العدالة المناخية وحقوق الإنسان.. فصل جديد في صناعة الفوضى

قديمًا قالوا «ليس من رأى كمن سمع» ولتك المقولة قصة مفادها أنك قد تتعجب مما أقوله لك، عندما تسمعه مني؛ لكنك لو رأيت ما شاهدته عيني لكانت كلماتي أقل وصفًا لما تراه عيناك من العجب.

الأمر ليس مبالغة.. لكنها واقعة قادتني إليها الأقدار بعد أن انتهيت، يوم الثلاثاء الماضي، من متابعة الجلسات ضمن فعاليات الدورة الـ 27 لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 27»، التي تستضيفها مصر بمدينة شرم الشيخ.

فبعد يومٍ شاق من المتابعات والأحداث فى مؤتمر من أكبر المؤتمرات العالمية فى عدد المشاركين، ومع التنسيق والإعداد الرائع والإرشادات الدولية بما قامت به الدولة المصرية من أجل إنجاح المؤتمر الذي حمل على عاتقه هموم العالم فى دورته الـ 27، نظرًا لما يواجهه كوكب الأرض من مخاطر بسبب التغيرات المناخية، والتي تتفاقم آثارها السلبية عامًا بعد عامٍ.

إلا أنني وعند توجهي للخروج من المنطقة الزرقاء عبر القاعة B وعند جناح ألمانيا، لفت انتباهي ندوة عقدت حول «العدالة المناخية وحقوق الإنسان»، وذلك فى الساعة السادسة والربع مساءً ووجدت إعلان الجناح الألماني عن عقد الندوة عن حقوق الإنسان فى مصر.

جلست فى الصف الثالث فقد كان هناك مكان لا يزال شاغرًا وكان هناك عدد من الإعلاميين خاصة القنوات الأجنبية ووكالات الأنباء، التي تحضر الندوة يتوافدون على الجناح فتأكد لديّ أن هناك حدثًا مهمًا، فجلست على المقعد منتظرًا بدء الندوة فى تلك الأثناء تذكرت أنه فى فبراير 2015 أقر مجلس حقوق الإنسان بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأن تغير المناخ يؤثر تأثيرًا كبيرًا على التمتع الكامل بحقوق الإنسان، موضحًا أن تأثير تغير المناخ «يشكل تهديدًا فوريًا وبعيد المدى للشعوب والمجتمعات فى جميع أنحاء العالم».

كما أن تغير المناخ يهدد حقوق الإنسان مثل الحق فى المياه والأغذية المأمونة والكافية، والحق فى الصحة والسكن اللائق، وهذا هو سبب أهمية اتباع منظور خاص بحقوق الإنسان عند النظر فى المسألة.

لكن فجأة لفت انتباهي شاب يحمل ملامح أجنبية فى بداية العقد الثالث من العمر، جلس مندمجًا مع اللاب توب الخاص به وقد فتح مدونته الشخصية ليعد العديد من البوستات سابقة التجهيز (المعلبة) تحمل صورة علاء عبد الفتاح، وأثار انتباهي أن مصور الأسوشيتد برس طلب منه أن يمكّنه من تصوير عدد من الصور التي أعدها ل علاء عبد الفتاح قبل بدء الندوة.

هنا بدأت أدقق النظر فى المتحدثين بالجلسة بحسب البرنامج المعروض على شاشة العرض على جدار الجناح؛ لأجدهم (حسام بهجت، المطلوب على ذمة عدد من القضايا، وقد وصل إلى المؤتمر عن طريق المنظمة الألمانية (GermanZero e.V) لحضور مؤتمر المناخ بصفته مراقبًا، وسناء عبد الفتاح شقيقة علاء عبد الفتاح، المتهم فى عدد من القضايا منها نشر أخبار كاذبة، والتحريض على الجيش والشرطة، سأتعرّض لها بالتفصيل.

