيناريو الفوضى الذي حدث فى 2011، لكن قوى الشر لم تدرك أن الشعب يعي تفاصيل مخطط الفوضى، والدولة قد قويت مؤسساتها وتم تثبيت أركانها فلم تعد كما كانت من قبل، وما حققه الشعب من نجاح كلفه الكثير من العرق والصبر ودماء الشهداء، ولن يُفرَّط فيه، ولن يهدم الشعب ما بناه على مدى 8 سنوات، فالفاتورة كانت باهظة والحفاظ عليها واجب، فإعادة بناء الدولة من جديد أمر صعب بل مستحيل.
وعي الشعب
الشعوب الأكثر وعيًا تكون هي حجر العثرة القوي الذي تتحطم أمامه محاولات تفكيك الدول، الأمر الذي يحول دون سقوط الدول فى الفوضى ويحفظ لها مقدراتها، ويخلق حالة من الأمن والاستقرار وجودة الحياة.
إن ما سطره الشعب المصري خلال السنوات الثمانية الماضية، لهو دليل دامغ على وعي الشعب وعدم تفريطه فيما تحقق وحفاظه عليه خلال الفترة القادمة وتنميته.