وقد جاءت سناء ضمن الوفد البريطاني المشارك بالمؤتمر، والأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار، والمديرة التنفيذية المؤقتة لمنظمة هيومن رايتس ووتش تيرانا حسن، ووزيرة الدولة الألمانية جينيفر مورجان. بالإضافة لمديرة الجلسة نينا لاخاني، وهي مراسلة لصحيفة الجارديان الأمريكية، والتي كانت تعمل قبل التحاقها بالصحافة ممرضة للصحة العقلية.

عدت إلى ذلك الشاب الذي يجاورني الجلوس فى تلك الندوة فوجدته منهمكًا، وعلى الجانب الآخر فتاة تعمل بشكل لافت للانتباه على هاتفها المحمول وتعد مجموعة من البوستات التي تدعو للتظاهر.

تذكرت هذين الشابين اللذين كانا بمبنى المعهد الدينى بالشيخ زويد فى يوم 1 يوليو 2015، خلال عملية الهجوم الإرهابي على عدد 15 من الأكمنة بشمال سيناء فى توقيت متزامن لإحداث ثغرة فى الأوضاع الأمنية، وخلق حالة من الفوضى والفراغ الأمني، والإيحاء بسقوط مدينة الشيخ زويد فى أيدي العناصر التكفيرية بمساعدة وسائل إعلام مناهضة لمصر.

وقد حال دون حدوث ذلك أبطال القوات المسلحة والشرطة، الذين سطروا ملحمة بطولية فى ذلك اليوم بعد أن قضوا على أكثر من 100 عنصر من العناصر التكفيرية.

فقد كانت مهمة الشابين فى ذلك الوقت هى تجهيز مواد إعلامية مكذوبة وبثها على شبكة الإنترنت على أنها من وقائع المعركة التي كانت تدور رحاها، وكانت الأخبار المنشورة والمعدة سابقًا بالصور والفيديو تستهدف النيل من الحالة المعنوية للشعب المصري.

حتى أعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة فى نهاية اليوم وبعد انتهاء المواجهة، ما تحقق من انتصار على يد الأبطال، وكشف تفاصيل المعركة التي بدأت فى السادسة و55 دقيقة صباح
1 يوليو 2015.

إنها أكبر معارك تزييف الوعي وصناعة الفوضى الجديدة من خلال قلب الحقائق، وخلق صورة غير دقيقة وترويجها للعالم على أنها الواقع.. إنها احترافية الكذب.

سريعًا عدت إلى الندوة التي بدأ التحرك نحو انطلاقها فجاء حسام بهجت بعد أن أجرى حوارًا مطولاً مع الـ BBC لأكثر من 15 دقيقة حول الحريات وحقوق الإنسان فى مصر، استمعت إليه بعد انتهاء الندوة عقب عودتي إلى الفندق لأجده زاخرًا بالكذب والمعلومات المضللة التي يحاول تدويلها فى الخارج، وتعمل مثل تلك القنوات الإعلامية على ترويجها ومساندته فى ذلك.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكن اللافت للانتباه هو تلك الشخصيات التي جاءت مع حسام بهجت وسناء سيف، فقد كانوا يحركون العناصر كالدمى على رقعة الشطرنج، وهو ما لاحظته من توجيهاتهم المستمرة خاصة لحسام بهجت الذي رافقه اثنان من العناصر الأجنبية فى تحركاته وتوجه له وسائل الإعلام الأجنبية.

بل عمل ذلك الشاب والفتاة المرافقان لحسام بهجت على تحديد مواعيد له للقاء كل من رئيس وزراء النرويج، ورئيسة المفوضية الأوروبية والمستشار الألماني ووزير خارجية إيرلندا.

وجميعها كان ينصبّ حول محاولة الاستقواء بالخارج للضغط على الدولة المصرية للإفراج عن متهم صدر ضده حكم بات بالسجن ولا تزال هناك قضايا أخرى منظورة بشأنه.

فقد عمد علاء عبد الفتاح على التحريض ضد القوات المسلحة و الشرطة بل إنه حرض على قتل أفراد وضباط الشرطة، ودعا إلى تكوين تنظيم مسلح وهو الثابت من صفحته الشخصية على مواقع التواصل وهو ما يعاقب عليه القانون.

وقد جاء رد بعثة مصر لدى الأمم المتحدة على بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان بمثابة البيان الكاشف للحقيقة.

نعود إلى المشهد فى تلك الندوة والذي جاء مبتعدًا تمامًا عن العنوان بل عما أقره مجلس حقوق الإنسان، فقد استهدفت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية والمديرة التنفيذية المؤقتة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صناعة الفوضى والتحريض عليها من خلال نشر الأكاذيب والادعاءات غير الصحيحة، بل ابتعدتا عن العدالة المناخية وحقوق الإنسان والتي حققتها مصر من خلال توفير السكن اللائق والغذاء والصحة والماء من خلال القضاء على العشوائيات ومبادرة حياة كريمة.

لقد عمد المتحدثون وعلى رأسهم حسام بهجت وسناء عبد الفتاح وتيرانا حسن وأنياس كالامار، على ترويج الكذب لخلق الفوضى مستغلين الحدث العالمي، محاولين تشويه المشهد متشدقين بالديمقراطية وهم لا يعرفونها، والدليل رفضهم للانتقاد الذي وجهه إليهم النائب عمر درويش، عضو البرلمان المصري، وكذلك المحامية نهاد أبو القمصان، والتي تقدمت بشكوى ضد إدارة الندوة للأمم المتحدة عندما رفضت إدارة الندوة أن تسمح لها بالسؤال.

إنها ديكتاتورية صناعة الفوضى والتي تعلن فصلاً جديدًا من المشهد الذي يجرى تعليبه وتقديمه للمنطقة، لكن وعي الشعوب هو حائط الصد القوي فى مواجهة تلك المحاولات.

أعود إلى ذلك المتهم الذي يقضي فترة العقوبة حاليًا ويحاول صناع الفوضى استغلال قضيته رغم ما نشرته النيابة العامة فى بيان لها، مساء الخميس الماضي، ويفند كل التفاصيل بشأن علاء عبد الفتاح ويكشف كذب شقيقته ووالدته وحسام بهجت.

وتذكرت عدد الشهداء من القوات المسلحة و الشرطة الذين رملت نساؤهم ويُتّم أبناؤهم بتحريض من ذلك السجين الإرهابي (علاء عبد الفتاح) الذي استنفد درجات التقاضي.

إن من ظهر فى الندوة من الشخصيات يكشف أن دعاة الفوضى يحاولون صناعة فصل جديد منها.

وهو ما يدعو للتساؤل، لماذا يحرص سفير ألمانيا بالقاهرة على حضور تلك الندوة بل يصفق بقوة للمتحدثين، ولماذا عراب ما سمي بالربيع العربي يعود فى المشهد من جديد خلال تلك الندوة؟!

أليست محاولات الضغط على الدول للتدخل فى شئون القضاء مخالفة للقوانين والأعراف الدولية؟!

أم أن الأمر يستهدف ما هو أبعد من علاء عبد الفتاح.. يستهدف الدولة المصرية واستقرارها، وهو ما لن يتم السماح به لأننا نثق فى وعي الشعب وقدرة الدولة على مواجهة أي محاولة للعبث بأمنها واستقرارها.

إن ظهور عناصر الخراب فى ندوة العدالة المناخية بالجناح الألماني تستوجب منا جميعًا إدراك حجم المخطط الذي يتم إعداده لإثارة الفوضى فى مصر.

نجاح مؤتمر المناخ

أدى نجاح مؤتمر المناخ إلى إصابة دعاة الفوضى بحالة من السعار، فقذفوا بعناصرهم وأربابهم إلى المشهد بدعوى الحريات وحقوق الإنسان، ونسوا أن الدولة المصرية استطاعت تحقيق ما أقره مجلس حقوق الإنسان، ليس استجابة لقراراته لكن إيمانًا منها بحقوق مواطنيها، وتأكيدًا أن هذا الشعب العظيم صاحب الحضارة
لا يزال يستحق الكثير.

لقد استطاع الشعب المصري أن يثبت للعالم أنه صاحب أعظم حضارة فى التاريخ.

أضف تعليق